أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امير وائل المرعب - زياد الذي غيرني














المزيد.....

زياد الذي غيرني


امير وائل المرعب

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 21:30
المحور: الادب والفن
    


في حضرة الرحيل الذي لم يأتِ، رحيلٌ فنيٌّ سبق أوانه، رحيلٌ أبدعه زياد الرحباني في وجداني، هذا الفنان الفذّ، الساخر بمرارة، والمبدع حتى الثمالة. كيف لا وهو سليل شجرتين مباركتين: الأخوين رحباني، عباقرة النغم الشرقي، والسيدة فيروز، الصوت الملائكي الذي يرتقي بالروح. ولأن اليسار يسكنني، وجدتُ في زياد رفيق الدرب، هو من أنزل الأيقونة فيروز من برجها العاجي، لتغني للشارع، لآلام البسطاء وأحلامهم المجهضة.
عليّ أن أعترف، لم تكن أذني في البدء تألفُ صوت السيدة فيروز. كنتُ أجدُ في طبقة السوبرانو التي تمتلكها صدىً لتراتيل كنسيّة، وأنا الهارب من كل ما هو ديني، من كل تضرّعٍ وابتهال. كانت أذني تطربُ للأصوات الشجيّة، ذات القرار العميق، كصوت أم كلثوم الذي ينسابُ في عروق الروح، أو بحّة سعدي الحلي الحزينة التي تروي حكايات الريف العراقي، أو أنين رياض أحمد الذي يشبه نواح النخيل.
ولكن، كما تتغير الفصول، تغيّرتْ في داخلي قناعاتٌ راسخة. كانت أغنية "بغداد" هي الشرارة، هي اللحظة التي تهاوت فيها جدران النفور. استمعتُ إليها، فأسرتني كلماتها، وسحرني لحنها، وأدهشني أداؤها العبقري. شعرتُ بشيءٍ كبيرٍ يتغير في داخلي، وكأنّي أكتشفُ قارةً جديدةً من الإبداع لم أطأها من قبل.
منذ تلك اللحظة، بدأتُ رحلة استكشافٍ لعالم الأخوين رحباني وزياد، وتوقفتُ طويلاً عند رائعة "ع هدير البوسطة". يا لها من لوحةٍ فنيةٍ متكاملة! قصةٌ من صميم الواقعية الاشتراكية، تروي حكاية حبٍّ بسيطةٍ بروحٍ ساخرةٍ، وتنبضُ بحياة الشارع. أما موسيقاها، فكانت تحفةً فنيةً، بتلك البداية الهادئة التي تتسارعُ شيئاً فشيئاً، كعجلات بوسطةٍ تنطلقُ في رحلتها، في تصعيدٍ نغميٍّ عبقريٍّ أبدعه الوالد عاصي، فزادها جمالاً على جمال. ولا أنسى حفل باريس، تلك الأيقونة الخالدة التي أصبحت جزءاً من تراثنا الإبداعي.
واليوم، وقد بلغت السيدة العظيمة التسعين من عمرها، أطال الله في بقائها، أصبحتْ رفيقة يومي. أستمع إليها كل صباح، وأجد في صوتها سلوى وعزاء. وتأخذني أغنية "بعدنا" إلى عوالم أخرى، إلى التمسك بالوطن رغم جراحه، رغم الحرب الأهلية التي مزّقته. تؤثر فيّ كلماتها أيّما تأثير، فأنا الذي اخترتُ الرحيل، أنا الذي لم أعد أحتمل رؤية وجوه المجرمين على شاشات التلفاز، أجد في صوتها دعوةً للعودة، للتشبث بالجذور.
هكذا، وبفضل زياد الرحباني، تصالحتُ مع صوت فيروز، واكتشفتُ فيها فنانةً عظيمةً، تحمل هموم وطنٍ بأكمله في حنجرتها. وهكذا، أصبح رحيل زياد الفني، ولادةً جديدةً لي، ولادةً فنيةً غيّرتْ نظرتي إلى الموسيقى والحياة.

أمير المرعب -2025



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهاب جيكور
- الكون الواعي: بحث في الضبط الدقيق، والواقع الكمومي، وطبيعة ا ...
- العراق عبر العصور 10 الاف عام من الحضارة والصراعات
- المادة والوعي
- رقصة الالكترونات هل تحمل مفتاح اللغز
- المادة الوعي الديالكتيك
- حوار مع الذكاء الاصطناعي عن لغز الوجود
- لغز الوجود
- حقوق الطفل العراقي ومساهمة منظمة هشام الذهبي


المزيد.....




- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امير وائل المرعب - زياد الذي غيرني