أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جاسم ياسين - سلحفاة الزمن














المزيد.....

سلحفاة الزمن


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 17:15
المحور: الادب والفن
    


إلى أطراف الحقول التي تشرب الندى مثل نبيٍّ صغير،
تُبنى الأكواخُ بخشبٍ،
خشبٌ طيِّع، لكنه لا ينكسر،
مسمَّرٌ بالحكمة، مشدودٌ بالحكايات القديمة،
تتهامس جدرانه كل مساء عن فلاحٍ أحبَّ امرأة لا تجيد الحصاد،
ولكنها تضحك مثل الزهور.
الأبقار تمضغ الطمأنينة ببطء،
كأنها تفكر في شيء أبعد من العشب،
الأغنام تنام قريبة من ظل السنديانة الوحيدة،
تحتها صبيةٌ تربط شعرها بخرقةٍ زرقاء،
تمد يدها للتراب، كأنها تقول له:
أين خبأتَ قمحنا هذا العام؟
وفي زاوية الحقل،
رجلٌ يحك لحيته بسكينٍ قديمة،
ينظر إلى الأرض كما ينظر الأب إلى ابنه الأول،
لا يطلب منها الكثير،
يكفيه أنها لا تخونه في المطر.
في جهةٍ نائية،
على حافة النهر،
مالك الحزين يقف كراهبٍ في عزلة الوحي،
ينتظر السمكة التي لم تجرؤ بعد على الاعتراف بوجودها.
جفناه لا يرمشان،
وصبره يشبه الفلاحين: لا يصرخ، لكنّه لا يتراجع.
ومن هناك،
تمر سلحفاة ببطءٍ صبور،
وكأنها تجرّ خلفها ذاكرة الطين،
الزمن في الريف لا يركض،
بل يمشي حافيًا، يختبر نعومة العشب بأخمصه.
وبين الأخاديد،
رجل بيدين كالأرض،
وزوجته تغنّي أغنية لا يفهمها سوى القمح.
هي لا تقول “أحبك”،
لكنها تزرع كل يوم وتبتسم.
وهو لا يقول “أحبك”،
لكنّه لا يغادر الحقل قبلها.
الجدّة تنشر الغسيل على حبلٍ طويل،
كأنها تعلق الأيام على ضوء الشمس،
القمصان البيضاء ترفرف مثل أعلامٍ لا وطن لها،
لكنها تعرف طريق العودة كل مساء.
وفي خلفية المشهد،
يصرخ ديكٌ كأن الشمس لم تكن لتشرق لو لم يوقظها.
الدجاجات تتراكض خلفه مثل فكرةٍ قديمةٍ عن الطمأنينة،
والبيت هناك، خلف أشجار الرمان،
ينتظر دخان الموقد،
وصوت الملعقة حين تطرق حافة الطنجرة كجرسٍ ريفيٍّ خافت.
تحت النافذة،
طفل يرسم بقشةٍ مبللة على التراب،
حصانًا، وشمسًا، وربما أمّه.
حين ينتهي، ينفخ على الرسم كأنه يريد أن يُحييه.
وهكذا،
يمر اليوم على مهل،
ويُطوى الليل كما تُطوى أغطية القش،
ليبدأ غدٌ جديد،
يشبه الذي قبله،
لكن لا أحد هنا يسأم التكرار.
هكذا هو الريف:
لا شيء فيه يتكلم بصوتٍ عالٍ،
لكن كل شيءٍ يقول.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان يولد غير مكتمل


المزيد.....




- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!
- فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- يحقق نجاحًا باهرًا.. ما سرّه؟


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جاسم ياسين - سلحفاة الزمن