وجدي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 21:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمثل الملكية العقارية الخاصة أحد أبرز العوائق أمام توسعة البنية التحتية في المدن العربية، حيث تصطدم المشاريع الكبرى—مثل فتح الشوارع، وتوسعة المستشفيات، وبناء شبكات النقل—بعقبات قانونية ومالية ناتجة عن حقوق الملكية الفردية. وفي ظل محدودية الموارد المالية للدولة، وتضخم أسعار العقارات في مناطق التطوير، تبرز الحاجة إلى حلول واقعية وتدريجية تراعي مصلحة الفرد ولا تعطل المصلحة العامة.
#انشاء الهيئة الوطنية للتطوير الحضري:
في ضوء الحاجة المتزايدة لتنسيق عملية الاستملاك وتنظيم مراحل التطوير العمراني، يُقترح إنشاء جهة رسمية مستقلة تُعرف بـ"الهيئة الوطنية للتطوير الحضري"، تُمنح صلاحيات قانونية ودستورية واسعة، وتكون مسؤولة عن إدارة وتحريك الأراضي والعقارات الواقعة ضمن خطط التوسعة، وفقًا لضوابط عادلة ومعلنة.
#تتولى الهيئة المهام التالية:
1. رصد مناطق التمدد العمراني المتوقع خلال العقود القادمة.
2. تصنيف المباني والعقارات ضمن تلك المناطق حسب نوعها، عمرها، وحالتها الإنشائية.
3. تنفيذ استملاكات تدريجية للأبنية القديمة أو المتضررة.
4. استثمار الأراضي المستملكة مؤقتًا لحين الوصول إلى تاريخ التنفيذ الكامل للمشروع المستهدف (مثل ساحة انتظار، سوق مفتوح، مرفق خدمي....
5. تنسيق عمليات التعويض والتفاوض مع المالكين بطريقة شفافة وعادلة.
6. التعاون مع البلديات والوزارات المختصة لتحديد أولويات التطوير.
إن وجود هيئة كهذه سيُسهِم في تجاوز حالة الفوضى أو الجمود التي تعاني منها الكثير من المدن، ويوفّر أداة تنفيذية فعالة تُوازن بين حق الأفراد في التملك، وحق المجتمع في التطور والنمو الحضري المستدام.
#الاستملاك المرحلي حسب العمر الافتراضي للبناء:
يقترح هذا النموذج آلية استملاك مرنة، لا تعتمد على المصادرة الفورية لجميع العقارات، وإنما تتدرج في تنفيذ خطط التوسعة بحسب العمر الافتراضي للمباني : عادة مابين 20 الى 100 عام , حسب نوعها، وحالتها الحالية.
وتتمثل الخطوات العملية بما يلي:
1- تصنيف المباني داخل نطاق التوسعة بناءً على سنة البناء، نوع المواد المستخدمة، والحالة الإنشائية.
2- البدء باستملاك الأبنية القديمة أو المتضررة، وتحويل مواقعها مؤقتًا إلى ساحات انتظار، أو أسواق مفتوحة، أو حدائق عامة.
3- استملاك المباني الأخرى تدريجيًا، مع تقادمها وبلوغها نهاية عمرها الافتراضي.
4- استكمال تطوير البنية التحتية النهائية بعد اكتمال الاستملاك التدريجي.
#الفوائد المتوقعة:
1- تقليل الكلفة الإجمالية للاستحواذ.
2- تجنب النزاعات الفورية مع الملاك.
3- تحسين البيئة الحضرية تدريجيًا دون صدمة اجتماعية.
4- استخدام مؤقت مفيد للأراضي المستملكة لحين تطويرها الكامل.
5- احترام حقوق الأفراد وإعطاؤهم مهلة كافية للتصرف بممتلكاتهم.
#مواجهة التباطؤ المحتمل:
رغم أن هذه الآلية قد تُوصف بأنها بطيئة، إلا أنها واقعيًا أكثر فاعلية من الجمود الحالي، وأكثر عدالة من الاستملاك القسري الكامل. إذ تمنح الدولة والمجتمع إطارًا زمنيًا للتطوير، وتحمي الأفراد من الخسارة الفجائية، وتمنح المستثمرين رؤية واضحة للمستقبل.
إن التوسع الحضري المنظّم يتطلب إعادة التفكير في العلاقة بين الملكية الخاصة والمصلحة العامة. ونموذج الاستملاك المرحلي المقترح يقدّم توازنًا واقعيًا وعمليًا بين الاثنين، ويؤسس لحقبة جديدة من التنمية الحضرية المستدامة. فان التطوير البطيء المنظّم، أفضل ألف مرة من الجمود المطلق أو التوسع الفوضوي.
#نظرة مقارنة: الملكية العقارية والتوسع الحضري في العالم.
يُعد الحل المقترح في هذا المقال , أي نظام الاستملاك التدريجي حسب العمر الافتراضي للبناء , استجابة ضرورية لمواكبة التوسع السكاني المتسارع، والحاجة الملحة لتوسيع مرافق المدينة من طرق ومستشفيات وشبكات نقل. ولإثبات أن هذا الحل واقعي وقابل للتطبيق، من المهم استعراض بعض النماذج الدولية التي تُظهر كيف يمكن للدول تنظيم العلاقة بين الملكية الخاصة والتخطيط الحضري بطريقة مرنة ومتوازنة.
#النظام البريطاني: ملكية الأرض للتاج، والبناء للمستثمر.
في إنجلترا وويلز، تُقسم الملكية العقارية إلى نوعين: ,ملكية كاملة وهي نادرة، و Leasehold وهو حق انتفاع طويل الأمد وهي الشائعة. الأرض غالبًا ما تبقى ملكًا للتاج أو لعائلات أرستقراطية، بينما يملك المستثمر أو الساكن المبنى فقط لفترة محددة، عادة 99 أو 125 سنة. وعند انتهاء المدة، تعود الملكية بالكامل لصاحب الأرض الأصلي، ما لم يُجدد العقد. هذا النظام يمنح الدولة مرونة كبيرة في التخطيط الحضري، حيث لا تتجزأ ملكية الأرض بشكل يكبل مشاريع البنية التحتية.
#أنظمة مشابهة في دول أخرى:
1- سنغافورة: تمتلك الدولة أكثر من 90٪ من الأراضي، وتُمنح حقوق الانتفاع للمواطنين.
2- هونغ كونغ: جميع الأراضي تقريبًا مملوكة للدولة، وتُؤجر لفترات طويلة.
3- الصين: لا أحد يملك الأرض، وإنما تُمنح حقوق استخدام مؤقتة.
4- فرنسا: بعض البلديات تملك أراضي داخل المدن وتُديرها بنظام التأجير.
5- إثيوبيا: الدولة تملك الأراضي، خاصة في المدن، لتسهيل إعادة التخطيط.
#نماذج مشابهة للمقترح في هذا البحث.
1- اليابان: يتم استملاك العقارات تدريجيًا حسب الحاجة العمرانية والعمر الافتراضي.
2- ألمانيا: تُعتمد آلية تفاوض مرن لتأجيل التطوير مقابل مكاسب مستقبلية.
3- الولايات المتحدة: يُستخدم نظام تحويل حقوق البناء (TDR) لتسهيل التخطيط من دون نزع مباشر.
إن اقتراح استملاك تدريجي حسب عمر البناء لا يُعد فكرة طوباوية، بل هو نموذج عملي يشبه ما هو مطبق فعليًا في العديد من دول العالم. الفرق أن المقترح يُعيد التوازن بين الحق الفردي في التملك، وحق المجتمع في التطور، من خلال آلية زمنية عادلة، يمكن أن تغيّر مستقبل التخطيط الحضري في مدننا العربية و ازالة الاغلال من طريق ازدهارها.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟