أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي خويص - حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإنكار والانفجار-















المزيد.....

حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإنكار والانفجار-


سامي خويص

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 17:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يصبح القانون ستارا
مناقشة مقال "معضلة الأقليات بين الإنكار والانفجار"

يثير مقال السيد محمد صبرا، "معضلة الأقليات بين الإنكار والانفجار" المنشور بتاريخ 2025.07.28 على موقع تلفزيون سوريا الالكتروني، نقاشاً ضرورياً حول مفهوم الأقليات وحقوقها في السياق السوري. فمحاولة "إعادة توجيه النقاش العام نحو فضاء من العقلانية المنضبطة" بالاستناد إلى القانون الدولي، وتحديداً "الإعلان العالمي لحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية" (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 47/135 بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992)، هي خطوة محمودة في أي مجتمع طبيعي يسوده القانون. وأنا هنا، مع احترامي لخبرة السيد صبرا القانونية، واقراري بأنني لست مختصاً في هذا المجال، أرى أن الاكتفاء بالنظر إلى الواقع السوري الراهن من خلال بعض الجوانب القانونية البحتة قد يشكل إخفاءً غير مقصود لجوانب أخرى أكثر تعقيداً، وتفاصيل أكثر إلحاحا. بل قد يبرر هذا الإطار النظري، سلوك السلطة والموالين لها والجماعات التكفيرية التي تدعي الحرص على "الدولة" وتهاجم وتقتل من يطرح طريقا للدولة مغاير لطريقهم.

إن الأساس الذي يقوم عليه "الإعلان العالمي لحقوق الأقليات" هو وجود "الدولة"، بوصفها كياناً سياسياً مؤسّساً على مفهوم "الأمة"، حيث يمكن فهم مصطلحات الأغلبية والأقلية ضمن إطار سياسي صرف (برلماني أو انتخابي)، بعيداً عن الإحالات الإثنية أو الطائفية. هنا تكمن المعضلة الجوهرية فسوريا اليوم ليست في مرحلة "دولة الأمة" الديمقراطية القائمة على عقد اجتماعي جامع. بل هي في مرحلة "ما قبل الدولة"، أو بالأحرى، في حالة "انهيار الدولة" التي أورثها النظام السابق، والتي تفككت فيها المؤسسات المركزية وفقدت مرجعيتها الجامعة، كما ورد في العديد من الوثائق والبيانات والدعوات التي صاغها ووقع عليها آلاف السوريين والسوريات، وأيضا ما جاء على لسان المبعوث الدولي "غير بيدرسون" وإحاطته الأخيرة المقدمة في اجتماع مجلس الأمن الدولي: "هذا هو الوقت المناسب للتحلي بالمرونة والحكمة قبل كل شيء. إذا رأت المكونات والمجتمعات الرئيسية أن الدولة لا تتصرف كدولة، بل كتهديد، فإن المواقف تتصلب. وبالمثل، إذا رأت قيادة هذه المكونات والمجتمعات أنها تتباطأ أو تعارض الاندماج الحقيقي في هيكل دولة واحد، فإن المواقف تتصلب في الاتجاه الآخر أيضا".
في ظل هذه الفوضى، وفي غياب "العقد الاجتماعي" الذي يُفترض أن يحدد شكل الدولة والقانون العام الواجب التطبيق، يصبح من حق الجماعات المكونة للمجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات التي تحدث السيد صبرا عن خصوصياتها الثقافية أو الدينية أو الإثنية، أن يُفسح لها المجال الكامل للمشاركة في صياغة هذا العقد الاجتماعي الجديد، ورسم شكل الحكم والدولة التي ترتضيها. إن الحديث عن حقوق الأقليات الثقافية والدينية واللغوية، وتأطيرها ضمن حدود صارمة لا تتجاوز الفضاء الخاص بهذه الأقليات، هو أمر صحيح ومفهوم في مجتمع مستقر يسوده نظام ديمقراطي متوافق عليه، لكن في الحالة السورية الراهنة، يغدو هذا الإطار عاجزاً عن استيعاب حجم "المخاوف الوجودية" التي تتعرض لها هذه الأقليات، وتغدو المشاركة الفاعلة في حوار وطني شامل ضرورة ملحة لرأب الصدوع، وإنشاء إطار جديد مقبول ومعترف به.
المبدأ الذي أشار إليه الإعلان العالمي لحقوق الأقليات، والقاضي بعدم التذرّع بحقوق الأقليات لتهديد وحدة الدولة أو سيادتها، صحيح نظرياً في سياق دولة وظيفية. لكن ما العمل حين تتحول "السلطة الحاكمة" ذاتها إلى تهديد وجودي للأقلية؟
في دوامة القتل والإبادة، يسحق مفهوم الهوية بمعناه المدني، وتتراجع قدسية الحدود والجغرافيا أمام صراع "البقاء". حين تكون السلطة الحاكمة بكامل قوتها ومؤسساتها العسكرية والأمنية والإعلامية والإدارية ووزاراتها تشن معركة ضد أقلية سورية لا يتجاوز عددها 3% من سكان سوريا (بغض النظر عن المواقف والأخطاء التي تنسب إلى بعض رموز تلك الأقلية)، وتستخدم ضدها حصاراً شاملاً ووحشياً، وفي الوقت نفسه تقوم بالتفاوض مع "الأعداء (إسرائيل)" ومع أمريكا ودول المنطقة على ترتيبات أمنية وزمنية ومستقبلية، دون أن تعلن ذلك للسوريين عامة ولأبناء المنطقة خاصة، فهذا تفاوض على "كمية الدم السوري التي يسمحون لهم بإراقتها". هنا يصبح الخوف وعدم الثقة هو الذي يحرك سلوك أبناء تلك الأقلية".
إن الحديث عن "حقوق الأغلبية" في مقابل "حقوق الأقليات" ليس منزلقا بالغ الخطورة يرسخ الفرز الطائفي وحسب، بل هو بمثابة ورقة ضغط غير أخلاقية. فحين تكون هذه "الأغلبية" (أو على الأقل بعض مكوناتها ومجموعاتها التكفيرية)، هي ذاتها التي تمارس الإبادة والتحريض غير المسبوق في تاريخ سوريا الحديث، تحت غطاء السلطة الحاكمة، لا يمكن أن نطالب الأقلية التزام دورها القانوني التقليدي. فهي هنا تخوض صراعا من أجل البقاء، من أجل الحفاظ على بقية هوية وبقية كرامة.
يحاول السيد صبرا أن يضع الأقليات الدينية في مقابل الأغلبية السياسية، وهذا أمر غير دقيق وصفا ومنهجا، ويؤدي إلى نتائج غير منطقية. فالأقلية الدينية تقابلها أغلبية دينية، والأغلبية السياسية تقابلها أقلية سياسية أو ما يصطلح على تسميته معارضة. وبالتالي عندما يدور الحديث بين الأطراف الدينية، أو الأفراد الذين يعرفون أنفسهم بالانتماء الديني فينبغي على الجميع أن يحصروا مطالبهم بالفضاء الخاص بكل منهم، ولا يفرض أي طرف خاصة الأغلبية الدينية تصوراتهم على الفضاء العام.
هذا الخلط الذي وقع فيه صبرا هو في رأي جوهر الأزمة السياسية في سورية، فالسلطة تحاول إقصاء المجتمع عن الحياة السياسية العامة، واحتكار السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلام أيضا، بوصفها تمثل الأغلبية علما أن هذا التمثيل المدعى لم يحدث نتيجة انتخابات أفرزت واقعا سياسيا يقر به الجميع، بل هو يعتمد على التمثيل الديني للأغلبية الدينية السنية. ولذلك عملت السلطة على نعت كل معارضة سياسية لها بصفات طائفية ليسهل التحريض ضدها وشيطنتها.

لنوسع حدود النظرة القانونية
يقول السيد صبرا "فالاعتراف بحقوق الأقليات لا يعني منحها صلاحيات تتجاوز إطار المواطنة أو تهدد وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية". هذا كلام صحيح، لكنه يستحضر سؤالا مباشرا هل تمنح الأغلبية العددية لطائفة ما صلاحيات تهديد وحدة الدولة وتدمير النسيج المجتمعي، ويسوغ لها ممارسة أنشطة تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة؟
نتفق جميعا على ضرورة حماية السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، ومنع تفكك الدولة. لكن، ولكي يكون موقفنا واقعيا ومنسجما مع جميع القوانين والمعاهدات الدولية، والقيم والأعراف الإنسانية، يجب علينا توسيع النظرة القانونية للأحداث لتشمل الإشارة المباشرة إلى الخلل الكبير في أداء السلطة (كأفراد وبنية) الأمر الذي خلق حالة خوف عند الكثير من أبناء سورية وليس الأقليات وحدها، خوف من اللون الواحد، خوف من الإسلام المتشدد الذي ينتمي إليه القادة الجدد، خوف من الأساليب الغريبة التي يديرون بها البلد، خوف من تدخلهم في الحريات الشخصية، خوف من الأجانب، خوف من السلاح (المنفلت)، وقد أثبتت الأحداث صحة تلك المخاوف. لذلك لابد من أن تكون المطالبة بالاحتكام إلى القوانين شاملة وذات مصداقية وتراعي مبدأ المسؤوليات حسب الصلاحيات. أما المحاسبة الشاملة فليست مجرد مطلب حقوقي، بل هي خطوة تمهيدية أساسية لتهدئة النفوس وإفساح المجال لبناء عقد وطني يوافق عليه الجميع. إن العدالة والشفافية في التعامل مع الانتهاكات، أياً كان مرتكبها، هي الأمل الوحيد لردم هوة الانقسام، وبناء ثقة متبادلة تُفضي إلى تشكيل دولة مدنية ديمقراطية تحترم القانون الذي يمثل الجميع، وتضمن فيه الأقليات حقوقها ليس كمنحة وعطاء، بل كجزء أصيل من مواطنتها المتساوية.
إن الاكتفاء بالتوصيف القانوني حسب النصوص والمرجعيات الدولية، وإغفال الحديث عن الأزمة السياسية في سورية التي تنبع من استئثار السلطة الحاكمة، تحت حجة تمثيل الأكثرية، بالحياة السياسية واحتكار القرار الوطني السوري مع استبعاد أصحاب الآراء النقدية المغايرة لرؤيتهم ومن جميع الطوائف بما فيها طائفة الأكثرية العددية، يكرس فكرة سردية الصراع الطائفي الخاطئة، ويركز الحلول في اتجاه إيجاد مخرج ينسجم مع تلك السردية، وهذا يسهم في تعميق الخلاف الحاد في سوريا، ويصب بشكل غير مباشر في صالح توجهات السلطة الإقصائية. وأظن أن السيد صبرا لا يوافق على هذا الأمر.
مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى على سياسة الأرض المحروقة، أو إقصاء مكوناتها، أو تزييف تاريخها، بل على العدالة، الشفافية، احترام كرامة كل مواطن، وحماية الحق في التعبير عن الاختلاف. السويداء اليوم ليست وحدها المحاصرة، بل كل السوريين الباحثين عن وطن يحبهم ويحترمهم، والساعين لاجتراح عقد اجتماعي جديد يصونه الجميع.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الإسكندرية: تآكل السواحل يهدد المدينة ومبانيها بالانهيار
- محمود يزبك : -أول مرة نسمع أن حماس منفحتة على نزع سلاحها لكن ...
- عباس عقيل : -موقف ترامب يؤشر الى تبدل في توجه الرئيس الاميرك ...
- هبة البشبيشي: - هناك سعي من حميدتي لفصل اقليم دارفور-
- أوكرانيا: جهازا التحقيق والادعاء يعلنان عن كشف مخطط فساد للك ...
- مصر.. حملة توقيفات لصانعي محتوى في اتهامات بنشر مقاطع -خادشة ...
- ماذا يعني دخول قطاع غزة المرحلة الثالثة من التجويع؟
- مخاطر يواجهها غزيون في أقصى شمال القطاع في رحلة البحث عن الط ...
- معلومة قد تذهلك.. كيف يمكن لاستخدام الليزر أن يصبح -جريمة جن ...
- عاصفة تغرق نيويورك: فيضانات في مترو الأنفاق وانقطاع كهرباء و ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي خويص - حين يصبح القانون ستارا / مناقشة مقال -معضلة الأقليات بين الإنكار والانفجار-