أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - وداعا زياد رحباني... سلاما عليك في الموسيقى وفي القصيدة وفي الإنسان














المزيد.....

وداعا زياد رحباني... سلاما عليك في الموسيقى وفي القصيدة وفي الإنسان


عصام الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 10:44
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ يضيق فيه الأمل وتكاد تنطفئ الأصوات الصادقة، رحل زياد الرحباني.

رحل من كان صوته نداءً مختلفًا في هذا الشرق المزدحم بالضجيج، رجلٌ حمل في قلبه وطنًا موجوعًا، وبلّغه إلى الناس عبر نوتاتٍ نازفة وكلماتٍ لم تتورّع عن فضح القبح، وتعريته.

زياد، الفنان الذي اختار أن يقف إلى جانب الإنسان حين اختار كثيرون أن يصعدوا على أكتافه. المبدع الذي فضّل أن يبقى مهمومًا بالحقيقة بدل أن يعيش مرتاحًا في كنف الزيف.

ليس من السهل الحديث عن زياد الرحباني بصيغة الغياب، لأن حضوره لم يكن فنًا فقط، بل كان موقفًا، وضميرًا حيًّا، ونبضًا يُقاس على إيقاع الانحياز الدائم للحق.

من "نزل السرور" إلى "بالنسبة لبكرا شو"، ومن قصائد السياسة إلى مقطوعات الحب الموجوع، كتب زياد سردية جيلٍ بأكمله: جيلٌ سئم الشعارات الجوفاء، واختنق من الطائفية، وارتبك أمام هزائم متكررة، فوجد في موسيقاه صدىً لصوته المقموع، وفي مسرحيته مرآةً لواقعه البائس، وفي سطوره ضوءًا يمرّ من خلال شقوق القلب.

لقد عاش زياد في الهامش الذي صنعه لنفسه بوعي، وبتعمد، لا لأنه أراد أن يبتعد، بل لأنه آمن أن البقاء في المركز يتطلب غالبًا بيع الروح. وهكذا، بقي يقاوم بمنطق الحكاية، وبذكاء السخرية، وبمرارة اللحن، فصار الفن عنده بيانًا سياسيًا، وصارت الضحكة سلاحًا نبيلاً في وجه اليأس.

اليوم، حين نرثيه، لا نبكي فنانًا عاديًا، بل نودّع آخر رموز الشجاعة الإبداعية في هذا الشرق المكسور.

نودّع الصوت الذي لم يتورّط في المجاملة، ولا خضع للرقابة الذاتية، ولا باع قناعاته تحت عباءة الربح أو التصفيق.

نودّع من ظلّ وفيًا لفكرة أن الفن لا قيمة له إن لم يكن في خدمة الإنسان... الإنسان البسيط، الجائع، المقهور، الباحث عن حياةٍ بكرامة.

لكن رحيل زياد في هذا التوقيت، ونحن في قلب العتمة، مؤلم بقدر ما هو رمزي.
كأن الصوت انسحب حين لم يعد يسمع،
كأن اللحن انطفأ حين لم يعد أحد يرقص فرحًا أو يحتج غاضبًا،
كأن الكلمة أُسكِتت، لأن الكلام صار مكرورًا، والجدران سميكة، والناس مرهقون حتى من الحلم.

إن فقدان زياد الرحباني لا يعوَّض، ليس لأنه كان عبقريًا في تركيبة موسيقاه، أو شاعرًا مجنونًا في صياغة جُمله، بل لأنه كان شاهدًا على زمنٍ يتراجع فيه كل شيء، إلا صدقه.

لقد رحل رجل كان صوته أملًا وموقفًا، وذاكرة، ومختبرًا للحقيقة.
ويبقى السؤال الذي لا يُطرح على الغياب، بل علينا:
من يجرؤ بعد زياد على أن يكون فنانًا لا يطلب التصفيق، بل يسعى لأن يُوقظ؟
من يملأ هذا الفراغ الصاخب، حين يخفت صوتٌ كان لنا مرآة، وجرس إنذار، ومأوى في العواصف؟

كان زياد معروفًا بمواقفه اليسارية، وانحيازه للطبقات المهمشة، ورفضه للتطبيع مع إسرائيل، ونقده العلني للنظام الطائفي اللبناني والعربي. لم يكن يومًا فنانًا "محايدًا"، بل دائمًا في قلب النقاش الوطني والاجتماعي. كما يُعدّ أحد رموز الحداثة الفنية العربية، وشكّل صوته ثقلًا إبداعيًا متمردًا لا يمكن تجاوزه، سواء من خلال الموسيقى أو المسرح أو الكتابة الصحفية.

رحل زياد رحباني، وفي الحنجرة غصة، وفي القلب مرارة الكلام الذي تأخر، واللحن الذي لم يكتمل.

مات من كان صوته مرآةً ناطقةً للوجع، ونايًا يُصرّح حين يصمت الجميع، وعقلاً ظلّ حرًا، يوم أُعدَّت العقول كي تُباع على الأرصفة.

يا ابن الرحابنة، يا سليل نهر الأصالة والعصيان، أيها الشقيّ بحب الوطن، الذي أحبّه رغم خيباته، وصرخ لأجله حتى بَحّت موسيقاه...

من يكتب الآن عن بيروت حين تُصاب بالحُمّى؟
من يترجم أوجاع الفقراء إلى مقطوعة تعاند السقوط؟
من يشتم الطغيان بشعرٍ ضاحك، كأنه نبيٌّ ساخر؟
لقد رحلت ونحن في أشد الحاجة إليك...
نحن الذين ما زلنا نحمل أوهام العدالة كطفلٍ يتشبّث بلعبة مكسورة،
نحن الذين لم نحترف الصمت، واعتدنا أن نُصغي إليك كأنك خلاصٌ مؤجل.
غاب زياد، لا لأنه أنهى ما عنده، بل لأن هذا العالم لم يعد يليق بروحه.
غاب لأنه قال ما يكفي، وصرخ ما يكفي، ونزف ما يكفي...
وكان يعلم أن لا أحد يسمع حين تُمطر السماء عدلاً فوق أرضٍ أُغلقت آذانها بالإذعان.
أيها العابر فينا كنشيدٍ قديمٍ لا يموت،
أيها المُرّ، الجميل، الحر، المحكوم بالصدق،
نم قرير العين، فكل وترٍ سيذكرك،
وكل حنجرةٍ متمردة ستكمل ما بدأت،
وكل إنسانٍ لا يزال يرفض الظلم سيضع يدَه في يدك، وإن كنتَ بعيدًا...

سلامٌ عليك في الموسيقى،
وفي القصيدة،
وفي الإنسان.



#عصام_الياسري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين المجاملات السياسية والمصالح الشخصية... العراق يواجه م ...
- مهرجان -جينت- السينمائي الدولي 2025 ... يحتفي بجوائز الموسيق ...
- أرض الرافدين.. بين نقص المياه واتساع رقعة الجفاف وفعل غياب ا ...
- الإنتخابات وسيلة فعالة لإحداث التغيير السياسي وتحقيق الاصلاح ...
- متى ستحسم الأحزاب وقوى المعارضة المختلفة موقفها من السلطة ال ...
- الترحيل الجماعي إلى العراق تعبير عن نقاش وحشي حول اللجوء في ...
- متى يغتنم العراق الفرصة لإعادة النظر في كيفية التموضع على رق ...
- متى تستطيع الدولة أداء الوظائف الأساسية التي تعتبر جوهرية لو ...
- التفاوض: عملية أساسية للتفاهم السياسي،، فهل بإمكان الأطراف ا ...
- محاذير من مخاطر عدم الأمان وفقدان الثقة بالنظام في العراق من ...
- هل سيعي الساسة العراقيون خطورة تغيّر توازن القوى في الشرق ال ...
- حلقات مفقودة تعرقل إيجاد مخرج لضبط إيقاع السياسة والمشهد الم ...
- ماكينة القمع تعود بذات الأساليب وذات الأدوات من جديد
- الصياغات المتشددة تجاه أفراد المجتمع ومخاطرها على الحياة الم ...
- نقابة المحامين العراقية... تقفز فوق قيّم مبادئها.. لمصلحة مَ ...
- تأليف السيناريو يجعل : المكتوب على الورق جديرا بالانتقال الى ...
- هل سيعيد سياسيو قوى التغيير تقييم استراتيجياتهم السياسية.. و ...
- الإعتبارات القيمية لثورة 14 تموز 1958 العراقية من حيث الجوهر ...
- 14 تموز.. الثورة التي حققت انجازات كبيرة خلال فترة قياسية
- في العراق... على من تقع مسؤولية تغيير اتجاه البوصلة السياسية ...


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - وداعا زياد رحباني... سلاما عليك في الموسيقى وفي القصيدة وفي الإنسان