-حين تشرق الروح- رواية الوجدان والاغتراب للكاتبة سمر السامرائي

أسمهان عبد القدوس القره غولي

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 23:42
المحور: الادب والفن
    

"حين تشرق الروح" رواية الوجدان والاغتراب للكاتبة سمر السامرائي


تقدّم رواية "حين تشرق الروح" تجربة سردية نسوية تمتح من الذاكرة الفردية والجماعية لتكشف عن تحوّلات المجتمع العراقي في تسعينيات القرن العشرين، عبر قصة "نهلة"، الشابة التي تعيش صراعات متعددة في قلب عائلة عراقية ممتدة تتأرجح بين ثقل الماضي وضغوط الحاضر ورغبة الفرد في الحرية. الرواية تنتمي إلى الأدب الاجتماعي الثقافي بامتياز، حيث تُستخدم الأمكنة، والعلاقات، والرموز، واللغة لرصد واقع المرأة والعائلة والهجرة والهوية الوطنية.
وقد شكلت العائلة البنية الاجتماعية في الرواية، كونها مرأة للسلطة. فنجد في الرواية أن العائلة لا تمثل بنية اجتماعية فقط، بل بنية سلطوية مصغّرة. تنهض على تسلسل هرمي واضح، تتربع فيه شخصية مثل "عذراء" (الأخت الكبرى) و"أياد" (الأخ المتسلط) على قمة الهرم، بينما تقبع نهلة في أسفله، مكبّلة بالتقاليد والواجبات. في هذا السياق، تُطرح العائلة باعتبارها أداة إعادة إنتاج اجتماعي للهيمنة الذكورية والتراتبية القيمية، حيث يتم سلب المرأة حقّها في تقرير مصيرها، ويظهر ذلك بوضوح في مشهد تمزيق التأشيرة من قِبل أياد. وتُظهر العلاقة بين الإخوة والأخوات في الرواية تبايناً في الأدوار وتفاوتاً في الحريات، يعكس تفكك البنية التقليدية للعائلة العربية تحت وطأة الحروب، الهجرة، والتغيرات الاقتصادية. مما جعل المرأة في مواجهة دائمة للتقاليد بتمردها الصامت.
الرواية تؤسس لبطلتها "نهلة" كصوت نسوي داخلي، لا تصرخ ولا تهاجم، لكنها تتآكل بصمت حتى تنفجر في لحظة التحرر. حيث تشكل شخصية نهلة نموذجاً للمرأة العراقية التي حوصرت بين فقدان الحبيب (نضال الشهيد)، وقيود الأسرة، وظلال الوطن المكسور. لكنها في المقابل تمثّل قوة كامنة تنضج في لحظات الانكسار. ويأتي قرار الهجرة إلى كندا بمثابة إعلان رمزي عن كسر التبعية والبدء بـ"ميلاد ذات جديدة". هذا التمرّد لا يقدَّم في الرواية بطريقة عدائية أو مباشرة، بل عبر تراكم الحزن، الاستبطان، والكتابة، لتصنع الكاتبة صورة "المثابِرة الصامتة"، المرأة التي تتجاوز جراحها بفعل الإصرار والإبداع.
كما وجدنا أن الهجرة في الرواية لم تكن فقط اغتراب جسدي ووجداني، وليست انتقالاً جغرافياً فحسب، بل تجربة انكسار الهوية وإعادة بنائها. وهي تصوَّر الإمارات كمحطة مؤقتة، تنفتح فيها الآفاق مادياً، لكنها لا تمنح نهلة حريتها كاملة. بينما ترمز كندا، من خلال دعم الأخ عمر، إلى وعد التحرر والانفتاح وتقدير الذات. في الوقت نفسه، فإن قرار الهجرة لا يُصوّر كحلّ سحري، بل كمعركة داخلية ثقيلة، تحتاج شجاعة أكبر من تلك المطلوبة للبقاء.
وظل صراع الهوية و الحنين والوطنية يشكل حالة اجتماعية تنبع من حنينها إلى الأماكن: بغداد، دجلة، الأعظمية، شجرة الجاردينيا، الفطور العراقي... كل هذه الرموز تشكّل هوية مفقودة تبحث عن امتداد جديد خارج الوطن.
وقد استخدمت الكاتبة رموزاً ثقافية كثيرة لتعزيز الحنين وتوصيل رسائلها الاجتماعية: فنجان القهوة، أغنية عبد الحليم، القلادة الذهبية، رائحة البحر، دفتر المذكرات... هذه الرموز تتعالق مع الحالة النفسية للشخصية، وتشكّل ثقافة وجدانية محلية تتعرض للانشطار تحت ضغط الرحيل.
ويظهر البحر في الرواية كثيمة ثقافية – روحية، ترمز إلى المجهول والانتقال والتحوّل. فكما كان نهر دجلة شاهداً على الحب، صار البحر شاهداً على الفقد والبحث عن الذات.
رواية "حين تشرق الروح" تمثل نصاً غنياً بتقاطعاته الاجتماعية والثقافية والوجدانية. والكاتبة ترسم خريطة دقيقة لمعاناة المرأة في مجتمع محافظ ينهار تحت ضغوط الحروب والهجرة، وتمنح بطلتها صوتاً ناعماً لكنه عميق، يهمس بالحقيقة ويؤمن بأن الخلاص يبدأ من الداخل. بلغة شاعرية، ورؤية إنسانية، حيث قدمت سمر السامرائي سردية ثقافية عن الهُوية، الفقد، الحب، والانعتاق، جعلت من روايتها شهادة أدبية على جيل من النساء علقن بين الوطن والمنفى.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل