ويليام إي روبنسون
الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 07:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
William I. Robinson
تتمثل نقطة انطلاق كل تحليل للظروف المروعة التي تهز العالم اليوم — حروب تجارية، إبادة جماعية، فاشية — في أزمة الرأسمالية العالمية غير المسبوقة، حيث تتداخل أربعة أبعاد: 1) بعد اقتصادي يتضمن فيض تراكم وركودا مزمنا؛ 2) بعد اجتماعي، مع إعادة الانتاج الاجتماعية والتفكك الاجتماعي على نطاق واسع؛ 3) أزمة شرعية الدولة والهيمنة الرأسمالية بينما يتفتت النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية؛ 4) أزمة بيئية تهدد باستنفاد الغلاف الحيوي.
فيما يلي محاولة لتصوير «الوضع الاجمالي» للظرفية التاريخية بأوسع نطاق ممكن — في 1000 كلمة.
يشهد النظام طورا جديدا جذريا من إعادة الهيكلة والتحول على أساس الثورة الرقمية، وقبل كل شيء على الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي أحدث ثورة في قوى الإنتاج وأدى أيضًا إلى تغيير علاقة رأس المال العابر للأوطان والعمل والدولة. يجمع التكتل المهيمن الناشئ بين التكنولوجيا والمالية والمجمع الصناعي-العسكري-الأمني. أصبح الاقتصاد والمجتمع العالمي بأسره أكثر اعتمادًا على التقنيات الرقمية. أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً الآن على معالجة كميات لا حصر لها من البيانات في لحظة واحدة وإنتاج خوارزمياته الخاصة. لم تعد الشركات والدول والمؤسسات السياسية والعسكرية قادرة على العمل بدون التكنولوجيات الرقمية، ما يجعل المجتمع العالمي شديد الاعتماد على الشركات التكنولوجية العملاقة التي تدير وتسيطر على هذه التكنولوجيات والمعرفة اللازمة لتطويرها وتطبيقها.
الأسواق العالمية مشبعة. هناك طاقة إنتاجية صناعية فائضة هائلة. معدل الربح في انخفاض منذ مطلع القرن. الطبقة الرأسمالية عبر الوطنية (TCC) تبحث يائسة عن مكان لتفريغ الفوائض وفتح مساحات تراكم جديدة. ويؤدي التوسع الاستخراجي المفترس إلى موجات تهجير. الدول منخرطة في تنافس شديد على الأسواق والموارد، حيث تحاول كل منها جذب استثمارات الطبقة الرأسمالية عبر الوطنية وضمان الموارد التي يتطلبها التراكم داخل الأراضي الوطنية. ويمثل السعي للاستيلاء على الموارد محور الأحداث في فلسطين والكونغو والسودان والمكسيك وكولومبيا وأماكن أخرى، الأمر الذي تدل عليه مطالب ترامب بصدد غرينلاند وكندا ومعادن أوكرانيا. ويؤدي الضغط المستمر من أجل التوسع إلى زيادة عدم الاستقرار والصراعات. وتشتد الانقسامات بين النخب السياسية والاقتصادية مع انهيار الكتلة الرأسمالية العالمية التاريخية التي تشكلت في أواخر القرن العشرين.
توزيع سياسي جديد
مؤسسات الديمقراطية البرجوازية عاجزة عن إدارة الأزمة، وتشكل عقبات أمام التوسع الرأسمالي. ينطوي الاستبداد الجديد، وفاشية القرن الحادي والعشرين، والشعبوية اليمينية المتطرفة على كيفيات جديدة للسيطرة على المجتمع المدني بقدر ما تنشأ أشكال جديدة للدولة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، والرئيس السلفادوري ناييب بوكيلي، والرئيس الإكوادوري دانيال نوبوا، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان – هؤلاء وغيرهم من الشخصيات يمثلون أنظمة سياسية جديدة تعجل بانهيار دولة القانون كما جرى تشكيلها. وتتوافق هذه الأنظمة بشكل وثيق مع التحولات الاقتصادية التي حدثت، لا سيما التركيز غير المسبوق للسلطة والثروة على نطاق عالمي في عصابة المليارديرات من الطبقة الرأسمالية العابرة للأوطان.
هناك إعادة تشكيل لكتلة السلطة داخل الدولة. لم تعد الأشكال القديمة للشرعية تقوم بوظيفتها. وتشكل الديمقراطية البرجوازية عائقًا أمام إعادة بناء النظام الرأسمالي تحت السيطرة المباشرة للكتلة المهيمنة الناشئة التي تسعى إلى أشكال شرعية مغايرة، والحكم بالقوة والمراسيم، وتطبيع التعاملات المافياوية. تريد عناصر داخل نظام ترامب، مدعومة من قبل رأسماليي التكنولوجيا والمال الأقوياء، وبنصيحة من مجموعة من الشخصيات السياسية والفكرية الغامضة مثل كورتيس يارفين، بمفهومه عن ”التنوير المظلم“، أن تنهار الدولة الدستورية (”الإدارية“) وأن يتم نهبها — ومن هنا جاءت استعارة المنشار الكهربائي التي استخدمها ميلي.
إن العزم على تقليص الدولة الأمريكية بشكل كبير هجوم مباشر على الطبقة العاملة، بما في ذلك القطاع الأكثر تنظيما (الموظفون). ويهدف إلى تحطيم ما تبقى من الدولة ذات الدور المنظِّم و الاجتماعي. لقد أدت عقود من النيوليبرالية إلى خصخصة متواصلة للدولة، وللحرب و للاستخبارات و الخدمات الاجتماعية والسجون والبنية التحتية. لم يعد الهدف خصخصة الدولة فقط، بل إنشاء دول مافياويةخاصة. وأول هذه الدول، بروسبيرا في هندوراس، هي نموذج لذلك.
فائض بشري
تؤدي الثورة الرقمية إلى توسع سريع في السكان الفائضين — فقد تم طرد مليارات ويجب السيطرة عليهم وحتى إبادتهم. وتشمل استراتيجيات الاحتواء الكابوسية خيار غزة المتمثل في الإبادة الجماعية الصريحة، وخيار السلفادور المتمثل في السجن الجماعي، والتوسع الجذري في الدولة البوليسية العالمية، المستخدمة التقنيات الجديدة للمراقبة الجماعية والرقابة الاجتماعية والقمع. ويتمثل شكل آخر للتعامل مع البشر الفائض في التخلي البسيط عنه، كما هو الحال في المناطق الريفية في الولايات المتحدة، حيث تقضي المواد الأفيونية على مجتمعات بأكملها. وقد اقترح ترامب ميزانية البنتاغون بقيمة ألف مليار دولار مع تصاعد الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم. التراكم العسكري والتراكم عن طريق القمع أمران أساسيان للحفاظ على التراكم العالمي والسيطرة على التمرد من الأسفل.
يكتسي هذا القمع بُعدا رمزيا حاسما. يجب تجريم البشر الفائضين ونزع إنسانيتهم وجعلهم كبش فداء بكل طريقة ممكنة. وهذا ما يفسر القسوة التي لا توصف التي يعامل بها السجناء في معسكرات الاعتقال في السلفادور، حيث يتم إهانتهم وإذلالهم أمام كاميرات العالم. في الولايات المتحدة، تهدف وحشية الحرب على المهاجرين، المتخذة شكل اعتقالات تعسفية وعنيفة في كثير من الأحيان واختطافات علنية، إلى إظهار مشهد الدولة الفاشية الناشئة، وإلى توجيه تحذير عام بأن لا تسامح مع المعارضة السياسية والصراع الطبقي من أسفل.
تروم الحرب الطبقية الفاشية من فوق إلى تحميل عبء الأزمة للجماهير الكادحة: تقسيم الطبقات الشعبية وتفكيكها، وسحق الأجور، ومهاجمة النقابات، وتكثيف معدل الاستغلال، وفرض حالات الطوارئ. ليس من المستغرب أن تستهدف الهجمات على المهاجرين بشكل خاص أعضاء النقابات والنشطاء العماليين بالاعتقال والترحيل. تسعى الدولة الفاشية إلى بث الخوف وعرقلة تطور الشروط الذاتية اللازمة للمقاومة الجماهيرية.
كل ما ورد في هذا التحليل يتطلب تحذيرًا عاجلاً: ثمة هوة عميقة بين النوايا والمقدرات. المشروع الفاشي العالمي مفعم بالتناقضات! يجب على المقاومة الجماهيرية من أسفل تحديد هذه التناقضات واستغلالها. هناك في الوقت الحالي ترابط إيجابي بين القوى لصالح المشروع الفاشي. مهمتنا هي عكس هذا الترابط بالنضال الجماهيري.
23 أبريل 2025
#ويليام_إي_روبنسون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟