|
حياة وأسطورة اكونشيش -مقاربة نقدية-
موسى أغربي
الحوار المتمدن-العدد: 8365 - 2025 / 6 / 6 - 16:33
المحور:
قضايا ثقافية
حياة وأسطورة "اكونشيش" - مقاربة نقدية – مقدمة: من البديهيات النقدية الحديثة أن الرواية تعتبر نوعا أدبيا ضمن التصنيف المعهود للأنواع الأدبية من الملحمة حتى الشعر: غير أن الرواية من وجهة نظر ميخائيل باختين تتميز بكونها "تجربة أدبية" وليست نوعا أدبيا "مغلقا" على غرار باقي الأنواع الأدبية الأخرى، أي أنها لا يمكن اعتبارها نظاما أدبيا مغلقا بل مفتوحا، ولذلك أطلق عليها باختين صفة "الديالوجية" مقابل "المونولوج" السائد في باقي الأنواع الأدبية، أي أنها متعددة الأصوات، أو بالأحرى "حوارية". وإذا كانت هذه الندوة قد وضعت عنوانا متميزا لهذه المداخلات: ألا وهو العلاقة بين الأدب الأمازيغي والذاكرة والتاريخ، فإنها قد أحيت أشكالا نقديا أثير في الساحة النقدية والفكرية الغربية، ألا وهو العلاقة بين التاريخ والأدب، أو العلاقة بين الزمن والتاريخ، ومن جهة أخرى هناك إشكال غير منفصل عن هذا الإشكال المشار إليه، له علاقة بالمنهج النقدي أو طبيعة المقاربة النقدية للأدب في علاقته بالعلوم الإنسانية الأخرى وفي مقدمتها "التاريخ"، ولقد قدمت إجابات مختلفة تتقاطع أحيانا وتتناقض أحيانا أخرى، وهذا ما يمكن تفصيله من خلال مقاربة رواية محمد خير الدين: "حياة وأسطورة اكونشيش". الأرض المقدسة وعلاقتها بالهوية المفقودة: إذا وضعنا أحداث الرواية جانبا وبحثنا طبيعة الشخصيات، فإن أول ما يسترعي انتباه القارئ عند أول قراءة عجولة هو أنها "مسطحة"، بمعنى أن تركيبها الذهني والنفسي مجرد من التعقيد، بمعنى أنها تصدر في حركيتها عن نظام فكري "ثابت" مما يدفع إلى القول بأن الرواية يصدق عليها القول بأنها "رواية أطروحة"، أي أن موضوعها "قضية فكرية" في ثوب إبداعي – خيالي، ويتخذ هذا الموضوع "التاريخ" و"الذاكرة" متكأ له، فالذاكرة خزان للتجارب الماضية، وكذلك التاريخ، إذا اعتبرنا هذا الأخير مرتبطا بالماضي فحسب، وهذه مسألة خلافية كما سنرى في ثنايا هذا التحليل! إلا أن السؤال الذي يجب طرحه: هل لجوء الرواية إلى الذاكرة باعتبارها سلسلة من التجارب، وكذلك التاريخ باعتباره سلسلة من الأحداث، هو مجرد استعادة لتقوية الذاكرة (mnésique) على غرار ما يفعله المحلل النفسي في عيادته الطبية؟ لا يمكن اعتبار هذه الاستعادة مجرد سرد اعتباطي لتجارب ماضوية علقت بذاكرة الراوي أو السارد، والشيء نفسه ينطبق على التاريخ، بل إن وظيفتها فتح مسار جديد يفضي إلى هذه الغاية الأساسية: ترميم الذاكرة عن طريق إحياء ما يعتبر منقرضا أو في طريق الانقراض، بمعنى مد جسر التواصل بين الماضي والحاضر، بين الجيل القديم (أو ما تبقى منه) والأجيال القادمة، فالذاكرة هنا يجب النظر إليها على أساس كونها ذاكرة جماعية وليست فردية أو ذاتية، خاصة وأن أحداث الرواية تجري في منطقة أمازيغية (جنوب المغرب)، تتعرض لتحول ليس في صالح القيم المتوارثة والتي كانت رمزا للذات الحضارية والهوية الأمازيغية، لقد قال محمد خير الدين: إن الشيوخ والفقراء هم الذين يعرفون حقا قيمة الأرض (ص: 14)، ويجب أن ننظر إلى هذه القولة في سياقها الحضاري، وهو سياق الأرض التي تؤول إليها كل القيم، إنها الصرح الكبير والممتد في الزمان إلى ما لا نهاية، من هنا يجب أن نفهم دلالة الذاكرة في صورتها الأدبية، أي حفظ الأنماط الثقافية النابعة من هذه الأرض التي تتخذ صورة القداسة، إلى جانب.... "الانثى المقدسة"، بحيث يمتزج الثقافي والطبيعي، واعتقد أن محمد خير الدين لن تمحي من ذاكرته صورة تعلق الأمازيغ بأرضهم عبر التاريخ، وهذا التعلق ناجم عن كثرة الغزوات التي تعرضت لها شمال افريقيا عبر التاريخ، صحيح أن كل شعوب الأرض تتعلق بالأرض التي كانت ملاذا لها وموطن العيش والاستقرار، ولكن الأمازيغ تميزوا من خلال التعلق بالأرض إلى حد القداسة، وهذا التعلق نجده في علاقة وطيدة بالأنثى المقدسة أو الأم، ولقد سبق لمحمد خير الدين في رواية "نابش القبور" أن تذكر مولده من الجبال وبين أربعة جدران بنيت من الطين، وبين الزعتر ورائحة الأبقار، ولم يكلف نفسه عناء النظر إلى السماء ورؤية أشعة الشمس (ص: 41). كثيرا ما يتردد في خطاب الحركة الأمازيغية، أن الأرض هي معيار أي هوية لأنها ثابتة لا تتبدل مثلما تتبدل الظواهر الاجتماعية والثقافية كاللغة والدين، لكن رواية اكونشيش لا تفصل بين الطبيعة والثقافة، أو بين الأرض وما ينشأ فوقها من القيم الثقافية، لكن الإنسان الذي علق بالأرض قد فقد هذه القيم فأصبح بمثابة كائن تائه أو بلا جذور، ذلك بأننا نواجه منذ السطور الأولى وفي الصفحة الأولى تذكير القارئ (خاصة وأن كثيرا من الأمازيغ أصبحوا بلا ذاكرة تاريخية بحيث يعيشون في حال من الاستلاب المروع)، وكذلك الذي يزور المنطقة (منطقة الجنوب) ويراها أول مرة، وذلك الذي هاجرها مدة طويلة من الزمن - لأن اللغة السائدة هي "تاشلحيت" وهي فرع من الأمازيغية الموجودة في ربوع الوطن والتي تفرعت إلى الريفية والزناتية. حينما يسمو حب الأرض إلى مستوى القداسة، تنشط الذاكرة لتبسط أمامنا كل ما يوجد فوقها من عناصر مادية وغير مادية، من السطح الجيولوجي وجباله ومسالكه الوعرة إلى الشجرة، هذه العناصر تبدو في الظاهر "مبتذلة" أو عادية، قد لا يلتفت إليها ساكن المنطقة، لكن النفسية البشرية (psychisme) لها منطقها الخاص، بمعنى أن هناك وظيفة مشتركة بين "الذاكرة" بصيغة المفرد أو الجمع، وبين دوافع تلكم النفسية البشرية، فالذاكرة تقدم لنا ما اختزنته من أشياء وحوادث في صورتها الخام كالشجرة مثلا تحولت إلى صورة "غفل" عبر الزمان، ولكن نوازع النفس تحولها من حالتها الخام إلى صورة نحتها الإبداع وفق منطق الالتصاق بالأرض التصاقا أسطوريا. إن محمد خير الدين وهو يقدم لنا – كما أشرت سابقا- منذ الصفحة الأولى اللغة السائدة في منطقة الجنوب، ثم يقول بعد أسطر إن الجنوب ليس محصورا في هذا البعد الحضاري، فهو إلى جانب ذلك يتميز بطبيعته الجغرافية الفريدة، وكلما اقتربت منه تبدت لك عناصره الجيولوجية وسهبه وأراضيه التي تتردد عليها عناصر مناخية هي بين الاخضرار والجفاف الخ، إنه وهو يقدم لنا كل هذه العناصر لا يهدف إلى تقديم بطاقة تعريف بالمنطقة كتلك التي توجه إلى السائح الأجنبي، فالمخاطب هنا هو الإنسان المغربي بصورة عامة والناطق بالأمازيغية على وجه الخصوص، وهو من وراء ذلك كله يهدف إلى تجديد ذكرى حب الأرض والالتصاق بها، وهكذا نجد في كل فصول الرواية تماهيا بين الكائن البشري وعناصر الطبيعة وفي مقدمتها الأشجار والصخور. ما دلالة ذلك كله؟ وهل له علاقة بالمنزع الإحيائي أو السحري أو الأسطوري؟ إذا كانت العناصر الطبيعية التي توجد فوق سطح الأرض تبدو بدهية وقد لا تساهم في بلورة "حبكة" الرواية وبنيتها، فإنها محكومة بالنفسية البشرية psychisme التي تحول ما هو حي ولكن غير ناطق إلى دائرة الشكل الإنساني بالمعنى اليونجي للكلمة Anthropomorphique وإذا ربطنا هذه المسلمة بالرغبة في تأسيس أسس الهوية التي تتعرض للاستئصال، فإن الشجرة رمز للوجود الراسخ الذي لا يمكن زحزحته من مكانه، لأنه ممتد الجذور في أعماق الأرض ولا يتحول من مكان إلى مكان، مثله مثل الإنسان الذي يسكنه هاجس الارتباط بالأرض حتى الموت، وطبيعة هذا الوصف الذي يعتبر من خصائص أسلوب محمد خير الدين، يذكرنا بلغة هيكل: لغة القوة langage de puissance حيث تكتسب الكلمات القوة السحرية بموجبها يخضع المتعالي أو المتسامي transcendant إلى شكل ذاتي بغرض إضفاء فتنة الجديد على ما يمكن أن يعتبر تافها ، وفي سياقنا هذا لا يمكن أن يعتبر مألوفا وعاديا مثال الأشجار والصخور بل حتى الحصى والنهر...الخ، بل وحتى الحشرات والفراشات، وفي كل منزل توجد بقرة حلوب أو بقرتان إلى جانب الحمير والبغال (الرواية ص: 9)، ماذا يمكن لهذه الكلمات أن تضيف من دلالات في عمل روائي مبني على الخيال والإبداع، إنها الأنا المهزومة التي تمتح من ذاكرة، الفت ذات يوم هذا النمط من الحياة "الطبيعية" إن صح التعبير، ثم أدركت أن تلك الصور التي ترقى إلى مستوى الصور الفردوسية أخذت تتوارى بفعل هجوم قيم "خارجية" قذفت بها رياح "الحداثة الشكلية"، ومع ذلك فإن الإنسان لا يعلن الهزيمة أو التراجع، إنه مسؤول عن حفظ قيمه الحضارية حتى ولو على سبيل التذكر، أو نقشها - حتى وهي تتوارى بشكل مخيف - في ذاكرة الأجيال المقبلة، تماما كما كان يفعل الإنسان الأمازيغي الغابر حينما كان يخلد نمط عيشه وحياته إلى جانب الكائنات الأخرى فوق الصخور التي لا زالت تمثل مصدرا غنيا لذاكرتنا الثقافية والحضارية ونسغا أشبه بالترياق في وجه زحف الكائنات الغريبة والدخيلة. إن محمد خير الدين لا ينقش فوق الصخور ولكن ينقش على قشرة أدمغتنا العليا حتى لا نصاب ب"الزهايمر الحضاري"! رمزية الشجرة التي ارتقى بها خيال الكاتب من كونها ظاهرة طبيعية مألوفة، إلى ممارسة وظيفة تقوية الذاكرة باعتبارها لا تموت على الرغم من أنها تتعرض للإبادة عن طريق الحطابين آلاف المرات، ومع ذلك فإنها تنبعث من جديد - إن هذه الرمزية "الهوياتية" - إن صح التعبير لا تنفصل عن الرمزية الثقافية المتأصلة في هذه البلاد، يثير الكاتب في هذا السياق زمنين: زمن "ذاكرة الشيوخ" وهو آيل إلى الفناء بفناء هؤلاء الشيوخ الذي يمثلون روح الهوية الأمازيغية لأنهم أقدر على حفظ الذاكرة الجماعية: Seuls les vieillards étaient capables de (mémoire)، (الرواية ص: 11)، إن ما يهدد هوية المنطقة ليس فقط غياب هؤلاء الذين يمثلون روحها ويعتبرون من رموزها، لأن الغياب لا ينفي الحضور، تماما مثل رمزية الشجرة التي المحت إليها آنفا، إنها تتجدد بعد أن يتم قطعها، بمعنى أن الحفاظ على الهوية يتحقق عن طريق الجسور الممتد بين الجيل القديم والجيل الجديد وهذا ما مكن الثقافة الأمازيغية ولغتها من الاستمرار رغم محاولات الغزاة للهيمنة على هذه الأرض منذ ما قبل الرومان إلى العهد الكولونيالي. ودعامة ذلك كله استماتة الأمازيغ في الدفاع عن هويتهم ورفض الذوبان في الآخر الخارجي والدخيل، والتاريخ يعلمنا أنه كلما اشتدت شراسة العدو الخارجي، اشتدت من الداخل شراسة المقاومة، هذه هي القاعدة الثابتة في هذه الأرض على مر التاريخ! ليس تقطع خيوط التواصل المحتمل نتيجة غياب الأوائل الذي كان لهم الفضل في الحفاظ على ذاكرة المنطقة الثقافية والحضارية، هو الذي يهدد الهوية الأمازيغية، ذلك أن كثيرا من الدول الإفريقية - باستثناء السينغال الذي رسم أربع لغات وطنية- اختارت أن تقطع الروابط بلغاتها بل واحتقرتها تعصبا منها لثقافات الآخرين، والحال لا يمكن التواصل بطريقة فعالة مع الآخرين إلا إذا كان المرء منسجما مع ذاته ومنغرسا في ثقافته (الرواية ص: 11) وهنا تحضر الأرض مرة أخرى في علاقتها بالثقافة، وهذا ما تم التعبير عنه بطريقة رائعة في الجمل التالية: "إن كلمة الثقافة تعني هنا الأرض والمعرفة بهذه الأرض النابعة من الأعماق" (ص: 11). بالإضافة إلى عامل تدمير الهوية المشار إليه آنفا، والذي يمكن النظر إليه من زاويتين: أولا كونه عاملا داخليا: فقدان الذاكرة واحتمال فقدان التواصل بين جيل يختفي وجيل ينبعث على غرار طبيعة الشجرة التي تنبعث على الرغم من محاولات الإبادة، وثانيا كونه يلتقي مع العامل الخارجي الزاحف إلى العقول عبر "الحداثة الشكلية" خاصة أثناء المرحلة الكولونيالية، هنا تكمن خطورة الحداثة التي لا تعدو أن تكون بهرجة فارغة وتافهة. (ص: 11)، لا نتمثل الحداثة بشكل سيئ فقط، بل إنها سبب "الإقصاء" والنزول بنا إلى الدرك الأسفل خوفا من كل ما يشكل أساس هوية الشعب المتمثل في الوحدة وفي كل ما يجعل معنى لوجوده. (ص: 11). على الرغم من كل العناصر السابقة المتمثلة في القضاء على هوية المنطقة (وهذا ينطبق على كل دول شمال إفريقيا)، فإن عناصر "المقاومة" لا زالت حية، إن الكاتب يرى ذلك فيما تكتسبه الأمازيغية في مغرب اليوم، إن الأمازيغية بدأت تشق طريقها نحو الجامعة (كذا!!؟)، والمغنون والموسيقيون يبثون روح التجديد فيما يمكن اعتباره جامدا ومعادا، ويعتبر الحاج بلعيد المؤسس الحقيقي للإيقاع "البربري"، وأما المجموعات الموسيقية مثل أوسمان (Ousmane) وازنزارن (Izenzaranes) الذين أضافوا إلى الإيقاع الكلاسيكي بعدا عالميا. هؤلاء ليسوا مجرد أشخاص يحنون إلى الماضي بل إنهم يبنون المستقبل الذي يوجد في حالة حرجة ولكنه قابل للتحقق، إنهم شعراء "الانبعاث البربري"! (ص: 12). مما يسترعي الانتباه من الناحية "الشكلية" أو البناء السردي والحبكة الروائية، أن الرواية خالية من الفصول المرقمة، وكأن فضاء الرواية يتخذ شكل القطعة الأرضية المسطحة تجري فوقها أحداث وتستعاد "ذكريات"، دون الإيحاء بأن هناك مسارا سرديا أفقيا من البداية للنهاية، بل هناك أشياء وأحداث فوق خريطة حيث لا تنافي بينها من حيث الحضور الوجودي. مثلا: يلجأ الراوي إلى سرد الطبيعة الجيولوجية لمنطقة تافراوت المتميزة بحضور الجبال المتآكلة إلى جانب النباتات بمختلف أنواعها، هذه الجبال تأوي أصنافا من الحيوانات والحشرات كالأفاعي والعقارب والخنازير البرية ...الخ (الرواية، ص: 18). وهنا نتساءل: ما فائدة ذكر هذه الأشياء التي لا علاقة لها ب"الحبكة الروائية" من منظور الشكلانيين الروس؟ هل هذا الوصف السردي يفضي إلى تطور الأحداث في اتجاه أفقي؟ إن ذكر كل هذه الكائنات وفي منطقة تافراوت، أو بالأحرى طبيعتها الجيولوجية، ومن بين عناصرها "الجبال" وما تحمله من دلالات رمزية مألوفة لدى كل شعوب الأرض وفي مختلف القارات، وخاصة تلك الشعوب التي احتفظت بجذورها الثقافية والحضارية، أصبحت اليوم تتعرض للتدمير وفصلها عن جذورها، فتلجأ بشكل لا إرادي إلى شحذ عناصر المقاومة وفي مقدمتها الحفاظ على ما تبقى من الرموز سواء اكانت جيولوجية أو ثقافية وحضارية، وهذا ما يمكن أن أتطرق إليه في الفقرة الموالية. بداية البدايات أو "الماضي المقدس": أشرت سالفا إلى أن الراوي ذكر الشيوخ باعتبارهم سادة الذاكرة التي تعتبر مقوما أساسيا من مقومات صون الهوية وامتدادها المحتملة أو المحفوفة بآفة "الهجران" أو "النسيان"، هؤلاء أبطال الهوية يذكروننا ببقايا لمعان الماضي، وباعتبار أن هذا الماضي هو جزء من الوجود الإنساني، فإنه يغدو موضوعا مقدسا، وكل إنسان نبت في هذه الأرض مرغم على الانغماس فيه، بل إن العلاقات الاجتماعية ترغمه على ذلك، ومن هنا، فإن هذا الماضي قد يختلط بالزمن الأسطوري، كالجبال والصخور والأشجار بل إن الإنسان نفسه قد تتجمع في مساره عناصر فيه جوانب من الحقيقة وجوانب من الخيال، وعنوان الرواية نفسها يدل على ذلك بكل وضوح: المزج بين الحياة (أو الواقع) وبين الأسطورة أو الخرافة، فهل يجوز الاختيار والعبور من الوهم إلى الحقيقة؟ الجواب بالطبع يكمن في أن الوجود الإنساني عبارة عن روح متدفقة من العناصر المتضاربة والمتجاورة، وخير من يعبر عن ذلك "التاريخ" والذاكرة حينما توظف بطريقة إبداعية، لقد أشار عالم التحليل النفسي الشهير كارل يونج C.G.Jung إلى أن النفس البشرية أعمق من أعماق الكون نفسه! بحيث يمكن سبر جوانب من هذا الأخير حتى ولو كانت بعيدة بمسافات السنوات الضوئية بفعل الأجهزة العلمية المتطورة مثل ميكروسكوب والتليسكوب ، ولكن قد لا تسعفنا أعماقنا النفسية على الاهتداء إلى دلالات كل رموزها وردود أفعالها، على هذا الأساس يمكن مقاربة الرواية التي تختلط فيه الحقيقة التاريخية بالأساطير كما يختلط الماضي الذي يتوارى بالحاضر والمستقبل وهو في حالة احتمال!! وهناك التمسك بالأرض إلى حد القداسة وهناك التخلي عن هذه الأرض في سبيل البحث عن البديل، الأرض كما قلنا هي المبتدأ والمنتهى وحتى العلاقات الاجتماعية تبتدئ من هنا، وحتى العلاقة بالأنثى لا يمكن أن تتم إلا إذا تمسك المرء بجذوره الأرضية، إذ نرى أن الراوي حينما يشير إلى أن ذلك الشاب الذي يهجر هذه الأرض لمدة عشرين سنة ثم يعود بعدها، يعتبر أجنبيا ودخيلا، وحتى قرينته ذات الجمال "البدائي" Beauté sauvage لا تعترف به، إنه بالنسبة إليها مجرد سائح تائه أو مخبر، وإن صادفته في طريقها غطت وجهها مبتعدة عنه، ثم تردد في ارتباك كلمات: تعتقد فيما بينك وبين نفسك أنك لست من هنا وأن وطنك الحقيقي يوجد في كل مكان غير وطنك...(الرواية ص: 21-22). لكن هذا الوضع ينقلب تماما وذلك حينما يعترف هذا المهاجر أنه ابن البلد تتقاطر عليه الجموع ويتنافسون في شرف تهنئته، بل ولمسه، والسعيد من يلبي له دعوته للعشاء! هنا يهتز شعور الإنسان إلى حد الرغبة – مكرها – في الانغماس مرة أخرى في الماضي (الرواية: ص: 22). إن هذا الماضي لا يستمد قدسيته إلا من قداسة الأرض بكل تجلياتها: كونها أما وملاذا صخريا يستجار به، وهذا الشعور تجاه الأرض، ذو خلفية أسطورية نصادفها لدى كل شعوب الدنيا التي أحست بأنها ابتعدت عن ماضيها "الفردوسي" الذي يعتبر المبدأ الأول والبداية الأولى لانبثاق الحياة والإنسان على وجه الأرض، وكل رجوع إليه واستعادته عبر الطقوس يعتبر بمثابة الرجوع إلى الجذور، ومن هنا فكل عودة إلى هذه الجذور يضفي على هذا الماضي القداسة ، فكيف يتحقق ذلك؟ إن الرواية لا يمكن أن تحصر هذا الماضي في منطقة جغرافية محددة، بل إنها تحاول توسيع أفق الخيال ليشمل الدائرة الإنسانية بأوسع معانيها، وذلك حينما يوظف الراوي كلمتين عميقتين من حيث الدلالة الرمزية: وهما "كوسموس" Cosmos والتكوين (أو الخلق) .Genèse ما علاقة ذلك بما سيأتي من تفاصيل الأحداث الروائية؟ إن "الخروج" من دائرة "تافراوت" الجيولوجية، ومن ذاكرة المنطقة إلى العالم "الميتافيزيقي" يضفي على الرواية طعما خاصا وهو الربط بين ما هو خاص، وبين ما هو كوني، أي بين ما هو "محلي" وطني وبين ما هو مرتبط بتاريخ الكون ونشأته وعلاقة ذلك بالوجود الإنساني بأوسع معانيه، وهو ما يسمح بتحليل بعض الرموز التي تبدو "تافهة" ولا "أهمية" لها في بناء الحبكة الروائية. سبق وان أشرت إلى حضور الجبل في الرواية باعتباره رمزا جيولوجيا وليس مجرد عنصر من عناصر تضاريس مدينة "تافراوت". من أعلى الجبل الذي احتضن كل تلك الكائنات المذكورة آنفا من الزواحف والحشرات... تأمل مدينة "تافراوت"، تأملا ملأها الإعجاب (كل قرية تحولت في مخيلة الشعوب القديمة إلى مركز للكون)، إنها كامنة بين كتل من الصخور، من أعلى الجبل ينجلي ما هو موجود في الأسفل فينبثق الإحساس برغبة لا تقاوم في التواصل مع "الكوسموس"، ذلك بأن كل شيء في هذه الأمكنة يتم على مستوى هذا الكوسموس حيث تمتزج الجيولوجيا ب "الميتافيزيقا"، فتتولد بذلك صور متعددة تترك أثرا في الذاكرة لا يمحي، مثل الخاتم السحري والصفاء الخفي بفضل نفثات "التكوين" Genèse الحقيقية (ص: 18). أمام هذه الجمل الأخيرة يجب أن نؤكد أن الذاكرة هنا وما تزخر به من تلك الصور المتعددة، ذات بعد إنساني وأسطوري في الوقت نفسه، ولا أعتقد أن محمد خير الدين يجهل أساطير الشعوب المتعلقة بالبدايات الأولى لخلق الكون سواء في آسيا أو أستراليا، بل وبالتراث الزرادشتي خاصة فيما يتعلق بطبيعة الشخصية المحورية "اكونشيش" كما سنرى. ما الهدف من الإشارة إلى النشأة الأولى للكون؟ الجواب الأقرب هو النرستالجيا والحنين إلى الجذور والماضي الفردوسي أو ما يسمى لدى الشعوب القديمة "زمن الحلم" Temps du rêve . وهو زمن مقدس، ويمكن أن نقرأ هذا الموقف الأسطوري كما هو وارد في سياق رواية محمد خير الدين، أن هذا الأخير، يروم استعادة ما تعتبره الأسطورة الكونية "الكلية الأولية" Totalité primordiale المرتبطة بالماضي المقدس كما عاشه الأجداد الأوائل ancêtres وهذا الماضي يجب أن يظل خالدا عن طريق إعادته بشكل دوري . هل يمكن أن ينطبق ما قلناه كليا على ما خططه محمد خير الدين عن الهوية المرتبطة بالأرض المقدسة؟ الجواب بالنفي والإيجاب! من ناحية "الإيجاب" أن الإنسان الأمازيغي لا بد أن يستحضر جذوره الحضارية وهو يشاهد (أو بالأحرى) يحدس مآل الأمازيغية أمام تخلي أبناء الأرض عن الأرض والهجرة إلى المدن والانخراط في قيم لا علاقة لها بماضي قيم الأجداد، ومن الناحية الأخرى فإن الرواية لها منطقها والأسطورة لها منطقها أيضا، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد معابر بين هاتين التجربتين الإبداعيتين، فكما أن أسطورة جلجامش – وكل الأساطير التي تتحدث عن أصول الإنسان – تذكر أن الإنسان انبثق من الأرض - فإن الرواية وهي تقدم لنا شخصية أساسية وهي "لحسن أفوغين Lahcène Onfoughine. تذكر "أسطورة أصله" تامدان أوكا Tamdan Ouqqa التي تعني "البحر الداخلي" mer intérieur، بمعنى - كما يؤكد السارد، هذا يعني بلا ريب بحيرة واسعة من الماء العذب (ص: 23) وهذه البقعة غنية وكثافة سكانها عالية وقد بلغت مستوى معينا من الحضارة، ولا زالت تروى إلى يومنا هذا حكاية تقول إن هذه البلاد موجودة بالفعل، وأنه أثناء حلول كارثة بهذه البلاد، فإن الذين كانوا يعيشون فيها ابتلعتهم الأرض وسرعان ما يتم الاستطراد بذكر أن هؤلاء ليسوا أمواتا بحيث أنه يمكن سماع أصواتهم وصياح حيواناتهم حينما يتم المرور بالقرب منهم، (ص: 23)، ومن الواضح أن جل الأساطير تتحدث عن أصول الإنسان الذي ينحدر من الأرض التي تعتبر في هذه الحالة بمثابة "الرحم"، إلا أن الملاحظ هو أن هذه الفقرة من الرواية تمزج بين الأسطورة والتاريخ، أو بين الواقع والخيال ويتبين ذلك حينما تنكشف لنا دلالة ما وراء الظاهر الرمزي أو الاستعاري، ألم يقل الراوي في نهاية القسم الثالث من الرواية: "أنه يجب الإصغاء إلى الأسطورة légende دون الاستخفاف ببعض المعالم التاريخية التي يمكن أن تضفي معنى على هذه المنطقة من الظل عن طريق الخيال" (الرواية ص: 26). غير أن ما يجب ذكره في هذا السياق، سياق المزج بين التاريخ والأسطورة – باعتبارها ذاكرة جماعية – في بناء الأحداث والشخصيات، أن السارد يتطرق إلى جوانب محدودة من تاريخ منطقة الجنوب كالمقاومة التي قام بها "الباعمرانيون"، أو بداية تفسخ القيم الموروثة والتي كانت عنصرا أساسيا في لحم أواصر القبيلة، وتعويض "امغار" بمنصب "الباشا"، والتخلي عن زراعة الأرض وإهمالها بل الهجرة منها، كل ذلك يمثل حقيقة تاريخية لا جدال فيها، غير أن السارد لا يقف عندها كثيرا، لأنه الهدف الأساس هو خلق عالم إبداعي على أساس الخيال الأسطوري يروم النفاذ إلى أعماق الوجود الإنساني، بمعنى التعبير عن المسار الروحي للإنسان سواء عن طريق استحضار الذاكرة المعبأة برائحة الأجداد، أو رسم معالم المستقبل، وبهذا المعنى يمكن أن تتوضح حقيقة ما كان يسميه "الأرانديون" (les Aranda)، "زمن الحلم" أو "الكلية الأولية" أو الأصلية التي أشرنا إليها آنفا، ويمكن تركيز ذلك في عبارة فلسفية واضحة وهي "الروح الخالدة"، ذلك بأن كل فرد يجسد جزء من حياة الجد" . وترجمة هذا فيما نحن بصدده على النحو الآتي: إن الكلية الأولية لا تعني فقط الترابط بين الحاضر والماضي، أي بين الأجيال القديمة والأجيال الجديدة، وبين الأرض وثقافة الأرض، وبين الهوية والتمسك بالأرض، بل تعني أيضا وهذا مهم وله حضور بارز من خلال إحدى شخصيات الرواية (اكونشيش)، عدم الفصل بين الإنسان وسائر الكائنات سواء اكانت من جنس الحيوان والحشرات، أو من جنس الجبال والصخور والأشجار، وهذا ما سنتطرق إليه في الفقرات الموالية. الوجود الإنساني في الواقع والخيال: حينما استعمل السارد (أو الراوي) كلمة "الميتافيزيقا" كان يعني من ورائها ربط الجسور بين الكائن "المحلي"، أي الإنسان الذي نبت فوق خصوصية أرضه، وبين الإنسان الكوني وقضايا الوجود الإنساني سواء في صورته الفلسفية أو الأسطورية، والرواية بحق تمتاز بكونها نصا روائيا لا يقتصر على ذاكرة وتاريخ منطقة الجنوب، بل إن أفقها الإبداعي والفكري أوسع من حصره في دائرة ضيقة، وذلك حينما يتم استحضار ثقافات الشعوب وأساطرها من زرادشت إلى بودلير، مرورا –بطبيعة الحال- بالأسطورة الأمازيغية "أونامير"، ومن هنا فإن الرواية مفعمة بالرموز الكثيفة من حيث الدلالة، بحيث يمكن القول بدون مبالغة، أن كل قسم يحتوي من الرموز ما يكفي لتسويد عدد من الصفحات لمقاربة العمق الدلالي ذي البعد النفسي (الداخلي) والخارجي، والاقتراب من الواقع الحسي بمقدرة خيالية راقية! يجب أن أستدرك هنا بالقول: إذا كان هناك من تماثل بين بعض الرموز الروائية الواردة في رواية، اكونشيش، وتلك السائدة في الحضارات الأخرى – فليس معنى هذا أن رموز الرواية قدمت إليها عن طريق التأثر المباشر أو غير المباشر بتلك الحضارات (أقول هذا وأنا على يقين أن الحضارات الإنسانية كانت تتبادل التأثر والتأثير عبر العصور)، وباستثناء استحضار الأسطورة الأمازيغية: أحمد اونامير، فإن ما عداها في عمومها تعود إلى ما يسميه كارل يونج: "النماذج العليا" Archétypes التي تؤول في وظيفتها إلى "اللاوعي الجماعي"، وقريبة إلى حد ما من "الأفكار" Idées من وجهة نظر أفلاطون، إن هذه النماذج تنبثق بصورة عفوية في كل لحظة وفي كل مكان ولا علاقة لها بالتأثر والاستيراد من الخارج ، وبصورة موجزة فإنها وراثية من وجهة نظر كارل يونج . ما أكثر الرموز المتصلة بالنماذج العليا في الرواية ومن بينها الشديدة الحضور في الرواية الأشجار والعناصر الجيولوجية كما أشرت والحيوانات، بالإضافة إلى عنصر "الأم" التي يمكن أن تكون الوجه المعبر الرمزي عن الأرض. رمزية الحيوان الطوطمي: كل من له إلمام بالتراث الإنساني المتجلي في الحكاية أو الأسطورة وذهنية الشعوب القديمة، سيدرك حجم حضور الحيوان في هذه المجالات! وهذا الحضور امتد أيضا إلى الشعر والرواية بل حتى الفلسفة والانتروبولوجيا وعلم النفس الفرويدي. وإذا كان المجال لا يتسع لمعالجة هذا الموضوع في تفاصيله، فإنني سأكتفي بإشارات مقتضبة حسب ما تقتضيه المقاربة التي نحن بصددها. يذهب بعض الباحثين المهتمين بالعلاقة بين الإنسان والحيوان، إلى أنه يجب التمييز بين الجنس الإنساني (espèce humaine)، وبين النوع الإنساني (genre humaine) بحيث يمكن القول أن المفهوم الأول يتصور الإنسان باعتباره جزء من الطبيعة ومن ثم فإنه حيوان من بين الحيوانات الأخرى. في حين أن المفهوم الثاني يروم تمييز الإنسان من الحيوان والتركيز بصورة أولى أكثر على الفارق بين الطرفين، لا على الخصائص المشتركة ، ولن استطرد في تتبع تفاصيل هذه النقطة، وأركز على توظيف المفهوم الأول لمقاربة رمزية حضور الحيوان في هذه الرواية! يتم تقديم شخصية "لحسن اوفوغين" في القسم الثاني، أو بالأحرى اللوحة الثانية من المشهد السردي ونعرف من خلاله أنه ينحدر من "تامدان اوكا" وأنه نجا بعائلته وماشيته على إثر تلك الكارثة التي أشرنا إليها آنفا، قد نفهم بشكل مبسط أنه إنسان قروي لا بد أن يصطحب معه ماشيته كما هو مألوف بالنسبة لسكان القرى الفقيرة كل رأسمالهم منحصر في "الماشية"، غير أننا إذا ربطنا هذا الحدث بما سيأتي من أحداث سردية بعد سطور قليلة، نكتشف أن الأمر يتعلق بوجود "غموض" في هذه الشخصية، وهذا الغموض إن صح التعبير لا يليق إلا بالشخصية الأسطورية، كل الشخصيات الأسطورية يكتنف أصلها الغموض من أين أتت، وفي أي زمان عاشت...الخ، يتساءل الراوي في أي قرن عاشت هذه الشخصية، ومن أين أتت تحديدا؟ هل التاريخ يسعفنا للإجابة، إن التاريخ كما يقول الراوي يتم العبث به أحيانا، وذلك لصالح رجال الممالك المهيمنين، يتحدث عن "تامدولت اوكا" وهي تلك المدينة التي كانت متقدمة اقتصاديا وثقافيا، وهي التي تنحدر منها هذه الشخصية. غير أن الاستعانة هنا بالتاريخ ليس كافيا، ولا أدل على ذلك من أن ذكر تلك الكارثة (الجيولوجية)؟ التي كانت سببا وراء فرار لحسن اوفوغين، يروم الخلط بين هذه الكارثة ونشوب حرب ما، وهنا يتساءل الراوي: ما هو الاختيار بين "النظرية" théorie وبين "الخرافة" légende (إن صحت الترجمة) (الرواية ص: 24). حينما يختلط التاريخ بالخرافة أو الأسطورة في مجال تبين حقيقة الشخصية، فاعلم أن هذه الأخيرة تتجاوز وجودها العادي إلى ما هو فوق هذا العادي، بمعنى يجب إلحاقها بالمصطلح الميتافيزيقي transcendance، وهذه الصفة (صفة التسامي) لا تتصل بالشخصية فحسب، بل وبالعلاقة بما تملكه من حيوانات ترافقها في تنقلها أو سفرها، وهو أيضا حدث رمزي بامتياز! لحسن أوفوغين هو راع، وهو يحمل صفة الشخصية الأسطورية التوراتية Caïn الذي كان قاتلا، لقد غلبت عليه صفة الرعي لا صفة المزارع، وهنا يختلف عن "كاين"، لقد خلف لحسن هذا ذرية تعيث في الأرض فسادا، وكان مصدر عيشها إشاعة الفوضى والرعب وكل عوامل التدمير، أهملوا زراعة الأرض وفضلوا بدلا من ذلك النهب، إن وجودهم المأساوي بصموا التاريخ المحلي ببصمات لا تنسى، ولا زالوا يحتفظون في الذاكرة بكل احترام وبكل المحبة في أحايين كثيرة (الرواية ص: 29). هذا الاستطراد يعتبر منهجيا غير لائق وغير ملائم، ولكنني أعتبره ضروريا لربط هذه الأحداث بشخصية من ذرية لحسن أوفوغين الآنف الذكر، تتميز بكونها تعود بنا إلى بداية البدايات، إلى البداية التي كان فيها الإنسان مرتبط بالطبيعة وبالحيوان الطوطمي. حينما نثير قضية "الطوطمية" في رواية محمد خير الدين، قد نواجه باعتراض مفاده أن الأمازيغ لا نعرف ما إذا كانوا قد عرفوا عبادة "الحيوان الطوطمي" ، لكن الأهم بالنسبة إلي أن أوضح أمرين: توظيف مفهوم النماذج العليا بالمعنى المشار إليه آنفا، أي أن هذه النماذج تحيلنا على اللاشعور الجمعي قد يمس أي إنسان سواء أكان أمازيغيا أو غيره، ألا يعتبر الحيوان عندنا جزء من حياتنا سواء أكنا صغارا أم كبارا. والأمر الثاني، هو أن هذه الرواية – كما قلت آنفا- بمثابة نافذة مفتوحة على الثقافات الإنسانية، وقد توظف هذه للتعبير "عما هو محلي"، وبعبارة أدق وأوضح أن كاتبنا محمد خير الدين يتجاوز حدود المنطقة الجغرافية التي ألفها ليعانق "الذاكرة" الإنسانية في أوسع نطاقها. يعتبر "لحسن اكونشيش" من بين ذرية "لحسن اوفوغين"، ويوصف من قبل الراوي بأنه أحد هؤلاء الخارجين على "القانون" desperados، وقد نتساءل: أي قانون؟ هل هو قانون القبيلة الذي ينظم العلاقات الاجتماعية، أم هو قانون الدولة الذي ينظم العلاقات الاجتماعية وفق القيم المعروفة والتي يمكن تلخيصها في عنوان أساسي الخير والشر ...الخ؟ إلى جانب هذه الصفة الدالة (المتمرد أو الخارج على القانون)، هذا الاسم الدال الرمزي "اكونشيش" الذي يعني في الأمازيغية (الراوي يستخدم لفظة chleuh) "جذع الشجرة اليابسة" (الرواية ص: 30) بما يوحي من الصلابة والقوة. تبدأ قصته حينما مر بتجربة قاسية هي مقتل أخته حينما ضبطت في علاقة حميمة مع رجلين، وبما أن العرف السائد لا يقضي بالحكم بالموت أو الرجم، أو قتل الرجلين العاشقين والاكتفاء بأداء "الدية"، فإن أسرة هذه الفتاة لم ترض بأن يدنس شرفها، فكان أن قتل العاشقان إلى جانب خصْيِهِما. مما أدى إلى مقتل أخت اكونشيش أيضا في ساحة منزل عائلة اكونشيش! مقتل الأخت في ساحة "مكشوفة" وهي مدثرة بثوب رجل يوقظ فينا فتنة الرغبة في الكشف عن عمق دلالة هذا الحدث، إذا كانا العاشقان قد قتلا لأنهما دنسا شرف عائلة اكونشيش، فكيف يستقيم هذا الحدث المأساوي مع مقتل "الأخت" وهي مدثرة بثوب رجل. اكونشيش فقد أخته التي كان يعزها – كما يبدو من سياق الأحداث الآتية - فلا بد من بديل يتولى نفس الوظيفة العلائقية، وذلك عن طريق التحول الموجود لدى "كتاب"، الأساطير والحكايات الشعبية، ومرضى العيادات النفسية، البديل بالنسبة لأكونشيش هو "البغلة" التي "التصق بها" إلى حد أسطوري. إن هذا الحضور الكلي للحيوان في رواية اكونشيش لم يأت من "العالم السديمي"، بل هو متأصل في المقام الأول في الحكاية "الشعبية" الكونية، وغير خاف أن الأستاذ محمد خير الدين مطلع على هذا الإرث الإنساني، ونظيره الأسطوري وكل المعتقدات لدى الشعوب التي توصف بالقديمة أو "الهمجية"! من هنا يجب أن نفهم علاقة الذاكرة بالإبداع في أوسع معانيها، وهذا ما يضفي على هذه الرواية ميزة قلما تتوفر إلا في الروايات ذات البعد الكوني والإنساني، محمد خير الدين يمتح من الذاكرة الإنسانية بما فيها ذاكرته ذات البعد الهوياتي (علاوة على حضور النماذج العليا المشار إليها آنفا باعتبار اللاشعور الجمعي إرثا مشتركا لدى كل إنسان). حينما اصطدم اكونشيش بمأساة مقتل أخته قرر أن يهاجر أو بالمعنى "الأسطوري" أن يسافر بمفرده، والسفر هنا متأصل في الذاكرة الأسطورية، فكل أبطالها كانوا "مسافرين" وهذا الاطراد يدل على وحدة النفس البشرية في كل الأزمان والأمكنة، أن يسافر الإنسان معناه أنه يبحث عن معنى لوجوده، والظاهر في الرواية أن اكونشيش يريد السفر من أجل العثور على الأعداء والانتقام منهم، وليس هناك من معين غير دابته "البغلة"، فهي هنا تؤدي إحدى الوظائف الأربعة التي تسند في الحكاية إلى الحيوان من وجهة نظر "فلاديميربروب"، وهي الإرشاد إلى الطريق السالك إلى تحقيق الهدف، وبدون الدخول في التفاصيل، أكتفي بالقول إن الحيوان هنا هو بعد نفسي للبطل نفسه، ومن هنا هذا التلاحم بين البطل والبغلة وكأنهما جسد واحد، يقول الراوي: "إنه (أي اكونشيش) يتغذى على الطريدة وثمرات الصبار الشوكي وحبات اللوز ويروي ضمأه من ماء البئر الصافي، وأما راحلته فتتغذى على نباتات المرتفعات، إنهما يجسدان معا رؤيا نهاية العالم" apocalypse، والعدالة الإلهية justice التي تشق السماء المسلحة بالبروق الحمراء، لا يوجد أي عائق في طريقه أو عدو يسد طريقه، أما البغلة فإنها تشعر بكونها حرة وأما سيدها فإنه يشع في داخله...الخ" (ص: 31). في الحقيقة شخصية اكونشيش تضم بين حناياها ذاكرات مختلفة منها ما يعود إلى شخصية زرادشت وإلى شخصية النبي محمد وإلى أحمد اونامير، إنها شخصية تحطم الفوارق بين الثقافات عن طريق استلهامها لبناء شخصية مغروسة في تراب أرضها ولكنها تحوم فوقها لتعانق سير الأبطال الذين كانوا ضمير أممهم وفي كل العصور. وإذا كان اكونشيش وبغلته يجسدان العدالة الإلهية التي تشق السماء ببروقها الحمراء، فإنه يذكرنا بما ورد في كتاب "زرادشت" "لنتشه" حيث إن "زارا" نفسه يتحدث عن الإنسان المتفوق باعتباره "البرق الساطع من الغيوم السوداء: من الإنسان ، وكما أن أكونشيش يشع ضوء من الداخل، فكذلك زرادشت إذ يقول: "إن روحي صافية تغمرها الأنوار..." ، ويقول موجها الخطاب إلى الجموع: "أين هو اللهب الذي يمتد إليكم ليطهركم؟" ، وكما أن اكونشيش، ساكن الجبال يعشق الجبل ويعشق أرضه فكذلك كان زرادشت، وكما أن الراوي يعتبر هجران الأرض، بمثابة اقتلاع جذوره، فكذلك كان زرادشت يقول على لسان نيتشه: "أتوسل إليكم، أيها الإخوة بأن تحتفظوا للأرض بإخلاصكم فلا تصدقوا من يمنونكم بآمال تتعالى فوقها" ، بل إن الاسم نفسه يدل على رمزية "الصلابة" – اكونشيش، وكذلك العقل لدى زرادشت مرتبط بالصلابة الذي يتوق إلى الحمل الثقيل والشعور من بعده بالراحة بعد العناء ، وكما أن اكونشيش اختار "المغامرة المحفوفة بالمخاطر" (ص: 31) فكذلك زرادشت الذي اتخذ المخاطرة مهنة له ، ويمكن أن نسترسل في ذكر أمثلة عديدة تدل على التماهي بين بطل الرواية وبطل القصة الفلسفية لدى نيتشه. بل إنه يتماهى مع شخصية النبي محمد، فكلاهما كان مطاردا من لدن الأعداء ونجا بأعجوبة، فبطل الرواية حينما أحس بالخطر يدنو منه لجأ إلى كهف يحتمي به، وحينما وقف المطاردون أمام مدخله قال قائل منهم وقد تفحص هذا المدخل: "لا يوجد غير جذع شجرة يابسة، إنه اكونشيش" (ص: 31). ومن الناحية الأخرى فإن محمد خير الدين لا يتغافل عن السباحة في ذاكرة ثقافة وطنه المفعمة بالصور الخيالية والواقعية معا، وذلك حتى نجد نوعا من التوافق بين عنوان الرواية وبين تفاصيل العلاقة بين الخيال والواقع وعلاقة ذلك بطبيعة الشخصية الروائية من الناحية النفسية. وإذا كان الراوي يمتح من ذاكرة ثقافة الشعوب وخيالاتها الأسطورية، فإنه في الوقت نفسه يمتح من ذاكرة المنطقة الأمازيغية التي ينتمي إليها، لنأخذ على سبيل المثال "التحول" métamorphose. لقد قرر اكونشيش من أجل فرض وجوده في صراعه مع أعدائه أن يلجأ إلى وسيلة السحر حيث استطاع بشكل عجيب استغلال الخوف الخرافي الذي يتمكن من الضعفاء والنساء فتحول se métamorphose إلى جني قاس أو إلى حيوان خطير، بحيث يشبهونه ب "ليكورن" licorne وتعني بالأمازيغية Tagmart is’mdal وترجمتها الحرفية "فرس المقابر". وهذا الكائن "الخرافي" يعنى في المخيلة الشعبية ذلك الحيوان الخارق الذي وهب طاقة عجيبة ويجسد قوى الشر...الخ، ومصدر هذه الخرافة أسطورة لا تنقرض (ص: 32). وفي الحقيقة فإن "التحول" موضوع مطرد في الأساطير والحكايات الشعبية منذ أقدم العصور، ففي الأسطورة الإغريقية وحدها تم إحصاء أكثر من مائة أمثلة لهذا المفهوم، وبشكل موجز فإنه يعني التعبير عن الرغبة Désir وغيرها من الظواهر النفسية المنبثقة من أعماق اللاوعي l’inconscient وقد اتخذت شكل الخيال الخلاق . وبناء على هذا فإن اللجوء إلى هذه الأسطورة المطردة في كل الآثار الأدبية من الإغريق إلى كافكيا ليس مجرد موقف ناتج عن التثاقف أو التلاقح بين الثقافات، وإنما هو تعبير عن واقع الشخصية نفسها، أو تعبير عن جزء من أعماق نفس البطل في حالة من التحول الدائم، ولا يمكن أن ننساق وراق ما يعتقده من أنه يجسد الجانب الشرير من تكوينه النفسي الثابت خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اكونشيش قرر أن يسافر وأن ينتقل من مكان إلى آخر، من تافراوت إلى "تزنيت" وآخر المحطة الدار البيضاء، وفي هذه المحطات كلها يصادف أحداثا ومواقف هي تعبير عن تدرجه في سلم البحث عن الذات، وكل سفر هو عبارة عن البحث عن تحقيق الذات كما هو معروف في التراث الإبداعي الإنساني وذلك من خلال البحث عن الحقيقة والسلام والخلود . وعلى الرغم من أن "ليكورن" هذا الحيوان الخرافي هو كما يقول الراوي النقيض الديني للبراق فرس النبي الذي أسرى بها من مسجد المدينة إلى القدس، ذلك بأن هذه الأخيرة ترمز إلى العلم وقوة الخالق في حين أن "ليكورن" اكونشيش ترمز إلى قوى الشر وإلى الظلمات (ص: 32). هل يمكن الفصل هنا بين "اكونشيش" باعتباره شخصية عادية يسكن الجبل، ويحب الجبل حتى لقب بأسد الجبل (الرواية ص: 159) وبين نبي باعتباره ناطقا باسم الله ويتلقى "الوصايا" من الخالق كما تلقاها موسى من قبله؟ هل الموضوع هنا هو الصراع بين الخير والشر؟ وبين المدنس والمقدس؟ سياق الأحداث يدل على أن الرواية لا تلجأ إلى بناء الشخصية بناء أخلاقيا يعتمد نموذج قيم الخير والشر، بل يعتمد صورة معقدة تعتمد "الحوارية" بالمعنى الذي صاغه باختين في نظريته الروائية. وهذه الصورة تعود إلى أعماق النفس البشرية التي لا يمكن ضبط إيقاعها المتموج بين العناصر المتناقضة، بحيث يمكن القول إن الصراع الحقيقي هو بين الشعور (الوعي) وبين اللاشعور (اللاوعي)، بمعنى أن الرواية تدور حول محورين لا ثالث لهما وهما: ذاكرة الذات (أي تاريخها ومسارها الروحي) وبين التاريخ، وحينما تنتقل الشخصية بينهما فهي تسعى إلى تحقيق التوازن الداخلي والخارجي أي البحث عن "السلام" باعتباره إحدى دلالات الرموز المرتبطة بالكائن الأسطوري "ليكورن"، وهذا البحث دونه عقبات وتجارب صعبة على الشخصية المرور بها فهي بمثابة اللهيب أو النار الداخلية بالمعنى الزرادشت التي تؤدي إلى التطهير، أي أنه لا بد أن يحدث التوافق بين العالمين الشعور واللاشعور، بين مطالب الذات الفردية ومطالب التاريخ، وقد لا نقترب من الشطط التأويلي إذا قلنا إن تاريخ المنطقة هو قنطرة العبور إلى تاريخ الأعماق النفسية ومن تم قيل إن الذاكرة والتاريخ يشتركان في التعبير عن المسار الروحي للإنسان! لنتأمل هذا من خلال بعض المقاطع السردية: رأينا سابقا أن النبي نجا من المطاردة بعد أن تيقن أعداؤه من خلو الكهف الذي آوى إليه من أثره وكذلك الأمر بالنسبة لأكونشيش. "يزعم" اكونشيش أنه في وفاق بشكل دائم مع وعيه (conscience)، إذ أنه يوثر النظام (ordre) على هذه الفوضى التي تعيث فسادا في أي مكان، مما يدل على أن الناس يفتقرون إلى الجرأة والعقل، وإلى القدرة على الإقدام على "السفر" voyage المفيد بعيدا عن هذه الجبال (ص: 39)، غير أنه – وفي الوقت نفسه – يتذكر كيف كان لا يرغب هو نفسه في هجر هذا الديكور من الصخور التي نقشت فوق كل واحدة منها خطواته، وكأنها نقشت على أوراق من ذهب (ص: 39)، طورا يردد فيما بينه وبين نفسه أن المجاعة هي التي تدفع الناس إلى أن يكونوا قساة، وأنه سيأتي يوم من الرخاء يجلب الرخاء، ويعود التضامن الذي كان سائدا في الماضي، ولكن البطل سرعان ما يرتاب في هذه "الرغبات – الأوهام" (ص: 39). إن البطل لا زال أمام هذه التناقضات لم يهتد بعد إلى التوازن النفسي والوصول إلى السلم الذي طالما سعى إليه أبطال الأساطير والحكايات الشعبية، وكأن هذه الرواية تجول في النفس البشرية من خلال استحضار هذه الإبداعات الموغلة في القدم ولا زالت تمارس تأثيرا سحريا على المبدعين بصورة خاصة، إنها موغلة في الخيال البناء من حيث كونه دافعا للإنسان نحو "الرقي الروحي"، وإبقاء الرغبات في حالة كمون أو في حالة القوة قبل أن تتحقق تماما كتلك الرغبات التي تتحقق في نهاية الحكاية الشعبية، وهذا ما يسرده "اكونشيش"، إذ حكت له إحدى عماته أسطورة أحد القديسين وهو "سيدي أحمد أوموسى" الذي استطاع أن يعيد بقرة أمه إلى الحياة بعد أن تم تقطيع أوصالها، وعلى الرغم من أن اكونشيش يعترف بأنه لا يؤمن بالقداسة ولا بالقديسين فإن الحلم بتحويل الواقع القاسي إلى سحر والولوج إلى مملكة الملائكة الفاتنة صار واقعا، وهكذا فإن الأبعاد الخفية، بدلا من أن تتباعد فإنها تتقارب فيما بينها، ومن ثمة فإن الأشياء التي تبدو غير قابلة للتصديق تتحول إلى وقائع غريبة! (ص: 42-43). هل هناك ما هو أوضح تعبيرا من هذه الجمل، على الاضطراب الذي تعاني منه الشخصية مما يفسر لنا هذه الرحلة التي لا تعدو أن تكون سبرا لأغوار النفس البشرية ورغبتها المحمومة في الوصول إلى بر الأمان النفسي عن طريق التخلص من نفايات اللاشعور حتى يتوافق في نهاية المطاف اللاوعي بالوعي! أي الخروج من الظلمات كما تم التعبير عنها سابقا إلى نور اكتمال الشخصية، وفي هذه الحالة وحدها ترتفع الشخصية إلى مستوى القديسين، والقديس لا يمكن أن يكون إلا وحيدا، أي يسكن الجبل الذي يعشقه، وفي الوقت نفسه أن يربط علاقات أخوية مع الكائنات المنتمية إلى الطبيعة وعالم البراءة الأولى، أن يتوحد مع أصغر الكائنات كالحشرات وأن يقترب من الوحوش المفترسة دون أن تكون لديه الرغبة في قتلها (ص: 154-155)، واكتمال الشخصية لا يمكن أن يتم بدون المرور بطقس "التضحية" sacrifice، والتضحية التي مر بها اكونشيش لها تجليات عديدة في الرواية، في البدء مر بتجربة مقتل "الأخت"، ثم هجران الأسرة وانتهاء بدفن "بغلته" وفق مراسم الدفن التي لا تليق إلا بكائن "مقدس" (ص: 180-183)، وهنا يمكن القول إن البطل "اكونشيش" فيه من نفحات الأبطال الذين تم تخليد أرواحهم في الأساطير والحكايات "الشعبية"، فعلى سبيل المثال إعادة البقرة (هذا الرمز الكوني) إلى الحياة تذكرنا بأسطورة "ايزيس وأوزيريس"، "ونضال" اكونشيش من أجل استعادة سلام الأجداد كما يقول: يذكرنا بأسطورة بروميتيوس التي انتهت إليه بفضل الاستماع إلى الرواة الذين كان يكن لهم كل الحب لأنهم لا يملكون من ملاذ إلا "الأرض" كلها (Terre) (ص: 165). وإيمانه بالأرض المقدسة جعلته يمزج بين حزنه على أخته وحزنه على أرضه مما جعل منه شخصية أكثر مضاء مثل السكين (ص: 180)، الأرض هنا والبقرة والأخت المغدورة بينها قواسم مشتركة، ذلك أن أرض الأجداد أيضا لم تعد كما كانت على عهد الأجداد، وذلك حينما تم تركها من لدن أبنائها، حيث تغيرت القيم النبيلة إلى قيم غريبة مع دخول الاستعمار الكولونيالي: امغار اختفى ليحل محله الباشا وأرض الجبال والصخور والكهوف تحولت إلى سوق للاستهلاك بفعل غزو الحداثة التي لا معنى لها غير البهرجة، وعلى الرغم من أن شخصية الرواية قد تشبه أو تتماهى مع بعض الشخصيات الأسطورية والحكائية إلا أنها لها ميزتها الخاصة، وهي أنها لا تستقر على حال ثابتة بل متغيرة وفق تغير العوالم من حولها، كما أن لها ميزتها الخاصة، الربط بين عوالم النفس والذاكرة الذاتية وهموم قضايا التاريخ المرتبطة بالأرض، أرض القدامى أو الأجداد! وتلك حكاية لم تكتمل بعد !
#موسى_أغربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسطورة -حمو اونامير- وعقدة اوديب: اية علاقة؟
-
سعيد يقطين والعنف العروبي
-
الحركة الأمازيغية: أي مشروع سياسي
-
سيظل شبح عبد الكريم يطاردكم
-
في زمن الرداءة تتناسل جحافل القطعان
المزيد.....
-
ترامب مازحا عن إيلون ماسك: أمريكا تستطيع البقاء بدون أي شخص
...
-
واشنطن تفرض عقوبات جديدة تستهدف إيران وتشمل كيانات في الإمار
...
-
بضربة شاملة.. قصف روسي لمواقع بأوكرانيا
-
ماكرون ولولا دا سيلفا يحضران فعالية ثقافية في باريس
-
عروض نارية مبهرة تضيء سماء أبوظبي في أولى ليالي عيد الأضحى ا
...
-
أولمرت: إسرائيل مسؤولة عن تلبية حاجة سكان غزة
-
أمريكا.. تحويل الطائرة القطرية إلى -رئاسية- يثير انتقادات في
...
-
استمرار التصعيد بين موسكو وكييف... وروسيا تعلن قتل شخص كان ي
...
-
مقتل أربعة جنود إسرائيليين في غزة وسط نقص كبير في عديد الجيش
...
-
حريق هائل يلتهم صهاريج في أوكلاهوما الأمريكية
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|