أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أزاد فتحي خليل - سوريا بين ثورات الدم واتفاقات المصير: قراءة في عقدٍ مضطرب ونموذج الإدارة الذاتية















المزيد.....

سوريا بين ثورات الدم واتفاقات المصير: قراءة في عقدٍ مضطرب ونموذج الإدارة الذاتية


أزاد فتحي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 13:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    





مع بداية ربيع 2011، خرج السوريون إلى الشوارع يطالبون بما بدا آنذاك مطالب بديهية لأي شعب يرزح تحت حكم سلطوي دام عقوداً: الحرية، الكرامة، والعدالة. لكن المشهد السوري، الذي بدأ بصرخات سلمية تملأ الساحات، لم يلبث أن انقسم إلى ثلاثة مسارات متصارعة، رسمت ملامح الحرب الأشد دموية في تاريخ المنطقة الحديث: نظامٌ تمسّك بالحل الأمني والعسكري حتى آخر رمق، معارضةٌ تشرذمت بين من حاول تمثيل تطلعات الشارع في إطار سياسي جامع كالمجلس الوطني السوري، وقطبٌ ثالث برز من عمق الجغرافيا الشرقية تمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي الذي قرأ مبكراً مخاطر الفوضى الأمنية وصعود الجماعات المتطرفة، فبادر إلى بناء بنية أمنية وعسكرية للدفاع عن المنطقة وسكانها بكل أطيافهم.

هذا الانقسام لم يكن خياراً ناتجاً عن ترف سياسي، بل استجابة قسرية لتعقيدات الواقع السوري، وتاريخ طويل من التهميش الذي تعرضت له مناطق شرق الفرات. هناك، حيث غالبية كردية وتنوع سكاني غني، أسس حزب الاتحاد الديمقراطي ما عرف لاحقاً بـ«الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، وشرع بتشكيل قوات حماية الشعب، ثم قوات سوريا الديمقراطية، التي حملت عبء الدفاع عن المنطقة أمام تهديدين متوازيين: عنف النظام من جهة، وزحف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي استغل انسحاب قوات النظام السوري لتعزيز حضوره الدموي.

وفيما كانت دمشق تغرق في أوحال قمعٍ أعمى، وتعيد نشر قواتها في المناطق الاستراتيجية كدرعا وحمص وريف دمشق، اندفعت داعش لتملأ الفراغ الأمني في شرق البلاد، لتنقل الصراع السوري إلى طور جديد: حرب عالمية مصغرة على الأرض السورية. تدخلت الولايات المتحدة بقيادة تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، ودخلت روسيا بثقلها إلى جانب النظام، فيما لعبت إيران وحزب الله دور رأس الحربة في الدفاع عن بقاء الأسد في الحكم. هكذا، صار السوريون ضحايا حرب متعددة الجبهات، تداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، ليصبح النزاع السوري واحداً من أعقد الأزمات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.

ملايين نزحوا داخلياً، وملايين هاجروا إلى أوروبا وتركيا ودول الجوار. تحولت سوريا إلى بلدٍ مدمر، يشبه جسداً منهكاً لا يقوى على النهوض، خاصة بعد أن أطلق قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية الأميركية رصاصة الرحمة على الاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب. وبينما ظل قرار مجلس الأمن 2254 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار والتسوية السياسية حبراً على ورق، سلكت روسيا وإيران وتركيا مسار «أستانة» لإنشاء مناطق خفض التصعيد، ليغدو المشهد أكثر تعقيداً وتشظياً.

لكن الزلزال الحقيقي الذي هزَّ المنطقة لم يكن داخل سوريا في بدايته، بل انطلق في السابع من أكتوبر 2023 من قطاع غزة، حين نفذت حماس عملية غير مسبوقة في العمق الإسرائيلي خلال مهرجان نوفا، أسفرت عن مقتل العشرات وأسر عدد كبير. لترد إسرائيل بإعلان الحرب على غزة، وتدمير البنية التحتية لحماس، ثم توسع دائرة الصراع إلى الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان. المفاجأة الكبرى كانت في استهداف قيادات الحزب، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام حسن نصر الله، وإطلاق تهديد مباشر من نتنياهو إلى دمشق.

في هذا المناخ المضطرب، شهدت الساحة السورية تطوراً دراماتيكياً في 29 نوفمبر 2024 حين أعلن أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، قائد هيئة تحرير الشام، بدء عملية «ردع العدوان»، فدخلت قواته إلى مدينة حلب دون مقاومة تذكر، ثم امتدت سيطرته إلى حماة وحمص، حتى العاصمة دمشق التي فرّ منها بشار الأسد وأركان نظامه، لينتهي عقد من الدم بانهيار دراماتيكي للسلطة القائمة.

سقوط النظام السوري بهذا الشكل لم يكن مجرد حدث محلي، بل زلزال جيوسياسي قلب توازنات الإقليم. ومع هذا السقوط، وجد السوريون أنفسهم أمام لحظة تاريخية لإعادة صياغة دولتهم وهويتهم السياسية، وسط خطر الانجرار إلى اقتتال داخلي أو إعادة إنتاج الاستبداد بوجهٍ جديد. هنا، برز الدور الحاسم لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، التي سارعت إلى التفاوض مع قيادة المرحلة الانتقالية ممثلة بأحمد الشرع، وتم الإعلان عن اتفاق تاريخي مع الجنرال مظلوم عبدي يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية.

هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء إداري، بل تعبيرٌ عن رؤية سياسية ناضجة: سوريا الجديدة يجب أن تُبنى بالشراكة الحقيقية بين مكوناتها، لا بالهيمنة أو الإقصاء. كان الأكراد، عبر الإدارة الذاتية، يقدمون نموذجاً عملياً لما يمكن أن تكون عليه الدولة السورية: تعددية سياسية، احترام للتنوع القومي والديني، ونظام إدارة محلية يمنح سكان المناطق حق تقرير شؤونهم اليومية ضمن إطار الدولة.

تجربة الإدارة الذاتية، التي قامت منذ بداياتها على فكرة الحماية الذاتية والمؤسسات المدنية المنتخبة، أثبتت أنها قادرة على البقاء والصمود رغم الحروب والهجمات التركية المتكررة، ورغم اتهامات خصومها بالانفصالية. ومع توقيع الاتفاق مع دمشق، انتقلت هذه التجربة من كونها مشروعاً محلياً خاصاً بالشمال الشرقي إلى جزء من مشروع وطني شامل لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة.

إن أهمية هذا الاتفاق لا تكمن فقط في توحيد المؤسسات، بل في ترسيخ فكرة أن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون عسكرياً أو قائماً على الإقصاء. وحدها الشراكة بين العرب والكرد والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن والشركس والكلدان، مسلمين ومسيحيين، يمكن أن تنتج دولة قادرة على النهوض من تحت الركام. دولة يكون فيها الجميع شركاء لا رعايا، ويكون الولاء فيها للوطن لا للحزب أو الطائفة.

لقد عاشت سوريا خلال عقد ونيف صراعاً وحشياً دمّر البشر والحجر، لكنها في المقابل أنجبت نماذج من الصمود والتجارب السياسية التي يمكن أن تؤسس لسوريا أخرى: سوريا عادلة، حرة، متنوعة، وديمقراطية. واليوم، ومع بداية المرحلة الانتقالية، يُطرح سؤال جوهري: هل سيتعلم السوريون من مآسيهم ويجنحون إلى الحوار، أم تعود عجلة التاريخ إلى الدوران في حلقة الدم؟

ما يبعث على الأمل هو أن إرادة العيش المشترك لا تزال حية في ضمير أغلبية السوريين، رغم الخلافات العميقة. يدرك الجميع أن الجغرافيا حكمٌ قاسٍ لا يرحم: قدرنا أن نعيش سوياً على هذه الأرض، وأن نكتب معاً مستقبلها. وكلما أسرعنا في إدراك هذه الحقيقة، قلّت أكلاف إعادة البناء، وانفتحت أمام سوريا أبواب التنمية والسلام بدلاً من أن تظل ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

إن سوريا التي يحلم بها شبابها اليوم ليست سوريا الاستبداد الذي حكم بالحديد والنار، وليست سوريا التطرف الديني الذي يفرض دولة على مقاس أيديولوجيا مغلقة. سوريا التي نريدها هي سوريا الحرية والقانون، سوريا الحقوق المتساوية لكل أبنائها، وسوريا الدور الإقليمي الفاعل كجسر حضاري بين الشرق والغرب.

في الختام، قد لا يكون الطريق سهلاً، ولا ممهداً بالورود، لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي تمرّ بتجارب قاسية تُنجب قادة ورؤى جديدة. وتجربة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، رغم كل ملاحظات النقاد، تظل تجربة سياسية متقدمة في إدارة التنوع وحماية المجتمعات المحلية، يمكن أن تكون حجر الأساس لبناء عقد اجتماعي سوري جديد، يضمن أن لا تتكرر المأساة مرة أخرى. فالأوطان لا تُبنى على أنقاض الآخرين، بل بتكاتف الجميع من أجل مستقبل مشترك. هذه هي سوريا التي تستحق أن نحيا ونموت من أجلها.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- عروس نجل إيلي صعب خطفت الأنظار بفستانين خياليين.. والزفاف تح ...
- ذعر في الجو.. راكب يُحاول فتح باب الطوارئ والشرطة تتدخل بعد ...
- سوريا.. بدء انتشار الأمن الداخلي في السويداء بعد خطاب أحمد ا ...
- -يعاني من مشكلة-.. ترامب يشعل ضجة وتكهنات مجددا بتصريحات عن ...
- تنافس صيني أمريكي.. وبروكسل بين مطرقة واشنطن وسندان بكين
- حلقة الدخان هذه لا تثبت أن إسرائيل استخدمت سلاحا جديدا في غز ...
- أهالي غزة يطالبون بإدخال مساعدات عاجلة وسط تفاقم أزمة الجوع ...
- إعلام إسرائيلي: نتنياهو لن يعقد صفقة قبل أغسطس وعالم آخر تحت ...
- إعلان مبادئ بالدوحة يمهد لإنهاء القتال بين حكومة الكونغو وحر ...
- سيناتور أميركي ينتقد طلب إسرائيل المساعدة في تهجير الفلسطيني ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أزاد فتحي خليل - سوريا بين ثورات الدم واتفاقات المصير: قراءة في عقدٍ مضطرب ونموذج الإدارة الذاتية