أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حزب الشعب الديمقراطي الاردني - المخاطر التي تتهدد البلاد في إطار الصراع المحتدم في المنطقة















المزيد.....



المخاطر التي تتهدد البلاد في إطار الصراع المحتدم في المنطقة


حزب الشعب الديمقراطي الاردني

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 13:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


■ مقدمة
1- مخاطر واسعة تتهدد الأردن
2- الأوضاع الداخلية في البلاد
3- الائتلافات الوطنية
4- فلسطين.. في مواجهة حروب الإبادة والضم والتهجير
5- الإتفاقات الإبراهيمية وسياسات التطبيع
6- في دور الحركة الجماهيرية العربية المنظمة
7- العدوان على إيران – إستهدافات متعددة
8- الصراع في المنطقة على إيقاع إعادة بناء نظام دولي جديد



9/8/2025


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) التقرير السياسي الصادر عن اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي - «حشد».



مقدمة
■ تحت وطأة المتغيرات السياسية المتسارعة، واتساع نطاق الحرب الوحشية المفتوحة التي يقودها الحلف الصهيوني - الأمريكي على كافة الجبهات: فلسطينياً، عربياً ودولياً، تعمقت عوامل الصراع الفلسطيني والعربي عموماً مع المشروع الإستعماري المسمى «إعادة بناء شرق أوسط جديد»، المتقاطع مع مشروع «إسرائيل الكبرى» المدرج على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية.
لقد شرعت الولايات المتحدة ودولة الإحتلال في استحداث البنية التحتية لهذه المشاريع الإستعمارية عبر إقامة شبكة مصالح واسعة بين الدول العربية ودولة الإحتلال تغطي أكبر قدر من القطاعات التجارية والإقتصادية الرئيسية: المياه، الطاقة، التجارة، الإستثمار، الزراعة، الصناعة والبحث العلمي..، وعقد إتفاقات سياسية وأمنية لتأمين وترسيم هذه المصالح المتداخلة، كما وقع فعلاً في الإتفاقات الإبراهيمية - 2020، وفي موازاتها عقدت تحالفات وأُنشئت محاور بين الدول ذات المصالح المشتركة في تأمين الطاقة والممرات التجارية، وكانت دولة الإحتلال طرفاً فيها إلى جانب عدد من الدول العربية.
■ وعليه، يُخطيء كل من يروج بأن حرب الإبادة التي يشنها جيش الإحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ضد الشعب الفلسطيني أتت رداً على عملية طوفان الأقصى حصراً، بل الصحيح هو أن هذه العملية النوعية بتداعياتها العميقة، جاءت رداً على الترتيبات الجديدة والإتفاقات والمحاور والتحالفات المشبوهة التي قامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ ولاية ترامب الأولى، جمهورية كانت أم ديمقراطية، بعقدها لفرض أمر واقع جديد، تلغي فيه الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، وتهيمن على القرار السياسي والإقتصادي للدول العربية.. وللأهمية نذكر في هذا السياق مشروع «الممر الإقتصادي الهندي – الأوروبي» الذي أطلقته الولايات المتحدة في إجتماع الدول الصناعية السبع الكبار/ G7 - 2021 في إطار المنافسة المحتدمة مع مشروع «الحزام والطريق» الصيني، بهدف ربط دول في الشرق الأوسط ببنية تحتية فيما بينها، إنطلاقاً من الهند، فالإمارات عبر بحر العرب، ثم منها إلى السعودية والأردن، وصولاً إلى دولة الإحتلال في ميناء حيفا.
■ كان للحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني، تداعيات كبرى تجاوزت حدود الرد على عملية طوفان الأقصى، ففي سياق التغييرات القائمة في موازين القوى الدولية، المتجهة نحو التشكل في منظومة متعددة الأقطاب، يخوض معسكر الدول الإستعمارية وعلى رأسه الولايات المتحدة حرباً في كل الإتجاهات في سبيل حماية مصالحها المهددة والإبقاء على هيمنتها قدر المستطاع على العالم، وفي القلب منها الهيمنة على منطقتنا■
(1)
مخاطر واسعة تتهدد الأردن
■ التداعيات السياسية والأمنية والإقتصادية على الأردن كانت – ولا تزال – واسعة التأثير على المصالح الوطنية والقومية الأردنية، نعرض فيما يلي عناوينها:
• سياسة الضم في الضفة الغربية، وما يترتب عليها من تهجير لنسبة معتبرة من سكانها، إذ تقوم دولة الإحتلال على تنفيذ هذه السياسات وتشريعها بقانون. وعلى الرغم من رفض الأردن المطلق لهذه السياسات، إلا أن دولة الإحتلال ماضية فيها قدماً، ولا تعير إلتفاتاً لأية ضوابط قانونية وسيادية.
• أطماع دولة الإحتلال بان تكون مناطق واسعة من الأردن، لا بل الأردن بأسره، جزءاً من إسرائيل الكبرى، حيث أعلنت دولة الإحتلال – قبل بدء الحرب – عن خارطة إسرائيل الكبرى( )، وتضم هذه المناطق في الأردن إلى أجزاء من سوريا ولبنان، ومن صحراء سيناء، ولا يتوانى قادة العدو عن التصريحات المتكررة بأن الأردن هو «الوطن البديل» للفلسطينيين.
• إقامة جدار أمني – سياسي على الحدود الأردنية – الفلسطينية، بدعوى حماية مستوطناتها في غور الأردن، المكشوفة – بزعمها – على المرتفعات الأردنية المطلة عليها شرقاً، أعلنت دولة الإحتلال في حزيران/ يونيو 2025 عن نشر ما يُسمى بالفرقة 36 العسكرية على طول الحدود الشرقية مع الأردن لتباشر مهامها في أوائل آب/ أغسطس 2025، وتحمل هذه الإجراءات دلالات عسكرية وأمنية لا تخفى على أحد، تتمثل في إقامة جدار على الحدود الأردنية - الفلسطينية، كما أنها ليست بعيدة الهدف عن إجراءات الضم القانوني للضفة وعزلها، علماً أن الأردن يرتبط مع دولة الإحتلال بحدود تبلغ 238 كم، يقابلها 97 كيلو متراً مع الضفة الغربية.
• إحتلال أراضي واسعة في سوريا إثر سقوط النظام في 8/12/2024، إضافة إلى ما كانت قد إحتلته أثناء حرب الـ 67، ويقع القسم الأكبر منها في الجنوب السوري الذي توجد فيه السدود المائية ومنابع المياه المشتركة مع الأردن. كما أضافت المواجهات في محافظة السويداء مؤخراً، خطراً جديداً من قبل الإحتلال على وحدة أراضي سوريا وسيادة الدولة عليها، علماً أن العدو الإسرائيلي لا يُخفي أطماعه بالاستيلاء على ممر يربط دولة الإحتلال بشرقي العراق..
• التهديد المتواصل الصادر عن دولة الإحتلال والإدارة الأمريكية بإعادة رسم خرائط جديدة للمنطقة العربية وإعادة ترسيم حدود الدولة الوطنية العربية، وهذا يشكل خطراً وجودياً على جميع البلدان العربية، حيث سيعاد رسم الخرائط على أسس جديدة: عرقية ودينية ومذهبية لإزكاء أوار الصراع الداخلي في كل بلد عربي على حدة، وضمان إدامة هيمنة الحلف الإستعماري.
■ في هذا السياق، فإن التوجه نحو المشروع الوطني التحرري هو الخيار الوحيد في مواجهة الأخطار القائمة والمقبلة، خصوصاً وأن هناك قيوداً تكبل الأردن وتشكل عوائق كبرى في مسيرة تنميته وتحرره من التبعية: بدءاً من معاهدة وادي عربة- 1994، وإتفاقات الغاز والمياه وكل ما يتصل بها، مروراً بالقواعد العسكرية الأمريكية حسب الإتفاق الموقع عام 2021، وانتهاء بالتبعية الإقتصادية والربط القائم مع صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.
■ نسجل في هذا السياق أيضاً أن الدولة الوطنية الأردنية ليست بعيدة عن إستهدافات التقسيم وإعادة الهيكلة والترتيبات الإقليمية الجديدة وفق ما تقتضيه المصالح التوسعية للحلف الصهيوني - الإستعماري، لذلك فإن حمايتها تتطلب من المؤسسة الرسمية إعادة النظر في السياسات التي تشكل عقبات جدية أمام القرار الوطني المستقل. إن الإلتزام بتطبيق الديمقراطية بأبعادها السياسية والإجتماعية، وصون الحريات العامة، وعدم المساس بالمكاسب التي أحرزها المجتمع الأردني على امتداد تاريخه، هي قواعد أساسية للإلتزام بها من قبل السلطة التنفيذية، فحماية الوطن وتنميته وتطويره مرهونة دائماً بتوحيد جميع الجهود الوطنية، وتوسيع المشاركة الشعبية في القرار الوطني وتفعيل دور المؤسسات الوطنية وعدم إستسهال التطاول عليها.
لقد أصبح الأردن في دائرة الخطر الذي يمثله المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي، والجميع معني بحمايته وصون تاريخه الوطني إستناداً إلى استراتيجية تنموية شاملة تحفظ للوطن إستقلاله وكرامته■
(2)
الأوضاع الداخلية في البلاد
أولاً- تراجع الحريات العامة وتطويق دور المؤسسات الجماهيرية المنتخبة
■ تشهد الحياة السياسية في البلاد طوراً جديداً في طبيعة ومستوى العلاقات بين المؤسسة الرسمية للحكم وبين المؤسسات الحزبية والجماهيرية، بعد أن تواصلت السياسات المقيَّدة للحريات العامة وتهميش دور هذه المؤسسات على أكثر من صعيد:
• شملت الإجراءات الحكومية المتتالية منع التظاهرات الشعبية التي دأبت الأحزاب السياسية على تنظيمها تأييداً وإسناداً للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الإحتلال، وتحديداً بعد عملية طوفان الأقصى- 7/10/2023 تحت عناوين أخرى ذات صلة بالوضع الديمقراطي والمعيشي؛ كما منعت هذه الإجراءات إقامة الندوات والمهرجانات في مراكز ومقرات النوادي والجمعيات. وتتواصل حملات الإستدعاءات والإعتقالات على خلفية المشاركة في الأنشطة السياسية والجماهيرية، وشهدت هذه الإجراءات توسعاً وتعسفاً في صلاحيات الحكام الإداريين إضافة للتضييق على الصحافة والترهيب بقوانين الجرائم الالكترونية ومنع الارهاب.
• على مستوى آخر.. تتكثف التدخلات الرسمية في إنتخابات المؤسسات الشعبية والنقابية: الأندية، الجمعيات والنقابات، حيث لا يقتصر التدخل على التوجيه والتحكم في نتائج الإنتخابات، وإنما يشمل أنشطتها وسياساتها اليومية.
هذا وقد شهد شهر 7/2025 إجراءات بالغة الخطورة تمثلت في قرار الحكومة بحل المجالس البلدية ومجالس المحافظات قبل إنتهاء مدتها القانونية بثمانية أشهر، وتعيين لجان لتحل محلها في إدارة الشؤون المحلية، أعقبه صدور قرار مفاجيء بحق نقابة المعلمين صادر عن المحكمة الدستورية يقضي «بعدم دستورية قانون نقابة المعلمين»(!)، علماً أن هناك قرار قضائي سابق - 25/7/2020 ينص على: «وقف النقابة عن العمل وإغلاق مقراتها لمدة سنتين»(!)، حيث إستمر تفعيل هذا القرار لمدة تجاوزت السنتين، إلى أن صدر القرار أعلاه، الذي سيحرم جمهور المعلمين، كما والعاملين في التدريس في القطاع الحكومي، أي حوالي 130 ألف من حقهم في تشكيل نقابتهم.
• إن الإستمرار في فرض السياسات المقيَّدة للحريات العامة، سيؤدي إلى إفراغ المؤسسات الحزبية والنقابية من دورها الرئيسي في الدفاع عن حقوق المواطنين وإضعاف قدرتها على التصدي للتحديات الوطنية الكبرى التي تتعرض لها البلاد نتيجة التهديدات التوسعية للمشروع الصهيوني وأثرها البالغ على المصالح الوطنية في البلاد.
• إن استسهال اللجوء إلى حل المجالس المنتخبة للمؤسسات الجماهيرية، وحرمان قطاع التعليم من وجود نقابة تمثلهم، وكذلك التلكؤ في إجراء إنتخابات الإتحادات الطلابية في الجامعات، تقدم رسالة تهديد مباشرة لحقوق المواطنين التي يكفلها الدستور، مفادها أنه يمكن العودة عن المكتسبات الديمقراطية، التي جاءت بفعل النضال المتواصل للحركة الوطنية الأردنية منذ عقود.
■ لقد أكدت هذه الإجراءات الحكومية على سياسات التطويق والمحاصرة للحياة السياسية في البلاد، في الوقت الذي تتوفر فيه خيارات أخرى لمعالجة الإختلالات القائمة في عمل المجالس البلدية أو نقابة المعلمين من خلال آليات المراقبة والمحاسبة الدائمة وعدم السماح بوصول حجم المديونية وغيرها من المظاهر السلبية إلى ما وصلت اليه، وكذلك تقليص التضخم الوظيفي في البلديات الذي أصبح ظاهرة تستنزف موازناتها.
كان يجب ان تستخدم المرجعيات الرسمية المسؤولة آليات أخرى قانونية وإدارية من أجل ضبط أولويات المجالس البلدية ومجالس المحافظات معاً وتفعيل مبدأ المحاسبة والمتابعة، بدلاً من القرار التعسفي بحل المجالس وتعيين لجان بديلة بدعوى وجود فساد مالي وإداري – بهذا القدر أو ذاك من الدقة - والتحضير لانتخابات جديدة.
■ لقد قدم حزبنا وفي وقت مبكر جداً وجهة نظر متكاملة حول قانون الإنتخابات البلدية ومجالس المحافظات، تستند إلى ضرورة إعتماد القائمة المغلقة والتمثيل النسبي الشامل، وتطوير برامج عمل البلديات لتنتقل من وظيفتها الخدمية إلى وظيفة تنموية، مع ملاحظة أن لا ضرورة لإثقال الهيكل الإداري في البلاد بوجود مجالس محافظات تتداخل صلاحياتها مع مجالس البلديات، خصوصاً وأن وظائفها ليست واضحة في القانون، الأمر الذي أدى إلى نشوء أزمة إدارية جديدة بعد إنتخاب مجالس المحافظات، تضاف إلى عشرات الأزمات الإدارية الأخرى، ناهيك عن أنها أضحت عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة■
ثانياً- تراجع مستمر في مستوى الأوضاع المعيشية في البلاد
■ تصاعدت في الأشهر الأخيرة مؤشرات إقتصادية تدلل على غياب أي تحسن في المعطيات الخاصة بالإقتصاد الوطني:
• فقد إرتفع الدين العام مع نهاية النصف الأول من 2025 إلى 46 مليار دينار، أي ما نسبته 120% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بالمقارنة مع إجمالي الدين العام في نهاية 2023، الذي بلغ 42 مليار و 513 مليون دينار، أي بما نسبته 115% من الناتج المحلي الإجمالي، مع العلم أن الأرقام في الحالتين تشمل الدين المستحق لمؤسسة الضمان الإجتماعي. وبالتدقيق في التقارير المتخصصة، يتبين أن سبب إرتفاع حجم المديونية هو تمويل النفقات الجارية بدلاً من النفقات الرأسمالية، وهذا من شأنه أن يضعف أثر القروض على النمو الإقتصادي ويقلل من مردودها على خزينة الدولة، إضافة إلى ما يترتب على خدمة الدين من أعباء ثقيلة على الموازنة وعلى المواطنين في آن معاً.
• تتجلى الأبعاد الإجتماعية والإنسانية لهذه المؤشرات في اتساع ظواهر الفقر والبطالة، حيث تشير تقارير البنك الدولي أن نسبة الفقر في الأردن تتراوح بين 27 – 35%، بينما لم تصدر الحكومة ودائرة الإحصاءات أي دراسات أو تقارير رسمية حول نسبة الفقر منذ عام 2010.
أما بالنسبة للبطالة، فقد أشارت الإحصاءات الرسمية مؤخراً إلى أن نسبتها تصل إلى 21,3%، وحسب وزير العمل: يوجد 430 ألف شاب وشابة عاطلين عن العمل بالإضافة إلى 300 ألف عامل في سوق العمل غير المنظم.
• هذه الأرقام والنسب المرشحة للتصاعد – بحسب ذوي الإختصاص – يجب أن تدق ناقوس الخطر لدى الحكومة وصناع القرار، لأن النسبة تجاوزت المعدلات العالمية للبطالة التي تتراوح بين 5 – 7%. وما يلفت النظر هنا هو غياب أي برامج حقيقية لخفض هذه النسب على الرغم من ما ورد في برنامج التحديث الإقتصادي - 2023 من وعود «بخلق مليون فرصة عمل على مدى عشر سنوات أي بمعدل مائة ألف فرصة عمل سنوياً».
■ لقد لوحظ مؤخراً أن الحكومة بدأت بمراجعة وتعديل ما جاء في وثيقة التحديث الإقتصادي حسب تقارير رسمية، ولكن دون الإشارة إلى اعتماد منهج إقتصادي جديد ومنتج وسياسات إستثماريه تشغيليه تعتمد على الموارد الطبيعية في البلاد. إن تجاهل هذه القواعد الأساسية من أجل النهوض بالإقتصاد الوطني بعيداً عن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، من شأنه أن يعيد إنتاج ومفاقمة المشكلات الإقتصادية والمعيشية■
ثالثاً- أزمات الطاقة والمياه: أدوات للإبتزاز السياسي
■ تتعرض البلاد لمخاطر مباشرة في قطاعي الغاز والماء، بعد ان أعلنت دولة الإحتلال - 13/6/2025 قرارها «بتوقيف ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن وتعليق العمل في عدد من الحقول في شرق المتوسط».
فمنذ توقيع إتفاقية الغاز مع العدو - 2014 ثم بدء تنفيذها - 2016 لم يتوقف الرفض الشعبي الواسع لها نظراً للتهديدات التي تشكلها الإتفاقية باعتماد إنتظام التزود بمادة أساسية مثل الغاز على قرار حكومة العدو، وكل ما يترتب على ذلك من إبتزاز وضغوط سياسية بعد أن أصبحت التحذيرات الآن حقيقة واقعة. وعلى الرغم من إعلان الحكومة التحول لاستخدام الوقود الثقيل لتشغيل محطات توليد الكهرباء، إلا أن هذا البديل سيرتب على خزينة الدولة تكاليف هائلة وزيادة على مديونية البلاد وتكاليف إضافية أخرى على المواطنين.
المذكرات والبيانات المتتالية للأحزاب السياسية وقوى الحركة الجماهيرية، أوضحت أن الأردن ليس مضطراً لمثل هذا الخيار الذي يرهن فيه قطاع الطاقة والتزود بالغاز والكهرباء لقرار من دولة الإحتلال، إذ تتوفر في الأردن بدائل طبيعية وفيرة مثل الطاقة الشمسية والصخر الزيتي والرياح، الخ..، إضافة لآبار غاز بكميات كبيرة في حقل «الريشة»، حسبما أعلنت ذلك مؤخراً شركة البترول الوطنية.
■ كما يتعرض الامن المائي في الأردن لأخطار النقص والتلوث والإنقطاع بسبب سياسات الإحتلال قديماً وحديثاً، وكذلك بسبب السياسات الرسمية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في التعامل مع مصادر المياه الجوفية ومياه الأمطار، حيث عجزت هذه السياسات عن توفير الحدود الآمنة من المتطلبات المائية الصالحة للشرب والحد من هدر المياه ومعالجة ما بات يُسمى بالفاقد المائي.
نشير هنا إلى إعلان النوايا الذي صدر عام 2021 في دولة الأمارات على أساس نقل 100 مليون م3 من دولة الإحتلال إلى الأردن مقابل تزويد إسرائيل بالكهرباء، ولكن الإتفاق بين الطرفين لم يوقع، وأعلن الأردن - 2023 أنه لن يوقع الإتفاق بسبب الحرب التي يشنها جيش الإحتلال على غزة.
المتتبع لأسباب أزمة المياه المتفاقمة في الأردن لا بد وأن يلاحظ حجم الخلل في ملحق إتفاقية وادي عربة - 1994 المتعلقة بالمياه سواء من حيث الكميات المتفق على ضخها للبلاد، وهي ضئيلة جداً قياساً بالإحتياجات البالغة نحو 50 مليون م3، أو من حيث السماح للعدو باستثمار المياه الجوفية ذات النوعية الممتازة في منطقة الغمر التي سبق أن تم تأجيرها لمدة 25 عاماً(!).
■ كان يمكن معالجة ظاهرة شح المياه في الأردن وفقاً للعديد من المقترحات الهامة التي قدمها خبراء كبار دون تحمل نفقات باهظة مثل بناء عشرات السدود في جميع أنحاء البلاد وعدم الإعتماد على سدّ واحد أو إثنين، إن القرار الرسمي ببدء العمل بالمشروع الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، والمسمى «مشروع الناقل الوطني»، يأتي في الإتجاه الصحيح، لأنه سيكون قادراً على تأمين 300 مليون م3 من المياه، ولا يرتبط بأية جهات خارجية ناهيك عن كونه يؤمن محطات لتوليد 31% من الكهرباء من مصادر طاقة متجددة، كما أن الإسراع في تنفيذه والإستفادة منه، سيمكن الأردن من إعتماده على مصادره الوطنية، وفك إرتباطه بـالإتفاقات غير المتوازنة مع العدو■
(3)
الائتلافات الوطنية
■ في الوقت الذي يتطلب الوضع السائد في البلاد على خلفية المخاطر الخارجية المحدقة بالأردن، توثيق العلاقات الوطنية وتعزيز الصيغ الائتلافية التي تمد الفعل المشترك بعوامل القوة والإستمرار، نلاحظ أن الصيغ الائتلافية القائمة بين القوى الوطنية والأحزاب السياسية تواجه ضغوطاً جديدة، لأسباب ذاتية أو موضوعية، ما يضعنا أمام المشهد التالي:
• ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية الذي كان يضم ستة أحزاب: حشد + الوحدة الشعبية + الشيوعي + البعث، الخ.. تعرض لحالة من التفكك لأسباب تتعلق أساساً بالموقف من إدارة الإنتخابات النيابية والعجز عن تشكيل قائمة موحدة، هذا إضافة لأسباب أخرى تتعلق بطبيعة المواقف السياسية من التطورات الجارية.
• الملتقى الوطني للأحزاب والقوى والشخصيات والقومية واليسارية: هذا الإطار كانت قد قررته أحزاب الائتلاف منذ أكثر من خمس سنوات، وعقد مؤتمره الأول والثاني، وشكل فروعاً له في الشمال والجنوب والوسط، وتنشط هذه الفروع بصورة دائمة؛ إلا أن تفكك صيغة الائتلاف كان له أثر سلبي على عضوية بعض الأحزاب أو مستوى مشاركتها. قرارنا كان ولا زال: الإستمرار في عضوية الملتقى وأنشطته والعمل على توسيع فروعه في المحافظات والتمسك بهذه الصيغة التي فرضت حضورها تحديداً في السنتين الأخيرتين.
• اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الأردنية: نشارك في عضويتها المشكلة منذ حوالي عام، وقدمنا تصوراً تفصيليا في الإجتماعات الدورية المنعقدة حول آلية عملها، وعضويتها، يقوم على مبدأ توسيع عضوية الجبهة الوطنية جغرافياً وقطاعياً واستيعاب قوى إجتماعية هامة وشخصيات وطنية مؤثرة. أما حول اللائحة الناظمة، فاقترحنا أن تقوم على تناوب قيادة اللجنة التحضيرية بين الأحزاب الثلاثة: حشد / شيوعي / الوحدة الشعبية، والتوافق على اتخاذ القرارات السياسية والتنظيمية.
• الأطر الوطنية المتخصصة المنبثقة فيما مضى عن ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية: لجنة مجابهة التطبيع + اللجنة العليا للدفاع عن حق العودة + لجنة «غاز العدو.. إحتلال» + اللجنة الشعبية لدعم المقاومة العربية. يشارك حشد في عضوية اللجان جميعها، وكذلك أنشطتها، ونحرص على استمراريتها بغض النظر عن التفكك الذي أصاب هيئة ائتلاف الأحزاب.
■ أما بالنسبة للأطر الائتلافية الأخرى، نلاحظ أن الملتقى الوطني للمقاومة، الذي أنشأه حزب جبهة العمل الإسلامي، بمشاركة عدد من الأحزاب السياسية، والذي حرصنا على المشاركة معه في معظم الأنشطة الميدانية والتظاهرات التي نظمها لدعم غزة، فقد تعرض الملتقى مؤخراً لمنع أنشطته، وتم تبليغه رسمياً بذلك. هذا الإجراء يأتي في سياق تقييد الأنشطة السياسية والجماهيرية الداعمة للمقاومة.
■ الخلاصة: تتعرض الأطر الوطنية والسياسية القائمة لتدخلات ومحاولات تفكيك وإعادة تشكيل على أسس جديدة. ويتوقف إستمرارها وتطوير صيغها بالتأكيد على عاملين أساسيين: الإجراءات الرسمية والحكومية المتعلقة بالحريات العامة + قدرة الأحزاب على التصدي لهذه الإجراءات والتماسك وتعزيز وحدتها ليس في الإطار السياسي الفوقي فحسب، وإنما في جميع الأطر المتخصصة والمؤسسات النقابية والجماهيرية■
(4)
فلسطين ..
في مواجهة حروب الإبادة والضم والتهجير
■ الفصول المتتابعة في حرب الإبادة الوحشية الجارية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2032 ضد الشعب الفلسطيني في غزة، بالتزامن مع حرب التهجير القسري ومصادرة الأرض في الضفة الغربية وصولاً إلى حرب ثالثة ضد اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، إضافة إلى السياسات الأشد عنصرية ضد الفلسطينيين في مناطق الـ 48، تؤكد على ما يلي:
1- إن الصراع المحتدم بين المشروعين الوطني الفلسطيني التحرري، والصهيوني الإستعماري التوسعي لن تحسمه القوة العسكرية الإسرائيلية مهما بلغت وحشيتها، فعلى الرغم من الإختلالات الكبيرة في موازين القوى وكل ما حققه العدو الصهيوني وجيشه على جبهات القتال غير المتكافئة سواء مع المقاومة الفلسطينية، أو على جبهات الإسناد العربية، إلا أن المقاومة الفلسطينية لا زالت مستمرة في الميدان وتوقع في صفوف العدو خسائر ملموسة.
يخوض الشعب الفلسطيني حرباً طويلة الأمد منذ النكبة الوطنية والقومية الأولى عام 1948، تغذيها الأجيال الصاعدة تباعاً، وتسترشد بتاريخ طويل من الكفاح الوطني الممتد، وإيمان مطلق بحق هذه الأجيال في أرض الآباء والأجداد؛ كما إن حرب الإستنزاف التي تخوضها المقاومة وحاضنتها الشعبية الصامدة، قد كلفت العدو الصهيوني أثماناً باهظة وخسائر بشرية ومادية وسياسية لم تعهدها دولة الإحتلال منذ تأسيسها، كما أعادت القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة المرتبطة بها إلى محور الإهتمام الدولي والتضامن الاممي المؤثر، الذي يتسع يوماً وراء يوم.
2- في الوقت الذي يقرر فيه العدو ويعلن حرباً مفتوحة على الشعب الفلسطيني والإستيلاء على كامل مساحة الأرض الفلسطينية بدون الأصلاء من سكانها، فقد فتحت هذه الحرب أمام الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة من النضال الوطني تستدعي توسيع نطاق الثورة الشعبية الشاملة ضد الإحتلال وإعادة بناء علاقاتها العربية والأممية واستثمار كل ما أتاحته وأنتجته عملية الطوفان من تنظيم أشكال المقاومة على جبهات متعددة: قانونية، ثقافية ومقاطعة إقتصادية، الخ.. وكل ما يمكن أن يشكل إسناداً ودعماً للمقاومة المباشرة ضد الإحتلال وجرائمه اليومية.
3- الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني في كل الإتجاهات، من شأنها أن تشكل القاعدة الأساس لتوحيد القوى الوطنية الفلسطينية السياسية منها والإجتماعية؛ وسواء طال الوقت أم قصر، فلا خيار أمام الحالة الفلسطينية سوى العودة إلى الوحدة ومواجهة الخطر الوجودي الذي يتهدد الشعب الفلسطيني بأسره وقضيته الوطنية.
في هذا السياق، نشير إلى أن السياسات العدوانية الإسرائيلية وتوحشها وإنفلاتها لم تترك مجالاً لدى القائمين على سلطة أوسلو للدفاع عن سياساتهم الإنهزامية ورهانهم الخاسر على المشاريع الأمريكية المشبوهة، وتقديم المواقف المجانية المشينة بإدانة المقاومة بدلاً من الإنتقال إلى صفها والعمل على تحشيد كامل طاقات الشعب الفلسطيني بمواجهة عسف الإحتلال ومشاريعه التي تطاولت على الأرض والانسان والتاريخ والتراث، وكل ما يتصل بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
4-■ إن تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية في مواجهة حرب الإبادة والتهجير تؤكد بما لا يقبل الشك فشل كل الحلول الإستسلامية المفروضة على الشعب الفلسطيني، والأجدر تعلم الدروس والعبر بعد 77 عاماً متواصلة من الكفاح في سبيل التحرر والإستقلال والعودة وتقرير المصير، وفي هذا السياق نشير إلى المبادرات الأهم في الفترة الأخيرة، التي تبنتها دول عربية وأخرى صديقة، ولم تجد طريقها للتنفيذ، لاعتبارات فئوية:
أ) إعلان القاهرة - 2023 والذي أجمعت عليه الفصائل الفلسطينية؛ ب) إعلان موسكو - 2024 الصادر عن الإجتماع الذي إستضافته العاصمة الروسية بحضور جميع الفصائل؛ ج) إعلان بكين – 7/2023 الصادر عن إجتماع الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية، الذي تبنى حلاً يضمن وحدانية التمثيل الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون على رأس مهامها إعادة إعمار غزة والإعداد لانتخابات شاملة.
■ لقد تضمنت الإعلانات الثلاثة مشاريع وطنية وحدوية هامة وفتحت الباب أمام مغادرة حالة الإنقسام واستثمار التأييد الأممي الواسع للقضية الوطنية الفلسطينية، وتعميق عزلة دولة الإحتلال، وإسناد الصمود الكبير للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة؛ لكن هذه الفرص جميعها تبددت أمام إستمرار حالة الإنقسام، واستمرار التعويل على الحلول الامريكية، فقد تجاهلت السلطة الفلسطينية أهمية التمسك بنتائج الحوارات الوطنية – كما حدث في إجتماع المجلس المركزي - 26/4/2025 الذي دعت فيه إلى نزع سلاح المقاومة وتسليم أسرى العدو، الأمر الذي شجع أطرافاً أخرى عربية وإقليمية للتدخل وطرح مشاريع تصفوية للقضية الوطنية الفلسطينية.
■ وعلى خلفية قرار الكنيست – 18/7/2024، أي «معارضته لإقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، معتبراً بأن إقامة مثل هذه الدولة ستشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل وعلى مواطنيها، وستكرس الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وتزعزع الإستقرار في المنطقة»؛ على خلفية هذا القرار إذن، معطوفاً على «قانون يهودية الدولة» أو «قانون القومية»- 2018، نشير هنا أيضا إلى القرار الذي صدر عن الكنيست الإسرائيلي- 27/7/2025( ) ، ويدعو إلى فرض وإحلال السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية، مخالفاً بذلك القوانين والقرارات الدولية التي تعتبر أن الضفة الغربية بما فيها القدس هي أراض محتلة. وعلى الرغم من أن مشروع القانون هذا لا يُعد مشروعاً نافذاً، بل هو إعلان موقف سياسي، ولا يُعد ملزماً للحكومة الإسرائيلية، إلا أن صدوره في مثل هذا الوقت يشكل دعماً كبيراً لكل إجراءات الهدم والتهجير الداخلي في الضفة الغربية التي يقوم بها المستوطنون بحماية الجيش الإسرائيلي تمهيداً للضم القانوني، الذي ليس من المستبعد، لا بل الأرجح أن تعترف به الإدارة الامريكية.
5-■ إعلان نيويورك حول حل الدولتين - 30/7/2025: تناول الإعلان في بنوده الـ 42 مختلف الأبعاد السياسية والأمنية والإقتصادية والإنسانية لخطة عمل تبنتها الدول الـ 20 المشاركة في المؤتمر، من أجل قيام دولة فلسطينية. والمدقق في مضامين ونصوص البنود المشار إليها لا بد وأن يتضح له أنها شروط إستسلام مفروضة على الشعب الفلسطيني من أجل تنفيذ ما يُسمى بالإندماج الإقليمي؛ أي دمج دولة الإحتلال في الإقليم، دون أن تتضمن البنود أية مقومات لدولة فلسطينية. بل تدعو إلى التنازل عن جزء من الأرض وعن حق العودة وعن حقوق السيادة الوطنية.
■ كان الأجدر بالدول الموقعة على الإعلان – وبعض دول الغرب الإستعماري من بينها – أن تستخدم نفوذها من أجل وقف حرب الإبادة والاستيطان والتجويع والتهجير أولاً قبل أن تطلق وعودها بالإعتراف بدولة فلسطين في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2025. نشير أيضاً إلى أن الإعلانات المتتالية للإعتراف بدولة فلسطين من هذه الدول، مع ترحيبنا بها إن إقترنت مع التنفيذ في المواقيت التي حددتها لنفسها، إنما جاءت تحت الضغوط الشعبية المتزايدة في بلدانها، كما جاءت بعد مرور 32 عاماً على إتفاق أوسلو، والذي تجاهل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، عن سابق عمد إصرار.
6-■ المعركة المصيرية التي يخوضها الشعب الفلسطيني سيترتب على نتائجها ملامح المرحلة السياسية القادمة، ذلك أنها تأتي في إطار تحولات دولية وإقليمية كبرى، وحروب ضارية تقودها الولايات المتحدة لإحكام السيطرة على منطقتنا في وجه تمدد نفوذ القوى الدولية الصاعدة، وإدماج دولة الإحتلال في الإقليم. وعليه فإن دور الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم يقتصر على الإسناد والتأييد من الخلف لدولة الإحتلال، بل هي شريك فعلي في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
ومع الأخذ بعين الإعتبار كل عناصر القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية: عسكرياً وسياسياً ومالياً، إلا أن الحلف الصهيوني - الأمريكي لم يكن ليجرؤ على إرتكاب كل هذه الجرائم التي نشهدها، وتوسيع نطاق الحروب عربياً وإقليمياً، لولا الإنقسام الداخلي الفلسطيني والموقف الرسمي العربي الذي أحجم عن إستخدام معظم عناصر القوة الفاعلة والمؤثرة لديها حتى من أجل الضغط لوقف الحرب أو إنهاء حصار التجويع.
■ في ظل هذه الظروف الدولية والعربية فإن الحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أمام تحديات وجودية، تتطلب حسم قضية الوحدة الوطنية على أساس إعتماد إستراتيجية المقاومة الشاملة وبرنامج وطني كفاحي يرقى إلى مرتبة المشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني الإحلالي التوسعي.
علينا أن نستحضر دائماً عناصر القوة الظاهرة منها والكامنة إلى جانب الشعب الفلسطيني واستثمارها، إذ رغم الخسارات الواسعة التي حَلَّت بقيادات وكوادر فصائل المقاومة والدمار الهائل في غزة وعلى جبهات الإسناد العربية، فقد تشكل رأي عام عالمي مؤيد بشدة للقضية الفلسطينية، وفتحت جبهة قانونية عالمية لأول مرة في تاريخ المحاكم الدولية ضد الإحتلال وحرب الإبادة؛ هذا إضافة للخسائر الهائلة التي مني بها العدو ولا زال على الأصعدة البشرية والإقتصادية والهجرة المعاكسة■
(5)
الإتفاقات الإبراهيمية وسياسات التطبيع
■ لم يطرأ تغيير جدي يذكر على المواقف السلبية للأنظمة الرسمية العربية تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني منذ بدء الحرب – 7/10/2023 وحتى الآن، هذا على الرغم من المنعطفات الحادة والخطيرة التي مرت بها مجرياتها:
• بدءاً من إستمرار الحرب التدميرية المفتوحة على الشعب الفلسطيني واستخدام القوة العسكرية الأشد فتكاً ثم بالنتائج الإنسانية المفجعة المترتبة على حرب إبادة متعمدة يتم بثها على الهواء مباشرة أمام سمع ومرأى الجميع؛
• مروراً بتوسيع رقعة الحرب فلسطينياً وعربياً، وإحتلال أجزاء من أراضي الدول العربية المجاورة: لبنان وسوريا، والعدوان المتكرر على اليمن؛
• وإنتهاءً بطرح قيادة الإحتلال لمشروعها السياسي التوسعي بوضوح لا لبس فيه بالهيمنة على الدول العربية والتهديد بإعادة تشكيلها وفق خرائط جديدة، واستهداف الضم القانوني للضفة الغربية والقدس، وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإعادة بناء وهيكلة شرق أوسط جديد(!) تشكل فيه الدول العربية المطبعة مع دولة الإحتلال ضامناً رئيسيا لإدماج دولة الإحتلال فيه.
■ الإستهدافات المار ذكرها تشكل تهديداً وجودياً ليس للشعب الفلسطيني فحسب، وإنما للدول العربية، أنظمة وشعوباً، ويشمل التهديد المصالح الوطنية والقومية لكل دولة عربية على حدة، وللوطن العربي كوحدة جغرافية وسياسية وحضارية واحدة، بكل ما يملكه من خصائص إستراتيجية فريدة وثروات هائلة؛ ومع ذلك، فإن كل هذه المخاطر القائمة والمقبلة لم تحرك ساكناً، ولم تغير شيئاً من مواقف الأنظمة العربية تجاه العدوان المفتوح على الشعب الفلسطيني والبلدان العربية المجاورة.
■ لقد رفضت الدول العربية مخطط تهجير الشعب الفلسطيني، خصوصاً الدول المحيطة بفلسطين- مصر والأردن، وهذا موقف سليم مهما كانت دوافعه لأنه يصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية والعربية في آن، إلا أن هذا الموقف لم يرتبط بوجود مشروع وطني وقومي بمواجهة المشروع الصهيوني الإحلالي التوسعي، لا بل لم يقترن هذا الرفض مع إستخدام أوراق الضغط المؤثرة والفاعلة على كل من الإدارة الأمريكية والقيادة الفاشية للإحتلال من أجل وقف الحرب، أو حتى إدخال المساعدات الإنسانية الملحة إلى غزة وتحديداً من قبل الدول العربية الأكثر تأثيراً في ظل حرب التجويع وفصول الإبادة المروعة.
■ وبعيداً عن التوصيف الأخلاقي للمواقف الرسمية العربية من هذه الحرب، يتوجب علينا تقييم هذه المواقف بما هي عليه سياسياً، من منطلق أنها تُعبِّر عن قبول لمشروع إعادة بناء شرق أوسط جديد بكل تكاليفه السيادية والسياسية، أو التسليم به – قدراً مقدراً - وبخاصة منذ توقيع الإتفاقات والمعاهدات التطبيعية الشاملة مع العدو الصهيوني - الإتفاقات الإبراهيمية، وتلك التي عقدت قبلها والتي ستعقد بعدها مع دول عربية أخرى... لقد إرتضت هذه الأنظمة أن تشكل مع دولة الإحتلال محوراً في مشروع إعادة بناء شرق أوسط جديد، تكون الهيمنة فيه للولايات المتحدة وتندمج فيه دولة الإحتلال وفقا لترتيبات جغرافية وإقتصادية وسياسية وأمنية تتناسب والمصالح الاستراتيجية للحلف الصهيوني - الأمريكي.
■ كان هذا المشروع قاب قوسين أو أدنى من مرحلة التنفيذ وانضمام دول عربية أخرى للإتفاقات الإبراهيمية عشية إطلاق عملية طوفان الأقصى التي أوقفت مسار التطبيع العربي الصهيوني - ولو إلى حين - وفرضت معادلات جديدة: عربياً، إقليمياً ودولياً، لا زلنا نعيش تداعياتها والزلزال الذي أحدثته في منطقتنا العربية والعالم.
لقد أكدت الأنظمة العربية من خلال موقفها من الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني، على خيارها الذي رَسَّمته الإتفاقات الإبراهيمية بالتزاماتها، بغض النظر عن المخاطر الإستراتيجية المتوقعة على بلدانها نظراً للمضامين السياسية الإلحاقية التي تنطوي عليها الإتفاقات، والتي تمس مباشرة المصالح الوطنية والقومية بأضرار بالغة.
■ على صعيد آخر ذي صلة، فقد أدى إتساع نطاق الحرب العدوانية التي يشنها جيش الإحتلال عربياً/ سوريا، لبنان واليمن، وفي الإقليم/ ايران، والتدخلات العسكرية المباشرة إلى إستهداف أهم جبهات الإسناد وتوجيه ضربات موجعة للمقاومة اللبنانية وحاضنتها الشعبية وقياداتها وكوادرها، حتى بعد التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار – 27/11/2024.
الآن تدور معركة سياسية وطنية لبنانية مع الإحتلال والإدارة الأمريكية عنوانها.. سحب سلاح حزب الله، والتهديد بمزيد من الإجتياحات للأراضي اللبنانية. في هذا السياق، تتكثف الضغوط الإسرائيلية الأمريكية على لبنان مقترنة بالتهديدات بالحرب والتقسيم والحرب الأهلية، إن لم يستجب لبنان الرسمي للطلب الأمريكي بسحب سلاح المقاومة. موقف المقاومة اللبنانية صلب لا يتزعزع في مواجهة هذه الضغوط، وتم التعبير عنه تكراراً: التمسك بمعاقلها الرئيسية في لبنان والدفاع عن حيازتها للسلاح، وعن حاضنتها الشعبية في إطار الدولة اللبنانية، إلى أن يتم التوصل إلى إستراتيجية دفاع وطني، ملزمة للجميع، تأخذ على عاتقها دحر الإحتلال والدفاع عن البلد وعن وحدته، وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها.
■ في سوريا قُدرت الأراضي السورية المحتلة من قبل الجيش الإسرائيلي بعد 8/12/2024 بحوالي 600 كم2، تتوزع على محافظات ريف دمشق، درعا، القنيطرة وتقع جميعها في الجنوب السوري، إضافة لسيطرة الإحتلال على قمم جبل الشيخ، ومساقط المياه في حوض اليرموك، وسيطرته على سدود المياه بكل ما يشكله ذلك من تهديد للأمن المائي السوري والأردني أيضاً. وتتمثل المخاطر الأخرى في التدخلات العسكرية والأمنية المباشرة الإسرائيلية والأمريكية في سوريا، والعمل على تأجيج الإنقسامات والفتن الداخلية، بهدف عزل محافظة السويداء واستعادة «التجربة البائسة لجماعة لحد» في لبنان، بإقامة كيان مرتبط مع الإحتلال. واستثمار هذه المنطقة الحيوية بثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي الهام.
إن التحديات الأشد خطورة في أوضاع سوريا ولبنان تتمثل في بقاء الإحتلال الإسرائيلي جاثماً على جزء حيوي من التراب الوطني، وتوسيع المجال الحيوي الأمني والإستراتيجي، واستخدام القوة العسكرية لمزيد من التوسع والإبتزاز السياسي وفرض واقع التقسيم في البلدين الشقيقين على أسس عرقية ودينية وطائفية ترويجاً لـ «حلف الأقليات» ولضمان إستمرار الصراع الداخلي المدمر وإلحاق سوريا ولبنان لاحقاً بالإتفاقات الابراهيمية، أو ما يشاكلها.
■ في اليمن: حافظت جبهة الإسناد على موقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية والإنتصار لغزة تحت الحرب والحصار ويسجل التاريخ لليمن الشقيق ومقاومته الشجاعة هذا الموقف الصلب رغم العدوان الأمريكي والإسرائيلي المتكرر عليه وتهديد قادته. لقد إستطاعت جبهة الإسناد في اليمن إلحاق الأذى والأضرار البالغة بالعدو ومصالحه التجارية في البحر الأحمر، إضافة إلى استمرار توجيه الضربات للداخل الإسرائيلي■
(6)
في دور الحركة الجماهيرية العربية المنظمة
■ بشكل عام، بقيت التحركات الشعبية العربية منذ بدء الحرب وحتى يومنا، دون مستوى الإستجابة لمتطلبات المرحلة في التصدي للمخاطر الكبرى التي يمثلها المشروع الصهيوني الإحلالي على منطقتنا العربية برمتها، حيث إقتصرت التحركات الشعبية على عدد محدود من البلدان العربية: الأردن، اليمن، المغرب وتونس، بينما غابت تماماً عن ميادين وساحات دول عربية أخرى.
اللافت للنظر أيضا ضعف الدور المفترض للمؤسسات البرلمانية والمؤسسات التمثيلية الأخرى مثل النقابات المهنية والعمالية ومنظمات حقوق الانسان، والحركات الطلابية والنسائية وأساتذة الجامعات.. الخ، وباستثناء البيانات والمواقف الصادرة عن عدد منها، لم يكن لهذه المؤسسات الشعبية والتمثيلية دور مؤثر في قيادة الحركة الجماهيرية.
■ تشير هذه الظاهرة السلبية إلى حجم التراجع والوهن الذي أصاب الحركة الجماهيرية العربية وقواها المنظمة، منذ توقيع أولى الإتفاقات مع العدو الصهيوني في أواخر سبعينيات ق 20، ونشوء معادلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني. فقد إعتمدت الأنظمة الحاكمة منظومة تشريعية وسياسية لقمع الحريات ومصادرة دور المؤسسات البرلمانية والحزبية والنقابية والجماهيرية عموماً مقابل إحتكار السلطة والقرار الوطني.
وكانت أحد الثمار المرّه لهذا الوضع: بروز تيار سياسي يتبنى علناً مفاهيم معادية للمقاومة ولحق شعوبنا العربية في تقرير مصيرها، وهو نفسه التيار الذي يروج أصحابه لأفكار الإستسلام أمام الطاغوت الذي تمثله قوة الحلف الإمبريالي - الصهيوني، وينكرون على دول في الإقليم حقها في رد العدوان الصهيوني الأمريكي والدفاع عن مصالحها الوطنية، ويروجون للقبول بالواقع الذي يفرضه الحلف الصهيوني - الإمبريالي ومشاريعه المشبوهة.
■ وعلى الرغم من الإنحياز الشعبي العربي لمفاهيم التحرر الوطني والإستقلال والتأييد الواسع للمقاومة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء عبر عن نفسه في التحركات الميدانية أم بوسائل أخرى، إلا أن محدودية وغياب الإحتجاجات الشعبية على حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني والتغاضي عن مخاطر المشروع الصهيوني التوسعي عربياً وإقليمياً تستحق إستخلاص الدروس والعبر وعلى رأسها العمل الفوري على إستعادة المؤسسات الجماهيرية لدورها الوطني بما يمكن من توفير الأدوات القادرة على مواجهة التحديات السياسية والإقتصادية التي تواجه خطر الهيمنة الشاملة على البلدان والشعوب العربية.
لقد دفعت بلداننا العربية وشعوبها أثماناً باهظة نتيجة السياسات الإحتكارية ومصادرة الحقوق الديمقراطية المشروعة، الأمر الذي يضع هذه القضية على رأس جدول أعمال المؤسسات الحزبية ومؤسسات الحركة الجماهيرية. كما يتوجب على المؤسسات التي تقف وراء الحركات النسائية والطلابية والشبابية أن تراجع دورها وبرامج عملها وفقاً للمعادلات السياسية الجديدة، فلا مجال للحياد في الشأن العام وواجب المشاركة في الدفاع عن الوطن وسيادته وكرامته.
■ أثبتت التداعيات السياسية الواسعة للحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني منذ إندلاع الحرب، أن مقاومة العدو ممكنة وواقعية، وتستطيع أن تفرض معادلات جديدة على موازين القوى حتى في ظل التفوق العسكري والإقتصادي والتكنولوجي للدول الإمبريالية. كما أن هناك قنوات وأدوات متعددة ومتنوعة للمقاومة بدءاً من توفير الأدوات لمواجهة الإختراقات الثقافية والتضليل الإعلامي، مروراً بحملات المقاطعة، وليس إنتهاءً بفتح جبهة قانونية وحقوقية واستثمار الجهود الأممية العظيمة التي قامت بها دول صديقة موزعه على جميع القارات عندما رفعت دعوى إلى محكمة العدل الدولية، وأخرى إلى محكمة الجنايات الدولية ضد حرب الإبادة التي يشنها جيش الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني؛ فهناك وقائع تسبب بها الإحتلال الأمريكي – الأطلسي والعدوان على شعوبنا العربية في ليبيا والعراق وغيرها من البلدان، ذهب ضحيتها مئات الآلاف، وشرد على أثرها الملايين وتم تدمير مقومات الدول، لغرض الإستيلاء والهيمنة على الثروات والتحكم بمصائر الشعوب. هذه الحقائق يجب أن تتحول إلى قضايا عادلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الدول والشعوب، حتى لا تتوسع أكثر من ذلك في عالمنا العربي، ولا تتكرر في بلدان أخرى■
(7)
العدوان على إيران .. إستهدافات متعددة
■ العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران لم يكن مفاجئاً، كذلك كان متوقعاً الرد الإيراني الناجح على منشآت دولة الإحتلال وجيشها، بعد التهديدات المباشرة السياسية والميدانية والضربات الموجعة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله ومقاومته في لبنان، وإثر الإطاحة بالنظام في سوريا، فقد شكلت إيران على إمتداد السنوات الماضية إسناداً مادياً وعسكرياً وسياسياً رئيسياً لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، كان من شأنها أن تسهم في مراكمة عناصر قوة رئيسية لإدامة الصمود والمواجهة لمشاريع الإحتلال وحربه التدميرية.
كما تقاطعت أهداف ومصالح الولايات المتحدة ودولة الإحتلال عند نقطة ضرب إيران من أجل النيل من قوتها النووية والعسكرية وكذلك نظامها السياسي الصديق للقوى الدولية الصاعدة: الصين وروسيا، أي تلك الدول التي تصطف إيران معها في مواجهة الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة وسياساتها.
■ في السنوات الاخيرة أصبح لإيران نفوذ واسع في المنطقة العربية بتموضعها في القلب من غرب آسيا، وذلك من خلال علاقاتها وإسنادها لقوى التحرر العربية وفصائل المقاومة، وهذه المنطقة تعتبرها الولايات المتحدة ميدان نفوذها التقليدي في إطار الصراع القائم في مرحلة التحول التاريخي نحو التعددية القطبية، التي نعيش أولى فصولها وأشدها ضراوة.
أحدثت الضربات العسكرية الأمريكية تحديداً أضراراً كبيرة في القوة النووية الإيرانية، ولكن – حسب التقارير المتتالية – لم يتم القضاء عليها، ولا زالت إيران تحتفظ بالقدرة على تجددها؛ كما واجهت إيران العدوان برد عسكري رادع للقوة العسكرية لدولة الإحتلال، وكان لهذا الرد أهمية شديدة في موازين القوى العسكرية والدولية.
العدوان على إيران لم ينته بعد واحتمالات تكراره لا زالت قائمة، بل أن إستمرار الصراع وإدامة وتوسيع ميادين الحرب في منطقتنا لا زال يشكل محوراً أساسياً في إستراتيجيات الحلف الأمريكي - الصهيوني، بدأبه على إشعال الحروب في أكثر من منطقة في العالم حتى لا يفقد السيطرة أمام «نذر» التحولات الجارية في موازين القوى الدولية■
(8)
الصراع في المنطقة
على إيقاع إعادة بناء نظام دولي جديد
■ تشكل الحرب الطاحنة الجارية على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية بكل تداعياتها العربية والإقليمية، أحد أوجه الصراع الدولي على النفوذ في منطقتنا ذات المزايا الإستراتيجية؛ فالولايات المتحدة الامريكية التي تدير هذه الحرب من ألفها إلى يائها، تسعى بكل ما تملكه من أدوات قوة عسكرية وماليه وتكنولوجية، لإدامة هيمنتها على العالم، ولا تتوانى عن إستخدام كل المحرمات والإنتهاكات: العسكرية منها والسياسية والقانونية، في سبيل الدفاع عن هذه الهيمنة في وجه القوى الدولية الصاعدة والتي تشكل تهديداً لنفوذها يوما وراء يوم.
■ جاء مشروع «إعادة بناء الشرق الأوسط الجديد» في هذا الإطار، حيث يقوم الحلف الإمبريالي - الصهيوني بتفكيك البنى القديمة للدول الوطنية ومؤسساتها ومصالحها القومية التي تشكلت في مرحلة الإستقلال الوطني والعمل على تدمير قوى المقاومة ضد الإحتلال، وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وكل القضايا التحررية العربية ذات البعد الاستقلالي من أجل إحلال هياكل جديدة محل القديمة، تابعة تماماً للقوى الإستعمارية سياسياً وأمنياً واقتصادياً ووجودياً.
■ إلا أن هذه الأهداف العدوانية ليست بالضرورة أن تكون قابلة للتحقيق، حتى وإن نجح العدو في بعضها، ذلك أن قوى دولية جديدة صاعدة بدأت بالظهور منذ عقدين من الزمن، وبدأت ملامحها تتشكل من خلال أحلاف إقتصادية وسياسية، مجموعة بريكس – على سبيل المثال - عقدت قبل شهرين قمتها الـ 17، وكانت قد بدأت بأربع دول، واليوم تتشكل من 11 دولة عضو + 8 دول شريكة، وهذه الدول موزعة على قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وتشكل 50% من مساحة الأرض وعدد سكانها 45% من سكان العالم، ويسهمون بما يزيد عن 50% من نسبة النمو العالمي، حيث أكدت نتائج البيان الصادر عن قمة البريكس على مايلي:
• الإلتزام بالتعددية الإقتصادية ودعم القانون الدولي والحوكمة العالمية، وضرورة تعزيز التنمية المستدامة وضمان تعزيز وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع. والتأكيد بأن القطبية التعددية توسع آفاق الدول الناشئة والنامية لتطوير إمكاناتها.
• مطالبة صندوق النقد الدولي بإيجاد صيغة جديدة للحصص وتوزيعها على الأعضاء وفق شروط جديدة بحيث لا تكون على حساب الدول النامية وطالب منظمة التجارة العالمية بقواعد تجارية جديدة، والعمل على الإصلاح الضروري للمنظمة. كما أكد البيان على تعزيز الهيكل الصحي العالمي وتحقيق العدالة في الوصول إلى خدمات الرعاية خاصة في الدول النامية.
• وعلى الصعيد السياسي، فقد أدان البيان فرض العقوبات الإقتصادية أحادية الجانب والتي لم يعتمدها مجلس الأمن الدولي مؤكداً أنها تشكل تهديداً للتعددية واحترام سيادة الدول. وطالب البيان بوقف فوري للإبادة الجماعية في غزة وحَمَّل دولة الإحتلال المسؤولية عن الحرب المستمرة وعلى الشعب الفلسطيني.
■ إن أفولاً تدريجيا لدور الدولار الأمريكي المهيمن والمتحكم في العلاقات الدولية بالتوازي مع صعود القوى الدولية المناهضة لنظام القطب الواحد، وإنحسار متدرج لدور صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية التي تعتبر أدوات سيطرة إقتصادية وسياسية بيد الولايات المتحدة والدول الرأسمالية. إنه لمن دواعي المصلحة الوطنية والقومية أن تتحرر بلداننا من سطوة النظام العالمي المالي الحالي والإنطلاق نحو تعددية ماليه متحررة من السيطرة السياسية، في كل الأحوال فهي الأفضل من التبعية للنظام المالي الذي يتحكم به الدولار ويسمح ويشرع العقوبات على الدول ويحكم السيطرة الكاملة على التدفقات المالية. كما ستؤدي حتماً التعددية في الأنظمة الإقتصادية والمالية إلى تعددية سياسية، أقل توحشاً وأكثر عدالة، مما يجعل التعددية القطبية لصالح كل البلدان والشعوب الساعية للتحرر والاستقلال■
آب/ أغسطس 2025



#حزب_الشعب_الديمقراطي_الاردني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى مرور 106 أعوام على وعد بلفور المشؤوم
- بيان صادر عن اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي الاردني - ...


المزيد.....




- ماذا قالت البطلة الأولمبية الجزائرية إيمان خليف عن شائعات اع ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن بدء الخطوات الأولى للسيطرة على مدينة غ ...
- في رسالة من سجنه بوعلام صنصال يندد ب “استبداد النظام الجزائر ...
- -ما وراء الخبر- يناقش دوافع جلوس سوريا المباشر مع إسرائيل
- قوة إسرائيلية خاصة تعتقل الصحفي الفلسطيني معاذ عمارنة
- كيف نفذت القسام إحدى أعقد عملياتها ضد الاحتلال منذ بداية الح ...
- نزاع قضائي جديد بين الحكومة البريطانية وأنصار القضية الفلسطي ...
- الجنائية الدولية: العقوبات الأميركية هجوم صارخ علينا
- تنديد واسع بخطة التوسع الاستيطاني بالضفة
- إسرائيل تبدأ الهجوم على مدينة غزة و81 شهيدا بالقطاع منذ فجر ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حزب الشعب الديمقراطي الاردني - المخاطر التي تتهدد البلاد في إطار الصراع المحتدم في المنطقة