|
مهازل وأكاذيب من وحي الدولة الفلسطينية
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- فرحنا جميعا وبحسن نية بإعلان بعض الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وكندا بأنهم سوف يعترفون بإقامة دولة للفلسطينيين، ولكن بتحليل الاسباب التي دعت هذه الدول الي التقدم بهذا الاعلان نجد أن موقف حكوماتها تجاه تصاعد الاحتجاجات الشعبية والاعلامية في الداخل ضد التوحش الاسرائيلي ومساندة الغرب لها بشكل مستفذ بات محرجا لهذه الحكومات ولذلك كان لابد لها أن ترضي شعوبها وتحسن صورتها أمام العالم بإصدار هذا الاعلان. ولكن رئيس الوزراء البريطاني كان خبيثا في إعلانه حيث قال ما معناه أنه سوف يعترف بدولة للفلسطينيين في سبتمبر القادم عندما تنعقد الأمم المتحدة ما لم تكف إسرائيل عن حصار وتجويع الفلسطينيين في غزة، وهذا يعني ضمنا انه يكفي إسرائيل أن تخفف من حصارها قليلا وتسمح بفتح المعابر لفترات أطول فيكون المقابل ألا تعترف بريطانيا بدولة فلسطينية. الرئيس الفرنسي كان أذكى من رئيس وزراءنا إذ أنه غير المعادلة قليلا بالقول إنه ردا على العدوان الاسرائيلي غير الانساني فأنه سوف يعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر، ولو أنه صادق النية لاعترف بها في بداية العدوان الإسرائيلي وليس بعد عامين وبعد تدمير غزة بالكامل وانتفاء كل مقومات الحياة في القطاع. أما حركة حماس فقد صرحت مؤخرا بإنها لن تفرج عما تبقى من رهائن لديها إلا بعد اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية! والسؤال هنا هل يمكن تصور أن تعترف إسرائيل بهذه الدولة بعد أن تبقى لديها ثلاثة رهائن أحياء فقط والباقي جثث! ألم يكن من الافضل أن يعرضوا هذا الخيار في بداية العدوان وهم أقوياء ولديهم أسلحة؟ والأهم من كل هذا هو أن ما نراه من أفعال ونسمعه من الاسرائيليين والأمريكان بأن قطاع غزة لم يعد يصلح للحياة؛ ولا يقولون بالطبع إن هذا قد تم عمدا لإفراغ القطاع من سكانه وتحويله الي ريفيرا الشرق الأوسط تحت إشراف ترامب ونتنياهو. وفي تصوري وإزاء ما تتعرض له إسرائيل من ضغوط عالمية وحتى تنجح في تطبيع علاقاتها بالسعودية فإنه من الممكن أن تقبل بإقامة دولة فلسطينية، ولكن في الضفة الغربية فقط، وبحيث تكون منزوعة السلاح ومجردة من كل مقومات السيادة. وبالنسبة للمستوطنات اليهودية المقامة داخل الضفة والتي تتوسع بشكل مستمر لتطفيش الفلسطينيين فإنه وارد أن تعرض إسرائيل إخلاء المستوطنات مقابل نقل عدد كبير من الفلسطينيين في قطاع غزة للإقامة في الضفة والباقي في الدول العربية المجاورة. هذه توقعاتي وأتمنى ان أكون مخطئًا، ولكن موقف الدول العربية السلبي فيما يحدث وإدانتهم المؤخرة لحماس لاختطافها الرهائن ومطالبتها بالانسحاب من الساحة السياسية تماما، هذا الموقف العربي يجعل توقعاتنا شيء وارد. ولا حول ولا قوة إلا بالله. 2 - إسرائيل وأمريكا ينكران إن ما يحدث في غزة هو جرائم حرب يرتكبها الجيش الإسرائيلي بتعليمات من حكومته، والسؤال الحائر هنا والموجه للأمريكان هو كم العدد المطلوب من القتلى الفلسطينيين الذين يموتون جوعا وبرصاص الجيش الإسرائيلي حتى تقر أمريكا بأن ما يحدث هو جرائم حرب وتطهير عرقي! هل المطلوب مثلا هو قتل كل الأطفال الفلسطينيين وأمهاتهم حتى يتم استئصال شأفة الفلسطينيين تماما من غزة كما يريد الصهيوني المتطرف بن جافير! ولابد هنا أن نذكر أن غالبية شبكات البث التلفزيوني الأوروبية والأمريكية تقوم بعرض لقطات حية لمعاناة سكان غزة خاصة الأطفال من نقص الطعام والمياه وتدمير لكل مقومات الحياة والبنية التحتية لشبكات المياه والكهرباء والطرق والمنازل، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات. والمثير للإعجاب أن شبكات البث العالمية هذه تركز على الأطفال الذين على وشك الموت بعد أن تحولوا إلى هياكل عظمية نتيجة منع إسرائيل لتدفق الإمدادات الغذائية لهم. هذه التغطية الإعلامية الغربية كان لها أثر جيد على الرأي العام في كافة أنحاء العالم لكشفها عن الوجه القبيح لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وهو ما دعا ترامب نفسه إلى الاعتراف بأن ما يحدث في غزة هو مجاعة وذلك لأول مرة منذ مجيئه للسلطة؛ حتى أنه صرح وهو كاذب كعادته بإن على نتنياهوا أن يفعل شيئا لوقف هذه الحرب. كما أن الاعلام الغربي كشف أيضا عن قلة حيلة ما يسمى بالأمة العربية والإسلامية وشعوبها. وباختصار فإن مشاهد هؤلاء الأطفال كانت السبب في تعاطف العالم مع الفلسطينيين وزيادة المطالبة بإنشاء دولة مستقلة للفلسطينيين. ولكن ما فعلته حركة حماس منذ أيام قليلة كان خطأ فاحشا وذلك عندما نشرت صورة لأحد الرهائن الإسرائيليين لديها. ظهر فيها الشاب اليهودي وهو يشبه الهياكل العظمية للأطفال الفلسطينيين الجوعى في غزة. قيام حماس بنشر هذه الصورة البائسة للشاب الإسرائيلي أضاع الكثير من الزخم الذي اكتسبه الفلسطينيون لأن الإسرائيليين قاموا بنشر هذه الصورة عبر العالم وبدعاية كبيرة بأن الفلسطينيين إرهابيين ويتعمدون تجويع ما لديهم من أسرى، والأسوأ من هذا أن إسرائيل تمكنت من إقناع الأمم المتحدة منذ أيام قليلة بأن يلقي شقيق هذا الأسير كلمة أمام مجلس الأمن من إسرائيل عبر الإنترنت وان يظهر على كل شاشات القاعة. الكلمة التي ألقاها شقيق الأسير استغرقت حوالي ربع الساعة وشاهدها العالم كله في دعاية فجة لإسرائيل، وكانت الكلمة مشحونة بالعواطف ومعدة بعناية فائقة لإظهار أن إسرائيل هي الضحية وأن الفلسطينيين هم من بادروا بهذه الحرب ولا يحترمون حقوق الأسرى. والمدهش أن شقيق الأسير ظل ظاهرا على كل شاشات العرض داخل قاعة مجلس الأمن حتى بعد إن أنتهى من كلمته الطويلة وذلك لتشتيت انتباه أعضاء مجلس الأمن والمتابعين للجلسة عبر العالم، ولم يجرؤ أحد من المسؤولين في الأمم المتحدة على أن يقطع الإرسال عنه لانتهاء كلمته كالمعتاد. وحتى الآن لا أدري ما الذي استفادته حماس من هذا التصرف الذي يتسم بالرعونة وقلة الخبرة السياسية، ولماذا لم يطالب مندوب فلسطين في الجلسة بأن يمنح هو الآخر حق إظهار أحد الفتيات الصغيرات الفلسطينيات ممن فقدوا أسرهم بالكامل وفقدوا منازلهم وتوقفوا عن التعليم، فإذا ما كان لإسرائيل أسير واحد يعاني من الجوع، فإن لدينا في غزة مئات الآلاف من الجوعى، ومع هذا فإن العالم الغربي الآن يتكلم عن الأسير الإسرائيلي ويتناسى مئات الألوف المحاصرين في غزة. حتى ترامب غير موقفه بعد أن استمع لشقيق الأسير الإسرائيلي وهو يقول الآن إن بمقدور نتنياهو أن يفعل ما يريد في غزة. 3- في الأسبوع الماضي خرجت مظاهرة ضخمة في سيدني بأستراليا ضمت حوالي ٣٠٠ ألف متظاهر يطالبون بوقف المذابح التي تجري في غزة وإجبار إسرائيل والولايات المتحدة على فتح المعابر والسماح لمنظمات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية بإدخال إمدادات الغذاء والمياه والأدوية لسكان القطاع الذين يتعرضون لأبشع مجاعة في التاريخ المعاصر. ذكرتني المظاهرة الأسترالية بأكبر مظاهرة قمنا بها في لندن يوم ١٥ أكتوبر سنة ٢٠٢٣ وضمت حوالي 300 ألف متظاهر معظمهم من الأوروبيين. كانت مظاهرة ملهمة حيث تلتها مظاهرات عدة في أوروبا وأمريكا شملت الجامعات أيضا. هذه المظاهرات هدفها الضغط على الحكومات لاتخاذ القرارات السليمة والعادلة مثل المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وإقامة الدولة الفلسطينية. وكان أملنا كمتظاهرين في الخارج أن تندلع مظاهرات شعبية وطلابية مماثلة في الدول والجامعات العربية، ولكن هذا لم يحدث وكلنا يعرف السبب وكيف أن شعوبنا مغلولة ومغلوبة على أمرها. أما عن الجامعات فإنني لم أكن أعرف أنه لم يعد مسموحاً أن يمارس الطلاب أي نشاط سياسي داخل الجامعات العربية. وكانت خيبة أملي كبيرة، فبدلا من أن تلهم مظاهرتنا في أوروبا شعوبنا العربية، حدث العكس حيث ألهمت سياسات حكوماتنا العربية الدول الغربية لمنع النشاط السياسي داخل الجامعات الأمريكية والأوروبية أسوة بما يحدث في الدول العربية، وكلنا يعرف ماذا حدث لطلاب وأساتذة وحتى رؤساء الجامعات الأمريكية الكبرى بفضل الضغوط القوية للوبي الصهيوني على الحكومة والكونجرس واتهام المتظاهرين بمعاداة السامية. ومنذ نحو أسبوعين خرجت مظاهرة متواضعة جدا داخل لندن مطالبة إسرائيل بوقف السياسة الدنيئة التي تتبعها في قتل الفلسطينيين جوعا. وبالرغم من سلمية وصغر حجم المظاهرة إلا أن الشرطة الإنجليزية قامت بفضها واعتقال معظم المتظاهرين وصدر بيان حكومي يتهم منظمي المظاهرة الصغيرة بإنهم ضد السامية وأنهم موالين لمنظمة إرهابية؛ كما صدر قرار حكومي بأن من سيشارك في مثل هذه المظاهرات مستقبلاً سيتلقى حكما بالحبس سبع سنوات. هل رأيتم كيف نجحت حكوماتنا العربية لأول مرة في إلهام نظيرتها الغربية بكيفية قمع المظاهرات! الديموقراطية في حالة انحسار عبر العالم. الكذب علي الشعوب لا يخفي الحقيقية، ولكنه فقط يؤجل انكشافها. مستشار اقتصادي
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب يدمر أمريكا والنظام الدولي -١
-
في ذكرى من غير حياتي
-
الإيمان والثقافة والقيم والاقتصاد
-
هل ستتحول أمريكا ترامب لدولة فاشلة
-
العقل الديني والحداثة والديموقراطية
-
منوعات من جرائم وعجائب ترامب
-
دروس من جائزة نوبل في الاقتصاد
-
الأديان والحداثة والفقر الفكري
-
مراجعات وأفكار ١٥
-
في نقد الاقتصاد الإسلامي
-
كيف نحافظ على قيمة مدخراتنا
-
مراجعات وأفكار 14
-
الجامعات الأمريكية فضحتنا أمام العالم
-
معضلتنا الأساسية في عالمنا العربي
-
وداعاً للنظام الدولي القديم ومرحبا بالفوضى
-
تطورات سياسية واقتصادية محبطة
-
غزة وما يمكن أن يفعله الحوار ونحن
-
مراجعات لمفاهيم اقتصادية خاطئة
-
من المسؤول عن هذه المهزلة؟
-
هل ينجح تجمع بريكس أمام الغرب
المزيد.....
-
مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس
...
-
حصري لـCNN.. نجمة يوتيوب -السيدة راشيل- ترد على انتقادات دعم
...
-
في إيران.. بحرينية تستكشف كهفًا ينبت فيه الشَّعر احتار العلم
...
-
إسرائيل تقرّ خطة للسيطرة على مدينة غزة
-
الولايات المتحدة تزيد مكافأة القبض على مادورو إلى 50 مليون د
...
-
-قمة سلام تاريخية-.. ترامب يستضيف زعيمي أرمينيا وأذربيجان
-
قفزة نوعية في الذكاء الاصطناعي.. أوبن إيه آي تطلق التحديث ا
...
-
-كمين- في ريف بنسلفانيا.. مسلح يقتل جارته ويصيب شرطيين
-
لماذ يقلل الخبراء الروس من أهمية لقاء بوتين-ويتكوف في موسكو؟
...
-
لماذا يكره -نبي الجغرافيا- أميركا وأوروبا إلى هذا الحد؟
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|