أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالله هياجنه - في اغتيال الوعي: زياد الرحباني نموذجًا لمثقّف يقاوم














المزيد.....

في اغتيال الوعي: زياد الرحباني نموذجًا لمثقّف يقاوم


عبدالله هياجنه

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:08
المحور: قضايا ثقافية
    


"الثقافة ميدان صراع طبقي" *
رحيل زياد الرحباني لم يكن مجرد فقدان فنان لبناني استثنائي، بل لحظة كاشفة عن واقع مأزوم، انقسامه لا يتجلّى فقط في السياسة أو الاقتصاد، بل في الموقف من الثقافة ذاتها. وفي حين كان البعض ينعى رجلًا اختصر عقودًا من المقاومة الجمالية والفكرية، خرج آخرون يشمتون في رحيله، كأنهم يحتفلون بإزاحة "إزعاج دائم" لعالم يسعى إلى تدجين كل ما هو حيّ وناقد.
لكن، ما معنى أن يُشمت في رحيل فنان؟ وما الذي يجعل من الشماتة موقفًا إيديولوجيًا أكثر منه رد فعلٍ عاطفيًّا أو شخصيًا؟ من هنا تنبع أهمية قراءة هذه الظاهرة لا كحدث هامشي، بل كبوابة لتحليل أعمق لحالة الوعي العربي الراهن، وكيف تتحوّل الثقافة إلى ساحة معركة طبقية خفية، ولكنها أكثر ضراوة.
ليست الشماتة في رحيل زياد الرحباني فعلًا أخلاقيًا منحطًا فحسب؛ إنها تعبير مكثف عن تموضع ضمن مشروع الهيمنة الثقافية في نسخته الجديدة. فهؤلاء "الشامتون" ليسوا مجرد أفراد ذوي ذائقة مختلفة أو خصومة فنية، بل هم ـ غالبًا دون وعي منهم ـ أدوات فاعلة في إعادة إنتاج منظومة وعي مهيمن، تعيد تموضع "الذوق" و"الفن" و"الهوية" ضمن مقولات السوق والطائفة والهوية الضيقة.
إنهم شركاء، موضوعيًا، في المشروع الأوسع لـ"الاستعمار الجديد" الذي لم يعد في حاجة إلى الجيوش لاحتلال الأرض، بل يكفيه احتلال الوعي وتفتيت المخيلة الجمعية، وذلك عبر طمس الرموز التي تنتج سردية بديلة عن السرديات النيو-ليبرالية والطائفية التي يُراد فرضها.
وفي هذا السياق، لا يُفهم من هذا التحليل اتهام الأفراد الشامتين بنيّة خيانة أو ارتباط مباشر بمنظومات استعمارية، بل المقصود هو قراءة الوظيفة البنيوية لخطابهم، بوصفه يتقاطع موضوعيًا مع مشروع أوسع يُعيد إنتاج الوعي المُجزأ. فهُم، حتى من دون وعي منهم، يسهمون في تفتيت الهوية الجمعية، وهو ما تطمح إليه السرديات التي تسعى إلى قتل كل إمكان للمشترك العربي أو للثقافة النقدية العابرة للطوائف والهويات القاتلة.
في مجتمعات تعاني من التفكك البنيوي ومن هيمنة أنماط ما قبل الدولة (الطائفة، العشيرة، القبيلة، السوق)، يصبح الفن خطرًا. لا لأنه يُطرب أو يُسلّي، بل لأنه يحفّز ما يراد له أن يظل نائمًا: الوعي. لذلك، يصبح المسرح خطرًا، والكلمة خطرًا، والنكتة خطرًا، والموسيقى كذلك.
وفي هذا السياق، يصبح زياد الرحباني هدفًا حيًّا وميتًا، ليس لأنه كان موسيقيًا فذًا أو ساخرًا لاذعًا، بل لأنه اختار أن يكون مثقفًا عضويًا بالمعنى الغرامشي للكلمة؛ مثقفًا يشتبك مع البنية لا ليبررها، بل لينقضها من داخلها.
بين السوق والطائفة: من لم يغنِّ للزعيم
تميّز زياد الرحباني بأنه لم يُطوّع أدواته الفنية والجمالية لخدمة السلطة، بل جعل منها وسيلةً لنقدها. لم يغنِّ للزعيم، بل سخر منه. لم يحتفِ بالطائفة، بل فضحها. لم يُجمّل القبح، بل عرّاه. كان مثقفًا في مواجهة المؤسسات، لا موظفًا في بلاطها.
وهذا وحده كافٍ لجعله "عدوًا" بالنسبة لبنية إيديولوجية لا تطيق الضحك الناقد، ولا الموسيقى التي تفكّك الطائفية، ولا النكتة التي تُضحك لتكشف، لا لتخدّر. زياد، في هذا المعنى، لم يكن صوتًا فقط، بل كان موقفًا سياسيًا مبنيًا على رؤية طبقية للعالم.
السردية الصهيونية وأوهام الهويات القاتلة
الذين يشمتون بزياد اليوم، هم أنفسهم الذين يروّجون منذ سنوات لما يمكن تسميته بـ"السردية القُطرية الجديدة"، وهي سردية تتطابق وظيفيًا ـ وإن بشكل غير مباشر ـ مع السردية الصهيونية. فكلاهما يسعيان إلى نفي وجود "شعب عربي"، وإلى تفتيت الهوية التاريخية الجامعة، واستبدالها بهويات قاتلة: طائفية، إثنية، عشائرية، أو استهلاكية.
وهنا، تتداخل سرديات الإسلام السياسي الرجعي، مع سرديات القُطْرية المحدثة، ومع النيوليبرالية الثقافية، في عملية اختزال ممنهجة للوعي إلى شعارات فارغة: "الأصالة"، "الهوية"..، دون تفكيك البنية الطبقية التي تنتجها وتعيد إنتاجها. لكن، كما يقول مهدي عامل، "ليس ثمة تحرر دون تحطيم البنية الإيديولوجية السائدة".
من خشبة المسرح، ومن وراء البيانو، ومن خلال السخرية التي تضحك لتفضح، مارس زياد مقاومته. لم يكن يدّعي دورًا نضاليًا بطوليًا، لكنه قاوم عبر التمسك بالجمال كأداة للفضح والوعي. ولأنهم لم يستطيعوا الانتصار عليه في الفكرة، ولا في الإبداع، ولا في الضحكة، لم يبق لهم سوى الشماتة: سلاح الضعفاء حين يُهزمون فكريًا وجماليًا.
أن تكون مثقفًا، يعني أن تكون مقاومًا
رحل زياد الجسد، لكن زياد الفكرة باقٍ. وفكرة زياد هي أن الثقافة ليست حيادية، وأن الصمت ليس حيادًا بل اصطفاف مع القامع، وأن الجمال نفسه قد يكون فعلًا ثوريًا إذا ما تم توظيفه لكشف التناقض، لا لتجميله.
في زمن يضيق فيه المجال العام، وتتسع فيه مساحات التفاهة، يُصبح من الضروري الدفاع عن زياد لا كشخص، بل كنموذج. نموذج المثقف الذي لم يتنازل، ولم يساوم، ولم يغنِّ للسلطة، ولم يبرر لها، بل ضحك في وجهها، وضحك معنا… لنبكي العالم كما هو، لا كما يُراد لنا أن نراه.
ليس الوفاء لزياد في رثائه، بل في مواصلة الدور الذي مثّله: أن يكون المثقف في قلب الصراع، لا في هامشه.
أن تكون مثقفًا، يعني أن تكون مقاومًا.
*مهدي عامل






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة ...
- الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومص ...
- -هجمات لصالح روسيا-.. بولندا توجه تهمة الإرهاب لكولومبي محتج ...
- إسرائيل -ترفض- إعلان لندن عن اعتراف محتمل بدولة فلسطين
- محادثات أمريكية صينية -بناءة- قبيل انتهاء هدنة الرسوم وسط ته ...
- اكتئاب خلف الكاميرا.. مشاهير هوليود يروون معاركهم النفسية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل قضية نزع سلاح حزب الله
- -أنقذوا الفاشر- حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعه ...
- نواب أميركيون يصفون الوضع في القطاع بالكارثي ويؤكدون فشل -مؤ ...
- مقترح أوروبي لمعاقبة إسرائيل أكاديميا لانتهاكاتها في غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عبدالله هياجنه - في اغتيال الوعي: زياد الرحباني نموذجًا لمثقّف يقاوم