أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور فهمي - الرب...بالألوان الطبيعية















المزيد.....

الرب...بالألوان الطبيعية


نور فهمي
كاتبة

(Noor Fahmy)


الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 04:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حائر ..شارد..يتلظى بجحيم الدنيا، عرفانا بجنة لم يراها بعد!!
فاقد البوصلة..مشتت الوجدان والوجهة!
يتساءل ساخرا:
لماذا يارب خلقتني أعشق الفن؟!
لماذا وهبتني ملكة الرسم والنحت؟!
هل أجرمت يدي حينما بوغتت ذات صباح بقدرتها على مزج الوجوه والكائنات؟!
هل يكون إرضاءك بعكس صفاتك؟!
هل اتنحى عن نعمة ألهمتني إياها، لكي يرضى عني تجار الدين وملاك صكوك العفو والغفران؟!
متحدثين دوما باسمك..مانحين بأمرهم عفوك ..محتكرين جناتك لمن يمتثل لحلالهم وحرامهم..
رسموا لنا صورتك على قياس عقولهم..حرقوا كل الجسور الموصلة إليك .. حرموا حبك..وحب من يحبك..
وباعدوا بيننا وبين حقيقتك.
شوهوا بأيديهم صورة الإله المحب الودود..رسخوا فى قلوبنا قبل أذهاننا، جهنم بتفاصيل عذاباتها "السادية"
نزعوا عنك كل صفة تقربنا إليك..
حرموا علينا نحت الوجوه ورسم البشر وتجسيم المخلوقات
وفي الآن نفسه؛ أباحوا لأنفسم نحت كيان يدعون أنه "انت"
رغم كونه مجرد صورة طبق الأصل من نفوسهم المريضة وعقولهم المشوهة العقيمة.

(يوسف)فنان شاب يجد نفسه محاصر بقائمة من الحلال والحرام والعيب والممنوع والشائن، بمجرد الإعلان عن قبوله في كلية الفنون الجميلة!!
تتوعد له أمه بالغضب ليوم الدين، تبتزه عاطفيا بآيات العذاب والوعيد؛ ليصبح (بر الوالدين) مجرد طوق عبودية وليس تعبيرا عن رحمة أو عرفان!!
شاب محروم مم ممارسة شغفه، وموهبته، في مجتمع أغلبه يرمي المبدعين باتهامات الفسق والفجور والرذيلة..ينصاع لأمه ويخاف ألا يتم قبوله في صفوف المؤمنين إذا عصاها!!
يحاول عبثا حفظ مواد دراسية، لا تمت لشغفه بصلة..ويحد من طموحه وأحلامه ويقيد موهبته؛ سعيا وراء إرضاءها..
ولكنه ينهار فجأة مع الكبت والمنع ومحاولات التشتيت المستمرة، فتستسلم أصابعه في النهاية؛ لرسم عشرات من الاسكتشات العارية لجارته!!
كل ذلك من خلال غرفته الضيقة..دون أن يختلط بأحد أو ينتسب للكلية!
الكل حوله يحرم رسم الأنثى..وجسد الأنثى..الكل يمنع الجنس ويحرم الحديث عنه..
فكان تعليقه ذات يوم: ماذا لو منعت عن نفسي كل شئ يمت للجنس بصلة،هل استطيع في النهاية، حجب "فطرة الله" حتى لو تم حبسي في غرفة عرضها مترين؟!
الفيلم يطرح قضايا مهمة خاصة بمجتمعاتنا الشرقية،
و تساؤلات كثيرة أهمها؛ علاقة الفن بالدين، وصورة الإله الراسخة في العقل الجمعي العربي..
فهل من المنطقي أن يحرم الله شيئا هو صانعه وواهبه في المقام الأول؟!
هل جسد الأنثى رمز لعفافها طهرها..دناستها..خستها.. أم هو مجرد جزء من طبيعتها، ولها الحرية التامة في كيفية التصرف فيه؟!
هل هو لها؛ أم ملكية خاصة لأبيها ثم زوجها، ومن بعدهما المجتمع بأكمله؟!
هل يعتبره الرجل الشرقي مجرد "وسيلة " سهلة يتخذها لإثبات رجولته وسط مجتمعات تدعي "الطهارة" وهي غارقة في وحل الفكر وعهر المعتقد ودنس الخلق!!
هل الجنس أمر طبيعي ...أم جريمة تستوجب العقاب لمن يمارسها؟!
هل هو مجرد وسيلة لسد احتياج لحظي وعملية آلية لإنجاب الأطفال..أم هو تجسيد لذروة علاقة روحية بين الجنسين؟!
أيضا من ضمن التساؤلات المطروحة في الفيلم والتي يتعرض لها البطل مع كل قرار لرسم لوحة جديدة :
_هل يجب رسم الأشجار والأنهار والجبال والمباني..ونبذ كل ما دون ذلك لأنه لا يتوافق مع ذهنية المجتمع الشرقي؟! وهل حينئذ يستحق لقب فنان؟!
أم أنه يصير بذلك مجرد ناقل، حافظ، ناسخ، مسخ، مدعي؟!

وما هو الفنان في حقيقة الأمر؟!
أليس هو الشخص الذي يستطيع أن يرى ما لا يراه الناس، والتعبير عن مشاعر وأفكار "عادية" بصورة استثنائية خاصة؟!
أليس هو الشخص الذي يستطيع قول ما لا يجرؤ على قوله العوام، والتعبير عما يخشى فضحه الناس؟!
في مشهد جاءت فتاة ليل؛ لتمارس الجنس مع البطل، ولكن ما إن وقعت عيناه عليها، حتى وجد أصابعه تستسلم تماما لفكره الخلاق، فطلب أن تسمح له برسمها، ولما انتهى من اللوحة، سقطت دموعها منهمرة من تأثير الصورة التي أبدعها لها، فهي لم تكن تتوقع أن يراها أحد بهذا الجمال..وبهذه الروعة، لم تكن تتوقع أن يكشف أحد عن قلبها وسريرتها..بهذا النقاء..
أحدث تغييرا جذريا في منظومتها الفكرية بفنه..بإبداعه، ولما حاول أن يسترضيها بمبلغ من المال..امتنعت وهمت بالانصراف!
بدل حالها كله بلوحة واحدة!!
فالفنان كما السياسي؛ بإمكانه تغيير مجتمعاته..
الفرق أن:
(السياسي) يفعلها بطرق عملية مباشرة، وثعبانية أحيانا، طامحا في سلطة أو منصب..
أما (الفنان) فيفتح جروح المجتمعات بإبداع حسي عال وحنو قاس، حد مساواته بآلام المخاض لظهور رأس الحلم ..
يجعل المريض يعالج نفسه بنفسه ..دون تدخل قسري أو إجبار على وجهة أو معتقد!
يحفر اسمه في وجدان الناس، ومن خلالهم.. لا من خلال كرسي يعتليه ويستكبر عليهم من فوقه!

الفنان؛ حائر دوما بين متطلبات الحياة اليومية وبين ما يستطيع أن يحققه بشغفه في عالم لا يعترف إلا بالمادة.
فتجد شخص موهوب يحصر إبداعه فقط في رسم قبب المساجد والكنائس وكتابة آيات مقدسة ..
لأن السوق في النهاية يعتمد على عملية العرض والطلب،
وأغلبية الناس تقدم على شراء هذه المنتجات دون غيرها!!
فماذا يفعل؟!
هل يبدع ويستسلم لتجليات الإلهام والموهبة، وفي المقابل يشحذ طعامه وشرابه..أم يقيد قدراته الإبداعية ويمتثل لأحكام من يجودون عليه بالمال والرزق؟!
معضلة كبيرة، وإشكالية يواجهها باستمرار ويناقشها الفيلم باستفاضة..
زد على ذلك أن الفنان مقيد في مجتمعه الشرقي؛ بقائمة لا تنتهي من المحرمات..فيجد أصابعه ترتعش رغما عنه كلما هم برسم لوحة؛ خوفا من مصير مجهول يصوره المتطرفين، بسادية يتفننون في حبك مشاهدها حبكا!!!
والنتيجة الحتمية، معروفة:
فراغ..عدم..فشل..ضياع..مثلما حدث مع البطل الشاب في الفيلم، فقد أصبحت لوحاته في النهاية، باهتة القيمة والمعنى والرؤية، منسوخة..مشوهة تماما، كما نفسه!!
تراجع عن التعبير والبوح..تستر وراء خوف "وهمي" من "صورة إله" ابتدعها غيره!
استسلم لأصوات المتطرفين وأصحاب المصالح وسقط تحت رحمة"أكل العيش"
فقد القدوة..في محيطه!! فكان من السهل ترويضه وتشتيته!!
ولكنه مع خوض غمار التجربة والمعاناة ثم ظهور المرشد الحقيقي..
يصل أخيرا للنضج المرجو، ووجهة الهدف المنشودة..

ففي ذروة مراحل التيه والحيرة والتشتت ، عرض لوحاته على أستاذه .. فأضاء بخبرته على مواطن الضعف والقصور فيها، بل واستطاع أن يتغلل داخل عقله لمعرفة الظروفه النفسية التي أثرت على جودة فنه أثناء رسم كل لوحة من اللوحات المعروضة،
وأشار بخبرته للحواجز النفسية التي تمنعه عن التقدم مفصلا بوضوح:

"فيه تردد في شغالك..خوف..ساعات بتختار مواضيع فيها جرأة وطموح، لكن بتعالجها بخوف..في حاجة مقيداك من جوة..مش قادر تنطلق ..خرج المخزون اللي جواك..لما تخرجه، هتعرفه، وتقدر تحكم عليه وساعتها تختار ايه المهم اللي تقدمه للناس، وايه اللي ترفضه..ايه اللي لازم تتعالج منه ..
طلع اللي جواك؛ حلو..وحش..صح..غلط..حرام..حلال..كله..
خايف من ايه؟! خايف الناس تشوف جروحك؟!!
لما تطلع اللى جواك، هتعرف نفسك على حقيقتها...هتكتشف انك انسان تانى غير اللى تعرفه...غير اللى حواليك صوروهولك...لكن طول ما انت كابته بيتعبك...مقيدك...مانع حاجات عبقرية انها تخرج للنور
انت عامل زى بقية الناس فى مجتمعنا؛ قافلين على نفسهم و فاهمين ان هى دي" القشرة "اللى هتحميهم...لكنها فى الحقيقة بتسجنهم
ما تخافش.....
اتحرر....
انطلق"

وصل هذا الشاب للسنة الدراسية الأخيرة محطم..منهك نفسيا وجسديا وماديا.. ولكنه أخيرا تحرر
من قيود المجتمع الفكرية وإحباطاته المتكررة.
لم يهتم لتقييمات الأساتذة على لوحته..أعلن رفضه لوظيفة تحد من إطار إبداعه وتسجنه بين متطلباتها..
مارس شغفه وأعلن تمرده وأظهر أخيرا "لونه الحقيقي"

فكان مشروع التخرج عبارة عن لوحة يستعرض فيها مدى رعب الناس من الإله الذي يظنون دوما بأنه يتربص بهم وينتظر سقطاتهم؛ ليعاقبهم عقابا شديدا ا!!
واستخلص أخيرا من الطبيعة "قانونها الأساسي؛
بأن لكل فعل رد فعل، وأن ما يسمونه عقابا ليس سوى "نتيجة" لأفعالهم في النهاية ..
فإذا سقط طفل صغير على الأرض؛ سيبكي من شدة الألم؛ نتيجة لتصرفه الخاطئ، وليس لأن الله يعاقبه!!
وإذا عبر أحدهم الشارع؛ فتعرض لحادث مروع، سيكون هذا "نتيجة حتمية "لعدم انتباهه لوجهة السيارات.. وليس وسيلة سادية يتبعها الإله لردعه!!
استبدل البطل؛ مفهوم "العقاب" الذي ترسخ في أذهاننا عن (الله)بمفهوم "النتائج الطبيعية الحتمية"
تحرر أخيرا من صورة الإله الذي رسمها غيره بالألوان الصناعية..محى باستنارته صبغات البشر ومفاهيمهم المغلوطة عن الرب
قاوم الزيف والنفاق و"الآلية" وامتثل أخيرا لفطرته..

فهل نتوقف نحن أيضا عن صبغ الإله بمفرداتنا المحدودة وصفاتنا القاصرة وألواننا الصناعية الباهتة ..هل نترك العنان يوما لحقيقته.. فتتجلى حينئذ، فقط
وحصريا .."بالألوان الطبيعية" ؟!



#نور_فهمي (هاشتاغ)       Noor_Fahmy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديكور-الشرنقة-: عقدة الذنب وثغرة الأحلام الموؤدة
- تحليل كتاب -السينما والمجتمع الإيراني- للكاتبة والباحثة (إسر ...
- فيلم (بضع ساعات فى يوم ما): قضايا شائكة ومتلازمة نادرة
- (وداعا حمدى)بين الوصولية المستهجنة.. والعنطزة الكذابة!
- ما وراء الفستان الأبيض
- فيلم(الهوى سلطان)؛ ممل حد الضجر..رائع حد البكاء!
- (المادة)..أجرأ أفلام مهرجان الجونة!
- من آخر المعجزات..لآخر الممنوعات!!
- بنات عائلة (شاهين)
- نسختى المرممة!
- هل يجوز زواج المسلمة من ملحد؟
- حاربوا الإرهاب..لا الإبداع!
- ترند -الخلود-
- النسوية، وآخر الرجال المحترمين!
- معجزة إلهية..أم خانة فى بطاقة الهوية؟!
- (اسكندرية كمان وكمان) كما لم تشاهده من قبل
- رواية بطلها -قزم-
- ماكينة صرف-الآباء-
- حصن (الهوية المستعارة)
- القوادة-البكر-


المزيد.....




- حقوقي روسي: قوات زيلينسكي استخدمت الكنائس مواقع عسكرية في كو ...
- طريقة تثبيت قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعرب سات وتابع ...
- الرئيس الإيراني لنظيره الجزائري: لو اتحد المسلمون لما تمكنت ...
- سوريا.. كيف أعجبت “فتوى الجهادي السابق” الولايات المتحدة؟ ...
- “سر الكبدة بالردة من الشيف” شوفي طريقة تحضيرها الأن بالمنزل ...
- اللهم تقبل حجّهم واغفر ذنوبهم .. رسائل تهنئة عيد الأضحى إسلا ...
- تواضروس الثاني وبابا الفاتيكان يدعوان لوقف -الحرب العدوانية- ...
- بمشاركة ناشطين يهود.. مظاهرة أمام البرلمان الإيطالي تطالب بو ...
- لماذا تعارض منظمات يهودية نهج ترامب بمكافحة معاداة السامية؟ ...
- عالم الأطفال من جديد..تثبيت تردد قناة طيور الجنة على مختلف ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور فهمي - الرب...بالألوان الطبيعية