|
داروين أو العالم الملعون
هاني الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 02:59
المحور:
قضايا ثقافية
ماذا تعرف عن نظرية داروين؟ : أصل الانسان قرد !. ومن هو داروين ؟ : هو ذاك الشخص الذي ساوانا بالقردة !. هل قرأت كتاب داروين - أصل الأنواع - ؟. لا أبدا !. كيف حكمت على داروين دون أن تقرأ له ؟ . حكمت عليه مما يقال عنه !. ومن الغرائب أن كتاب داروين " أصل الأنواع" الذي ضمنه نظريته في التطور والانتقاء الطبيعي ، لم يورد ولو جملة واحدة ، يقول فيها أن أصل الانسان قرد ! . القليل ممن يتحدث عن داروين بصفته كعالم ، بينما العديدون يبطنون رغبة دفينة في تجريده من صفته تلك ، ليتبعوها بالنيل منه واحتقاره . شارلز داروين هو عالم التاريخ الطبيعي وإحيائي ( بيولوجي ) وجيولوجي بريطاني ، عاش خلال القرن 19 وينحدر من عائلة علمية ، فأبوه كان طبيبا وجده عالما ، وأشهر ما اكتشفه هو نظرية التطور . ورغم أن داروين خلص الى نظريته بعد عشرات السنين من التجارب والبحث والتنقل والدراسة ، واعتماده دراسات لعلماء كثر ، منهم من عاصرهم ومنهم من سبقوه للوجود ، فقد تعرض ونظريته لهجوم سافر من طرف المجمعات الكنيسية والأديرة ( رجال الدين في أوروبا وأمريكا حيث انتشرت نظريته ) ، ولاحقا من طرف الفقهاء المسلمين بعدما وصلتهم أصداء النظرية والاحكام التي ذاعتها الكنائس في حقها . فإذا كان داروين قد رسم لنفسه مسارا علميا صرفا ، وتجنب الخوض في امور الدين والسياسة والكنيسة ، فهاته الاخيرة ، أزعجتها أبحاثه ونظريته ، وقادت هجوما عنيفا عليه ، كما سار في دربها جوقة من المثقفين والاكاديميين ، خاصة لما قدمته هاته النظرية من براهين زعزعت المفاهيم العلمية المعروفة في ذلك الوقت . فنظرية داروين اعتمدت في الدارسة والبحث والتجارب على مجموعة من الكائنات الحية : نباتات ، طيور ، حيوانات ، زواحف ، أسماك ...، وخلصت الى الميزات المشتركة عند نفس النوع وباقي الانواع ، وكيف تتكيف وتتغير هاته الميزات من بيئة إلى أخرى ، وكيف تنمو أو تضمحل الأعضاء حسب الظروف البيئية المستوطنة لها ، والكائنات التي تعجز عن التكيف يكون مآلها الانقاراض، ومن تكيفت منها يطرأ عليها تغيير في بنيتها وهيئتها طيلة مرحلة التكيف ، وهكذا نجد أن بعض الاعضاء قد تنمو بوثيرة أكبر مما كانت عليه في بيئتها السابقة ، والبعض الاخر قد يتراجع نموها بسبب عدم استعمالها أو لقلة اعتمادها في البيئة الجديدة ، فتتوارث الاجيال اللاحقة هاته الخواص الجديدة ...وبعد آلاف السنين سنجد أنفسنا أمام كائن بهيئة وبنية جديدتين ، وكأنه لا علاقة له بأجداده السابقين .. وتطور الكائنات يقرأ بآلاف السنين إن لم نقل بملاييين السنين ، وتشمله الصفات الوراثية ، والقدرة على التكيف ، والغرائز المكتسبة والتهجين ... وعلى سبيل المثال ومن أجل الايضاح أكثر ( ليس مثال علمي خاضع للبحث والدراسة والمتابعة ) ، فإذا قمنا بتهجين ذئب وثعلب ( أنثى) ، ونتج عن ذلك أربعة جراء ، جروين ذكرين أحدهما تغلب عليه الصفات الوراثية لأمه الثعلب ، والثاني لأبيه الذئب ، وجروتين بصفات أمهما الثعلب، وافترضنا ان غريزة التزاوج يكون فيها الغلبة للأنثى الثعلب ، أي ان الانثى هي من تختار مع من تتزاوج ،فإن الجرو ذو الصفات الوراثية لأبيه الذب سينقرض مع مرور الزمن ، لأن الجروتين ستميلان للتزاوج مع الذكر ذو الميزات الوراثية الثعلبية ، وهكذا دوليك ومع مرور الزمن سنصل الى نوع جديد من الحيوان لاهو ذئب ولا هو ثعلب ، لكنه ينحدر من جدين متقاربين وبدورها ينحدران من جد مشترك .. فإذا كان داروين قد سبر أغوار الحياة وخلص لقوانين التطور والانتقاء الطبيعيين، فهناك من اعتمد نظريته وطبقها على بني البشر ، فصادف أوجه التشابه الكبير بينهم وبين القردة ، ليعلن أن النوع البشري حتما يلتقي مع الاجداد المشتركين مع القردة ، لتأتي الفكرة المتداولة أن أصل الانسان قرد ..هذا رغما أن داروين نفسه وبتواضعه الكبير وايمانه بتطور العلم ، لم يغامر باعلان هاته الخلاصة ، وتركها للعلماء اللاحقين ، والذين ستسعفهم التراكمات العلمية والاكتشافات اللاحقة في تحديد تاريخ ظهور الانسان فوق الارض ، وتحديد أجداده الأولين ، وهو ما يمكن للفرد التأكد منه من خلال مراجعة نظرية التطور الصادرة في كتابه " أصل الأنواع " حيث لم يورد ولو جملة واحدة تفيد أن أصل الانسان قرد . الاستنتاج السابق ، أثار زوبعة حول ما جاءت به نظرية داروين ، مما ترتب عليه هجوما عنيفا على هذا العالم ونظريته ، بلغ حد حظر كتابه في العديد من الدول ، والهجوم المستعير لم يكن من باب النقد العلمي وكشف نواقص النظرية أو عجزها وبالتالي تقديم ما يدحضها علميا ، بل فقط انساق الجميع للهجوم بناء على تفاسير وتخيلات وتأويلات محكومة بالأفكار المسبقة حول صيرورة الخلق ، فالأغلبية الساحقة كان لها إيمان مطلق بتفرد النوع البشري وتميزه ، هذا التفرد والتميز غذته جميع الاديان ، والتي رسخت مفاهيم مطلقة عن الوجود عامة ووجود الانسان خاصة، فلا سواء اليهودية أو المسيحية أو الاسلام ، باعتبارها أكثر الديانات انتشارا فوق الارض ، ولها امتداد زمني في حدود تصورات مجمل بني البشر ، قدمت الوجود البشري كرغبة خارجة عن إرادته ، متحكم فيها من جهة أقوى مما يمكن تصوره العقل البشري ، مجملة ذلك في الاله أو الخالق القادر الواعي ، هو من يقف خلف كل هاته المخلوقات ، واعتبارا لصفة العلم والوعي والقدرة والادراك وغيرها مما نعرف بها الخالق ، فلابد أن ينتج مخلوقه البشري على الصفة والهيئة المحبذة لدى كل بني البشر ، أي خلق الله الانسان على أحسن تقويم. هذه الترسبات التي عمرت قرونا من الزمن ، لن يكون من السهل التداول فيها أبالأحرى التشكيك فيها .. وعلى مر العصور لم يقف رجال الدين موقف الحياد ، مما يصله العلم من تطور واكتشاف واختراع، فكلما وصل العلم الى اكتشاف يتنافى والتعاليم الدينية ، الا وانتفض رجال الدين على العلم والعلماء . فإذا كان موضوع العلم الحياة والطبيعة والكون ، يسبر الأغوار ويقدم الحلول ويحدد القوانين ، فإن رجال الدين ممن يمتلكون سلطة الكلام باسم الالهة ، يترقبون ويترصدون وينتظرون في الزاوية ، فإذا جاء الاكتشاف بما لايقوض ولا يشكك ولا ينازعهم سلطانهم على العامة ، سارعوا لمباركة المولود العلمي ، بل ويغلفونه بترانيمهم ومن ثمت يقدمونه للعامة باعتباره تأكيدا ودعما لرؤيتهم وسلطانهم ، وبالمقابل كلما كان الاكتشاف مناقضا ومتعارضا مع تعاليم الأديان وشرائعها ، فإنهم يعلنون الحرب ويؤلبون العامة ضدا في العلم والعلماء ، واعتبارهم زنادقة ملحدين كفرة . ومن المؤكد أن الوجود ظل سؤالا يؤرق عقول البشر منذ ما قبل التاريخ والى اليوم ، فليس هناك من إجابات سوى اثنتين : الأولى : اجابة دينية تقول بان الانسان خلقه الله ، ويجب الايمان والتصديق بذلك ، من دون طرح أسئلة فلسفية من قبيل : متى ، وكيف ولماذا ؟. والثانية : تشمل محاولات العلم الاجابة عن سر الوجود ، بمتى كان الوجود ، وكيف انوجد ، ولماذا هذا الوجود ؟ . وككل علم ، جاءت نظرية التطور لتكشف لنا جزءا مهما من صيرورة تطور الكائنات الحية ، ومن بينها طبعا الانسان ، فأخضعته لقوانين الطبيعة ، لتعلمنا اننا خضنا صراعا مريرا مدافعين عن سر بقائنا كبشر ، واننا تطورنا وتكيفنا واصبح منا الاسود والاصفر والقصير والطويل ، والقزم والعملاق ... واننا حتما قدمنا من أسلاف كانوا في هيئة أخرى ، مثلهم مثل باقي الوحوش يفترسون ويقتاتون على ثمار الأشجار.. ففك الانسان الحالي لن يصمد في تدبير معيشه في حال غابت السكين وأدوات الطبخ الحالية ... وهاته الحقيقة ترعب بني البشر الحاليين ، المتحضرين والمتمدنين الذين يلبسون على قد أجسادهم ، ويسخرون الحيوانات والالات لخدمتهم ، بل ويتفننون في الشعر والادب وموائد الطعام . اننا توارثنا صفات الجمال وطورنا ذواتنا منذ قديم الزمان ، الى أن صرنا نرى أنفسنا أسياد الجمال والحسن مقارنة مع كل الكائنات، فقد توارثت وطورت الأجيال هاته الطبائع والصفات منذ آلاف السنين ، وما لبثت تزداد تطورا مع تقدم الطب وعلوم التغذية ..فمن كانت أسنانه متوحشة سارع منذ الصغر الى تقويمها ، ومن منا يحمل عاهة أو اعوجاج في جسده ، إلا والتجأ للطب لاصلاحه ...هكذا ومع توالي الأجيال وتقدم العلم ورثنا ونورث لمن يأتي من خلفنا صورة الانسان القويم .. ان الطفل الصغير ، قد تعرضه للبكاء بشدة ، إن نعثته بالقبيح ، فما بالك بالقول للراشد أن أجدادك قردة أو يشبهونهم ، فحتما سينتفض في وجهك ، ولو كنت عالما سيجردك من صفتك ، ويحتمي بالدين وتعاليمه ، ويتسلح بسياطه اللاذعة ، ليهاجمك من دون رحمة ، لقد أهنت كبرياءه من خلال تخيله في صورة قبيحة بشعة ، من المنظور الأخلاقي الحديث للجمال ، فيتحول العالم في نظره الى مجرد كافر ملحد زنديق ، يسيء لصورة الله في عباده ، انك تنزع عنه صفة الجمال التي لفته بها الديانات وكشفت له ماضيه القبيح ، فهو حتما سيبحث عمن يسانده ويدفع عنه هذا البلاء ، فلا يجد من حمى سوى رحابة الدين التي تدلله ( من الدلل) كطفل صغير . تريث عزيزي ، فأنت لست قردا ولا جدك كان قردا !. وداروين نفسه لم يقل عنك ذلك ، ولكن تأكد أنك كنت متوحشا ، وهل نسيت أولى دروس التعليم الإبتدائي ؟ التي أخبرتك أن أسلافك كانوا عراة ، وكانوا يجدون صعوبة بالغة في إيقاد النار . عزيزي لولا الفكين العريضين اللذان امتلكهما أسلافك ، لما كنت أنت اليوم بفكي فمك الضيق الأنيق ، ففكيك الحاليين يقدم لهما الطعام جاهزا ولا يتطلب الأمر قوة الافتراس، فبفضل السكين وأدوات الطبخ ،أصبح من السهل تناول الطعام، بل يكفيك فقط المدغ المهذب ، وها جسمك مزود بما يحتاجه ليكون قويا ، أما أسلافك فكان يلزمهم فكان عريضان وأسنان قوية حتى يتمكنون من الافتراس والقطع والمدغ ومد الجسد بما يلزمه للنمو والقوة . عزيزي، ان الدلاحة ( البطيخ الاحمر) البيضاوية الشكل ، تحتج بشدة وترفض أن يكون الدلاح المربع الشكل من جنسها ونوعها ،( وصل العلم الى التحكم في الشكل الهندسي للدلاح وجعله مربع الشكل لتسهيل عملية شحنه ونقله ) عزيزي ، ان العلم لا يراعي مشاعرنا ، انه يتقدم ، يعري ويكشف ويساعد ... انه مجرد من العواطف ، فلا تزمجر ولا تتذمر إن قيل عنك وعني أننا كنا متوحشين ، ولكنه ولحدود اليوم ورغم الشبه الكبير بين الانسان والشامبونزي والبونوبو ، فهو لم يصفعك بتيجة نهائية ، ويخبرك انك وهاته القردة تشتركان في نفس الجد .. والاكيد أن أجدادنا لم يعودوا معنا ، فقد حنطهم التاريخ ، وهاهو كل مرة ينبئنا من خلال الأركيولوجيا والانطروبولوجيا والبيولوجيا وغيرها من العلوم ، بأن أجدادنا لن يختلفون كثيرا عن هؤلاء الذين يرعبك شكلهم . عزيزي أنا مثلك ، أميل لقبول ما جاءت به الأديان حول الخلق والوجود ، فعلى الاقل توفر علي الكثير من الجهد العقلي الذي استغله في النوم والاستمتاع ومغازلة النساء ، كما أجد نفسي ممتنا لهاته الأديان التي رفعتني درجات عن الحيوان وتصور لي ماضي في أبهى حلة ، مقبولا ومحبوبا عندي ، كما أخبرتني أنني امتلكت لساني وكسيت عورتي منذ أن وجدت ، انا كذلك أكره كل شيء قبيح عن ماضي ، ومن منا يسره الماضي القبيح ، لا أحد طبعا !! عزيزي ، هاهي النتيجة أمام عينيك بارزة ، فكم هو أناني ومتعجرف ومتغطرس هذا الانسان ، الذي يرفض القبح ويتسابق على الحسن والجمال ، بل هو مستعد لحرق نظرية علمية عرت عورته القديمة ، فيستعير سلاح الكفر والزندقة والالحاد لمهاجمتها ، رغما أنه لم يطالعها مطلقا ، ألم أقل لك أننا كسالى نحب الأجوبة الجاهزة السهلة ، وغير مستعدين لبذل الجهد من أجل الفهم والإدراك .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مستحيل-.. الشرع يرد على مطالب تقسيم سوريا و-الاستقواء- بإسر
...
-
لاريجاني: اختراق إسرائيل لإيران موضوع جدي وتجب مواجهته
-
عاجل | مصدر بمستشفى المعمداني: 7 شهداء في قصف من مسيرة إسرائ
...
-
ميلانيا ترامب تكتب رسالة إلى بوتين.. ماذا جاء فيها؟
-
مسؤول أمريكي لـCNN: ترامب دعا عددًا من القادة الأوروبيين لحض
...
-
خطة ماكرون الجديدة في أفريقيا
-
نائب رئيس الحكومة اللبنانية للجزيرة: علينا تجنب التخوين والت
...
-
هل تغير موقف ترامب بعد قمة ألاسكا؟
-
انفجار عبوة ناسفة في سيارة قديمة بدمشق دون إصابات
-
ليست حربا للانتقام بل للإبادة
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|