|
تخمينات في الأوضاع السياسية التي مهدت لسقوط النظام السوري
أشرف تلوش
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 08:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استفاق المجتمع الدولي يوم الأحد الخامس من ديسمبر (2024) على واقعة سقوط النظام السوري واستلاء فصائل المعارضة على دمشق عاصمة سوريا، فقد تركت هذه الواقعة مجموعة من التساؤلات حول الشروط السياسية التي لعبت دورا مركزيا في سقوط نظام الأسد بهذه السرعة، بعدما استغرقت الاشتباكات بين النظام السوري والفصائل المعارضة لأزيد من ثلاث عشرة سنة، فكيف لهذا النظام أن يسقط في أقل من اثنتي عشرة ساعة؟ فهل هذه الواقعة جاءت نتيجة صدفة، أم أن الأمر كان مخططا له تخطيطا وتنفيذا دقيقا؟ إن الحديث القائم على التحليل السياسي الدقيق سيؤكد بالدرجة الأولى استبعاد إمكانية الإيمان بمنطق الصدف، وسيظل الحديث عن تخمينات في الشروط السياسية التي ساهمت في سقوط النظام السوري، فهي إذن تظل مجرد تخمينات مبنية على تحليل الأحداث والوقائع التاريخية مع استحضار الظروف السياسية الحالية، وهذا ما سيجعلنا نطرح بعض التساؤلات الدقيقة التي ستوجه نظرنا إلى الأحداث التي سيشهدها المستقبل القريب. على أية حال فإننا نعلم جميعا أن الجيش السوري النظامي لم يبد أي مقاومة شرسة جراء الهجوم الذي تعرض له من لدن الفصائل المسلحة المعارضة، ولم يتمكن الحلفاء التاريخيون للنظام السوري من مساعدته على المقاومة والصمود في وجه تحالفات الفصائل المعارضة مما أدى به إلى السقوط السريع وفقدان الشرعة السياسية، بل اتخذ مغادرة سوريا سبيلا له، مبررا ذلك في بيانه (الذي نسب إليه) أنه لم يغادر سوريا إلا في اللحظات الأخيرة بعد سقوط آخر المواقع العسكرية وما تبعه من شلل باقي مؤسسات الدولة . إن تحليل الوضع السياسي السوري يتطلب منا الوقوف لعزل الأحداث التي تبدو لنا فوضوية، بحيث تخلط بين المشاهد وتزور الأسباب، وبالتالي تظهر النتائج غامضة وغير واضحة للعيان، لذلك يتطلب منا أولا تحليل الأحداث والوقائع السياسية الهامة، لكي نرتب الأمور حسب أهميتها وتأثيرها في المشهد السياسي السوري، فأول ما يجب البدء به هو إعادة النظر في طبيعة الصراع الحالي في سوريا خاصة في الأعوام الأخيرة، التي كشفت على وجود تنظيمات سياسية وعسكرية مدعومة من القوات الخارجية خاصة: أمريكا وإسرائيل وتركيا في مقابل تواجد القوات النظامية التي تستمد دعمها من إيران وروسيا. فإذا ما نظرنا إلى هذه المعادلة وكشفنا عن متغيراتها سيجعلنا نزيح النظر عن التوجه الحالي الذي تروج له المصادر الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، التي تنقل الأخبار من دون تحليل ولا ترتيب ولا تمحيص في منطقية تسلسل الأحداث وتفاعلها، وعليه فأول مبدأ ننطلق منه هو: أن الصراع قائم بين تناقضات مصالح الأنظمة الإمبريالية الحالية، وليس صراعا على السلطة بين النظام السوري المخلوع وفصائل المعارضة، ونتيجة لذلك فإن سقوط نظام الأسد لا يبشر بأي تغيير أو بناء نظام ديموقراطي يحفظ كرامة الشعب السوري، وإنما هو إعادة إنتاج عملاء يحفظون مصالح الأنظمة الإمبريالية التي ساهمت في سقوط النظام السوري، وذلك سيتبين من خلال إعادة ترتيب أطراف المعادلة والكشف عن الشروط السياسية التي ساهمت في سقوط النظام السوري: فإذا كان النظام السوري مدعوما من طرف إيران وروسيا، فلماذا تخليا عنه خلال مرحلة الهجوم وسقط بهذه السرعة بعدما قاوم ثلاث عشرة سنة؟ ومن قام بدعم فصائل المعارضة وتنسيق الهجوم والتخطيط له؟ كمحاولة للإجابة عن هذه الإشكالات يتطلب منا بيان المصالح الإستراتيجية للقوى الفاعلة في الشأن السوري، كما بينا ذلك من خلال الكشف عن أطراف المعادلة، والتي سيتم التفصيل فيها من خلال تحديد المصالح الإستراتيجية للقوى المذكورة: I. تحقيق الأهداف الإستراتيجية الإيرانية والروسية رهين ببقاء نظام الأسد في سوريا لقد سعت إيران تاريخيا إلى ربط علاقات جيدة مع النظام السوري منذ الثورة الخميني 1979، وتعززت العلاقات السياسية والعسكرية مع النظام السوري خلال بداية الأحداث التي عرفتها سوريا سنة 2011 إلى سقوط نظام الأسد سنة 2024، وذلك لأسباب تهم إيران من الناحية السياسية والعسكرية، خاصة يعد تعثر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، فاتُخذت سوريا بمثابة محافظة إيرانية رقم : 35 ، والتي قال مهدي طائب: "على إيران أن تستمر في تقديم الدعم للمقاتلين في سوريا والعراق ولبنان واليمن حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني"، على حد تعبيره . نلاحظ إذن الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها سوريا -وهي تحت نظام الأسد- لدى إيران، ولقد مكنتها من تنفيذ استراتيجيات عسكرية التي تطلق عليها إيران "الدفاع المتقدم"، القاضي بضرورة نقل المواجهات المسلحة والعسكرية بعيدا عن أراضيها مستغلة بذلك ضعف الدول العربية المجاورة، إضافة إلى ذلك فإنها كانت تحلم بتأسيس حزب الله جديد في سوريا؛ ذلك لأجل تطويق إسرائيل وشن الهجمات الخاطفة عليها، ليس لردعها أو القضاء عليها، وإنما لأجل التضييق على المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط وبالتالي ستكون ورقة ضاغطة على المجتمع الدولي لأجل التفاوض على ملفها النووي وسحب العقوبات عليها، وهذا الهدف المنشود قد دفع بإيران إلى دعم نظام الأسد بكل الوسائل المتاحة لأجل الحفاظ على سلطته، موقعين اتفاقيات تمد النظام السوري بالأسلحة، مما يحفظ مصالحها الإستراتيجية، ولعل أبرزها: المساعدة في إمداد الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان عبر طرق برية من سوريا. وما يؤكد هذا القول ويفسر عدم استجابة إيران لنظام الأسد في أيامه الأخيرة؛ هي تلك الهجومات المدمرة التي قامت بها إسرائيل على المصالح الإيرانية، خاصة حربها الأخيرة على حزب الله في جنوب لبنان والاغتيالات التي شنتها على القادة العسكريين في جنوب سوريا ولبنان، وبالتالي أي تحرك إيراني سيكون مستهدفا من طرف إسرائيل في "حلب"، أضف إلى ذلك اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين إسرائيل وحزب الله يوم 27 نونبر2024، وهو نفس اليوم الذي قررت فيه قيادات "هئية تحرر الشام" بشن الحرب على النظام السوري، وكما قلنا سابقا بأن منطق الصدفة يجب أن يستبعد من التحليل السياسي إذا ما أردنا صورة واضحة لما جرى. إن ارتباط هذه الأحداث ترسم لنا إجابة واضحة عن عجز إيران والفصائل المسلحة التابعة لها عن دعم بشار الأسد في حربه الأخيرة، كما تجيب أيضا عن السؤال المطروح المتمثل في اختيار توقيت الهجوم. أما الإشكال المتعلق بالجهة الروسية التي لم تدعم النظام السوري في حربه الأخيرة فإنه يظل غامضا إلى الآن نظرا لعدم تواجد المعطيات الكافية لتشكيل صورة واضحة، فلربما شغلها عن ذلك حربها الضروس مع أوكرانيا، أو أنها قد توصلت إلى اتفاقات سرية تحقق من خلالها تنازلات في أوكرانيا وحفظ مصالحها الإستراتيجية في سوريا مقابل التخلي عن دعم نظام الأسد، على العموم ستتبين المعطيات خلال الأشهر أو السنوات القادمة. II. سقوط نظام الأسد هي خطوة أولى أمام تركيا وإسرائيل لبسط النفوذ الإستراتيجية في الشرق الأوسط إن سقوط نظام الأسد على يد الفصائل المعارضة يعني ذلك تشكيل شرق أوسط جديد يحفظ مصالح القوى الداعمة للأنظمة الجديدة التي ستحكم سوريا، لكن أمام تواجد أطراف عديدة تهتم بالشأن السوري فإن المصالح السياسية تختلف أيضا باختلاف المتهمين المباشرين في دعم "هيئة تحرير الشام" التي صارت في الواجهة، وهنا نتحدث عن دعم تركيا وإسرائيل ومباركتهما لهذا الانتصار. سيتبين هذا الدعم إذا ما أخذنا المصالح التركية والإسرائيلية في سوريا بعين الاعتبار والتي يمكن أن نبين بعضها على الشكل الآتي: لقد سعت تركيا منذ سنة 2011 إلى دعم المعارضة المسلحة في سوريا، وذلك لإنشاء منطقة عازلة في الشمال بحيث تبعد عن الحدود التركية عشرات الكيلومترات، ذلك لأجل أن يمنع إمكانية قيام دولة قومية خاصة بالأكراد، وهذا ما جعل تركيا تدعم فصائل المعارضة في هذا التوقيت بالتحديد، أما ما دفعها إلى التنسيق بين فصائل المعارضة هو تيقنها بعدم تدخل روسيا في الشأن السوري لانشغالها بالحرب في أوكرانيا، وتيقنها كذلك بعدم تدخل إيران في الدفاع على نظام الأسد نظرا لإنهاكها العسكري الذي أصابها في لبنان، وهكذا فإن هذا المشهد السياسي يسمح لتركيا بالانخراط في دعم فصائل المعارضة وإسقاط الأسد، ثم المساهمة في إعادة تشكيل نظام جديد يحفظ مصالحها السياسية ويعيد التوازنات لصالحها. فهكذا إذن يتبين لنا مشاركة إسرائيل وتركيا في دعم المعارضة المسلحة، لإسقاط النظام السوري، وتقليص نفوذ إيران وبسط نفوذ إسرائيل وتركيا للمساهمة في تغير الساحة السياسية بسوريا، ثم إعادة بناء نظام جديد يسعى إلى حفظ مصالح هذه الدول في سوريا، لكن ما دامت المصالح متناقضة ومتعارضة، فهل ستشهد سوريا انفجارا لهذه التناقضات التي بلغت حدتها بسقوط نظام الأسد؟ وما مصير سوريا بعد هذا السقوط؟ وكيف سينعكس ذلك على الشرق الأوسط والمجتمع الدولي؟ كلها أسئلة ستتبين الإجابة عنها في المشهد السياسي القادم. III. تخمينات حول مصير سوريا بعد سقوط الأسد إن المتتبع لهذا المشهد السياسي الحالي سيدرك أن إسقاط النظام السوري هو إعادة تشكيل شرق أوسط جديد، لا المساهمة في بناء دولة وطنية ديموقراطية متقدمة، وإنما هو إعادة إنتاج نفس الوضع الذي سيسمح بتحقيق مصالح الدول الفاعلة في الشأن السوري، فاستنادا إلى التحليل الذي قدمناه سالفا يتضح جليا أن مصير سوريا رهين بطبيعة الأطراف السياسية التي ستحكم المشهد السوري، فكما هو بين فإن المجتمع الدولي المهتم بالشأن السوري يحاول تلميع "هيئة تحرير الشام" في شخص "الجولاني" الذي ارتبط تاريخه بالمنظمات الإرهابية ( داعش، النصرة، القاعدة والهيئة...)، ولا يزال في قائمة الإرهابيين المبحوثين عنهم لدى أمريكا، فهل ستتراجع هذه الأخيرة عن اعتباره إرهابيا في المستقبل القادم؟ وهل سيسمح له تنظيمه الأصولي المتشدد في التراجع عن المبادئ والأفكار التي بُنيت عليها هيئة تحرير الشام؟ إضافة إلى ذلك فإن الساحة السورية تتواجد فيها عدة فصائل متناقضة المصالح، فمنهم من هو مدعوم من تركيا، ومنهم من هو مدعم من الأكراد الذين تختلف مصالحهم السياسية اختلافا جذريا مع تركيا، ومنهم كذلك من هم منتمون إلى فصائل مدعومة من روسيا وتحفظ بمصالحها الاستراتيجية منذ سنة 2011، فهل ستتخلى روسيا عن ذلك، بعدما أجهدت قواها العسكرية والاقتصادية في سوريا؟ ناهيك عن الفصائل المدعومة من إيران فهل ستنسحب إيران، أم ستواصل الكفاح لأجل إتمام استراتيجياتها الراسخة؟ إذن كيف يمكن "لنظام الجولاني" المرشح للحكم أن يحفظ كل هذه التوازنات وغيرها ويوفق بينها؟ أما على المستوى الدولي فكيف ستتصرف تركيا وإسرائيل إن تصادمت المصالح السياسية والاقتصادية في الساحة السورية؟ وكيف سترد إيران وتتعامل مع هذا المشهد الجديد؟ وما تداعيات قيام الدولة السورية الجديدة (إن قامت بالفعل) على الدول العربية المجاورة مثل: العراق، لبنان، اليمن، الأردن (...)؟ . خلاصة القول: إن هذه التخمينات المبثوثة في هذا المقال ماهي إلا أفكار تزيح اللثام عن المشهد السياسي السوري الحالي وما طرأ عليه من تغييرات، وقد سعينا من خلاله إلى بيان أهم الشروط السياسية التي ساهمت في إسقاط نظام الأسد، آخذين بعين الاعتبار التوازنات الدولية المتصدرة للمشهد السياسي الحالي في الشأن السوري، وعليه فإن هذه التخمينات تبقى مجرد أفكار مبنية على ما نتوفر عليه من معطيات التي تصدرت المشهد السياسي العام، وبالتالي بإمكان هذا التحليل أن يتغير وفق المتغيرات التي ستشهدها الساحة السياسة التي ستتبين معالمها في السنوات القادمة.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جذبت ملايين المعجبين.. لماذا غزت دمية -لابوبو- الصينية العال
...
-
لجنة تقصي الحقائق في سوريا تعلن نتائج تحقيقاتها في أحداث الس
...
-
-كفى لهذا الظلم وهذه الوحشية-.. أردوغان داعيًا لموقف دولي بش
...
-
بعد عقود من الجدل.. هل آن أوان إعادة الثقة في العلاج الهرمون
...
-
باريس تطالب بدخول الصحافة إلى غزة.. وكالاس: قتل مدنيين ينتظر
...
-
دخان الحرب يتصاعد من دير البلح: توغّل إسرائيلي يشعل جبهة وسط
...
-
البنتاغون يسحب كامل قوات مشاة البحرية من لوس أنجلوس بعد عودة
...
-
في بيان غير مسبوق.. وكالة الأنباء الفرنسية تحذر من الموت بال
...
-
حداد وطني وغضب في بنغلادش غداة مقتل 31 شخصا في تحطم طائرة عس
...
-
أسرار باريس | لآلئ من بحر التاريخ!
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|