حسام محسن عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان العراق في ضوء العدالة المالية الاتحادية"
بقلم د. حسام محسن البريفكاني
باتت أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان العراق واحدة من أكثر القضايا حساسيةً وتعقيدًا في العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد. هذه الأزمة التي تكررت بشكل دوري لأكثر من عقد من الزمن، مما أثر بشكل مباشر على الوضع المعيشي للآلاف من موظفي الإقليم، وأمست مادة للصراع السياسي والمالي بين الطرفين.
ومن هذا المنطلق نرى ان خلفية الأزمة يرجع إلى أساسين هما :
أولًا: الأساس الدستوري للعلاقة المالية: اذ ينص الدستور العراقي لسنة 2005 على ما يلي:
المادة (111): “النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.”
المادة (112): تشترط أن يتم إدارة النفط والغاز من الحقول الحالية بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، على أن يتم توزيع العائدات بشكل عادل.
وقد أدى هذا الغموض إلى تباين في التفسير بين الإقليم والحكومة الاتحادية، خصوصًا فيما يتعلق بملف تصدير النفط عبر الإقليم، وتسليم الإيرادات غير النفطية، وحصة الإقليم من الموازنة العامة.
ثانيًا: الأساس التشريعي للعلاقة المالية:
كما هو معلوم فقد أقرّ البرلمان العراقي قانون الموازنة الاتحادية لثلاث سنوات (2023–2025)، وهو القانون الذي ينظّم إرسال الأموال إلى الإقليم، ونصّ على:
المادة (13/ أولًا): تسلّم حكومة الإقليم ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا من النفط الخام إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو).
المادة (13/ ثالثًا): في حال عدم تسليم الإقليم الكمية المتفق عليها، يتم الاستقطاع من حصته في الموازنة بما يعادل قيمة النفط غير المُسلّم.
المادة (14/ سابعًا): تخضع حسابات الإقليم ومصروفاته إلى رقابة ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
المادة (14/ سادسًا): يجوز للحكومة الاتحادية إرسال المبالغ المخصصة كرواتب لموظفي الإقليم بشكل مباشر دون الرجوع إلى حكومة الإقليم، شريطة توفر قاعدة بيانات دقيقة.
وعليه فان هذه المواد عدت الإطار القانوني لأي تمويل للإقليم، وأي إخلال بها يُعد مبررًا قانونيًا لتجميد إرسال الرواتب.
ونتيجة لاطالة الازمة بين الطرفين فقد تدخلت المحكمة الاتحادية العليا بان اصدرت عدة قرارات في السنوات الأخيرة، منها:
• القرار المرقم 59/اتحادية/2019 بتاريخ 25/8/2019، والذي أكد أن الحكومة الاتحادية غير ملزمة بإرسال الأموال إلى الإقليم دون تسليم واردات النفط.
• القرار 233/اتحادية/2022، والذي قضى بعدم دستورية قانون النفط والغاز الصادر من برلمان إقليم كوردستان، واعتبر أن إدارة النفط يجب أن تكون مركزية.
• قرارات متعلقة بقانون الموازنة الاتحادية لسنة 2023 (رقم 13 لسنة 2023)، مما ترتب على ذلك بان أيدت المحكمة تطبيق المادة (13) من قانون الموازنة، والتي تشترط تسليم 400 ألف برميل يوميًا من النفط مقابل إرسال المستحقات المالية.
فضلا عن ذلك فقد أكدت المحكمة إمكانية إرسال الرواتب بشكل مباشر إلى موظفي الإقليم دون وسيط حكومي، في حال امتناع حكومة الإقليم عن الالتزام.
ونتيجة لذلك فقد عززت هذه الأحكام موقف بغداد القانوني بعدم إرسال الأموال إذا لم تلتزم أربيل بالشفافية وتوحيد السياسة النفطية.
وهو ما فعلته الحكومة الاتحادية بان امتنعت عن صرف رواتب موظفي الإقليم ما انعكس سلبا على الوضع المعيشي للموظفين والأفراد على حد سواء وادى ذلك إلى:
•معاناة الموظفين من تأخر أو انقطاع الرواتب، وهو ما يؤثر سلبًا على معيشة المواطنين.
•احتجاجات شعبية في مدن الإقليم تطالب بحل جذري للأزمة.
•تراجع ثقة المواطنين بالحكومتين، الاتحادية والإقليمية، بسبب تسييس الملف.
•ضعف الاقتصاد المحلي في الإقليم نتيجة توقف الدورة المالية.
وفي ذات السياق وفيما يتعلق بالحلول من وجهة نظر الاطراف فقد شهدت السنوات الأخيرة محاولات عديدة لحل هذه الأزمة والتي برأيي لم تكن موفقة نتيجة عدم وجود إرادة من قبلهم في حلها منها:
•إبرام اتفاقيات مؤقتة بين بغداد وأربيل على تسليم جزء من النفط مقابل دفع الرواتب دون الرجوع إلى النصوص الدستورية والتشريعات المالية الحاكمة للعلاقة بينهما.
•تدخلات من المحكمة الاتحادية لفرض إجراءات قانونية.
•قرارات حكومية بتحويل الرواتب مباشرة عبر المصارف (دون وسيط حكومي من الإقليم)، لكن هذه المحاولات تواجه صعوبات لوجستية وإدارية.
• التزام حكومة الأقليم بتوطين رواتب موظفيها تحقيقا لرغبة الحكومة الاتحادية ولإخراج موظفي الإقليم من هذه الأزمة ولمعرفة صدق الحكومة الاتحادية من كذبها.
ختاما فان أزمة الرواتب في إقليم كوردستان العراق ليست مجرد مشكلة مالية، بل هي نتيجة تراكمات سياسية وقانونية ودستورية معقدة، ولا يمكن حلّها بشكل نهائي دون اتفاق شامل بين بغداد وأربيل يحدد بوضوح الصلاحيات، والإيرادات، وحقوق الموظفين، وبما يضمن العدالة والمساواة لكل المواطنين في العراق.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟