قاسم مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 20:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تستعد الحركة الطلابية المغربية لاختتام موسمها الدراسي الجاري، مما يشكل فرصة لتعميق النقاش حول الحصيلة النضالية والآفاق المستقبلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نضالات الجماهير الطلابية هي محصلة تراكمات تتجاوز حدود المواسم أو التواجد الفعلي داخل أسوار الجامعة.
وما زالت الجماهير الطلابية تفجّر المعارك الطلابية وتدافع عن حقوقها المادية والمعنوية، في ظل الهجوم المستمر على الجامعة المغربية، سواء باستهداف مجانية ومضمون التعليم، أو من خلال الحصار المضروب على الحريات والحق في التنظيم والتأطير والتعبير والنشاط السياسي والثقافي.
غير أنه من الناحية الكمية، تراجعت قوة الفعل الاحتجاجي الطلابي، ولم يبرز في المشهد سوى تحركات نضالية محدودة، كان أكبرها وأكثرها استماتة معركة طلبة الطب والصيدلة والطب الأسنان، الذين خاضوا إضرابا هو الأطول في تاريخ الحركة الطلابية المغربية، وذلك احتجاجا على طريقة ومضمون إعادة تنظيم التكوين الطبي وتقليص عدد سنواته من سبع إلى ست سنوات، وتردي ظروف التكوين والتدريب وغيرها من المطالب التي أصروا على التمسك بها وفرض التفاوض عليها والاستجابة لقسم منها.
ينضاف إلى ذلك، معارك طلابية بمواقع جامعية مختلفة، كتلك التي شهدها موقع فاس والمعركة النضالية بموقع تازة التي تعرضت للقمع واعتقال المناضلين.ات على خلفية نشاطهم النقابي، والمعركة التي خاضها طلبة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة من أجل الحق في السكن.
وقد نظمت الحركة الطلابية تحت لواء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعض المبادرات النضالية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة الجماعية في قطاع غزة على يد الكيان الصهيوني المدعوم من طرف الإمبريالية الأمريكية والقوى الغربية.
وشملت هذه الأشكال النضالية أياما نضالية تضامنية أو فعاليات ثقافية في مواقع جامعية، كالرباط وفاس والقنيطرة وتطوان والناظور، مع انخراط بارز لفصائل التوجه الديمقراطي.
وشكلت النسخة الثانية من الملتقى الطلابي الشبابي لمناهضة التطبيع ودعم ومساندة المقاومة الفلسطينية، التي احتضنها فصيل طلبة اليسار التقدمي بموقع الرباط، أبرز خطوة نضالية مشتركة في هذا الصدد، وبالرغم من المنع الذي تعرضت له أنشطته داخل الجامعة، إلا أن إصرار اليسار التقدمي ومكونات الملتقى أحبط مخطط المنع وساهم في نجاحه الكبير، ليتم تتويج أنشطته بتنظيم وقفة طلابية شبابية نوعية وغير مسبوقة أمام مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، للاحتجاج والمطالبة بوقف التطبيع الأكاديمي مع جامعات ومعاهد الإبادة الجماعية في الكيان الصهيوني، والتضامن مع الطلاب والشعب الفلسطيني.
وبالرغم من الأهمية الكبيرة لمختلف التظاهرات الطلابية الداعمة للقضية الفلسطينية إلا أنها بقيت صغيرة جدا مقارنة بحجم الجامعة المغربية وطبيعة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني [الإبادة الجماعية: أخطر وأبشع جريمة في الوجود البشري].
سبق لشبيبة النهج الديمقراطي العمالي أن بينت في كلمة الموقع "النضال من أجل فلسطين هو عنوان هذا الزمان"، الأبعاد الاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى وارتباطات ذلك بالواقع المغربي، ونبّهت إلى أنه "غاب قسم واسع من القوى الشبابية عن هذه المعركة الأساسية، بما فيه الحركة الطلابية، والتي لم تشهد سوى قدرا محدودا من الفعاليات في الساحة الجامعية".
وعلى النقيض من هذا الوضع، عرفت الحركة الطلابية في بلدان أخرى نهوضا نضاليا عارما، مثل ما حدث في الولايات المتحدة، حيث قام الطلاب بنصب مخيمات واعتصامات في العشرات من الجامعات الذائعة الصيت، ككولومبيا، وواشنطن وييل ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إذ رفض هؤلاء الطلاب أن تكون جامعاتهم جزءًا من الشراكة مع الكيان الصهيوني سواء في الأصول أو التبادل أو أي شكل من العلاقة، وهو ما حظي بدعم قوي من قطاع واسع من هيئات التدريس والمجتمع، وهي الحركة التي واجهتها المؤسسة الأمريكية بالقمع الشديد والتحريض الإعلامي والاعتقالات والمحاكمات وكذا إلغاء التأشيرات؛ واللافت أنّ هذه الصحوة الطلابية سرعان ما انتقلت إلى العديد من البلدان الأخرى، ككندا، المملكة المتحدة، أستراليا.. وفرنسا.
وقد بينت هذه الحركة الأدوار المذهلة التي مازال الطلاب قادرين على القيام بها، سواء تجاه الأوضاع في بلدانهم، أو تجاه ما يحدث في العالم، مثل التضحيات التي قدمها الطلاب في أمريكا خلال الحرب على فيتنام، أو انتفاضة الطلاب في فرنسا سنة 1968 التي كان من أبرز شعاراتها "كن واقعياً واطلب المستحيل".
من أسباب تخلف الحركة الطلابية المغربية في معركة التضامن الشعب الفلسطيني ومناهضة التطبيع، الأزمة المركبة التي تعاني منها هذه الحركة، فمن جهة، مازال النظام المخزني يفرض الحصار على الجامعة المغربية بغية وأد أي فعل طلابي جاد واستراتيجي، والأزمة التنظيمية التي خيمت على الحركة منذ بداية الثمانينيات، مع ما صاحب ذلك من تآكل للفصائل الطلابية، والتي تعيش حاليا واحدة من أحلك ظروفها، إذ بات واضحا التراجع الكبير الذي تعرفه فصائل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ.و.ط.م)، خلال السنوات القليلة الأخيرة، بل ومنها من انتهى ولم يعد له وجود. إن هذا الوضع بالغ الخطورة، وستكون له تداعيات سلبية لا محالة على نسب التأطير ما لم يتم استدراك ذلك.
إن غياب الفصائل التقدمية والديمقراطية عن معركة مقاطعة المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا الذي تضمن قائمة من المشاركين من الكيان الصهيوني، يسلط الضوء على عمق الأزمة التي يعاني منها أ.و.ط.م.
أظهرت التجربة التاريخية أن النظام المخزني لا يقتصر على القمع المباشر من أجل كبح الحركة الطلابية، بل لا يزيد ذلك سوى في تصليبها وتعزيز زخمها، وتجسد سياسة التشتيت وإثارة النعرات والاتهامات والتحريض بين مكونات أ.و.ط.م أحد الوسائل الفعالة لتأبيد الأزمة وتكريسها، بينما يمثل العنف الطلابي أحد أدوات ضبط الفعل الأوطامي وإعادة تحجيمه، وهو ما يتبين بوجه ملموس من دراسة تاريخ الحركة الطلابية وحلقة (العنف) الضبط النمطية هاته، فكلما شهدت الجامعة المغربية فعلا طلابيا نوعيا إلا وتلتها أحداث العنف سواء بشكل محدود في موقع جامعي محدد أو من خلال عنف سرعان ما يتم تصديره إلى مواقع أخرى.
لم يكن هذا الموسم الجامعي استثناءً، فبمجرد نجاح النسخة الأولى من الملتقى الطلابي الشبابي لمناهضة التطبيع ودعم ومساندة المقاومة الفلسطينية، التي بادر واحتضنها فصيل الطلبة القاعديين التقدميين بموقع تطوان، تعرض هذا الفصيل لهجوم من طرف فصيل الطلبة القاعديين (الكراس) بالموقع نفسه تلاه اعتقالات في صفوف المناضلين.
وبالشكل ذاته، وبعد تنظيم فصيل الطلبة القاعديين بموقع سلوان لأيام ثقافية موضوعها التضامن مع فلسطين، تعرض هذا الفصيل بسبب استضافته لأحمد ويحمان للتحريض ضمن رسالة منسوبة لأحد المعتقلين السياسيين البارزين، تلاه هجوم من طرف الحركة الثقافية الأمازيغية بموقع سلوان على الرفاق في فصيل الطلبة القاعديين، واندلاع مواجهات مؤسفة.
يشكل العنف أحد الأمراض الخطيرة التي أصابت الحركة الطلابية المغربية، كنتيجة مباشرة للقمع المخزني والأزمة التنظيمية وما يرافقها من سيادة البيروقراطية وتراجع الوعي وانحصار الفعل الثقافي التقدمي والديمقراطي الهادف والمؤثر.
يلقي هذا الوضع مسؤولية سياسية ومجتمعية كبيرة على مكونات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي يجب أن تبني الجسور وتسطر برامج النضال المشترك وتعزز الحوار والاحتكام إلى مبادئ أ.و.ط.م في تدبير الأنشطة، ووضع مهمة إعادة بناء النقابة الطلابية على رأس أولوياتها.
لكن هناك مسؤولية أكبر على قوى اليسار الديمقراطي، خصوصا حزب النهج الديمقراطي العمالي وفدرالية اليسار الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد، وباقي المجموعات السياسية المعارضة، بالإضافة إلى القوى الديمقراطية الشبابية والحقوقية والنقابية وغيرها، من أجل دعم نضالات الحركة الطلابية، ولعب أدوار ريادية في التأطير والتضامن، ومحاصرة العنف الطلابي وفضح خلفياته وآثارها الكارثية على الجامعة والمجتمع.
تتوفر الحركة الطلابية على مقومات كبيرة للنهوض والتقدم في الدفاع عن حقوقها والمساهمة في معركة التحرر الوطني، إذا ما احتكمت إلى أسس الوحدة والتنظيم، ويشكل التضامن مع الشعب الفلسطيني والانخراط في معركة مناهضة التطبيع أرضية لا خلاف عليها للبناء.
#قاسم_مصطفى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟