أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - مدخل الى قانون العقوبات















المزيد.....


مدخل الى قانون العقوبات


لهوى رابح

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 15:24
المحور: قضايا ثقافية
    


دكتور لهوى رابح
محام
استاذ جامعي
سطيف الجزائر

المحاضرة الأولى
مدخـل إلى قـــانون العقوبـات
أولا - تحديد معنى القانون العقوبات.
ثانيا- تسمية قانون العقوبات.
ثالثا – أقسام قانون العقوبات.
قانون العقوبات الاصلي
قانون العقوبات التكميلي.
رابعا- فروع قانون العقوبات.
قانون العقوبات العام .
قانون العقوبات الخاص.
خامسا- صلة قانون العقوبات بالأخلاق و الدين.
قانون العقوبات و الاخلاق
قانون العقوبات و الدين
سادسا- علاقة قانون العقوبات بغيره من القوانين الجزائية الاخرى.
علاقة قانون العقوبات مع القانون الجنائي الخاص.
علاقة قانون العقوبات بقانون الاجراءات الجزائية.








أولا: تحديد معنى القانون العقوبات
إنّ أول ما يتبادر إلى ذهن القارىء هو، ما المقصود بقانون العقوبات؟ درج الفقه على تعريف قانون العقوبات بأنّه مجموعة القواعد القانونية الّتي تضعها الدولة لتمارس حقها في توقيع العقاب، فالدولة تلتزم بالعمل على تحقيق الأمن والطمأنينة والنظام والاستقرار في المجتمع و هي في سبيل تحقيق هذه الغاية تضع من القوانين ما يحدد حقوق الأفراد و حقوق المجتمع ويكفل حرية ممارسة هذه الحقوق في النطاق المحدد لها، و لما كان من الافعال ما يقع اعتداء على بعض هذه الحقوق و ينطوي بذات الوقت على مساس بأمن المجتمع و استقراره، فإنّ من واجب الدولة أن تتدخل لمكافحة هذه الأفعال و يقتضي تحقيق هذه الغاية بأن تضع الدولة من النصوص ما تقرر به العقاب على هذه الأفعال وما يكفل استعمال حقها في توقيع العقاب و هذا هو جوهر القانون الجنائي ( ).
فقانون العقوبات (Droit Pénal) هو مجموعة النصوص الّتي تحدد الأفعال المعتبرة جرائم مع بيان المسؤولين عنها وما يستحقون من عقوبات وتدابير إذ لا يصح اعتبار الفعل جريمة أو توقيع جزاء بغير نص عليه في القانون ( )، أو هو "مجموعة من القواعد القانونية الّتي تحدد الأفعال الّتي تعد جرائم وتبين العقوبات المقرّرة لها"، والجريمة في قانون العقوبات هي "واقعة قانونية والعقوبة هي النّتيجة القانونية المترتبة عليها"( ).
وفي اعتقادنا فإنّ مدلول قانون العقوبات ينصرف إلى "مجموعة القواعد القانونية التي تسنها الدولة وتبين من خلالها الأفعال المجرمة والعقوبة المقررة حال اتيانها كأثر لإرتكاب الفعل المحظور".
يبدو جليا من خلال التعريفات السابقة أنّ القواعد الّتي يتألف منها قانون العقوبات تتكون من شقين، شق التكليف و فيه يحدد المشرع السلوك المعاقب على مخالفته ايجابيا كان هذا السلوك أم سلبيا، و شق الجزاء و فيه يحدد المشرع الأثر الجنائي المترتب على المخالفة المذكورة عقوبة كان هذا الجزاء أم تدبيرا وقائيا (أو احترازيا على حد تعبير البعض لهذا الجزاء)، ويتجه المشرع بالقاعدة الجنائية بشقيها إلى المكلفين جنائيا فيلقي على عاتقهم تكليفها و يخضع من يخالفه منهم لشق الجزاء ( ).
ثانيا-تسمية قانون العقوبات:
إنّ المطلع على التشريعات وكتب الفقه يجد تباينا واضحا في التسمية المستعملة للدلالة على هذه الطائفة من القواعد القانونية، بين من يُفضل اصطلاح "قانون العقوبات" أو "القانون الجنائي" وبين من درج على استعمال لفظ "القانون الجزائي"، ومن هنا يثور التساؤل، حول التسمية الأحق بالتفضيل دون الأخرى؟
لقد فضل الاتجاه الأول تسمية هذا الفرع بقانون العقوبات على سند من القول بأنّ التسمية مشتقة من لفظ" العقوبة" و الّتي تعتبر وسيلته في مكافحة الجريمة( )، بل إنّ عقوبة هي ما يميّز قانون العقوبات عن باقي القوانين و من بين التشريعات الّتي أخذت بهذه التّسمية المشرع الفرنسي و الجزائري( ).
وقد اعترض البعض على تسمية "قانون العقوبات" لسببين، الأوّل لأنّه يقتصر على الإشارة إلى الجريمة دون العقوبة، والثّاني أنّه يقتصر على صورة واحدة من الجزاء الجنائي وهو "العقوبة" ويغفل صورته الأخرى الممثلة في "التدابير الاحترازية" الّتي نص عليها القانون في بعض الأحوال كرد فعل لخطورة الجاني، والّتي تهدف إلى وقاية المجتمع من الخطورة الاجراميّة الكامنة في شخصيّة بعض المجرمين ( ).
ولكنّ هذا الاعتراض مردود بأنّ العقوبة هي المعبّرة عن الجريمة متّى كانت مقرّرة مقابل ارتكابها، كما أنّ التدابير التّي ينص عليها القانون كمقابل للجريمة تأخذ الطّابع الجزائي للعقوبات وتعدّ عقوبات من النّاحية القانونية ( )، كما أنّ الاشارة إلى العقوبة دون التدابير الاحترازية مرجعه أنّها هي الجزاء الجنائي الغالب ( ).
وفي مقابل ذلك فضّل فريق آخر من الفقهاء تمسية "القانون الجنائي" "Droit Criminel" رمزا إلى الجريمة بدلا من العقوبة، ويعيب هذا المصطلح أنّه يقتصر على نوع واحد من الجرائم وهو "الجنايات"، كما أنّه لا يعبر عن رد الفعل ضدّ الجريمة، وهو العقوبة. ولهذا فقد احتفظت مختلف التشريعات العربية والأوروبية الحديثة باسم "قانون العقوبات"( ).
وقد حاول أنصار هذا التوجه الرّد على هذا النّقد تبريرا منه لاستعمال تعبير القانون الجنائي، فذهب إلى القول بأنّه يعتبر تعريفا للكلّ بجزئه الأهم، فضلا على أنّه ليست كلّ الأنظمة العقابية تتبع حاليا طريقة تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات، بل التوجه الجديد يسير نحو نزع هذه التفرقة أين تمّ الاكتفاء بوضع قانون يحدّد الأفعال المُجّرمة وما يقابلها من عقوبات ( ).
كما أنّ اللّغة القانونية تعترف لتعبير "الجناية" بمدلول واسع يشمل كلّ الجرائم إلى جانب المعنى الضيق الّذي يقتصر على نوع منها وهو الجنايات ( )، على نحو يجعل النّقد الموجه إلى هذا التعبير غير حاسم ( ).
فيما ذهب اتجاه آخر من الفقه إلى استعمال اصطلاح "القانون الجزائي" للدّلالة على هذه القواعد القانونية على اعتبار أنّ لفظ "الجزاء" من السعة بحيث يشمل كلّ من العقوبة و التدبير الاحترازي معا( )، و هي بهذا المعنى الأصل لأنّها "الفعل"، أمّا العقاب فهو الجزاء أي "رد الفعل"، ولاشك أنّ نسبة الأمور إلى الأصل أكثر اتفاقا مع المنطق من نسبتها إلى الأثر، و يبدو أنّ هذا التعبير نجح على الأقل في تجاوز ما تعرضت له باقي التسميات من انتقادات سواء ما تعلق منها باقتصارها على الجنايات دون الجنح والمخالفات ، أو ما تعلق باقتصارها على العقوبة دون الجريمة.
إلاّ أنّ هذا الرّأي لم ينج بدوره من النّقد تأسيسا على أنّ أخص ما يميّز الجزاء أنّه تعبير عن لوم المشرع، ومن ثمّ كان مفترضا مسؤوليّة من يُوقع عليه في حين إنّ التدبير الاحترازية ليست جزاء بل مجموعة من الإجراءات تستهدف الدّفاع عن المجتمع ضد الحالة الخطرة الّتي تتوفر في المجرم بقصد منع احتمال عودته إلى الإجرام مرّة أخرى. ولهذا فهي تتجرّد من معنى اللّوم والجزاء ولا تستهدف مقابلة خطأ وإنّما مواجهة خطورة فهي إذن مجرد أسلوب للدفاع الإجتماعي ومن ثمّ كان متصور إنزالها على من لا يُسأل جنائيا إذا ارتكب جريمة كالمجنون وناقص الإدراك، بل وعلى من يرتكب جريمة ولكن وضعته ظروفه الاجتماعية في حالة خطرة كالمتشرد والمتسول ( ).
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ اصطلاح "القانون الجزائي" غير صحيح في ذاته، إذ أنّ كلّ فروع القانون هي قوانين جزائية فلكلّ قاعدة قانونية جزاؤها، فالقانون المدني جزائي لأنّه يقرر جزاءات مدنيّة، فبطلان العقد مثلا هو جزاء لتخلف أحد أركانه، وفسخه هو جزاء الإخلال بأحد الالتزامات المتولدة عنه ( )، فهي إذن تسمية غير دقيقة لأنّها لا تفصح عن ذاتيّة الجزاء الّتي يتمتع بها هذا القانون وتميّزه عن غيره من القوانين الأخرى ( ).
الواقع أنّ الأمر قد إستقر على إصطلاح "القانون الجنائي" للدلالة على قواعد كل من "قانون العقوبات" و"قانون الاجراءات الجزائية" معا، فقانون العقوبات هو الّذي يحدد الجرائم والمسؤولية عنها وما يقابل هذه الجرائم من عقوبات، و "قانون الإجراءات الجزائية" هو الّذي ينظم الإجراءات الّتي بواسطتها يمكن للدولة إثبات الجريمة وملاحقة المسؤول عن ارتكابها، فللدولة حق في عقاب مرتكب الجريمة، «و اذ يتولى قانون العقوبات تحديد مضمون هذا الحق، يتولى قانون الاجراءات الجزائية تحديد كيفية الحصول عليه» ( ).
ونحن نؤيد استخدام مصطلحا "قانون العقوبات" و"القانون الجنائي" نظرا لأنّ الجريمة والعقوبة فكرتين متلازمتين، فلا جريمة بلا عقوبة، ولا عقوبة بدون جريمة، ومن المقبول تعريف الكلّ بجزئه الأهم. ومع ذلك يجب التنويه إلى أنّ مصطلح القانون الجنائي أكثر اتساعا وشمولا من مصطلح قانون العقوبات، فهو يشمل مجموعة القواعد الجنائية الموضوعية والإجرائية الّتي تشكل معا العقوبات والإجراءات الجزائية، أمّا مصطلح قانون العقوبات فهو للدّلالة على مجموعة القواعد الجنائية الموضوعية الّتي تحدد الجرائم وما يقابلها من عقوبات.
ثالثا - أقسام قانون العقوبات:
ينقسم قانون العقوبات الى قسمين اولهما عام وهو موضوع الدراسة الحالية، وثانيهما خاص.
أ‌- القسم العام لقانون العقوبات:
أما القسم العام: فهو ذلك الّذي يحفل بتحديد ماهية القاعدة الجنائية الموضوعية وبيان قواعد تطبيقها زمانا ومكانا وأشخاصا مع إبراز الأسباب المبيحة للجريمة بصفة عامة، ثم تحديد ما ينهض عليه من بناء قانوني مادي أو معنوي على السواء سواء من حيث الإقرار أو الإنتفاء ثم تحديد الجزاء المقرّر لفاعلها بصفة عامة من حيث نوعه وقواعد تطبيقه تخفيفا أو تشديدا أو إعفاءا أو إنقضاء ( )، وهذه الطائفة من القواعد تؤلف القسم العام ضمن المواد 1-60 مكرر من قانون العقوبات ( ) تحت عنوان المبادىء العامة، ويطلق على هذه القواعد droit pénal général.
ب‌- القسم الخاص لقانون العقوبات
وبالنسبة للقسم الخاص: فهو ذلك الّذي يعكف على دراسة كلّ جريمة على حدة محددا الأركان الخاصة بكلّ منها إضافة إلى الأركان العامة سواء في ذلك الركن المادي أو المعنوي و مقدار العقاب المقرّر في شأن كلّ منها ( )، فهذه القواعد تمثل فهرسا ( ) أو مصنف للجرائم مثل السرقة و خيانة الأمانة و غيرها من الجرائم، و تؤلف ما يعرف بالقسم الخاص ضمن المواد 61 الى 467 مكرر من قانون العقوبات ( ) ويطلق عليها droit pénal spécial ( ).
وتجدر الإشارة إلى أسبقية القسم الخاص على القسم العام من حيث النشأة التاريخية، لأنّ الجريمة بطبيعتها قديمة قدم الحياة الإنسانية على وجه الأرض و قد تعددت صورها باختلاف العصور استجابة للفلسفة الّتي كانت تحكم كل عصر من النواحي السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية... الخ، و ترتيبا على ذلك فقد تناثرت النصوص المؤثمة لصورها في القوانين على مدار تلك الأزمنة، دون محاولة للتجميع أو التأصيل لما تنطوي عليه من أحكام، إلى أن تطور الفقه الجنائي شيئا فشيئا بحيث استطاع التوغل في دراسة الجريمة كسلوك إنساني وما ارتبط بذلك من دراسات فلسفية و تاريخية و سياسية و غيرها بحيث تمكن من الوقوف على الأحكام العامة الّتي تحكم فكرة الجريمة من حيث شرعيتها وبنائها القانوني بغض النظر عن نوع المصلحة المعتدى عليها و هو جوهر القسم العام من قانون العقوبات( ).
والأحكام الخاصة أكثر عرضة للتغير والتبديل بتغير وتطور الظروف والمصالح والقيم المختلفة من تغيرات سياسية، إقتصادية، إجتماعية وما تقرّره من حماية جزائية، وهي تعديلات تلحق الجريمة أو صنف من الجرائم كإدراج نوع منها في قوانين خاصة كجرائم التهريب والفساد وغيرها ( ).
رابعا-فروع قانون العقوبات:
قلنا أنّ قانون العقوبات ينقسم إلى قسمين عام وخاص، ومن المعروف أنّه لم ترد بهما كل القواعد والأحكام اللازمة لآداء رسالة العقاب في المجتمع، بل يكمل هذا التقنين بقسيمه، قانونا العقوبات الخاص والتكميلي:
أ‌- قانون العقوبات الأصلي وقانون العقوبات التكميلي
1- يقصد بقانون العقوبات الأصلي:
القواعد الّتي تحكم التجريم و العقاب في المجتمع و تصدر في شكل مجموعة تحتوي على الأفعال المنهي عنها والعقوبة المترتبة على ارتكابها ( )، فهذا القانون يشمل مجموعة القواعد الّتي يتضمنها قانون العقوبات و التعديلات الواردة عليه.
2- أمّا قانون العقوبات التكميلي:
فيقصد به مجموعة القوانين الجنائية الّتي تتناول بالتجريم والعقاب أفعالا معينّة بهدف إكمال النقص في قانون العقوبات الأساسي أو تعديل بعض أحكامه مثل قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية والإتجار بهما ومكافحتهما. الخ، و وصف هذه القوانين بأنّها مكملة أو ملحقة بقانون العقوبات، يعني أن تراعى في تطبيقها الأحكام العامة الواردة في قانون العقوبات ما لم يرد نص مخالف في القوانين العقابية المكلمة ( ).
والحكمة من إفراد قوانين مستقلة لتجريم بعض الأفعال، هي أنّ المشرع لا يستطيع – وهو بمعرض وضع تقنين الجرائم والعقوبات-أن يحصر كلّ الأفعال أو الإمتناعات التي تكشف الحاجة عن ضرورة تجريمها، كما أنّ كثيرا من التجريمات تقع اعتداءا على مصالح متغيرة أو طارئة مما يجعل من الملائم أن يخصص المشرع لحمايتها قوانين مستقلة حتى يضمن لقانون العقوبات الأصلي أو الأساسي قدرا من الثبات فلا تصبح نصوصه عرضة للتعديل أو التغيير من وقت لآخر ( ).
ب‌- قانون العقوبات العــام وقانون العقوبات الخاص
ومعيار التقسيم هو نطاق التطبيق المتعلق بالأشخاص أو بالوقائع فحيث يكون القانون يطبق على جميع الأفراد وعلى جميع الوقائع الّتي تقع تحت سلطانه فإنّه يأخذ صفة العموم، وعلى ذلك فقانون العقوبات الأصلي هو قانون العقوبات العام، أمّا حيث يكون نطاق تطبيق القانون مقصورا على طائفة معينّة من الأفراد بسبب توافر صفة خاصة بهم أو بسبب وجودهم في ظروف معينة ومقصورا على وقائع محدّدة بحسب موضوعها أو بسبب صفة أشخاص مرتكبيها أو مكان وقوعها فهذا القانون يعتبر خاصا ( ).
وما يميّز قوانين العقوبات الخاصة أنّها تضم في الغالب أحكامها الموضوعية والإجرائية الّتي تخضع لها الوقائع المجرّمة ولا يرجع شأنها إلى الأحكام العامة إلاّ فيما لم يرد فيه نص ( )، ومثال ذلك قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، قانون الجمارك وغيرها. ويمكن القول بأنّ قانون العقوبات التكميلي يتفق مع قانون العقوبات الخاص في ناحيّتين: أولاهما: أنّه يحمي مصالح متغيرة وطارئة. ثانيهما: أنّ له بناء ماديا مستقلا عن البناء المادي لقانون العقوبات ولكنّه يختلف معه في أنّه يخضع للأحكام العامة لقانون العقوبات حتى أنّه يعد جزءا منه، فهذا القانون لا يعرف أحكاما خاصة بالتجريم والمسؤولية والعقاب ( ).
خامسا-صلة قانون العقوبات بالأخلاق والدين:
أ‌- قانون العقوبات والأخلاق:
أمّا بالنسبة للأخلاق فالواقع أنّ العلاقة بينها و بين القانون الجنائي ليست قوية، صحيح أنّ معظم الأفعال الّتي تجرمها قواعد القانون الجنائي تجرمها قواعد الأخلاق إلاّ أنّ هناك عددا من الأفعال الّتي يجرمها القانون دون الأخلاق و أفعال تجرمها الأخلاق دون القانون، فالكذب جريمة أخلاقية لكنّه ليس دائما جريمة قانونية و العكس كذلك صحيح فهناك من الجرائم القانونية ما لا يعتبر بحال مخالفا للأخلاق و من بينها بعض المخالفات( )، فقد تقتضي المصلحة العامة تجريم بعض الأفعال مثل المخالفات المرورية رغم أنها لا تشكل فعلا غير أخلاقي في الغالب عند عامة الناس، وكذلك الضرائب الّتي تفرض على الأفراد في مداخيلهم اليومية، و بالنتيجة نجد أنّ القانون الجنائي يحمي المصلحة الإجتماعية وليس الأخلاق السائدة داخل المجتمع، لأنّه لا يكفي الاعتداء على القيم الأخلاقية ما لم تصبح هذه القيم واحدة من القيم الإجتماعية ( ).
لا يبتعد القانون الجنائي عن الأخلاق فيما يتعلق بنطاق كلّ منهما فحسب بل إنّ هذا التباعد يمتد أيضا إلى الجزاء المقرّر على مخالفة القواعد المقررة لكل منهما، فبينما يأخذ الجزاء على الجريمة القانونية شكل الجزاء الوضعي المتمثل في العقوبة والّذي يوقع فورا على مرتكبها، يأخذ الجزاء على الجريمة الخلقية شكل الاستنكار الاجتماعي أو المعاملة بالمثل أو العقاب الرّباني الّذي يُوقع بعد الموت ( ).
ب‌- قانون العقوبات والدين:
أكثر ما يدفع النّاس إلى احترام القيم الإجتماعية داخل المجتمع هو الدين لأنّه المؤهل للأمر بمكارم الأخلاق والنّهي عن المنكر فهو عامل واقي لتوجيه النّاس إلى الطريق السوي لكنّ هناك من الأفراد من لا يردعهم الدين ولا سبيل لهم إلاّ بتوقيع العقوبة الّتي تناسب درجة افعالهم ( ). قديما كانت قواعد الدّين أشد تقديسا من القواعد الاجتماعية وكانت العقوبة مشددة لكلّ من تسول له نفسه مخالفة تعاليم الدين لكن مع مرور الزمن أصبح القانون والدين منفصلين تماما، كما لم يعد القانون الجنائي حاميا للتعاليم الدينية بدليل أنّه لا يعاقب على تارك الصلاة والزكاة، رغم تأكيد رجال الفقه ما لدور الدّين في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي وتنظيم العلاقات بين الأفراد.
و من هنا نتوصل الى أنّه لا يجوز الخلط بين قانون العقوبات و الاخلاق و العقيدية الدينية، و ان كانت هناك علاقة وطيدة بين الاثنين من خلال معظم نصوص قانون العقوبات التي تحمي المصلحة العامة و تضمن حمياة المصلحة الخاصة في مواجهة انواع من السلوك غير الاجتماعي الذي لا يتفق مع الاخلاق الحميدة فان هذه العلاقة لا ترقى الى حد التلازم ( ).
سادسا: علاقة قانون العقوبات بغيره من القوانين الجزائية الأخرى
نعني بالنظام القانوني العام مجموعة القواعد القانونية السائدة في دولة معينة، وهذه القواعد مختلفة باختلاف طبيعة الموضوعات التي تنظمها، ولكن على الرغم من اختلافها فهي متكاملة، اي تتضامن فيما بينها في تنظيم المجتمع، فلا يغني بعضها عن بعض، ثم هي متسقة، فينبغي الا يكون بينها تعارض، وهي في النهاية متساندة، فتطبيق بعضها قد لا يكون مقتضيا الرجوع إلى البعض الآخر، وقانون العقوبات جزء من النظام القانوني العام، فما علاقته بسائر اجزائه؟ ( ). و الاجابة على هذا التساؤل تستدعي تحديد طبيعة العلاقة بين قانون العقوبات وباقي فروع القانون.
أ‌- علاقة قانون العقوبات مع القانون الجنائي الخاص:
يشترك كلّ من قانون العقوبات في قسمه العام والخاص أنّ كليهما يتضمن قواعد التجريم والعقاب فهما ينتميان إلى القانون الموضوعي بينما يختلفان في كون القسم العام يشتمل على الأحكام العامة الّتي تطبق على كلّ أنواع الجرائم أو على معظمها، أمّا القسم الخاص فيتناول كلّ جريمة على حدة مُبًينا أركانها الخاصة والظروف المحيطة بها والعقوبة المقرّرة لها ( ).
وعلى ضوء ذلك فانّه لا شك في وضوح الصلة بين القسم العام لقانون العقوبات والقسم الخاص له باعتبار القسم العام المقدمة الأساسية لدراسة القسم الخاص الّذي يتناول على أساس تلك المقدمة وفي ضوئها تحديد طبيعة كل جريمة وبإبراز خصوصيتها فتكتمل دراسة المقدمة بالنتائج ( ).
ب‌- علاقة قانون العقوبات بقانون الإجراءات الجزائية:
ينقسم القانون الجنائي إلى مجموعتين من القواعد:
المجموعة الأولى: "قواعد موضوعية"، يطلق عليها قانون العقوبات وهي تشمل القواعد الّتي تحصر الافعال الجرمية، وأنواع الجزاءات الجنائية وتحدد أركان الجرائم والعقوبات المقرّرة لها، وتبين قواعد الإباحة وموانع المسؤولية الجنائية وموانع العقاب.
المجموعة الثانية: "قواعد شكلية" يطلق عليها قانون الإجراءات الجنائية وهي تشمل القواعد الّتي تحدد الوسائل الّتي تلجأ إليها الدولة لضبط المتهم وملاحقته وإثبات ارتكابه للجريمة والقواعد الّتي تضع تنظيم واختصاص الهيئات القضائية والّتي تحدد إجراءات التحقيق والمحاكمة حتّى صدور حكم بات في الدعوى الجنائية، توقع الدولة بمقتضاه على الجاني العقوبة الّتي ينص عليها قانون العقوبات ( ).
عندما تقع الجريمة تتحرك السلطات العامة للتحقيق فيها ومحاكمة الجاني بموجب إجراءات محدّدة سلفا تضمن للمتهم محاكمة عادلة، ينظمها قانون خاص بها يسمى "قانون الإجراءات الجزائية" فلا تملك الدولة قبل صدور حكم الإدانة – من السلطات القضائية المختصة-بمعقابة الجاني أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر على المتهم ولو اعترف طواعية واختيارا بارتكاب الجريمة، أو قبل برضائه بإنزال العقاب المنصوص عليه به. وعلّة ذلك أنّ سلطة الدولة في العقاب تنطوي على مساس خطير بحرية المتهم، وهو ما لا يمكن إقراره أو تحديده إلاّ من خلال إجراءات معيّنة تكشف الحقيقة وتحدد القدر اللّازم للعقاب، وبذلك يتبيّن أنّ هناك تلازما بين الدعوى العموميّة وسلطة العقاب، فلا عقوبة بغير دعوى عمومية ( ).
والواقع أنّه توجد صلة وثيقة بين قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية، فكلّ منهما مكمل للآخر، فلا يمكن تصور تطبيق قانون العقوبات إلاّ من خلال قانون الإجراءات الجزائية، أي أنّ هذا الأخير هو الوسيلة الوحيدة لإمكان تطبيق قانون العقوبات. لذلك يستخدم بعض الفقهاء مصطلح "القانون الجنائي" في معناه الواسع ليشمل قانون العقوبات والإجراءات الجزائية ( ).






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاتية قانون العقوبات


المزيد.....




- الهجوم على مدينة غزة يدخل مرحلته الأولى.. حماس: عملية -عربات ...
- الناتو يبحث ضمانات أمنية لأوكرانيا في -مناقشة صريحة-
- رامافوزا يجري تعديلات على قانون تمويل الأحزاب السياسية
- فيديو منسوب لـ-ظهور مدفع الرعد الكوري في سيناء-.. هذه حقيقته ...
- واشنطن تعاقب 4 مسؤولين في الجنائية الدولية.. والمحكمة تستنكر ...
- رعب في قلب المكسيك... العثور على ستة رجال مقطوعي الرأس في حا ...
- واشنطن وحلفاؤها يدعون إلى -هدنات إنسانية- في السودان وسط تفا ...
- هجمات منسقة في مالي.. جماعة مرتبطة بـ -القاعدة- تقتل 21 جندي ...
- اجتماع بين مسؤول إسرائيلي رفيع وقطريين في فرنسا.. ديرمر يحدد ...
- الضفة الغربية.. من حرب الأيام الستة إلى مخطط -إي 1- الاستيطا ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لهوى رابح - مدخل الى قانون العقوبات