هيثم فؤاد الاصبحي
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:45
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
أهم معوقات النقد الإلكتروني في اليمن: تحديات قانونية، اجتماعية، اقتصادية، وبنية تحتية
يشهد العالم تحولًا رقميًا متسارعًا في كافة القطاعات، ويُعد النقد الإلكتروني (E-cash) أو المدفوعات الرقمية أحد أبرز ملامح هذا التحول. فبقدر ما يقدمه من مزايا في تسهيل المعاملات، وزيادة الشفافية، وتقليل تكلفة التداول النقدي، إلا أن تبنيه في بيئات معينة، كاليمن، يواجه تحديات جمة تتطلب معالجة شاملة من جوانب متعددة، أبرزها الجوانب القانونية والاجتماعية.
1. أهم معوقات النقد الإلكتروني في اليمن:
تتعدد المعوقات التي تحول دون انتشار واسع وفعال للنقد الإلكتروني في اليمن، ويمكن إجمالها في النقاط التالية:
• ضعف البنية التحتية:
o الاتصالات والإنترنت: تعاني اليمن من بنية تحتية ضعيفة لشبكات الاتصالات والإنترنت، مما يؤثر سلبًا على موثوقية وسرعة المعاملات الإلكترونية.
o الكهرباء: الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي تحد من قدرة الأفراد والمؤسسات على استخدام الأجهزة الإلكترونية اللازمة للمدفوعات.
• الوعي والثقة المجتمعية (الجوانب الاجتماعية):
o قلة المعرفة والأمية الرقمية: يفتقر جزء كبير من المجتمع اليمني إلى الوعي الكافي بمفهوم النقد الإلكتروني ومزاياه وطرق استخدامه الآمنة. ارتفاع نسبة الأمية بشكل عام والأمية الرقمية بشكل خاص يعيق تبني التقنيات الجديدة.
o التحفظ الثقافي: وجود تحفظ ثقافي تجاه التعاملات غير النقدية، حيث يفضل الكثيرون التعامل المباشر بالنقود الورقية لما يمنحه من شعور بالسيطرة والأمان.
o غياب الثقة: يسود عدم الثقة في الأنظمة المالية الإلكترونية، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية غير المستقرة، مما يدفع الأفراد للتمسك بالتعامل النقدي التقليدي.
o الاقتصاد غير الرسمي: انتشار واسع للاقتصاد غير الرسمي الذي يعتمد بشكل كبير على التعاملات النقدية لتجنب الرقابة والضرائب، مما يجعل التحول إلى النقد الإلكتروني تحديًا.
• التحديات الأمنية:
o مخاطر الاحتيال والقرصنة: تزايد المخاوف من التعرض لعمليات الاحتيال الإلكتروني والقرصنة وسرقة البيانات الشخصية والمالية.
o ضعف آليات الحماية: قصور في آليات الحماية السيبرانية على مستوى المستخدمين والمؤسسات.
• الظروف الاقتصادية والسياسية:
o تدهور القوة الشرائية: تدهور القوة الشرائية للعملة المحلية يؤثر على حجم المعاملات وقيمة المدخرات الرقمية.
o الانقسام المؤسسي: الانقسام في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك البنك المركزي، يخلق بيئة غير مستقرة وغير موحدة لتطبيق السياسات المالية.
o أزمة السيولة النقدية: على الرغم من أنها قد تدفع البعض للبحث عن بدائل، إلا أنها في الوقت نفسه تزيد من تعقيد التحول الرقمي وتحد من قدرة البنوك على تقديم خدمات نقد إلكتروني مستقرة.
2. أهم الأسباب والمشكلات في القانون اليمني:
يُعد الإطار القانوني أحد أبرز نقاط الضعف التي تعيق تطور النقد الإلكتروني في اليمن، ويمكن تلخيص المشكلات القانونية فيما يلي:
• غياب التشريعات المتخصصة:
o فراغ تشريعي: لا يوجد في القانون اليمني حتى الآن قانون شامل ومحدد ينظم النقد الإلكتروني، أو المدفوعات الرقمية، أو العملات المشفرة.
o عدم مواكبة التطور: القوانين المالية والمصرفية الحالية قديمة ولم تواكب التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال المدفوعات الرقمية.
• الغموض في القوانين القائمة:
o التكييف القانوني: عدم وجود تكييف قانوني واضح لطبيعة النقد الإلكتروني، هل هو عملة؟ هل هو أداة دفع؟ هل هو خدمة مالية؟ هذا الغموض يؤثر على صلاحيات الجهات الرقابية وحقوق المتعاملين.
o الإثبات الرقمي: ضعف أو عدم وضوح القوانين المتعلقة بالإثبات الرقمي للمعاملات، مما يثير مخاوف بشأن حجية المعاملات الإلكترونية أمام القضاء.
• حماية المستهلك في المعاملات الرقمية:
o غياب آليات الحماية: لا توجد آليات قانونية واضحة وفعالة لحماية حقوق المستهلكين في المدفوعات الإلكترونية، مثل حماية البيانات، وآليات تسوية المنازعات المتعلقة بالمعاملات الرقمية.
o المسؤولية القانونية: عدم تحديد المسؤولية القانونية في حال حدوث أخطاء أو اختراقات أو احتيال في أنظمة الدفع الإلكتروني.
• مكافحة الجرائم السيبرانية وغسيل الأموال:
o قصور في التشريعات: على الرغم من وجود بعض النصوص المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، إلا أنها قد لا تكون كافية أو شاملة لمواجهة كافة أشكال الاحتيال والقرصنة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب عبر النقد الإلكتروني.
o صعوبة التنفيذ: تحديات في تطبيق وتفعيل القوانين القائمة بسبب ضعف القدرات الفنية والبشرية لدى الجهات الأمنية والقضائية.
• الإطار التنظيمي والإشرافي:
o تعدد الجهات: قد يكون هناك تداخل أو عدم وضوح في صلاحيات الجهات الرقابية والإشرافية على قطاع النقد الإلكتروني (البنك المركزي، وزارة الاتصالات، وزارة المالية).
o غياب التنسيق: ضعف التنسيق بين الجهات المعنية في وضع السياسات واللوائح التنفيذية.
3. التجارب التي يجب الأخذ بها من الناحية القانونية والاجتماعية:
لتعزيز بيئة النقد الإلكتروني في اليمن، يجب الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وتبني أفضل الممارسات القانونية والتنظيمية والاجتماعية:
• وضع إطار قانوني شامل ومتكامل:
o قانون المدفوعات الرقمية: سن قانون خاص بالمدفوعات الرقمية والنقد الإلكتروني، يحدد تعريفه، آليات عمله، حقوق وواجبات الأطراف، وشروط الترخيص لمقدمي الخدمات.
o تعديل القوانين القائمة: مراجعة وتعديل القوانين المالية والمصرفية والتجارية الحالية لتتوافق مع متطلبات العصر الرقمي وتدعم المعاملات الإلكترونية.
• إنشاء هيئة تنظيمية قوية وواضحة الصلاحيات:
o البنك المركزي: منح البنك المركزي اليمني الصلاحيات الكاملة والواضحة لتنظيم والإشراف على قطاع المدفوعات الرقمية، بما في ذلك إصدار التراخيص، وضع المعايير الأمنية، ومراقبة الامتثال.
o التنسيق المؤسسي: تعزيز التنسيق بين البنك المركزي، وزارة الاتصالات، وزارة المالية، والجهات الأمنية ذات الصلة لضمان بيئة تنظيمية متجانسة.
• تعزيز حماية المستهلك الرقمي:
o قوانين حماية البيانات: سن قوانين صارمة لحماية البيانات الشخصية والمالية للمستخدمين في المعاملات الرقمية.
o آليات تسوية المنازعات: إنشاء آليات سهلة وفعالة لتسوية المنازعات بين المستهلكين ومقدمي خدمات الدفع الإلكتروني.
o شفافية الرسوم والشروط: إلزام مقدمي الخدمات بالإفصاح الكامل والشفاف عن الرسوم والشروط والأحكام المتعلقة بالخدمات.
• تطوير تشريعات مكافحة الجرائم السيبرانية وغسيل الأموال:
o تحديث قانون الجرائم الإلكترونية: تحديث وتوسيع نطاق قانون الجرائم الإلكترونية ليشمل كافة أشكال الجرائم المتعلقة بالنقد الإلكتروني والعملات المشفرة.
o مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT): تطبيق معايير دولية صارمة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في قطاع المدفوعات الرقمية، بما في ذلك متطلبات "اعرف عميلك" (KYC) و"العناية الواجبة" (Due Diligence).
• الاستثمار في الوعي والثقة المجتمعية (الجوانب الاجتماعية):
o حملات التوعية الوطنية: إطلاق حملات توعية مكثفة ومستمرة عبر وسائل الإعلام المختلفة (التلفزيون، الإذاعة، وسائل التواصل الاجتماعي) لتعريف الجمهور بمزايا النقد الإلكتروني، وكيفية استخدامه بأمان، وتبديد المخاوف الشائعة.
o برامج محو الأمية الرقمية والمالية: تطوير برامج تعليمية وتدريبية تستهدف مختلف شرائح المجتمع، خاصة في المناطق الريفية، لتعليمهم أساسيات التعامل مع التكنولوجيا والخدمات المالية الرقمية.
o بناء الثقة: العمل على بناء الثقة بين الجمهور ومقدمي الخدمات المالية الرقمية من خلال الشفافية، وتوفير قنوات دعم فعالة، وإظهار قدرة الأنظمة على حماية أموال وبيانات المستخدمين.
o دمج الاقتصاد غير الرسمي: وضع حوافز وآليات لدمج الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية في النظام المالي الرسمي عبر المدفوعات الرقمية.
• الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية:
o دول الخليج: دراسة تجارب دول الخليج العربي (مثل الإمارات والسعودية) في تنظيم المدفوعات الرقمية والعملات المشفرة.
o الدول النامية: التعلم من تجارب الدول النامية التي نجحت في تبني النقد الإلكتروني رغم تحديات البنية التحتية (مثل كينيا في مجال "إم-بيسا" (M-Pesa) التي اعتمدت على شبكات الهاتف المحمول لتقديم خدمات مالية لملايين الأشخاص غير المتعاملين مع البنوك).
o المنظمات الدولية: الاستفادة من الخبرات الفنية والمشورة القانونية التي تقدمها المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية.
• تحفيز الابتكار والشراكة:
o بيئات الاختبار التنظيمية (Regulatory Sandboxes): إنشاء بيئات اختبار تنظيمية تسمح للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) بتجربة خدماتها ومنتجاتها في بيئة آمنة وتحت إشراف رقابي، مما يشجع الابتكار.
o الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تشجيع الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لتطوير البنية التحتية والخدمات الرقمية.
الخاتمة:
إن التحول نحو النقد الإلكتروني لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة اقتصادية وتنموية ملحة. وفي اليمن، يتطلب هذا التحول إرادة سياسية قوية، وتنسيقًا مؤسسيًا فعالًا، واستثمارًا في البنية التحتية، وقبل كل شيء، إصلاحًا جذريًا للإطار القانوني والتنظيمي، إلى جانب جهود مكثفة لبناء الثقة والوعي المجتمعي. إن تبني تشريعات حديثة وواضحة، والاستفادة من أفضل الممارسات الدولية، ووضع خطط شاملة للتوعية والتعليم المالي والرقمي، سيُمهد الطريق لبيئة مالية رقمية آمنة وفعالة، تسهم في تعزيز الشمول المالي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
المراجع البحثية (افتراضية لأغراض التوضيح):
• المرجعي، أ.، & اليمني، ب. (2023). تحديات التحول الرقمي في القطاع المالي اليمني: دراسة تحليلية. مجلة الدراسات الاقتصادية والمالية، 15(2)، 112-130.
• العدالة، ج. (2022). الإطار القانوني للمدفوعات الإلكترونية في الدول النامية: مقارنة بين التجارب العربية والأفريقية. المؤتمر الدولي للقانون والاقتصاد الرقمي، صنعاء، اليمن.
• المالكي، د. (2021). أثر الأمية الرقمية على تبني الخدمات المالية الإلكترونية في المجتمعات المتأثرة بالصراعات. المجلة العربية للعلوم الاجتماعية، 8(4)، 45-60.
• البنك الدولي. (2020). تقرير الشمول المالي العالمي 2020: دور التكنولوجيا المالية في تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية. واشنطن العاصمة: البنك الدولي.
• صندوق النقد العربي. (2019). تطوير أنظمة المدفوعات الرقمية في المنطقة العربية: التحديات والفرص. أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة: صندوق النقد العربي.
ملاحظة هامة: المراجع البحثية المذكورة أعلاه هي افتراضية وقد لا تكون موجودة بالفعل. لقد تم إنشاؤها لتقديم مثال على كيفية إدراج المراجع في مقال أكاديمي. في بحث حقيقي، يجب الرجوع إلى دراسات ومنشورات فعلية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟