هاجر مصطفى جبر
الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 15:01
المحور:
الادب والفن
أصدرت الكاتبة هدى النعيمي( ) مجموعة قصصية بعنوان " كليلة و هدي " وهي المجموعة الخامسة للكاتبة التي بدأت إصداراتها الأدبية بمجموعة (المكحلة) عام 1997 ، (أنثى) عام 1998، (أباطيل) عام 2000 و (حالة تشبهنا) 2010 .
ويتضح لنا مدى ارتباط " هدى النعيمي " بالقصة القصيرة كجنس أدبي دون بقية فروع الادب التي كتبت فيها ببراعة ، فروايتها " زعفرانة " أشبه بملحمة عن الحب و التمرد و الوطن و الحرية و الحرب و خاصة " حرب ظفار " و أساطير الجبل الأخضر في عمان .
المجموعة التي بين يدينا تحمل اسما مألوفا " كليلة " و الذي يحيلنا مباشرة لكتاب " كليلة و دمنة " الذي يرتبط بثقافتنا العربية و " ابن المقفع " أكثر من ارتباطه بمؤلفه الفيلسوف الهندي " ديبيا " .
و للحقيقة لم أتحمس للمجوعة في البداية ، لا لشيء سوى أن التناص و التداعي الآن صار يمارس بمنتهى السطحية ، " ماذا سأستفاد من قراءة " كليلة " أخرى ؟
لكن جاءت الإجابة من داخلي سأسمع صوت " هدى " التي أثق بها ككاتبة و ناقدة ذات صوت مغاير و " عين ترى " ... و للحقيقة كان خوفي أن تأتي القصص على أصوات الحيوانات و الطيور ولأني من محبي " كليلة و دمنة " شعرت أن هذا سيكون فيه شيء من الإغراق في التداعي خاصة مع وجود رواية " مزرعة الحيوانات ل جورج أوريل " و العديد من الأفلام الأمريكية التي استوحت الفكرة منهل ، فلقد باتت فكرة إنطاق الحيوانات شيء مستهلك ولم يعد مقبولا إلا في إطار بعض الكتابات الساخرة أو التي تتخذ من تلك التقنية و سيلة للمعارضة السياسية ... ولكن " هدى النعيمي " قد أثبتت لي بطلان شكوكي و أنني أمام الكاتبة و الناقدة التي تعرف كيف تكسر أفق توقع القارئ ، كما أنها قد استلهمت من " كليلة " ما يناسب وقتنا و بعينها التي ترى و قلمها الذي يجيد التواصل مع الكون نسجت لنا نصوصا إنسانية في منتهى الإبداع ، فهي لم تُنطق من الحيوانات إلا " الهدهد " ، أما سوى هذا فهي جعلت من السلوك الحيواني مدرسة للتعلم ، فلم تكتب هدى النعيمي عن الحيوانات و الطيور بل كتبت بها النصوص ، أي جعلت من الحيوانت و الطيور تقنية كتابية ، و من خلال السلوك الحيواني و النظرة المغايرة القائمة على الملاحظة الدقيقة .
بعين ناقدة و قلم أديبة كتبت " هدى النعيمي " مجموعتها " كليلة و هدى "
16 قصة في 102 صفحة أشبه بحديقة ...
تنقل لنا " هدى " أسرار حيواناتها و طيورها المختلفة ... الببغاء ، الدجاجة ، الكلب ، القط ، العنكبوت ،الهدهد ، التيس ، الفأر ، الناقة ، الغراب ، الفرشات ، النحل ، الثعابين ، البقرة ، الحمام ، الضفادع ، و السلحفاة .
لنا مع كل نوع قصة ، و درس عن الحرية و القيد ، التمرد و الخضوع ، الحياة و الموت ، الإنسان و الحيوان ....ثنائيات متضادة تغزل بها " هدى النعيمي " قيما و دروسا بالتمرد و السخرية ...الدموع مرة و الضحك مرات ....
تبدأ المجموعة بقصة " الببغاء الأحمق "
وما حماقته إلا لأنه نجح في الهروب من القفص و تمتع بحريته وبعد أيام عاد ليدخل القفص مختارا و يغلق القفص من خلفه وهو ينادي باسم أول امرأة كانت تهتم به ...
نعم أحمق لأنه فضل الاستقرار في مكان يضمن به الطعام و الشراب و النوم براحة على السفر و المغامرة و الحرية ...أحمق كما نحن البشر الذين نستقر بأقفاصنا و سجوننا الذهنية قبل كل شيء .
و في قصة " الدجاجة لم تعبر الشارع " تمنح الكاتبة للأب الوحيد المتقاعد دور زوجته الراحلة و هواية أنثوية " تربية الدجاج و الاهتمام بالبيض و توزيعه على الجيران و الأبناء " ...و ربما فعلت هذا كتعويضا لغياب الزوجة ، ربما استدعاء لروحها الغائبة مارس هوايتها و كأنه يشاركها الاهتمام بدجاجاتها و هي ترقبه من عليائها ... يرحل الأب عندما يشعر باللاجدوى ، فبيض الدجاجات لا يرغبه أحد ، وكأن دوره في حياة الأبناء لم يعد مرغوبا فيموت الأب وهو ممسك بقفص البيض الذي يقبله أحد ... ورغم الأبواب المفتوحة لم تهرب الدجاجات بل راحت تنقر أصابع العجوز لتخبره أن دوره لا زال مرغوبا ...أنهن هنا لأجله كما كان هو ...
درسا من الوفاء تكمله القصة التالية بخطوات من الوفاء تعود لكلب لا نعرف من أين ولا " إلى أين ..... "
و نتعلم من " القط الأعرج " الذي فقد قدمه بحادث " فن المواطنة " .
و من عنكبوتة حمقاء تفسد للرَّاوية كوب شايها نرى وهن العروبة .
وعلى لسان الهدهد ينطق صوت الضمير الإنساني و الإنسانية المغتالة في غزة .
و من " نطحة تيس " غدار فهمت " ألا أثق بمن يحمل عقل التيس و قرونه ، حتى لو كان صديقا يستحم ببودرة التلك البيضاء ذات الرائحة المنعشة " .
و " الفأر " الذي صار ذكيا بعدما سكن المكتبة و قرض ألف ليلة و ليلة و الشوقيات و بعض ديوان المتنبي ، وصار يفرق بين الجبن القاتل /المسموم ... منعت الكاتبة قتله وحررته بحديقة ليُعلم الآخرين الحكمة و تمييز الجبن القاتل .
أما " مسرورة / الناقة " التي" لم تكن تعلم أنها لو فازت بهذا السباق ستصبح عبدة تُباع و تشترى " فهل كلمات للناقة أم لحال كل من كتب له التميز و عرف به الناس و تخطفه الإعلام حتى صار سلعة تباع و تشترى ...إن الفوز و الجوائز أدوات للترويض و تحويل كل موهبة لسلعة و كل مبدع _ يقع بأسر الجوائز و الظهور _ يصير _ مع الوقت _ كمسرورة .
وعلى شجرة التوت ، بيت الحكاية ...تتصارع الحياة و الموت ...الفراشات ...الغراب القاتل ، الدود / مشروع فراشات أو وجبة ....حياة و فراشات ...موت محتم ينتظر على باب الحياة ...
و في " قال اذبحو بقرة " و العنوان تناص مع قصة البقرة الصفراء وموسى عليه السلام الواردة في سورة البقرة تكشف " هدى النعيمي " زيف المعتقدات و حماقات التعصب الديني بين من يعبد البقرة و من يبحث عن ذبحها و هي تتألم مكسورة الرجل و الأضلع ليكون لحمها حلال " وفق الشريعة الإسلامية " ... وتكمل الكاتبة حديثها عن سخافة أضرار التعصب الديني في قصة " كبد رطبة " و العنوان تناص مع حديث نبوي يتحدث عن الرفق بالطير و الحيوان لكن بطل القصة و الذي لا يعرف من الدين إلا ظاهره الذي نبت على وجهه كلحية سوداء ، وكيف فهم الدين بطريقة سطحية جعل الكبد الرطبة تسيطر على حياة الإنسان حد أنه ترك منزله ليهرب من سيطرتها ...شيء يشبه تناصا ضمنيا مع رواية " مزرعة الحيوانات " والثورة على الإنسان ، لكنها هنا بفعل غياب الوعي و التعصب الديني .
و في النهاية تأتي السلحفاة مقلوبة على ظهرها بفعل الإنسان الذي راح يعلمها التباطؤ لتتناغم مع أسلوب حياته ...
و في الختام ...
إن مجموعة " كليلة و هدى " نصوصا إنسانية جعلت من السلوك الحيواني تقنية سردية ومنه رصدت الحكمة و السخرية ، التمرد و التعصب الأعمى ، وهن العروبة و زيف الكثير من المعتقدات .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟