بهيج حسن ٦
الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 11:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
11_ واقع اليسار العربي قبل الربيع العربي (قبل 2011)
1. عزلة تاريخية وأزمات بنيوية:
أ_ عانى اليسار لعقود من العزلة عن الجماهير، رغم دوره التاريخي في مقاومة الاستعمار وبناء النقابات العمالية. ففي الخمسينيات، نجح الحزب الشيوعي العراقي في جذب مليون عضو، لكنه تراجع لاحقاً بسبب ارتباطه بالمصادر الخارجية (كالاتحاد السوفيتي) وتجاهله لقضايا الأمة المصيرية كفلسطين .
ب_ أزمات داخلية: تميزت الأحزاب اليسارية بالجمود الفكري والانقسامات الأيديولوجية، واعتمادها على التفكير بعقل مستعار (نظريات جاهزة غير قابلة للتكيف مع الواقع المحلي). كما افتقرت إلى برامج عملية لمعالجة مشاكل الفقراء، مكتفية بالشعارات .
2. الارتباط بالأنظمة والانقلابات:
أ_ دعمت فصائل يسارية أنظمة شمولية مثل نظام جمال عبد الناصر في مصر وجعفر النميري في السودان، ثم تعرضت للقمع من نفس هذه الأنظمة. على سبيل المثال، أعدم النميري قادة الحزب الشيوعي السوداني عام 1971 بعد انقلاب فاشل .
ب_ في سوريا، تحالف جزء من اليسار مع نظام حافظ الأسد تحت شعار معاداة الإمبريالية، متجاهلًا قمعه للشعب .
3. فشل في التكيف مع التحولات المجتمعية:
أ_ ركز اليسار على قضايا مثل العلمانية والحرية الجنسية، متناقضاً مع قيم مجتمعات محافظة. في تونس، مثّل ذلك عائقاً أمام اكتساب التأييد الشعبي، خاصة في المناطق الريفية .
ب_ تجاهل التركيبة الطبقية المتغيرة، حيث ظلت الطبقة العاملة ضعيفة التمثيل، بينما سيطرت النخب المثقفة على الأحزاب .
22_ موقف اليسار خلال الربيع العربي (2011 وما بعد)
1. مفارقة الفشل رغم الفرصة:
أ_ فوجئت الأحزاب اليسارية بالثورات رغم أن شعاراتها (العدالة الاجتماعية، إسقاط النظام) كانت يسارية في جوهرها. في مصر وتونس، شارك اليساريون كأفراد في الاحتجاجات، لكن أحزابهم فشلت في قيادة الحراك بسبب الانقسامات وغياب الرؤية .
ب_ في تونس، حصل تحالف الجبهة الشعبية (يساري) على أقل من 10% من المقاعد في انتخابات 2014، بينما هيمنت حركة النهضة الإسلامية .
2. انقسام المواقف من الثورات:
أ_ مصر: ساند اليسار انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس محمد مرسي (الإخوان المسلمون) عام 2013، مبرراً ذلك بمحاربة الإسلام السياسي، ثم تعرض لاحقاً لقمع النظام نفسه .
ب_ سوريا: انقسم اليسار بين:
ب_1_ مؤيدين للثورة (قلة)، مثل بعض الشباب المنظمين للمظاهرات.
ب_2_ يسار الممانعة الذي دعم نظام الأسد بحجة محاربة الإرهاب والتمسك بالمقاومة ضد إسرائيل، متجاهلاً جرائم النظام بحق المدنيين .
ج_ المغرب: فشلت أحزاب مثل النهج الديمقراطي في تحويل حراك 20 شباط فبراير إلى تغيير ديمقراطي جذري، رغم مشاركتها فيه .
3. أخطاء استراتيجية فادحة:
أ_ التركيز على الصراع مع الإسلاميين: في تونس، حوّل اليسار الإسلاميين إلى عدو رئيسي، متناسياً قضايا الفقر والبطالة التي أثارت الثورة. هذا جعله يبدو كنخبة منعزلة .
ب_ الابتعاد عن الجغرافيا المهمشة: أهملت الأحزاب اليسارية الأحياء الفقيرة والمناطق الريفية، بينما نجح الإسلاميون في بناء شبكات دعم محلية هناك .
33_ الأسباب الجذرية لتراجع اليسار
1. أزمة الهوية والانفصال عن الواقع:
أ_ ظل الخطاب اليساري أسير التنظير الأيديولوجي (الماركسية اللينينية) دون تجديد، بينما تطورت المجتمعات. على سبيل المثال، استمرت بعض الأحزاب في الحديث عن الصراع الطبقي في مجتمعات تهيمن عليها الانقسامات الطائفية أو العشائرية .
ب_ النخبوية الثقافية: تطلب الانتماء لليسار مستوىً تعليمياً مرتفعاً، مما عزز عزلة الأحزاب عن الطبقات الشعبية التي يفترض تمثيلها .
2. التبعية للمرجعيات الخارجية:
أ_ دعمت أحزاب يسارية سياسات الاتحاد السوفيتي، مثل تأييد تقسيم فلسطين عام 1948، مما أفقدها المصداقية. وبعد انهياره، لم تقدم بديلاً وطنياً مقنعاً .
3. التناقض بين الخطاب والممارسة:
أ_ ادعى اليسار الدفاع عن الديمقراطية، لكن بعض فصائله دعمت أنظمة ديكتاتورية (مثل السيسي في مصر والأسد في سوريا) .
ب_ في تونس، اتُهم اليسار بالنفاق لمعارضته نظام بن علي علناً، بينما تسللت كوادره إلى أجهزة الدولة الأمنية والإعلامية للاستفادة من امتيازاتها .
44_ آفاق المستقبل: هل من انبعاث محتمل؟
أ_ إعادة تعريف اليسار: يقترح مفكرون مثل صادق جلال العظم تحول اليسار إلى حركة دفاع عن القيم الكونية (الكرامة، العدالة، المساواة) بدل الانغلاق في أيديولوجيا جامدة. وهذا يتطلب فصله عن الستالينية ورفض دعم الأنظمة القمعية .
ب_ الانخراط في القضايا المحلية: قد ينبعث من خلال حركات شعبية تركز على مشاكل يومية (البطالة، الفساد، الخدمات)، كما حدث في الاحتجاجات الجزائرية والسودانية الأخيرة التي قادها شباب خارج الأحزاب التقليدية .
ج_ نماذج جزئية ناجحة: في المغرب، حققت أحزاب مثل الاشتراكي الموحد حضوراً في البرلمان عبر تحالفات مع قوى مدنية، رغم عدم سيطرتها على المشهد .
"اليسار الذي نحتاجه ليس تنظيماً حزبياً جديداً، بل حركة أخلاقية تعيد الاعتبار للإنسان العربي المهمش" — خلاصة نقدية لواقع اليسار .
ختاماً، قد يكون موت اليسار التقليدي فرصة لولادة يسار جديد، أقل أيديولوجية وأكثر ارتباطاً بهموم الناس. لكن هذا يتطلب جرأة في مراجعة الموروث الفاشل والاعتراف بأن الربيع العربي كان مرآة كشفت عمق الأزمة.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟