أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود نعسان - لماذا لم يتحول المجتمع السوري إلى الديمقراطية رغم سقوط الأسد؟















المزيد.....

لماذا لم يتحول المجتمع السوري إلى الديمقراطية رغم سقوط الأسد؟


محمود نعسان

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 16:25
المحور: المجتمع المدني
    


بعد ثلاثة عشرَ عاماً على واحدة من الثورات الشعبية الأكثر تعقيداً في منطقة شرق الأوسط، وأكثرها دمويةً وانقساماً في الرأي العام بين دول المنطقة. والتي راح ضحيتها ما يقارب مليون إنسانٍ بين قتيلٍ ومفقودٍ - حسب بعض الشبكات الحقوقية - فضلاً عن عشرات آلاف المعتقلين في واحدة من أكثر الدول الشمولية تفنناً في إنشاء معتقلات التعذيب الوحشية (صيدنايا – سجون تمدد تحت الأرض – مقابر جماعية) وابتكار أساليب فريدة في التعذيب (التعذيب النفسي – المكبس – إذابة جثث المعتقلين بالأسيد)، وغيرها مما خلّفته هذه الحرب من تشريدٍ ونزوحٍ ولجوءٍ، وبترٍ للأعضاء، وآلاف المُعاقين، وضياعٍ لمستقبل ملايين الشباب الذين كانوا يحلمون بحياة تتساوى مع حياة أقرانهم في دول الجوار.
بعد ما يقارب العقد ونيف على هذه الحرب والتي انتهت بانتصار إرادة الشعب وسقوط نظام بشار الأسد، وتولي أحمد الشرع لرئاسة سوريا في الفترة الإنتقالية (4-5 سنوات)، وبعدما انتهى ما تداول السوريون على تسميته "شهر العسل" الذي كانت الاحتفالات فيه تعمّ كل الجغرافية السورية. إلا أننا إذا دققنا النظر في الحالة الشعبية للشارع السوري بعد إنتهاء الثورة والإنتقال إلى مرحلة بناء الدولة من جديد؛ سندركُ حتماً بما لا يدع مجالاً للشكِ بإن أبجديات حزب البعث وسياسته الإقصائية والتهميشية لا زالت معششة في وجدان وكيان الشعب السوري بكل أفراده. ويظهر هذا جلياً في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، في التعليقات والردود على المنشورات التي تخصّ الشأن السوري. ولا تنّفك تتردد جمل ومصطلحات تدل على الإقصاء والعودة إلى الحالة ما قبل ثورية، وإلى عهد السلطة البعثية التي كانت تتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع بكل أطيافه (طلائع البعث – الشبيبة).
في إحدى الصفحات على الفسيبوك (رأيتُ ذلك بعيني) علّق أحدهم عن رأيه بالهوية البصرية الجديدة لسوريا قائلاً بالحرف: "مش حلو". ليرد عليه ثلاثة أشخاص بــ "مين طلب رأيك" "رأيك مو مهم" "ما يهمنا رأيك".
ألم يكن من أول مطالب الثورة السورية "حرية التعبير" التي في إطاره يعبر الفرد عن رأيه دونما أن يُطلب منه ذلك، أو أن يُحجب رأيه أو يُغيّب؟
ألم يكن من مبادئ الثورة القبول بالتعددية السياسية والمجتمعية في مجتمعٍ يحكمه تنوعٌ نادرٌ وقلّما يتكرر في بلدٍ ما؟
إذا كان النظام البعثيُ الذي كان يمنع من ممارسة الحرية والديمقراطية قد سقط؛ فما الذي يمنع الجتمع السوري من ممارسة الحرية والديمقراطية؟
قد تكون الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى علماء اجتماع ومختصين تربويين لبحث مُعمّق ومطوّل في بُنية المجتمع السوري والظروف التاريخية التي جعلته يتشكل في الشكل الذي هو عليه الآن. لكنني أُريد في هذا المقام أن أُبديَّ رأيي نتيجة قراءتي الميدانية للحالة الشعبية للمجتمع السوري.

أسباب غياب ممارسة الديمقراطية
السبب الأول:
لقد حكم حزب البعث واحد وستين سنة (1963 – 2024) بالحديد والنار والتدخلات في دول الجوار (لبنان – العراق) وتغيّيب لكل الأصوات المطالبة بالانفتاح والتعددية، وأدلجة لكافة فئات الشعب ابتداءً من المدرسة الابتدائية (طلائع البعث) والإعدادية (شبيبة البعث) وترديد للهتافات المناديَّ بشعارات الحزب في الاجتماعات الصباحية للطلاب في المدارس والدوائر الحكومية (أمةٌ عربيةٌ واحدة. ذات رسالة خالدة) والخروج في مسيرات تمجّد القائد المزعوم الذي يحمل كل أوسمة الشرف العسكرية - وهو لم يحمل سلاحاً قطُ في حياته! - وكانت صورة هذا القائد (الأب والابن) نيشاناً محفوراً في ضمائر الأطفال لكثرة ما يرونها على الجدران في المدرسة والمسؤسسات الحكومية وفي أسماء الشوارع والساحات والتماثيل التي كانت تُنصب في الساحات الرئيسية والحدائق العامة وحتى في نغمات رنين الهواتف الجوّالة - كل هذه الأجواء تذكرني برواية جورج أورويل 1984 وما كان المواطنون يقاسوه من سلطة الحزب الواحد -.
بعد كل هذه العملية التي تهدف إلى أدلجة الطفل في صِباه على حب الحزب الأوحد، وعلى تبني الفكر الإقصائي والتهميشي ليكون المواطن ابناً باراً للحزب وأفكاره دون أن يشعر، كل هذا ولّدَ مجتمعاً لا يستطيع أن يمارس الديمقراطية حتى لو سقط حزب البعث، إلا بعد أن يغيّر بُنى المجتمع الفكرية والسياسية. فكل ما نراه الآن من غياب للديمقراطية في المجتمع هو غيابٌ لروح الديمقراطية بسبب غياب القابلية لممارستها نتيجة لما بناه وأسسه حزب البعث طيلة العقود الستة الماضية. كما أن الإستعمار سببه القابلية للإستعمار (كما قال بذلك مالك بن نبي) فإن الديمقراطية سببها القابلية لممارسة الديمقراطية.
السبب الثاني:
ويمكننا أن نعزو غياب ممارسة الديمقراطية إلى سببٍ آخر هو أن الثورة قفزت إلى الكفاح المسلح مبكراً، وتم قصف المناطق التي كان ينسحب منها النظام، مما يسبب حالة من النزوح الجماعي وعدم الاستقرار؛ بما لم يدع مجالاً ووقتاً كافياً للتوعية السياسية الاجتماعية أو ما سأسميه "محو الأمية السياسية والاجتماعية". فكانت الأرضية السياسية لمجتمع الثورة ضحلة ومتشققة بسبب خلوّها أو ضعفها في التنظير والتقعيد الثوري، فكانت نتيجتها العملية غير مُرضية لكثير من أبناء الثورة الذين كانوا يمنّون النفس بتعزيز روح الديمقراطية في المجتمع.
الطريق للتغيّر المجتمعي
الطريقة المُثلى لتغيير أي مجتمع؛ هو تغيير البُنى المجتمعية، بحيث تُقنلع التصورات والمفاهيم السابقة ويزرع مكانها غيرها، أما أي تغيير آخر غير تغيير البُنى فإنها سيبقى تغييراً شكلياً وسطحياً، وكأننا استبدلنا الشخصيات فقط؛ ستبقى لغة "التشبيح" ولكن لأطراف جدد، وستبقى نغمة "التطبيل" ولكن لشخصيات جديدة. لذا علينا بدء عملية التحول/التغير من الأسفل إلى الأعلى. أي أن نبدأ بالروضات والمدارس والمعلمين والمناهج التدريسية (تكريس مواد تعزز المفاهيم الديمقراطية)، وحتى بالمنظومة السلوكية عند الطالب/ة والمعلم/ة (منع الضرب، التعامل مع الطالب كطالب للعلم وليس كمعتقل، فتح باب التحاور بين الطلاب، وبين المعلم والطلاب، تفعيل قنوات التواصل مع ذوي الطلاب... إلخ)، وأن تتم الحوكمة لكافة مؤسسات الدولة، وأن تتمتع الوزارات الحكومية بالاستقلالية والكفاءة بعيداً عن المحسوبية والواسطات.
وبدوره يُطلب من المواطن أمر في بالغ الأهمية وهو الضامن لحقوق كافة الشعب، ألا وهو "احترام سيادة القانون"، لا أحد فوق القانون أو خارج عن سيطرته، وكل المحاكمات تكون عن طريق القانون، لا بأحكام فردية – ميدانية.
كيف سيقبل المجتمع بالتغيير؟
قد يتساءل أحدهم: إذا كانت بنية المجتمع مفككة وغير قابلة للديمقراطية، فكيف سيقّبل بالتحول أو التغيير الذي سيحصل؟
الجواب على ذلك: بإنه عندما تتحول الدولة بكياناتها ومؤسساتها الحكومية وقطاعاتها إلى شكلٍ جديدٍ من الانفتاح والتعددية والديمقراطية، وعندما يتلقى الطفل - في المدرسة إلى الجامعة إلى البيئة المحلية - أُسس البناء الصحيح للمواطن الذي يحب وطنه ويقدم لأجله، ويقدم له وطنه حقوقه؛ عندها "سيضطر" الفرد إلى الالتزام بمبادئ الديمقراطية لأنها ستفرض عليه من فوق، بطريقة تلقينية – لا بالإكراه – وهذا ما اصطلح عليه في علم النفس بـ "نظرية التكيّف" (هو مصطلح يستخدمه علماء علم الأحياء للتعبير على قدرة الكائنات الحية على التكيف مع البيئة التي تعيش فيها) تقول لنا هذه النظرية بأن الإنسان يتكيّف مع بيئته مع مرور الوقت، بغض النظر إذا ما كانت هذه البيئة تتوافق مع أفكاره ورؤاه أو لا.
أو سيكون البديل الأقل نجاعة هو النظرية "التطورية" (يقصد بها التطور الحتمي للمجتمعات نتيجة التراكمية).
إذن للخروج من نفق حزب البعث والتمتع بمبادئ وروح الديمقراطية يجب العمل من حيث كان يعمل النظام البائد ولكن بأفكار وتصورات معاكسة، فيجب إزالة (وزرع بُنى جديدة) بُنى البعث من عقول المجتمع السوري عن طريق التعليم (روضة – مدرسة – جامعة) وتهيئة الظروف لكافة المجتمع للانخراط (اللاواعي) في العملية البنائية للدولة الجديدة. وقد تتطلب هذه العملية جيلاً كاملاً لقطف ثمارها، لأن بقايا الجيل السابق قد تشكل عائقاً أمام نهوض الجيل الجديد.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «مراصد الروح»: قصائد على تخوم الألم والكونية


المزيد.....




- رشيد حموني يطلب رأي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ ...
- 3850 حالة اعتقال خلال النصف الأول من 2025
- قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة تشارك في الاستعراض العسكري ...
- السعودية: الداخلية تعلن إعدام مواطن ارتكب عددا من -الجرائم ا ...
- اليونيسيف يعلن إصابة 5800 طفل بسوء تغذية في غزة
- طريقة اسرائيلية جديدة لتجويع النازحين الفلسطينيين
- 360 من الطواقم الطبية في غزة تعرضت للاعتقال منذ بداية العدوا ...
- الأونروا: الفلسطينيون في غزة يواجهون -خيارات مستحيلة-.. المو ...
- الدكتور حسام أبو صفية يتعرض لتعذيب وحشي داخل سجون الاحتلال
- اعتداءات واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود نعسان - لماذا لم يتحول المجتمع السوري إلى الديمقراطية رغم سقوط الأسد؟