يوسف السواد
الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 00:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في رحلة الإنسان نحو الفهم، تقف أمامه مشاعر وتجارب عميقة تشكّل وعيه الذاتي، ومن أبرزها الحزن، والعبثية كفكرة وجودية. ورغم اختلاف طبيعتهما، غالبًا ما يتم الربط بينهما كأنهما وجهان لحقيقة واحدة. غير أن هذا الارتباط الشائع يخفي وراءه تناقضات جوهرية تستحق التأمل. في هذا السياق , سوف نُعيد النظر في كلٍّ من الحزن والعبثية من منظور اخر، من ثم نحلل العلاقة الفلسفية التي تجمع بينهما.
لعلّنا نكشف ما هو أبعد من اليأس الظاهري، نحو فهمٍ أعمق للوجود الإنساني. لماذا وجد الحزن؟ وجد الحزن كأداة عاطفية تركز على تأديب النفس البشرية وليس لتحطيمها او لإيصاله لمرحلة اليأس وانما وجِد الحزن لما تترتب عليه من الامور الاخلاقية الاساسية لتهذيب الانسان وكمال اخلاقياته. فيأتي في ذهننا سؤال مهم بعد طرح وجودية الحزن وماهيته , ماذا يترتب على سبب وجود الحزن؟ تترتب على الحزن الكثير من الاخلاقيات النبيلة والضرورية لاتمام الاخلاقيات الانسانية , فمثل واحدة من اهم هذه الاخلاقيات هو الندم فلا يوجد ندم بدون حزن ولكن يوجد حزن بدون تواجد الندم وهو شيء مذؤوم لان ما تترتب على الحزن المفرط افعال غير اخلاقية في اغلب الاحيان كالغضب والحقد والى ما تترتب عليه من تبعات الحزن الغير مبرر او تكون ايذاءِ للذات نفسيا وجسديا فالحزن هي عاطفة تواجدت لاسباب سامية في الطبيعة البشرية لكن يمكنها ان تكون سلاح ذو حدين .
كيف يصبح الحزن عدو لصاحبه؟ وهذا يحدث عندما يتخلى صاحب الحزن عن معانيه التي وجِد معنى الحزن لِأجلها من الندم والتعاطف والاحساس بالام الاخرين وغيرها من سببيات وجود الحزن التي لا تعد ولا تحصى فلو تخلى صاحب الحزن عن اسباب وجوده سوف يقلب الى قمبلة موقوتة من الغضب والحقد او الكبت في اغلب الاحوال.
و كيف يصبح الحزن مصدر قوة لصاحبه؟ يصبح مصدر قوة عندما يعرف الانسان استخدامه بعقلانية فالحزن شيء محتوم على كل انسان لكن التحكم في الحزن وتحكيمه واستغلاله كنقطة قوة سيصبح مصدر قوة جبارة في المجتمع وفي الحياة فيجب الانسان عندما يحزن يسئل نفسه سؤال مهم هل الحزن سببي ام هو تمسك بالقيم المجتمعية التي تعلمناها؟.
واما العبثية فسوف نعرفها كما وصفها ألبير كامو : وهي ترى أن الإنسان يعيش في عالم لا يحمل أي معنى جوهري، وأنه مهما سعى للبحث عن المعنى، فإن الموت والزوال يُلغيان كل ما فعله. فالعبثية هنا ليست في الزوال بل الخوف منه هو اساس العبثية فالانسان منذ بداية الخلق وهو يبحث عن الخلود حتى اذا عرف ان الخلود شيء غير ممكن من الاساس وهذا لمجرد الخوف من فكره الموت او الزوال بسبب طبيعة الانسان التي لديها غريزة البقاء . فالخوف من الزوال لا يمنعه بل يمنع الوجود فاذا كل الناس على هذا المنهاج لما تبقت اي حياة مع ذلك فان الكثير من افراد المجتمع يتبنون هذه الفلسفة وهذا ما يسبب ما نراه من مشاكل نفسية وصعوبات في العيش بسهوله , فلِمَ يخاف الانسان من المصير لماذا يخاف من شيء محتوم وغبر قابل للتغير؟ هذا ياتي في منطلق تقديس العبثية وعبادة الزوال , اغلب الفلاسفة والناس الذين يتبنون هذه الفلسفة يجدون العبثية والزوال كطريقة عيش فلا يرون معنى للحياة بسبب ان الحياة زائلة , فما الفائدة من عدم العيش والخوف من المجهول ومن شيء غير قابل للتغير؟ فالمغالطة والتناقض في وصف الحياة كعبثية كما يقولون متبني هذا الفكر بان الحياة بلا معنى بسبب زوالها لكنهم يوصفوها بالعبثية وهذا بحد ذاته تناقض لانهم يوصفونها وان كان الوصف بالسلبي. فما بين التقبل والتقيد في مفهوم الزوال , فالتقبل هو ادراك ان هذا الشيء خارج نطاق قدرتنا وتحكمنا اما التقيد فهو الشلل عن تكملة الحياة بسبب الخوف من المستقبل وهذا شائع في الوقت الحالي مما يؤدي انهم يقولون ان الحياة صغيرة جدا بسبب اضاعتها بلا شيء فالذكريات والعمل والاحداث هي ما تعمل على ان تجعل الانسان يعرف مدى اهمية وطول الحياة.
كانت نظرة اغلب الفلاسفة والمؤرخين عبر منظار العبثية والحزن كما لو كان الانسان محكوم عليه بالعاجز عن تغيير مصيره وهذه النظرة او الصور تحمل تناقض داخليا فلو كانت العبثية هي الاقرار بزوال كل شيء ولا شيء يستحق التعلق به فكيف يصر اصحاب هذا الفكر على الحزن كناتج لهذا الإدراك ؟ , فالحزن ومن انواعه هو الاعتراف باهمية الشيء المفوقد بينما ان العبثية تعني فقدان المعنى لكل شيء , وهنا يضهر التناقض فكيف يجتمع الحزن مع اليقين العبثي؟ هذا التناقض يدل على الدخول بمغالطة منطقية تأكد على وجود قيمة لما نعتقد بانه بلا قيمة فعلية.
اثبات ينكر العبثية , كما طرحنا ان الحزن يناقض العبثية مما يدل على ان الحزن لا يدل على العبثية بل يدل على انكارها فالحزن المولد من العبثية هو حزن بسبب عدم تقبل الانسان لمفهوم العبثية بحد ذاتها او عدم تقبل الزوال حتى.
وان هذا الحزن يعبر عن الصراع الداخلي بين طبيعة الانسان الفضولية وبين فكرة العبثية والزول بصورة سوداوية قاتمة.
التأمل في مفهومي الحزن والعبثية يفتح أمامنا مساحة جديدة لفهم الذات.
فالحزن عندما يفهم يتحول من عبء إلى أداة وعي وتهذيب، والعبثية، حين تفكك، تظهر كموقف جزئي لا يعبر عن التجربة الإنسانية كلها.
أما العلاقة بينهما، فهي ليست كما تصور في كثير من الخطابات الفكرية، بلِ على العكس الحزن لا يثبت العبث بل يكشف التناقض فيه , ففي داخل كل شعور بالحزن يكمن اعتراف ضمني بأن للحياة معنى، وان ما نفقده كان يستحق أن نحزن عليه.
ومن هنا يبدأ الإنسان بالخروج من العبث لا بإنكاره بل بخلق معنى يتجاوز الزوال.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟