أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي جاسم ياسين - الوجود يسبق الماهية: قراءة في فلسفة جان بول سارتر














المزيد.....

الوجود يسبق الماهية: قراءة في فلسفة جان بول سارتر


علي جاسم ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 07:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ بدايات التفكير الفلسفي، انقسم الفلاسفة حول أسبقية الماهية أو الوجود. فـأفلاطون مثلًا شدّد على أسبقية “المثال” أو “الماهية” الثابتة التي تسبق وجود الأشياء الملموسة، بينما رأى أرسطو أن الوجود لا ينفصل عن ماهية الشيء وغايته. وفي العصور الوسطى تبنّى الفلاسفة الدينيون فكرة أن الله يحدد ماهية الإنسان قبل أن يوجده. لكن مع الفلسفة الحديثة، وخصوصًا عند كيركغارد وهايدغر، بدأ الاهتمام بالوجود الحيّ المتعيّن يسبق أي تعريف ماهوي ثابت. ومن هنا جاء إعلان سارتر الجريء: “الوجود يسبق الماهية”.


الجرأة في مقولة سارتر لا تكمن في أنه أول من نطق بها، فقد سبقه فلاسفة كبار إلى التمييز بين الماهية والوجود. لكنها برزت في الطريقة التي جعل بها المقولة شعارًا لفلسفته الوجودية. فقد نقلها من مجال النقاش الميتافيزيقي المجرد إلى حياة الإنسان اليومية، مؤكدًا أن كل فرد يصنع ذاته من خلال أفعاله وخياراته. جاءت عبارته أيضًا في سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت أوروبا تبحث عن يقين ومعنى، فكان صوته مختلفًا حين أعلن أن العالم لا يمنحنا أي معنى جاهز، وأن الإنسان وحده من يخلقه. بهذا التحدي، اصطدم سارتر مباشرة بالموروثات الدينية والفلسفية التي افترضت طبيعة أو غاية مسبقة للإنسان.
ماذا تعني العبارة؟


عند الفلاسفة التقليديين، خصوصًا أرسطو والمدارس التي تلته، كانت الماهية (ما يجعل الشيء هو ما هو) تسبق الوجود. فمثلًا، صانع السكين يعرف ماهيته (وظيفته وأهدافه) قبل أن يصنعه. لكن سارتر يقول إن الأمر يختلف تمامًا بالنسبة للإنسان:
• الإنسان يوجد أولًا، يُلقى في هذا العالم بلا اختيار.

• ثم، من خلال أفعاله وقراراته وتجربته، يصنع ماهيته الخاصة.
بمعنى آخر، لا توجد طبيعة إنسانية ثابتة أو قدر محتوم يحددنا سلفًا، بل نحن نصوغ أنفسنا بما نختار ونفعل.

الحرية والمسؤولية تترتب على هذا القول نتائج مهمة. فإذا كان الوجود يسبق الماهية، فهذا يعني أن الإنسان حر بالكامل، لا تحدده غاية مفروضة مسبقًا، ولا يُختزل إلى دور اجتماعي أو ديني أو بيولوجي. لكنه في الوقت نفسه مسؤول تمامًا عن اختياراته؛ فلا مجال لإلقاء اللوم على القدر أو الظروف أو الآخرين.

الحرية عند سارتر ليست منحة مريحة، بل عبء ثقيل، لأنها تضع الإنسان وجهًا لوجه أمام مسؤولية صنع ذاته ومعناها.
الوجود في عالم بلا معنى جاهز يرى سارتر أن العالم لا يحمل معنى مسبقًا. نحن الذين نمنحه المعنى عبر التجربة والقرار والفعل. وهنا يظهر الطابع “الوجودي” لفلسفته: الإنسان كائن قلق، لأنه مدرك لحريته المطلقة، ولأن عليه أن يخترع نفسه في فضاء لا يوفر له إجابات جاهزة.



أثرت مقولة “الوجود يسبق الماهية” في الفلسفة والأدب والسياسة والفن. فقد ألهمت الحركات التي تؤكد على حرية الفرد، ودفعت إلى مساءلة البنى الاجتماعية والثقافية التي تسجن الإنسان في أدوار محددة سلفًا. كما جعلت الإنسان أكثر وعيًا بمسؤوليته تجاه ذاته وتجاه الآخرين.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان يولد غير مكتمل


المزيد.....




- توجيه من ترامب بطلاء الحاجز الحدودي مع المكسيك بالأسود وسبب ...
- بابتسامة أمام صيحات استهجان.. نائب ترامب ووزير دفاعه يتعرضان ...
- الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري
- خلية إضفاء الشرعية سلاح إسرائيلي آخر في إبادة غزة
- السعودية.. مقاطع مدى شبه محمد بن سلمان بجده عبدالعزيز تثير ت ...
- تقسيم سوريا لـ3 دول وماذا يعني للأردن وتركيا والعراق وإسرائي ...
- لماذا تعيد دمشق فتح أبوابها لموسكو الآن؟
- إسرائيل تستدعي آلاف الجنود لبدء خطة احتلال غزة وحماس تندد با ...
- أهلكت 140 مليون إنسان.. لماذا تصنع الدول الكبرى المجاعات الق ...
- جدل في لبنان بعد تصريحات البطريرك الراعي عن سلاح حزب الله


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي جاسم ياسين - الوجود يسبق الماهية: قراءة في فلسفة جان بول سارتر