مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 23:40
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
فتش عن السياق الدولي و الإقليمي :نحر الإخوان بخبث معهود .
في دخلة غير متوقعة ، حظرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، على لسان بيان مقتضب متناقض يقطر صراخًا مدويًا من ناحية القانونية و النظرة الأمنية التي دارت بها الأردن الرسمي معركة خاسرة ليست لها ، لما لدى الجماعة من مزايا اجتماعية و تنظيمية و هيكلية تمكنت فيها من حشد شعبي رهيب داعم لغزة على مدار ١٧ شهر تمكن فيها من ردع الاحتلال على المستوى الشعبي و الإعلامي ، لكن مع تولي ترامب زمام البيت الأبيض تغيرت اللعبة قليلًا ضد جماعة الإخوان المسلمين.
فعندما جاء ترامب ، هدد الأردن بقطع المساعدات المالية عنها لإنه يرى أنها "غير مفيدة و ضائعة "، ما جعل الأردن الرسمي يلجأ لإرضائها المتكامل ، و لعل المشهد المذل في جلسة الملك عبدالله بن الحسين عندما كان ترامب أمامه ، مثل الفتاة البكارى التي ترتبك و تقلق أمام خطيبها الجديد ، و هذا الأمر دفع الدبلوماسي الإيطالي ماركو كارليوس يستنكر هذا العار مفتتحًا مقاله بسؤال استنكاري يحمل في طياته استهانة استنكارية ، و نقدًا لاذعًا "لمتى الحكام العرب ينسقون لأهوائهم"، و المفترض أن يختصر المقولة ليقولها كالتالي : لمتى سيظل حكام العرب أذلاء و منبطحين لكروشهم و مصالحهم الضيقة ؟؟!
قبيل الحل الرسمي لها ، مهدت الأردن بخبث معهود و دهاء متوقع لزرع الانقسام و بث روح التشظي عبر أفراد الجماعة حتى بعد فوز ذراعهم السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي بأكبر كتلة انتخابية في البرلمان الأردني غير الصاق تهمة مساعدة المقاومة بها عقب إلقاء القبض على أبطال التهريب للضفة ال١٦ ، فضلًا عن التهرب ، و مخالفة محاضر و أوراق الاتهام الرسمية للجماعة ، الأمر الذي دفع الإخوان بميوعة و نفاق و سذاجة سياسية بنفي تورط المباشر بها لكن ألم يسأل هؤلاء أي شرف و جماهرية سيضحون بها بعد هذا البيان المهين لجماعة قامت في الأساس للدعم الدائم للمقاومة ؟!
بالإضافة لما سبق ، باتت الأردن قلقة و متحسسة مشكلتها الداخلية و الهيكلية مع الإخوان ، فلجأت للسير على خطى محور الثورات المضادة الذي لا يرى للشعوب قيمة في حقيقتها الداخلية و رعبها الارتيابي من التغيير الثوري ، و لهذا رأى الأردن حتمية ضرب الإخوان المسلمين فرصة ذهبية لإعادة هيكلية بالقوة الغاشمة و القمع الأمني الذي توسع فيها بشكل صفري ، و خاصة بعد عملية البطل ماهر الجازي في ١٠سبتمبر ٢٠٢٤ ،مما يسعى بمنتهى الجدية للاقتراب و التقارب الأمني من إسرائيل بطريقة أقوى من ذي قبل بعشرات الأضعاف ، و بخاصة بعد الطوفان الهادر المعري .
إن العوامل الداخلية مؤثرة كذاك على الأردن الرسمي الذي دائمًا ما يعلن عن دعمه الدائم و رفضه المستمر للتهجير الغربي من فلسطين (الضفة الغربية )للأردن لتكشفها الصحف الإسرائيلية مثل هآرتس و معاريف التي أكدت على وافقة مبدئية على التهجير بنقل ٥٠٠طفل من ذوي الإصابات الخطيرة ، و لتنتقل صدى هذا الأمر للشارع الأردني المسؤول تنظيمًا من الإخوان المسلمين ليضع معادلة ضمنها الباحث مهند العربيات "مقاومة المقاومة "تفيد بعودة الأردن الرسمي للانفصال مجددًا عن محيطها الداخلي و العودة لأصلها المخلوق من أجله ، متأخذة نفسها صمامًا للأمن الداخلي للاحتلال بوجه مكشوف ، و متحيزة تجاه الإسلاميين كما مصر العسكرية على مدار تاريخها الممتد ٧١ عام .
صمام أمان و قفل حماية :لهذا تكونت الأردن الحديث!!.
قبيل الاستغراب و الدهشة المستععن علاقة الأردن بإسرائيل ، فمن الجدير بالذكر توضيح وظيفة الدولة من الأساس لسببين ، أولهما معرفة أن العالم العربي كله كذبة كبيرة ، و بالتبعية كسر المسلمات المزروعة و الثابتة أن تلك الأنظمة تمت بالوطنية ، و السيادة بصلة لإنها باختصار شديد أنظمة احتلال بالوكالة تقوم بدور أروع و أجدر من المستعمر الأصلي ، لتتجلى أمامنا حالة الأردن الرسمية المعبرة بمنتهى الصدق عن دور يقارب صمام أمان يمتد منذ نشأتها مرورًا بالنكبة و انتهاء بتعميق التنسيق الأمني و حماية الاحتلال من صواريخ اليمن و إيران .
فتكونت الأردن بعد الانتداب البريطاني لفلسطين عام ١٩٢٢ أي بعد الثورة العربية الكبرى بعدما كانت الصحراء الممتدة بين النقب و القدس فارغة تمامًا فاقترح الرحالة الشهير توماس إدوارد لورانس في مؤتمر القاهرة عام ١٩٢٠ ، لاعتبارات أمنية محضة بغرض الحماية الكاملة للحدود الفلسطينية من ناحية الشرق ، بل طريقة جزاء مرضية لفصيل و عبدالله بن الشريف حسين فأعطوا الأردن لعبدالله و العراق لفيصل ، فضلًا عن توغل وتغول عميق لليهود في فلسطين، و شكلت دولة دورها الوحيد آنذاك "تعويض المعدات و الاستحكامات العسكرية المتوفرة في حالة التأمين لهذه المنطقة الفارغة "كما يقول الأستاذ أحمد مولانا الباحث في الدراسات الامنية نقلًا عن لورانس نفسه !!
و يحفر الصحفي جيفري أندرسون في كتابه لورانس في صحراء العرب عن عقلية لورانس التي دفعت لصنع الأردن غير ما قاله أحمد مولانا ، فيعتبر الدولة الوليدة آنذاك "مقر بديل للفلسطينيين دون أرضهم "، للمفارقة حدث ما خطط له لورانس بكافة تفاصيله، و لم يكتفوا بذلك لمحاولة الاحتلال الكامل لفلسطين للتأكد من عدم وجود صوت مقاوم للشعب المنهوب أرضه ، و الحرص على إسكاته للأبد من دون عودة أي بعبارة أخرى حقيقة تكوين الأردن الحديث جاء نتيجة آثر استعماري ملحة ، أو كما يؤكد الدكتور جوزيف مسعد في كتابه آثار استعمارية .
و أما بالنسبة لدورها في مساندة الكيان بعد انتهاء دور بريطانيا بالقرار المذل الأشهر ٢٤٥ بتقسيم فلسطين ، اتفق الملك عبدالله الأول جد الملك الحالي الذي أبرم تطبيعًا شفيهًا أو اتفاقًا غير مكتوب يقضي بحماية أمن الاحتلال الإسرائيلي، و بالفعل التزم به بصرامة لدرجة إبلاغه بمعاد حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ ، فانتقل من حائط صد و وعاء احتواء و دمج قسري للفلسطينيين لدولة وظيفية بالدرجة الأولى و صمام أمان للكيان اللقيط، و لهذا دافع عنه حتى اليوم سواء بحل الإخوان ، و حماية الغلاف الجوي له حتى لو بمقابل جعلها مقبرة حية أو محكومة بالأحكام العرفية كما حدث سابقًا حتى عام ١٩٨٩م.
مفارقة الاسد و الجدي :الأردن الفلسطينية و الأردن المتصهينة المتخاذلة .
تتعدد بطولات الشعب الأردني الغنية و الدسمة من تاريخ نضالي طويل و كبير امتد من النكبة حتى مظاهرات الشهر الجاري في تعيير رافض ، و معارض بشدة للتعايش أو حتى قبول وجوده على أشلاء من الدماء و الجثث متبلورة في عدة نقاط منها الحمية القبيلة ، و كذلك الأصول الفلسطينية المتجذرة في الشعب الأردني لما يمثله أكثر من ٥٠%منهم من أصول فلسطينية فضلًا عن جوهرية القضية الفلسطينية في نفس الأردنيين بقطعية ، و لهذا على سبيل المثال لا الحصر العملية الفردية لأحمد الدقسامة و عكرمة غرايبة ، و قبلها مشهور الجازي قائد موقعة الكرامة في مارس ١٩٦٨م .
على النقيض من الأردن الفلسطينية، فتقع الأردن الرسمية من موقع التنسيق و التقارب بدءًا من النكبة كما شرح سلفًا حتى وادي عربة ، و النقطة التحويلية لوضع رأسه تحت حذاء الاحتلال ، ليتوسع في التحكم و الاختراق لحد المياه و الطعام فمثلما يؤكد المهندس سليمان التل في كتاب الاختراق الإسرائيلي في الأردن أن هناك لجنة لوزارة الخارجية الإسرائيلية مخصصة للأردن خصيصًا للبحث و التباحث حول سبل مساعدة الضفة الغربية ،بما يتعلق بالاغاثة و العمل و الطعام و الشراب المرسل لهم ، فضلًا عن العدد المطلوب لعدد العاملين الأردنيين داخل الكيان .
علاوة على ذلك، الدعم المستمر بمحاولة التعامل الأمنى و الاستخباراتي مع الشعب الأردني و الإسلاميين على مدار أكثر من نص قرن ، لعجزه السياسي ، بل إنه يقوم بعمل المرتزقة الذي تحدث عنه كارل شميت في كتابه مفهوم الباتزران ، و يعني بالضرورة تحويل مجموعة من الأفراد لمجموعة من الجيوش غير النظامية التي تؤتمر و تنتهي بفعل السيد ، أي بعبارة أخرى الباترزان إطار نظري لمفهوم الأجري بالعامية المصرية ، ما يؤدي لعواقب عديدة و ممتهنة لسيادة الدولة ذاتها ، و تحويلها لدويلة تابعة أو منبطحة في الحالة الأردنية ليبرز تضاد الجدي و الأسد الصارخ و الواضح دون أي خجل .
فلابد من إجراء حاسم و ناجز و شامل أينما كان من الشعب الأردني الذي أعلم أن الاحتلال يريده أن يصمت للأبد ، و يدخل إما لجحر أو لمقبرة أحياء أو يغيب تمامًا ، مع التأكد المتواصل بأن الإجراءات القمعية للدولة ما هي إلا رد فعل لمزيد من المسكنات المؤقتة المعتمد عليها بشكل أساسي ، و مهدد لاستقرار الأردن ، ما يهدم خرافة الارتباط بين الدفاع عن القضية الفلسطينية بشعارات جوفاء لا تغني ولا تسمن من جوع ، و يضع دولة الطوق الشرقية محل تحدي حقيقي و اختبار عصيب بالإكمال لخطة التهجير و صناعة نكبة جديدة.
للمفارقة الكبرى ، يقف الأردنان الفلسطيني و الرسمي على وجهي ضفة بشكل مختلف تمامًا ، إحداهما لحماية عدو تاريخي ووجودي يظنه صديقًا وفيًا ، و الآخر المنكل به و المستضعف يحاول ما بوسعه لينقذه أخيه المقيد بالسلاسل و المبرح ضربًا و تنكيلًا : فبدلًا من صونه و حمايته المنطقية لنجاة القارب ، يهدده تارة ، و يثير الوقعية بينه و بين أخيه تارة أخرى مع علمه التام لصاحب الحق و الباطل المستعلي و المتغطرس الذي يكتب رواية " عكس الواقع الإنساني " بحد تعبير تميم البرغوثي في قلب صريح تتدرج من الدعم المادي للدعم الإغاثي لمحاولة القضاء علي آخر شعاع ضوء بث في الجسد المفتت العزبمة الكبيرة و الأمل العظيم دون أن تهزم على مدار 74 عام حتى اليوم ، ليطرح السؤال المبني عليه الطرح في المقام الأول لم الاقتدار و الاستقواء العبثي على القادر و المنظم و الذكي في معادلة تفوح منها رائحة الدماء و صرخات الثكلى في درس تاريخي نادر و شائع في الوقت ذاته يتكأ على ضعف هيكلي و قوة حق حتى مع الغباء السياسي و الأخطاء الفادحة لإخوان الأردن لكنهم يظلون في نهاية المطاف مفتاح شائخ في محاولة إصلاح صمام صدأ و قديم بقاء طريقته تعاني للجميع الرعب القادم أو الضبابية الشديدة مخيبة الرجاء و الأمل الثابت .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟