أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - بيت لا يقبل القسمة














المزيد.....

بيت لا يقبل القسمة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 16:18
المحور: الادب والفن
    


✦✧ بيتٌ لا يقبل القسمة ✧✦

(من دفاتر الحنين والخذلان)


في زقاقٍ قديم من أزقّة الكرخ، حيث الجدران تتكئ على الذاكرة أكثر من الإسمنت، كان بيت الحاج نعيم يُشبه قلبًا يتنفس بالحسرات. بيت صغير، لكنه كان كبيرًا بأهله، أو هكذا اعتقد هو يومًا.


الحاج نعيم، موظفٌ متقاعد، يحمل في وجهه خطوط الزمن، وفي عينيه نظرة من عاش الحياة صامتًا، لكنه فهِم كل شيء. تعوّد أن يستيقظ قبل الفجر، يؤذّن في سرّه، ويُعدّ الشاي الثقيل بنفسه، ليشربه مع سورة "يس" بصوتٍ خفيض.


زوجته، أم رعد، كانت امرأة طيبة تُشبه التراب، تحضن البيت وتغسل الأحزان كأنها تغسل الصحون. لم تعرف من الدنيا سوى طنين المطبخ وهمس الجارات، وعيون أبنائها التي طالما انتظرت أن تُشرق عليها بابتسامة شكر.


رعد، الابن الأكبر، خرج من البيت باكرًا، حاملاً معه بذرة الحلم. صار مقاولًا، يسكن في منطقة بعيدة، لا يزور أهله إلا كما تُرسل الشمس شعاعها مرة في الشتاء.
كان يقول: "الدنيا صعبة... وما أگدر أوكف يم أهلي كل مرة."
لكن الحقيقة أنه اختار البعد؛ لأنّه اعتقد أن البيت القديم لا يليق بثيابه الجديدة.


ليلى، التي تجاوزت الأربعين بلا زواج، علّمت الأجيال الحروف، ولم يُعلّمها أحد معنى العدل. كانت حنونة، صامتة، تسند أمّها بكل ما أوتيت من لطف، وكأنها خُلقت لتعتني، لا لتُعتنى بها.


هشام، العاطل، الحالم، الغاضب. يقضي نهاره في المقهى، وليله في الجدال، يتحدّث عن العدالة وكأنها مشروعه الشخصي، لكنه لم يعمل يومًا في حياته. كانت عينه دائمًا على البيت، يقول:
"إحنا مو ورثة؟... لو ننتظر نموت حتى ناخذ حقنا؟"


غادة وسُهى، التوأمان في الهمّ. لم تُكمل إحداهما دراستها، ولم تجرؤ الأخرى على الحلم. بقيتا في البيت تخدمان الأم وتنظفان آثار غياب الإخوة.


في أحد الأيام، قالت أم رعد:
ــ "سمعت إن رعد ناوي يجي هو وإخوته... يمكن أخيرًا نجتمع."
فرحت، وارتبكت. رتّبت البيت كما كانت تفعل في العيد، ووضعت العطر في الزوايا، وجهزت صينية الشاي بنفسها.


في المساء، دخل رعد أولًا، بجسده العريض، ونظارته الشمسية التي لم يخلعها رغم غياب الشمس. جلس، صافح أباه ببرود، ثم أخرج ظرفًا ووضعه أمامه.

قال:
ــ "هاي ورقة الطابو... خلي نخلص من موضوع البيت قبل لا يصير لَغَط."


ساد صمتٌ كأن أحدهم أغلق نوافذ القلب فجأة.
هشام، كعادته، اندفع:
ــ "يعني ننتظر يموت أبونا حتى نعرف حصتنا؟"


ليلى لم تتكلم، فقط نظرت إلى أمها، التي حاولت أن تُخفي رعشة يدها خلف طرف شالها.


قال الحاج نعيم بعد صمت طويل، بصوت خافت كأنه يخرج من بئر:
ــ "كل شيء له طابو... إلا الحب. هذا البيت فيه تعب عمري، وفيه خجل أمكم لما غسلت قمصانكم، وفيه دعوات الفجر اللي عمرها ما انكطعت."


ثم نظر إلى الجميع وقال:
ــ "إذا تعتبرون البيت حمل... خذوه. بس خلّوا لي ركن، أحكي فيه مع الله عنكم."


وفي الفجر، لم يجدوه.
ترك مسبحته وسجادته، ورسالة قصيرة بخطّ مرتعش:
"ذهبتُ إلى مكانٍ لا يُقسَّم على الورثة... إلى الله."



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
- صالة الكندي للسينما: ذاكرة دمشق وصوت جيل كامل
- وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قل ...
- في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
- السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا ...
- فنانون ومشاهير يسعون إلى حشد ضغط شعبي لاتخاذ مزيد من الإجراء ...
- يوجينيو آرياس هيرانز.. حلاق بيكاسو الوفي
- تنامي مقاطعة الفنانين والمشاهير الغربيين لدولة الاحتلال بسبب ...
- من عروض ايام بجاية السينمائية... -سودان ياغالي- ابداع الشباب ...
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - بيت لا يقبل القسمة