أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم أبو جويدة - »مورفولوجيا التخييل المسرحي: من الأنطولوجيا النصية إلى الفينومينولوجيا المشهدية«















المزيد.....

»مورفولوجيا التخييل المسرحي: من الأنطولوجيا النصية إلى الفينومينولوجيا المشهدية«


كاظم أبو جويدة

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


"دراسة نظرية مقارنة في حقل الدراسات الأدائية المعاصر"
الكاتب: كاظم أبو جويدة
إن دراسة المورفولوجيا، أي علم تحوّلات الشكل والبنية، للتخييل المسرحي تكشف عن أزمة وجودية عميقة تتجاوز شكل الصراع السلطوي بين المؤلف والمخرج بتجاربه الأزلية. نحن لسنا بصدد جدل أحقية التأويل، فما يهمنا هو التوقف مليّاً عند وجود معرفي عنوانه "التحوّل التخييلي الأنطولوجي، وهو مصطلح فلسفي يعني تغيّرًا جذريًا في طبيعة وجود الشيء وماهيته والذي يعنى بدقة دراستنا هذه بكل جوانبها الفلسفية والإجرائية. فالخيال، في رحلته من الورق إلى الخشبة، لا يُترجم أو يُفسَّر فقط، وإنما يتعرض لعملية عنفٍ خلّاق، يُعاد فيها خلقه ضمن شروط وجودية جديدة تولدت نتيجة صراع باتا فيزيقي بمراتب اعلى. إنه يتحول إلى فينومينولوجيا، أي ظاهرة حيّة تُدرَك وتُعاش في التجربة الواعية للجمهور. هذه الدراسة تستعير فكرة «موت المؤلف» التي طرحها الناقد الفرنسي رولان بارت، لتعتبرها نقطة انطلاق لتحوّل الخيال من كينونة لغوية إلى ظاهرة أدائية حسية. وهنا الاستعارة لا بهدف محو بصمات المؤلف ولكن تمثيله بوصفه محرض أساس لخلق العرض وتجليه بابجديات تشكل ظاهرة جديدة مغايرة.
1- البارادايم النصي: المؤلف كصانع مطلق
في هذا النموذج المتمثل بالإطار العام والتكويني الحقيقي بمختلف أدواته للنص المسرحي، والذي هيمن على المسرح العالمي لقرون، يُعتبر النص الدرامي كينونة مقدسة ومكتفية بذاتها. المؤلف هنا هو الصانع المطلق الذي يبني عالمًا "ديجيتيكيًا" متكاملًا لا نقص فيه ولا منافذ حتى للإطلالة من خلالها إلى ما هو أبعد، وهو مصطلح نقدي يعني العالم الداخلي المتكامل للحكاية. ويُعد هنريك إبسن المثال الأبرز لهذا المؤلف-الصانع. ففي مسرحياته، مثل «بيت الدمية» تصل الإرشادات المسرحية إلى حد وصف تفاصيل الأثاث وملمس القماش، في محاولة للسيطرة الكاملة على كل عنصر حسي من الصفحة، جاعلًا من نصه خيالًا ذا نزعة "لوغوسنترية" أي إن الكلمة المكتوبة هي مركزه الأوحد. هذا النص هو أشبه بـشفرة جينية متكاملة، تنتظر التنفيذ الدقيق لا الخلق الجديد.
2- محرضات وآليات التخييل: تشريح عملية الخلق
قبل تحليل الثورة الأدائية، يجب أن نتوقف لتشريح الآليات الداخلية التي يتولد عبرها التخييل في كل من العالمين: النصي والمشهدي. فلكل منهما محرضاته وأدواته التي تطلق شرارة الخلق.
أ. في العالم النصي: التخييل كفعل ترميز للغياب
كما يعي أهل التجربة والجمال والإبداع يكون المحرض الأساسي للتخييل عند الكاتب هو "الغياب" فالصفحة البيضاء الساكتة أمامه هي فراغ مطلق، والعالم الذي سيبتكره غائب، وهمي الوجود وغير موجود. إذن عملية التخييل هنا هي محاولة يائسة وشاعرية لبعث الحياة في هذا العدم عبر أدوات ترميزية محددة:
0- المُحرّض الأول: الصراع الدرامي: هو المحرك الذي لا يهدأ. رغبة شخصية متفجرة تصطدم بجدار عالٍ: هي بالتأكيد الشرارة التي تُشعل كل شيء. صراع "أنتيجون" بين القانون الإلهي والقانون المدني ليس مجرد فكرة، بل هو المحرض الذي يستدعي الحوارات، والمواجهات، والمصائر المأساوية والذي يقود إلى نتائج أخرى تدعم الحبكة وتفرعاتها.
0- المُحرّض الثاني: النقص في الشخصية: كل شخصية عظيمة تنطلق من "نقص" ما: نقص في الحب، في السلطة، في المعنى، فيما علق من أحداث في الماضي. هذا النقص وإن كان ضئيلاً هو الذي يحرضها على الفعل، وبالتالي يحرض الكاتب على تخييل مسار أفعالها ومنحه مساحة للتحليق بعيداً في مسارات الخلق والإنشاء.
0- الأداة: اللغة الحوارية والنص الخفي: الأداة الرئيسية هي الكلمة، ليس فقط بما تقوله صراحة، بل بما تضمره كسلاح مواجهة. النص الخفي - أي ما يعتمل صدر الشخصيات وتشعر به وتقدر قيمته ولكنها لا تقوله - هو أداة التخييل الأقوى التي يوفرها النص، حيث ترمى الكرة هنا في ساحة ملعب القارئ والممثل الذي يعالجها بتخييل محيط كامل من المشاعر غير المعلنة.
0- الآلية: البنية المعمارية: يقوم الكاتب بتخييل عالمه الأدبي عبر بناء هيكل بشكل هرمي من المشاهد والفصول، ينظم من خلاله تدفق المعلومات وتصاعد التوتر. هذه البنية هي الآلية التي تضمن ألا يكون التخييل فوضويًا، بل تجربة موجهة ومحكمة بإيقاع هارموني منتظم.
ب. في العالم المشهدي: التخييل كفعل تجسيد للحضور
على النقيض تمامًا، المحرض الأساسي للتخييل في العرض ليس الغياب، بل "فرط الحضور المادي" فالمخرج لديه جسد حقيقي، وفضاء حقيقي، وزمن حقيقي. التحدي هنا ليس خلق شيء من العدم، بل تحويل هذا الحضور المادي الخام إلى حضور شاعري ذي معنى، تتحكم فيه أدوات سحرية مغايرة.
0- المُحرّض الأول: الجسد الحي: جسد الممثل أعظم من أداة محايدة، فهذه الشعلة المتوهجة المتشكلة من لحم ودم وإحساس هي أرشيف من الذكريات والنبضات والقيود والتطلعات والهزائم والانتكاسات. الصدام بين النص المجرد وإمكانيات الجسد المادية ومحدوديته هو محرض هائل للتخييل. قد يطلب النص "غضبًا"، لكن الكيفية التي يترجم بها جسد ممثل معين هذا الغضب (رجفة في اليد، صمت مطبق، انفجار لفظي عنيف) هي فعل تخييل مشهدي خالص.
0- المُحرّض الثاني: مقاومة الفضاء: الفضاء المسرحي، بحدوده وأبعاده، يحد من الأفكار المطلقة. هذه المقاومة هي التي تشعل فتيل الوعي على إيجاد الحلول الشعرية وتخييل المعالجات الصورية. الرغبة في إظهار "غابة" على خشبة فارغة هي التي حرضت بيتر بروك على استخدام أعواد الخيزران، محولةً القصور المادي إلى ثورة تخييلية جمالية تفتح الباب واسعاً لتخييلات أخرى تساهم برسم الإنجاز.
0- الأداة: اللوحة الحسية: يمتلك المخرج أدوات لا يمتلكها الكاتب: الإضاءة التي ترسم الفضاء وتكشف معالم الجمال في كل ما هو ساكن ومتحرك على الخشبة وحتى العتمة هي من معالم الإضاءة الواعية التي توجه عين المتفرج حيث مكامن الجمال، والموسيقى التي تبني الإيقاع العاطفي بفونيماتها المختلفة والمتناغمة، والصمت الذي قد يكون أبلغ من أي حوار. هذه الأدوات لا "تخدم" النص، بل تكتب نص المخرج الموازي - النص الفرعي خاصة العرض وثمرة وعي المخرج.
0- الآلية: الكوريغرافيا المكانية والزمنية: الآلية هنا هي تنظيم وتهذيب وتشذيب حركة الأجساد في الفضاء اليومي إلى حركة واعية درامية بحضور يوهج الحكاية والعرض، والذي يخدم تنظيم إيقاع الأحداث في الزمن لذلك نرى ريتم بطء الحركة عند روبرت ويلسون في "آينشتاين على الشاطئ" أبلغ من مجرد أسلوب، فقد تعدى ذلك بخطوات عريضة إلى آلية تخييلية تبطئ من إدراك المتفرج وتجبره على رؤية ما هو مألوف كشيء غريب وجديد. كما يحاول منح المتفرج فرصة للتفكير والتحليل وبناء التأويلات وفقاً لثقافته وأدواته الإجرائية في ردة الفعل المناسبة إزاء ما يراه ويسمعه ويحسه.
3- الثورة الأدائية: تجارب حية في إعادة الخلق
إن فهم هذه الآليات يجعلنا نرى تجارب المخرجين الطليعيين ليس كتمرد، بل كنتيجة حتمية للتحول في فهم محرضات التخييل.
خاتمة: أثر النص في زمن الفرجة
إن الانتقال من نموذج إبسن إلى نموذج ويلسون ليس قصة خيانة للنص، بل هو تاريخ تطور الفن المسرحي نفسه. الخسارة الظاهرية لسلطة المؤلف هي في الحقيقة الشرط الضروري لولادة »الحدث المسرحي «يظل خيال المؤلف كنصٍ أصلي، كـ "شبحٍ في الآلة" ومُحرّض أولي، يؤثر في العرض ويمنحه عمقه الدرامي، لكنه لا يعود المتحكم الأوحد فيه. العرض المسرحي المعاصر هو "باليمبسَت"، أي مخطوطة شائكة كُتبت فوق مخطوطة أقدم تجلت بمسارات أقل لكنها أعمق، حيث تظل آثار النص الأصلي مرئية، لكنها تتشابك مع طبقات جديدة من الكتابة الجسدية والبصرية والصوتية التي حرضتها عوامل وآليات التخييل المشهدي، لتخلق في النهاية كائنًا فنيًا جديدًا ومستقلًا.
في الختام: الأمانة المطلقة مع النص هي موت للمسرح وإعلان عن تواضع الأدوات، بينما الخيانة الواعية هي الشرط الضروري لاستنطاق صمت الورق على الخشبة وفتح النوافذ مشرعة باتجاه الجمال.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تعازي الشيوعي العراقي للشيوعي اللبناني برحيل الفنان الكبير ز ...
- اختتام مسابقة الرواية حول الشهيد يحيى السنوار في مسقط
- في حرب السرد بين المقاومة والاحتلال. من يملك الرواية؟
- من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء ...
- صدور (كوثرة متد حرجة) مجموعة قصصية للأديبة بلقيس خالدب
- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...
- -عالم الديناصورات: إحياء-… حين تصبح العودة إلى الماضي موتًا ...
- من إسطنبول إلى عمّان.. هكذا تصنع زينب وعيا معرفيا بقضية القد ...
- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم أبو جويدة - »مورفولوجيا التخييل المسرحي: من الأنطولوجيا النصية إلى الفينومينولوجيا المشهدية«