|
لطيفة امريرت: الصوت الأنثوي بوصفه سيرة ذاتية للمقاومة الرمزية
حستي محمد
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 20:44
المحور:
الادب والفن
محمد حُستي
• الجذور الثقافية للصوت الأنثوي في الغناء الأمازيغي بالاطلس المتوسط :
يحظى الصوت النسوي في الغناء الأمازيغي بمكانة مركزية، ليس بوصفه تعبيرًا فنيًا جماليًا فحسب، بل باعتباره أداة رمزية ومعرفية تعبّر من خلالها المرأة عن قضايا وجودية واجتماعية مركّبة. وقد تجسدت هذه المكانة في تجارب نسائية رائدة، نذكر من بينها الفنانتين شريفة ونعيمة كودا، اللتين استطاعتا من خلال أدائهما الغنائي أن تنقلا هموم المرأة الأمازيغية وهواجسها داخل نسق ثقافي محافظ، تتداخل فيه المرجعيات التقليدية مع أشكال المقاومة الرمزية. إن الغناء النسوي الأمازيغي لا ينفصل عن الإطار الجمعي للثقافة الشفوية الأمازيغية، إذ يتموضع ضمن ما يُعرف بـ"الغناء الجماعي"، الذي يعكس تصورًا أنثروبولوجيًا للعلاقة بين الفرد والمجتمع، ويعيد إنتاج التوازن الهوياتي بين المكونات الفردية والجماعية. في هذا السياق، لا يُنظر إلى الصوت الأنثوي ككيان منفصل، بل كمجال للتفاوض الرمزي مع السلطة، حيث تتحول الإيقاعات والكلمات إلى وسائط لإعادة تشكيل الذاكرة الجمعية، وتفكيك الأنساق الذكورية المتحكمة في الفضاء العمومي. من خلال المضامين الغنائية المتداولة في الساحة الفنية بالأطلس المتوسط ، يمكن لنا أن نعتبر الغناء النسوي، هو فعل تواصلي محمّل بدلالات تتجاوز الطرب والإمتاع الغنائي ، لتبلغ مستويات أعمق من التعبير عن المقموع والمبعد والمسكوت عنه في المجتمع. والمعروف أن المرأة الأمازيغية لا تغني لتُطرب فقط، بل لتقول ما لا يُقال في الفضاء الذكوري. ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى الأغنية النسائية الأمازيغية كخطاب بديل، يُعيد صياغة العلاقة مع الهوية من جهة، ويُمارس نوعًا من التفكيك الهادئ للسلطة الرمزية الذكورية من جهة أخرى، مستندًا إلى موروث شفهي متوارث يعيد إنتاج ذاته من خلال الفعل الإبداعي النسوي .
• تجليات الصوت النسوي في الغناء الأمازيغي بالأطلس المتوسط: مقاربة أنثروبولوجية وسيميائية
يُعدّ الصوت الغنائي النسوي في منطقة الأطلس المتوسط مكونًا جوهريًا في البنية التعبيرية للثقافة الأمازيغية ، إذ يمثّل أداة فنية حرة ومجتمعية لا قيود عليها ، غالبا ما تُستثمر في توثيق الذاكرة الجماعية للأمازيغ ، والتعبير عن قضايا المرأة والهوية والانتماء للأرض . وإذا كانت نساء مبدعات مثل حادة أوعكي، شريفة ، إيطو ثامهاوشث ،حمامة ،نعيمة كودا،ثاولكاذيث ،ولطيفة مريرت من الجيل الجديد ، قد شكّلن أيقونات بارزة في المشهد الغنائي الأمازيغي على امتداد هذه المنطقة، فإنّ حضورهن كأصوات بارزة لا يمكن اختزاله في البعد الفني الضيق ، بل يجب قراءته والبحث فيه ضمن إطار رمزي وثقافي أمازيغي يعكس ديناميات المقاومة بالأطلس المتوسط التي ورثناها من جينات الديهيا ، تينهنان والنفزاوية ، والانخراط في إنتاج المعنى داخل فضاء اجتماعي تقليدي باطرياركي يهيمن عليه الحس المشترك الجمعي والنسق الذكوري التقليدي بالأطلس المتوسط . في الأطلس المتوسط، حيث تتقاطع البنيات القبلية، والتقاليد الشفوية، والانتماء إلى المجال الجبلي بنسبة عالية ، تنبثق الأغنية النسائية كنوع من الخطاب الموازي الذي يُوظف رموزًا واستعارات سيميائية عميقة للتعبير عن الهموم الشخصية اليومية والجماعية المشتركة . فالصوت الأنثوي هنا لا يقبل ببساطة دور الوسيط الغنائي، بل هو يرتقى إلى أداة أنطولوجية تتشبع بحمولات ثقافية وترميزية تحاكي القضايا المسكوت عنها في النسيج المجتمعي الأطلسي ، مثل التمييز، والحرمان، والاغتراب داخل الفضاء الاجتماعي المحلي. تتميّز بنية هذا الغناء بخاصية "الجماعية الإيقاعية"،إلا (في صنف "ثموايث " فهي تؤدى فرديا)، إذ غالبًا ما يُؤدى في إطار جماعي (كما في حفلات "أحيدوس")، حيث يتكامل الصوت النسائي مع إيقاعات الدفوف والحركة، مما يمنح الأداء طابعًا طقوسيًا يُعيد إنتاج الانسجام بين الفرد والمجتمع. لكنّ الانخراط النسوي في هذا السياق لا يخلو من بعد احتجاجي كامن؛ فاختيار الكلمات، وبنية الخطاب، وحتى نبرة الصوت، تكشف عن نوع من التفكيك الرمزي لبنية السلطة، وعن سعي المرأة إلى امتلاك فضاء التعبير، دون الاصطدام مباشرة مع الأعراف. كما أن توظيف المفردات المحلية، والاستعارات المرتبطة بالطبيعة (كالجبل، النهر، القمر، وغيرها)، يُضفي على الغناء طابعًا سيميائيًا دالًا، حيث تتحول الطبيعة نفسها إلى مرآة للذات الأنثوية، تعكس قلقها، شوقها ،قوتها وتوقها للحرية. ويتّسق هذا من كون أن المرأة الأمازيغية بالاطلس المتوسط ، في الغناء لا تُطرب فقط، بل تقوم بممارسة الفعل الطقوسي والروحي رمزيًا، حيث تُفصح من خلاله عما لا يُقال في الفضاء الذكوري. إنّ دراسة الصوت النسائي في غناء الأطلس المتوسط، من هذا المنظور، لا تقتصر على التحليل الجمالي، بل تتطلّب مقاربة سوسيو- سيميائية تفكك العلاقة بين الذاكرة والهوية والجسد الأنثوي المغنّي، في ظل توازن دقيق بين الحفاظ على التراث و التقاليد، وممارسة تعبير فردي يتسم بنزعة مقاومة ضمنية.
• لطيفة امريرت أيقونة المقاومة الرمزية في الأطلس المتوسط
إن تجربة الفنانة لطيفة امريرت لا تندرج فقط ضمن سير النساء المغنيات في الأطلس المتوسط، بل تمثل نموذجًا لصوت أنثوي يحمل وظيفة مزدوجة: من جهة، تحررية تسعى إلى هدم و تجاوز الانكسارات الذاتية والمجتمعية ، ومن جهة أخرى، رمزية جماعية تؤسس لذاكرة ثقافية بديلة تعتمد العقل الواعي والناقد لثقافة جمعية تقليدية محبطة لكل مبادرة ابداعية فكرية حرة . فبعد تجربة شخصية مؤلمة تمثلت في طلاقها سنة 2018 ، اختارت لطيفة الفن الغنائي الأمازيغي كمسار جديد خارج أسوار مؤسسة الزواج ، لكن هذا الاختيار ليس للترفيه المجاني فقط أو الاندماج فقط في مسار صعب له باراديغم لا يقبل الخجل والضعف ، بل المقاومة والمغامرة والبحث الجدي لإعادة بناء الكينونة المجروحة عبر الصوت وذبذباته المخترقة لكل مادة ، متجاوزة بذلك القيود التقليدية المفروضة على النساء في المجال الفني المحلي. وتعتبر الفنانة لطيفة أن الغناء الأمازيغي الشعبي هو صوتها حين لا يسمعنها أحد، وهو كذلك ذاكرتها الواعية حين تنسى من تكون. هذا القول قد يلخص لنا الفلسفة الوجودية التي تتبناها لطيفة امريرت في علاقتها بفن الغناء، حيث يتحول الصوت إلى مأوى رمزي للذات، يعبّر عن هويتها ويؤرخ لتجاربها ويؤطر خبراتها الاجتماعية والثقافية . وهو ما يجعل من صوتها نصًا شفهيا دالا يحمل همومًا فردية ولكن بلغات وأصوات جماعية، تُستمد من التراث الامازيغي الشفهي المحلي ومن سرديات المهمّشين في التاريخ الأمازيغي بجبال الأطلس . ويرجع الفضل الكبير في بروز الفنانة لطيفة امريرت إلى دعم من فنانين محليين أمثال حوسى أمرابط ولم يكن السلوك وليدة لحظة عابرة بل هي ثقافة أمازيغية وسلوك موروث من " ثويزي" في كل تآزر وتقديم النصح والعون ، هذه المساعدة كانت بمثابة تأشير جماعي على مشروعية الصوت النسوي للطيفة داخل فضاء ظلّ مهيمنًا عليه من قبل الرجال. لقد دفعتها هذه التجربة إلى البحث في الذاكرة الجماعية من خلال الأغاني، فتوجّهت نحو توثيق السير الشعبية لأبطال منسيين في تاريخ الأطلس المتوسط، مما يعكس انتقال صوتها من وظيفة ذاتية إلى وظيفة أرشيفية توثيقية ثقافية. إن الصوت الغنائي لدى لطيفة امريرت ليس فقط رابطا فنّيًا يجمع بين المتناقضات ، بل هو شكل من أشكال إعادة إنتاج الذات وصوغ الخطاب النسوي داخل ثقافة الصوت الجماعي، حيث تلتقي البنية اللحنية بإيقاعات الطبيعة، واللغة بالحنين، والجرح بالفن. بهذا المعنى، يصبح صوت لطيفة منصة صارخة للمقاومة النسوية الرمزية، ومجالًا واسعا لتفكيك بنية الصور النمطية والمسكوكة عن المرأة الأمازيغية الفنانة ، التي لا تكتفي باجترار وترديد الموروث الشفهي الأمازيغي ، بل تُعيد بذلك كتابته من منظور شخصي وجمعي في آن واحد.
• الدال السيميائي للهوية الإسمية للفنانة لطيفة امريرت
يحمل الاسم الفني "لطيفة أمريرت" دلالة سيميائية مركّبة، يتقاطع فيها البعد الشخصي بالبعد الجغرافي والثقافي. فالاسم "امريرت" لا يُحيل فقط إلى مكان الانتماء، بل يُجسد هويةً جماعية ترتبط بذاكرة الأطلس المتوسط، إذ تصبح المدينة أو المجال الجغرافي مُكوِّنًا دلاليًا في تشكيل الذات الفنية. هذه التسمية ليست اعتباطية، بل هي فعل هوياتي واعٍ، يستدعي الانتماء المكاني بوصفه جزءًا من التعبير الذاتي، ومن هنا يتجلّى الاسم كعلامة سيميائية تختزن خلفها طبقات من المعنى: تاريخية، ثقافية، إثنية، وجندرية. تُصرّح الفنانة لطيفة أمريرت بقولها: "الغناء هو ذاكرتي"، وهو تصريح ينقل الأغنية من كونها مجرد تعبير فني إلى كونها حاملًا للذاكرة، ومجالًا لإعادة تشكيل الهوية الفردية والجماعية. الغناء هنا يُعاد توظيفه كأداة لتثبيت الذاكرة، واستحضار المسكوت عنه، خاصة في السياقات المهمّشة التي تنتمي إليها المرأة الأمازيغية. فالصوت الأنثوي الغنائي لا يشتغل فقط على البعد الجمالي، بل يتحول إلى فعل مقاومة ناعم، يُقاوم النسيان، ويُعيد تشكيل الحضور الرمزي للمرأة في الفضاء العام. بهذا المعنى، يشكّل الخطاب الغنائي عند لطيفة أمريرت شكلًا من "القول البديل"، في مواجهة أنماط الصمت الاجتماعي والتهميش الثقافي، خصوصًا في السياقات القروية والجبلية. فالكلمة المغنّاة، بما تحمله من شعرية وحنين، تتحول إلى وسيلة للتعبير عن الذات الجمعية، واستعادة صوت المرأة في الذاكرة الجماعية. وتُكتسب الأغنية بعدًا احتجاجيًا رمزيًا، يُعبر عن الرفض الضمني للأدوار النمطية وللتهميش المزدوج الذي تعاني منه النساء في الثقافة المحلية. إنّ الهوية الغنائية عند لطيفة أمريرت ليست مجرد إنتاج فني، بل هي بُنية سيميائية معقّدة تتقاطع فيها عناصر اللغة، والمكان، والذاكرة، والجندر، لتشكل خطابًا فنيًا يحتفي بالانتماء ويحتج على الإقصاء.
• التفاعل الوجداني مع الجمهور من خلال الاسم والمكان في تجربة لطيفة أمريرت
يشكل الاسم الفني "لطيفة أمريرت" مدخلًا وجدانيًا عميق التأثير على الجمهور المحلي، لما يحمله من دلالات حميمة ترتبط بالانتماء الجغرافي والرمزي. فالاسم يشتغل كـ"علامة مكانية"marqueur toponymique" تُثير لدى المتلقي ارتباطات عاطفية بالموطن، بالهوية الأمازيغية، وبالجبال واللغة والحنين، وهو ما يعزز أُلفة التلقي ويُذيب الحواجز بين الفنانة والجمهور. إن ذكر "أمريرت" لا يتم فقط بوصفه اسمًا لمجال جغرافي، بل ككيان شعوري ووجداني مشحون بالذكريات، والقيم الجماعية، والانتماء الثقافي. فالاسم يُستقبل من طرف الجمهور كمرآة لهويته هو ذاته، مما يُؤسس لشكل من "الانتماء المشترك" بين المؤدية والمتلقي. وبهذا تتحقق الوظيفة العاطفية للعلامة، التي أشار إليها شارل موريس "Charles Morris" في تصنيفه للوظائف السيميائية إلى جانب الوظيفة الدلالية والإشارية. هذا التفاعل العاطفي يكتمل من خلال الأداء الغنائي الذي يُدمج عناصر المكان، ولهجة المنطقة، وموضوعات تلامس المعاناة، الحنين، الحب، والتهميش، مما يُضفي على التجربة الغنائية طابعًا وجدانيًا أصيلًا يلامس القلوب قبل العقول. فالغناء هنا ليس فقط وسيلة للتواصل، بل شكل من "الاعتراف الجماعي" بالهوية، يُستعاد من خلاله صوت الجماعة وصورتها الرمزية. - الهوية كمجال مشترك: بحسب جون-كلود كوفمان "Jean-Claude Kaufmann" ، فإن الهوية ليست حالة ساكنة بل علاقة: "نحن نكتشف ذواتنا في عيون الآخرين، وفي اعترافهم بنا". وهكذا، فإن لطيفة أمريرت لا تقدم نفسها كـ"فنانة فردية"، بل كصوت جماعي يحمل ذاكرة الأطلس، ما يُنتج علاقة وجدانية ذات طابع جماعي تتجاوز علاقة الفنان بالجمهور إلى علاقة "الذات الجماعية بذاتها". - وظيفة المكان كرمز وجداني: يرى إدوارد سعيد أن المكان ليس فقط سياقًا جغرافيًا بل هو "منظومة دلالات" مرتبطة بالوجدان، والذاكرة، والانتماء، والهوية. ومن هذا المنظور، فإن أمريرت ليست مجرد إشارة لموضع جغرافي، بل هي تجسيد سردي لذاكرة جمعية، تنبعث من الأغنية كحالة استذكار شعوري وصوتي.
• لطيفة أمريرت: من الجرح الشخصي إلى الهوية الغنائية المقاومة في الأطلس المتوسط
في قلب الأطلس المتوسط، حيث تتقاطع الجغرافيا الصخرية مع الحمولات الرمزية للثقافة الأمازيغية، ينبثق صوت نسوي من الهامش ليعيد رسم ملامح التعبير الغنائي في بنية سوسيو-ثقافية تتسم بكثافة التاريخ والذاكرة. لطيفة أمريرت، الفنانة الأمازيغية القادمة من عمق "أمريرت"، لا تمثل مجرد تجربة فنية معزولة، بل تجسيدًا لتحول جرح فردي إلى نداء جماعي مشحون بالدلالة والهوية والمقاومة. يمتلك الاسم الفني "لطيفة أمريرت" دلالة مضاعفة سيميائيًا، فهو من جهة يحيل إلى الذات، ومن جهة ثانية يُفعّل الذاكرة الجماعية المرتبطة بمكان جغرافي ومخيال ثقافي. وبهذا المعنى، يُستثمر الاسم كعلامة sémiotique تؤسس لتواصل وجداني مع جمهور يشترك معها في الألم، واللغة، والانتماء. تقول في أحد حواراتها: "الغناء هو ذاكرتي"، وهي عبارة يمكن تأويلها كاستعادة سيميائية للذات المحجوبة، وكأداة لإعادة بناء سردية أنثوية مهمشة في مجتمع ذكوري. الهوية الغنائية لدى لطيفة أمريرت لا تُبنى فقط عبر الأداء، بل من خلال استحضار المعجم الثقافي الأمازيغي، سواء عبر اللغة أو عبر الموضوعات المرتبطة بالوضع الاجتماعي للمرأة، والفقر، والمنفى الداخلي. وهو ما يجعل من خطابها الغنائي نوعًا من القول البديل "parole alternative"، حسب تعبير ميشيل دو سيرتو، في مواجهة البنى الصامتة للسلطة والتهميش. تتحول الأغنية، إذًا، من فعل فني إلى ممارسة رمزية مشبعة بالوظائف الاجتماعية. فالغناء يصبح فعل مقاومة "résistance symbolique" في منطقة تعاني من التهميش التنموي والثقافي. ويمكن قراءة إنتاجها الغنائي ضمن ما يسميه بورديو بـ"الحقول الثقافية المغايرة"" champs culturels alternatifs، حيث يخوض الفاعل الثقافي معركة الاعتراف والشرعية عبر أدوات غير مؤسساتية. لطيفة أمريرت ليست فقط صوتًا فنيًا، بل هي بنية سردية مقاومة، تكتب ذاتها عبر الأداء، وتبني جماعة متخيلة " communauté imaginée" تنتمي إلى الأطلس، لا فقط كمجال جغرافي، بل كذاكرة مصمتة تُستعاد بالكلمات والنغمات.
• السياق السوسيو-ثقافي: الصوت النسوي في الغناء الأمازيغي
يشكّل الغناء النسوي في الثقافة الأمازيغية امتدادًا لتقاليد شفهية تمارس فيها المرأة نوعًا من المقاومة الرمزية عبر الكلمة والإيقاع. ففي مجتمعات محافظة، لطالما شكّلت الأغنية النسوية ملاذًا للتعبير عن المكبوت، حيث تؤدي المرأة دورًا مزدوجًا: مؤرخة غير رسمية وصوتًا جمعيًا مقنّعًا بالذات. وضمن هذا النسق، يتموقع صوت لطيفة أمريرت كاستمرارية لهذا الإرث، لكن بمقاربة حداثية ترتكز على إعادة تملك الصوت، وتوسيع دلالاته الرمزية.
• الهوية الغنائية النسوية في الأطلس: بين الصوت والسلطة
تُمثل تجربة لطيفة أمريرت تجليًا بالغ الأهمية لما يُمكن تسميته بـ"الهُوية الغنائية النسوية المقاومة" في السياق الأمازيغي الجبلي، وتحديدًا في منطقة الأطلس المتوسط. فاختراقها لمجال غنائي يهيمن عليه الذكور، من حيث الإنتاج والتلقي، لا يمكن النظر إليه كفعل فني معزول، بل كـتفكيك دقيق لبُنى السلطة الرمزية التي طالما حدّت من حضور المرأة في المجال العمومي، بما في ذلك المجال الفني. اختيارها الاشتغال على الغناء الشعبي الأمازيغي ليس خيارًا جماليًا فحسب، بل هو استراتيجية تواصلية وثقافية مركّبة، تُوظف فيها الصوت الأنثوي كوسيط سيميائي وبيوغرافي يُعيد رسم تموضُع المرأة في الثقافة المحلية، ويُحاور الموروث من داخله، لا من خارجه. إن لطيفة لا تُغني فحسب، بل تُعيد تشكيل
• النص الشفهي الأمازيغي من زاوية أنثوية واعية بذاتها وبتاريخها وبعلاقتها المتوترة مع السلطة الذكورية.
ويكتسب ارتباط اسمها بلقب المدينة "أمريرت" دلالة رمزية مزدوجة. فمن جهة، يُعبر عن جذرية الانتماء المجالي إلى فضاء قبلي وجغرافي معين، ومن جهة ثانية، يتحول هذا الارتباط إلى علامة ثقافية تؤنث الفضاء الذكوري، وتُحمّله ذاكرة نسوية تقاوم الإقصاء الرمزي والاجتماعي. فالاسم هنا لا يُشير فقط إلى الانتماء الجغرافي، بل يُصبح أداة لإنتاج المعنى، يُحوّل الذات الفردية (لطيفة) إلى نص رمزي داخل ثقافة تميل إلى الذكورية في بنائها الخطابي والمجتمعي. كما أن استعادة لطيفة لموضوعات مثل الحب، الحنين، الافتقاد، الوفاء، الألم، الانتظار، الغربة، العلاقة بالأم وغيرها من الموضوعات المغيّبة في النص الغنائي النسوي، تُعيد بناء سردية موازية للتاريخ الاجتماعي الأمازيغي من زاوية "المهمّش"، أي المرأة. وهي بذلك تُنتج معرفة بديلة، لا تنفصل عن صراع الهويات وتوزيع الأدوار داخل النسق الثقافي المحلي. وبذلك فإن صوت لطيفة أمريرت لا يُمثل مجرد أداء غنائي تقليدي، بل هو تفكيك سيميائي لأبنية الهيمنة الذكورية، وتمثيل ثقافي لما يُسميه بيير بورديو بـ"العنف الرمزي"، حيث تتجسد السلطة في اللغة والذوق والاعتراف الاجتماعي. غير أن لطيفة تقلب هذا العنف إلى أداة لإعادة التموقع وإعادة إنتاج الذات النسوية، عبر تملك الصوت، وتفكيك سلطة الصمت المفروضة اجتماعيًا على النساء. وفي هذا السياق، تُصبح "الهوية الغنائية النسوية في الأطلس" ليست مجرد هوية جمالية، بل هوية نضالية ومقاوِمة، تُعيد صياغة العلاقة بين الصوت والسلطة، بين الجسد الثقافي والفضاء الاجتماعي، بين الذاكرة والراهن.
• الصوت بوصفه أرشيف بديل: البحث في الذاكرة الشفوية
في سياق الأطلس المتوسط، حيث تتقاطع الهشاشة المجالية مع التهميش الثقافي، يكتسب الصوت الغنائي الشعبي، خاصة بصيغته النسوية، بعدًا أبعد من كونه أداء فنيًا. إنه يتحول إلى أرشيف بديل، يحمل بين طياته شذرات الذاكرة الجمعية المنسية، وينقل من خلاله الخبرة العاطفية والاجتماعية والروحية للنساء والقرى المهمشة. وفي هذا الإطار، يُمكن اعتبار تجربة الفنانة لطيفة امريرت شكلًا من المقاومة الصوتية التي تتحدى طمس الذاكرة وتهميش الأدوار التاريخية لذوات نسوية وقروية. لقد ساهم دعم بعض الفنانين المحليين – مثل حوسى أمرابط – في تحفيز لطيفة على الانخراط في مشروع جمع وتوثيق السير الشفوية التي تتغنى بأبطال وبطلات منسيين، أغلبهم لم تدونهم الكتابة الرسمية، ولم تخلّدهم المؤسسات الثقافية. وبهذا الفعل، فإن لطيفة لا تستعيد الماضي فحسب، بل تؤرشفه غنائيًا، وتحوله إلى سردية صوتية مقاومة تُجابه النسيان المؤسسي والسلطوي، خاصة في ظل غياب أرشيف رسمي يعترف ببطولة "المهمشين". تتجلى هنا وظيفة الصوت في كونه وسيطًا تأويليًا للهوية، يربط الخاص بالجماعي، والفردي بالقبلي، والزمني بالمكاني. كما أن اللغة الأمازيغية التي تُؤدى بها هذه الأغاني تُشكّل أداة مقاومة إضافية، لأنها تُعيد تفعيل لغة مهمشة ضمن بنيات المركز الثقافي الرسمي، وتُحافظ على نظام رمزي تقليدي مهدد بالاندثار، خاصة في ظل تسارع التغيرات الاجتماعية والهجرات القروية والتحولات اللغوية في المغرب. ومن خلال أغانيها التي تتغنى بـالصبر، الفقد، الحب المستحيل، وحدة النساء، وانكسارات الذات القروية، يتحول صوت لطيفة إلى مرآة للذات الأمازيغية النسوية وهي تواجه العزلة والمحو. فهي لا تُغني للحب فقط، بل تُعيد رسم خرائط الوجود الأنثوي في الجبل، داخل مجتمع محافظ لا يعترف غالبًا بحق المرأة في التمثيل الثقافي العلني. كما أن هذا الأرشيف الصوتي الشفهي لا يقف عند حدود التذكر، بل يتخذ طابعًا إيديولوجيًا ومقاومًا، إذ يُعيد سرد التاريخ من زاوية "من أسفل"، بما يتقاطع مع ما يسميه والتر بنيامين "التاريخ المضاد"، أي ذاك الذي تكتبه الذوات التي لم تكن لها سلطة على الكلمة أو على التدوين. إن أغنية لطيفة أمريرت، بصيغتها الشفوية، تُعد أداة لتفكيك الصمت التاريخي المفروض على النساء، وبمثابة ممارسة ثقافية بديلة، تُقاوم النسيان عبر الصوت، وتُنتج الذاكرة الجماعية من موقع الهامش لا من المركز. بذلك، يُمكن اعتبار صوتها أرشيفًا حيًا وعضويًا، لا فقط للتاريخ، بل كذلك للوجدان والهوية والعمق الاجتماعي للمجتمع الأمازيغي الجبلي.
• لطيفة امريرت: من الصوت إلى الأثر
يشكل صوت لطيفة امريرت أكثر من مجرد أداء فني؛ إنه مشروع تمثيلي ومعرفي وهوياتي تتقاطع فيه التجربة الشخصية مع التاريخ الجماعي، وتتداخل فيه الذات الأنثوية الهشة مع الذات الاجتماعية المقاومة. فلطيفة لا تكتفي بأن تكون مؤدية للأغنية الشعبية الأمازيغية، بل تتحول إلى فاعل ثقافي يحوّل الصوت إلى أثر رمزي، أي إلى بصمة في الوعي الجماعي تنبثق من الهامش وتشق طريقها نحو الاعتراف، في مجتمع يُقيّد النساء داخل أدوار نمطية تحصر الصوت النسوي في المجال الخاص أو المناسباتي. لقد نشأ مشروع لطيفة من جرح شخصي تمثل في تجربة الطلاق سنة 2018، غير أن هذا الجرح لم يتحول إلى عجز، بل صار بذرة لتحول فني وثقافي. في هذا التحول، يُعاد تشكيل الذات من خلال الغناء، فيتحول الصوت إلى أداة لإعادة بناء الكينونة، لا فقط على مستوى الخطاب الشخصي، بل أيضًا على مستوى التاريخ الثقافي النسوي في منطقة الأطلس المتوسط، حيث يُعدّ الغناء الشعبي تقليدًا محاطًا بالمحظورات الاجتماعية حين يصدر من النساء. إن لطيفة تخلق، من خلال أغانيها، ما يمكن تسميته بـ"فضاء سردي بديل"، حيث تُكتب الحكايات المغيبة وتُروى السير المنسية من وجهة نظر أنثوية، وغالبًا مهمشة، مما يجعل من صوتها منصة للتذكر والاحتجاج والاقتراح. لا يُمكن أن نقرأ أغانيها إلا بوصفها أرشيفًا صوتيًا مقاومًا، يُناهض التهميش والتقليد الذكوري للغناء الأمازيغي، ويعيد الاعتبار لتجربة المرأة كمنتجة للمعنى، لا مجرد مؤدية للمناسبات. ويكتسي هذا الفعل الغنائي بُعدًا سيميائيًا وسوسيولوجيًا عميقًا: فالصوت يتحول إلى رمز للوجود الأنثوي غير المُروّض، وإلى علامة ثقافية تعلن حضور المرأة في المجال العام. فحين تغني لطيفة عن الفقد، أو الحنين، أو الذاكرة، فإنها لا تصف فقط مشاعر فردية، بل تُعيد تمثيل معاناة جماعية بصوت منفرد، يتكلم باسم نساء كثيرات لا يُسمعن. كما يتعدى الأثر الذي تحدثه لطيفة مجال الفن إلى مجال إعادة توزيع الشرعية الثقافية في الأطلس المتوسط، حيث ظلت المرأة لعقود محصورة في أدوار الإنتاج الجسدي والعمل المنزلي والحقلي. إن ما تُقدمه لطيفة من غناء هو، في جوهره، فعل سياسي غير مؤدلج، لأنه يعيد بناء سلطة الصوت النسوي في مجتمع يعتبر الغناء العام من المحرمات الاجتماعية على النساء. بهذا المعنى، يتحول صوت لطيفة إلى أثر اجتماعي وثقافي دائم، يُؤسس لذاكرة جديدة، ويقترح صيغة بديلة من الكتابة الثقافية، لا تعتمد الورق والمداد، بل تُدوَّن في الذاكرة الجماعية من خلال التكرار الشفهي، في الأعراس، والحفلات، والمهرجانات، والسجلات السمعية. إن صوتها، في النهاية، لا يُختتم حين تنتهي الأغنية، بل يظل يتردد كنداء منسيّ يطالب بالاعتراف، ويُجسد هوية نسوية أمازيغية تتحدى الصمت وتؤسس الأثر من الهامش في ندائتها كالتالي.
- أًثَا يَام أَحنَّانُو أَيَغن سُولِينٌو أًثَا يَام أَحنَّانُو قِّيم ثعزّذ غُورِي - بمعنى، يا أمي ما أصاب قلبي يا أمي إنك عزيزة علي من باستطاعته توظيف الجن لكي يأتوني بحبيبي أيمانُو أيمَانٌو أوا مكيسول اذيثرزوذ اذورثثو العزازيث أوَا عَاهدِي أوَا عَاهدِي ثاولذي اوادا خفاخ اذروول أوَا عَاهدِي أوَا عَاهدِي ثاويذي غر ثادارث اوريثثوذ . - بمعنى ،هل ستعاهدني وأن تتزوج بي أايها الإنسان الذي أحببت هل ستعاهدني وأن تصطحبني معك إلى منزلك . هذه النصوص المدرجة تعكس عمقًا وجدانيًا وثقافيًا غنيًا في الأغنية الأمازيغية النسوية بمنطقة الأطلس المتوسط، وتعد شهادة قوية على حضور المرأة كصوت مقاومة داخل نسيج تقليدي محافظ. إليك تحليلًا أكاديميًا معمقًا للنصوص الغنائية المستشهد بها، وربطًا عضويًا بتجربة لطيفة امريرت داخل الحياة الثقافية والاجتماعية بالأطلس المتوسط، مع تبيان دلالة النضال النسوي الأمازيغي ومكانته في الأغنية كفعل ثقافي مقاوم. • لطيفة أمريرت: الصوت النسوي المقاوم في الأغنية الأمازيغية بالأطلس المتوسط الأغنية كذاكرة حية ومعبر نضالي في المجتمعات الجبلية بالأطلس المتوسط، حيث تنكمش الأدوار النسوية في الفضاء العام تحت ثقل التقاليد، تشكّل الأغنية الأمازيغية إحدى الوسائط القليلة التي تتملكها المرأة لتعبّر من خلالها عن همومها، تطلعاتها، جراحها، وأحلامها المؤجلة. في هذا السياق، يتبلور صوت لطيفة أمريرت باعتباره ليس فقط أداءً فنيًا، بل فعلًا نضاليًا وثقافيًا، واستعادة رمزية للذات النسوية المهمشة. 2. تحليل سيميائي واجتماعي للأغاني المختارة
1- الأغنية الأولى: - نداء الذات إلى الأم / رمز الحنان والمقاومة أَثَا يَام أَحنَّانُو، أَيَغن سُولِينٌو. أًثَا يَام أَحنَّانُو قِّيم ثعزّذ غُورِي يا أمي ما أصابني في قلبي، يا أمي إنك عزيزة علي.
• التحليل:
تمثل "الأم" في هذه الأغنية ليس فقط حضورًا وجدانيًا، بل رمزًا للأمان، والذاكرة، والهوية الثقافية. في المجتمعات الأمازيغية، تمثل الأم عمق الانتماء للقبيلة وللأرض، وفي خطاب لطيفة تتحول الأم إلى مركز رمزي للذات، ومصدرًا للتماسك الداخلي حين تشتد الأزمة العاطفية أو الاجتماعية. هنا، لا يُفصل الحنين العاطفي عن البُعد الثقافي، فـ"أمي" ليست فقط فردًا بل ذاكرة مجتمعية حية. 2- الأغنية الثانية: التوسل بالجن لجلب الحبيب: دلالة رمزية أَوَاكّرَّان أدّجّنُون أَلثنِيسّخذَام
• التحليل: في هذا المقطع، تلجأ المتكلمة إلى الخيال السحري الخرافي الماورائي كامتداد ثقافي راسخ في الوعي الشعبي الأطلسي، وهذا يعكس بلا غموض حدود الواقع الاجتماعي الصعب والقسري المفروض على المرأة الفناة . وفي استخدام مفردة "الجن" هروب الى المجرد المجهول ولا يعبّر بالضرورة عن رغبة واقعية لن يحققها هذا اللجوء الافتراضي ، بل هي طريقة مخادعة في ظل الأزمة توظّف الأسطورة كأداة للهروب من القمع الواقعي. إنها صرخة غير مباشرة ضد المنع والتقييد، وضد المجتمع الذي يجعل من الحب ترفًا مستحيلًا للمرأة الحرة. الأغنية تُظهر كيف تتحايل المرأة ثقافيًا على القيود، بالتحول إلى الخيال الأسطوري والمستحيل.
3- الأغنية الثالثة: - أَوَا عَاهدِي ثَّاوِلذِي أَوَادَّا خفَاخ اذروول - الالتماس العاطفي كفعل مقاومة - أوَا عَاهدِي أوَا عَاهدِي ثَّاولذِي أَوَادَّا خفَاخ إِذروُول بمعنى . عاهدني عاهدني أنك ستتزوج بي، أيها الإنسان الذي سقطت في حبه ؟ التحليل: هذا المقطع يُخرج الصوت النسوي من دائرة الصمت، نحو المطالبة العلنية بالحق في الحب والزواج بمن اختارته هي، لا من يُفرض عليها. في مجتمع ذكوري محافظ، تُعتبر هذه الأغنية ثورة صغيرة، إذ أنها تنزع عن المرأة صفة "الخضوع"، وتمنحها شرعية التعبير عن الرغبة والاختيار، بل ومساءلة الرجل صراحةً حول التزامه. بهذا، تتخذ الأغنية بُعدًا حقوقيًا ضمنيًا، فكل كلمة تصير أداة لزعزعة النظام الاجتماعي المهيمن.
3- التقاليد ضد الإبداع والتغيير: العقبات التي تواجهها لطيفة أمريرت انطلقت لطيفة من منطقة مدينة امريرت بالاطلس المتوسط فزاز ، حيث تكون النساء الأطلسيات في الغالب إما صامتات أو مبعدات اجتماعيا وثقافيا و مهمشات فنيًا، ومع كل هذه المعيقات المركبة فرضت العديد منهن أسلوبهن في اختيار العيش الذي يليق بهن ، ولطيفة اختارت صوتها أولًا عبر الغناء في الأعراس والفضاءات المحلية، ثم عبر تسجيلات توثيقية لقصص النساء وأحداث ومعاناتهن.في مجتمع تقليدي واجههن بالرفض الاجتماعي، ونالت من نقدًا قاسيا من أقاربها ومحيطها أحيانًا، لكنها تجاوزت ذلك بـ: • إعادة تأويل التراث الغنائي النسوي • إدماج الموروث الشفهي في مقاربتها • تحويل الألم الشخصي (الطلاق، التهميش) إلى طاقة إبداعية
4- الهوية النسوية في الغناء الأمازيغي الأطلسي: من الشفاهية إلى الفعل الثقافي
يمكننا القول بأن الفنانة لطيفة امريرت تُحوّل الأغنية من وسيلة تسلية إلى وسيلة تَمَلُّك رمزي للفضاء الثقافي والاجتماعي والجغرافي في غنائها: • تسترجع الذاكرة الجمعية للأمازيغيات • تُفعّل الرمز النسوي المناضل بدل النسخة المنقادة • تُمارس حق البوح العاطفي والسياسي وبذلك، فهي تستعيد دور المرأة كـ"فاعل ثقافي"، لا كـ"أداة إنتاج تقليدية"، وتربط صوتها الشخصي بصوت جداتها اللواتي عبرن الزمان والمكان والتاريخ بالغناء والزغاريد والمراثي.
5- لطيفة أمريرت نموذج للمقاومة الغنائية النسوية
تُقدّم لطيفة أمريرت، من خلال أغانيها، شكلًا معاصرًا من أشكال المقاومة الثقافية النسوية في الأطلس المتوسط. هي كفنانة معاصرة لا تغني فقط من أجل الغناء الترفيهي أو المناسباتي ، بل تعيد بنية ترميزية للأغنية الأمازيغية كفضاء واسع للمقاومة، والبوح، والاحتجاج الرمزي، في مجتمع يحاول أن يُبقي على المرأة داخل صمت رهيب و مُقدِّس لجهلها . لتجربتها، الممتدة من الجرح الشخصي إلى التعبير العام، تُجسد نضالًا ثقافيًا بوسائط فنية تراثية، لكنها محمّلة بدلالات جديدة. • التحليل: تمثل "الأم" في هذه الأغنية ليس فقط حضورًا وجدانيًا، بل رمزًا للأمان، والذاكرة، والهوية الثقافية. في المجتمعات الأمازيغية، تمثل الأم عمق الانتماء للقبيلة وللأرض، وفي خطاب لطيفة تتحول الأم إلى مركز رمزي للذات، ومصدرًا للتماسك الداخلي حين تشتد الأزمة العاطفية أو الاجتماعية. هنا، لا يُفصل الحنين العاطفي عن البُعد الثقافي، فـ"أمي" ليست فقط فردًا بل ذاكرة مجتمعية حية. وسع الفقرة وقراءتها سيميائيا وسوسيولوجيا كظاهرة اجتماعية بصوت عالي من المرأة المضطهدة في أغنية "أثا يام أحنانو" للفنانة الأمازيغية لطيفة ، تحضر "الأم " بكثرة و بصيغة وجدانية ولكنها تتجاوز الدلالة البيولوجية أو العائلية لتصبح رمزًا سيميائيًا مركزيًا دالا في البنية الثقافية والوجدانية للمجتمع الأمازيغي ، لا سيما في الأطلس المتوسط. ليست الأم هنا مجرد صوت للحماية أو الحنين، بل تتحول إلى رمز جامع للهوية، وللجذور، وللتماسك الاجتماعي، وهي التي تمثل أفقًا من الأمان النفسي وسط عالم متقلب ومجتمع تقليدي محافظ يُحاصر أحلام النساء ويحد من اختياراتهن العاطفية والاجتماعية. • قراءة سيميائية: سيميائيًا، تتحول لفظة "أَثَا يَام أَحنَّانٌو" (يا أمي الحنونة) إلى علامة مشحونة بدلالات عميقة، حيث تشكل الأم مرجعية دلالية لمفهوم الأمان، واستعادة متخيلة للحضن الثقافي الذي يُقابل اغتراب الذات الأنثوية في واقع يفتقد الاحتواء. فالكلمات تنبعث من وجدان امرأة تحاول الانتماء وسط صراعات الهامش، وتحتمي بصورة الأم كحامية رمزية للكرامة، والحق، والاختيار الحر. تكرار لفظ "أَثَا يَام أَحنَّانٌو" هو بمثابة استدعاء للسلطة الرمزية الأنثوية التي تمثّلها الأم، سلطة لا تقوم على القمع بل على الحنان ،الاحتواء ، والتماسك، والدعم غير المشروط. هذه الصورة التي قدمتها لطيفة في هذ المتن الشعري ،لا تنفصل بتلتا عن بنية التصورات الجماعية في الثقافة الأمازيغية عامة ، حيث تكون الأم رمزًا للبركة (أَكُّور/ الباب/ Aggur)، للمكان، وللأرض. ومن هنا فإن استحضارها يعيد ضبط التوازن النفسي للمرأة المقهورة داخل النسق الاجتماعي. • قراءة سوسيولوجية: سوسيولوجيًا، تتجاوز هذه الأغنية الطابع العاطفي الشخصي لتتحول إلى صرخة اجتماعية صامتة تطلقها المرأة الأمازيغية في مواجهة القيود التي يفرضها المجتمع الذكوري التقليدي. فطلبها بأن تُعاد حبيبها ولو عبر "توظيف الجن" لا يُفهم كخرافة شعبية بقدر ما هو تفجير لبنية اجتماعية خانقة لا تترك لها مجالًا لتحقيق ذاتها العاطفية بحرية. إنها تبوح من موقع المرأة المهمّشة، لا في بعدها الذاتي فقط، بل باعتبارها تمثّل فئة كاملة من النساء الأمازيغيات اللائي يعيشن في ظل بنية اجتماعية قاسية وهشة ، تُحدّد مصائرهن مسبقًا، وتمنع عنهن حق اختيار شريك الحياة أو التعبير عن الحب بشكل علني أو الحرية في اختيار المنهج في مسيرة الحياة الخاص بهن . في هذا السياق، تصبح الأغنية شكلًا من أشكال الخطاب المقاوم الناعم الذي تستخدم فيه الفنانة صوتها، وتراثها، ولغتها الأم، لتعيد صياغة واقعها وتمارس فعلًا فنيًا نضاليًا.
• الأغنية كفعل مقاومة: لا يمكن فصل هذه الأغنية عن سياق النضال الفني والثقافي الذي تخوضه المرأة الأمازيغية في الأطلس المتوسط، حيث تُستخدم الأغنية الأمازيغية الشعبية كمنبر شفاف للتعبير عن معاناة مستترة لا تُقال مباشرة، ولكنها تمرّر عبر الشجن، والحنين، والاستعارات الثقافية. صوت المرأة الفنانة لطيفة هنا ليس مجرد حنين لحبيب غائب، بقدر ما هو إلا تفكيك عقلاني هادئ لبنية سلطوية ،قسرية ،و يعقوبية في نظامها حيث تُقصي صوت المرأة وتحاصر اختياراتها في الارتقاء الاجتماعي ، وفي ذات الوقت توظيف للتراث كأداة مقاومة تحوّل الموروث إلى أداة تعبير معاصرة تنقل المأساة وتُؤنسِنها. يتحوّل صوت المغنية الأمازيغية لطيفة امريرت إلى أداة تفجير رمزي للقيود الاجتماعية، ويصبح استحضار الأم بمثابة إحياء للهوية وتأكيد على شرعية الحلم العاطفي والحق في الحب. فهي لا تنادي فقط أمها الواقعية، بل تنادي الأم الكبرى: تامزغا الأرض ومجالاتها ، الذاكرة، اللغة، الثقافة، والإنسان في محاولة لإنقاذ الذات الفردية والجماعية من التفتت.
• الأم كرمز للهوية والانتماء في أغنيتها "أثا يام أحنانو"، تستحضر لطيفة صورة الأم ليس فقط كحاضنة للعاطفة، بل كرمز للهوية والانتماء. هذا الاستحضار يُعبّر عن ارتباط المرأة الأمازيغية بأرضها وثقافتها، ويُبرز دور الأم كمصدر للقوة والتماسك في مواجهة التحديات الاجتماعية.
• الغناء كوسيلة للمقاومة والتعبير لطيفة امريرت تستخدم الغناء كأداة للمقاومة والتعبير عن قضايا المرأة الأمازيغية. من خلال كلمات أغانيها، تُسلّط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء في المجتمعات التقليدية، وتُعبّر عن رغبة المرأة في الحرية والاختيار.
• المرأة الأمازيغية ودورها في المقاومة الثقافية المرأة الأمازيغية في الأطلس المتوسط لعبت دورًا مهمًا في المقاومة الثقافية والحفاظ على الهوية الأمازيغية. من خلال الشعر والغناء، كانت النساء يُعبّرن عن رفضهن للهيمنة الثقافية ويُحافظن على التراث الثقافي الأمازيغي.
• الرقص الأمازيغي كوسيلة للتعبير الثقافي الرقص الأمازيغي، مثل أحيدوس وأحواش، يُعتبر وسيلة للتعبير الثقافي والاجتماعي. من خلال هذه الرقصات، تُعبّر المجتمعات الأمازيغية عن فرحها وأحزانها، وتُحافظ على تماسكها الاجتماعي. • الخلاصة لطيفة امريرت تُجسّد من خلال فنها الغنائي صوت المرأة الأمازيغية في الأطلس المتوسط، وتُعبّر عن قضاياها وتحدياتها من خلال الغناء والشعر الوازن. أعمالها تُبرز دور المرأة في المقاومة الثقافية النسائية من داخل الهامش"، والحفاظ على الهوية الأمازيغية في مواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية.حيث تتقاطع في صوتها ملامح الهوية، والذاكرة، والتمرد الرمزي ضد البنيات الذكورية المحافظة. إن أغانيها، المستقاة من عمق الواقع الاجتماعي والثقافي للأطلس المتوسط، لا تعبر لطيفة ذاتها ، بقدر ما هو تعبير و فعل جماعي بصيغة المفرد الذي يهدف ليُعيد تموقع المرأة الأطلسية في فضاء طالما احتكره الذكور، ويمنحها سلطة إعادة سرد الحكاية في الغناء من موقعها الخاص. الغناء في أعمال لطيفة امريرت ليس فنًّا ترفيهيًّا أو تكرارًا لحنين فولكلوري، بل هو وسيلة استعادة للكرامة والتاريخ الشخصي والجماعي، تُمارسه المرأة الأمازيغية في ظل شروط اجتماعية قاسية، كما هو ظاهر في استدعاء الأم كرمز للحنان والهوية، وفي التضرّع إلى القوى الغيبية لاسترجاع الحبيب أو الشريك المفقود، وفي مناشدة الحبيب بـ"الوفاء بالعهد"، كل ذلك يُعيد تشكيل منظومة القيم من منظور أنثوي مقاوم.ومن خلال هذه الأغاني، تتمكّن لطيفة من تحويل الانكسار الشخصي "كما في تجربة الطلاق" إلى فعل إبداعي مقاوم، حيث تعيد إنتاج اللغة بحمولتها الرمزية ، والإيقاع في وضعه المتجدد ، والتعبير الرمزي من داخل الثقافة الأمازيغية المطلقة ، لا من خارجها. وهذا ما يمنح تجربتها طابعًا مزدوجًا: فهي من جهة تجربة فردية للتحرر والبوح، ومن جهة ثانية أداء جماعي لتمكين المرأة ثقافيًا، في مجتمع ما يزال يحتكم إلى الأعراف والتراتبية الأبوية. عبر صوتها، تنتقل لطيفة من الهامش إلى مركز السرد الثقافي، وتُحوّل قصص النساء المنسيات، ومعاناتهن، وحنينهن، وآمالهن، إلى نصوص شفوية تُسهم في بناء الذاكرة الجماعية الأمازيغية. وهنا تصبح الأغنية وسيلة لمقاومة التهميش، ووسيطًا لإعادة تعريف العلاقة بين الذات والآخر، بين المرأة والمجتمع، بين الهامش والمركز. إن صوت لطيفة امريرت، في النهاية، لا يُمكن عزله عن الحركة الثقافية الأمازيغية الواسعة التي تسعى إلى إعادة الاعتبار للغة، والثقافة، والهوية، على أرض تامزغا ، فهو صوت يتقاطع مع النضالات الرمزية والسياسية الكبرى التي تخوضها المرأة الأمازيغية من أجل الظهور، والإثبات، والتجذر داخل ثقافة تعتبرها من صُلبها لا هامشها.
1. ✅ المراجع المؤكدة والموثوقة: 2. أحمد بوكوس – Revitalizing the Amazigh Language: Stakes, Challenges, and Strategies، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2011. هذا الكتاب يُعد مرجعًا أساسيًا في دراسة اللغة والثقافة الأمازيغية، ويتناول التحديات والاستراتيجيات المتعلقة بإحياء اللغة الأمازيغية. 3. عبد الله حمودي – Master and Disciple: The Cultural Foundations of Moroccan Authoritarianism، جامعة شيكاغو، 1997. يُحلل هذا الكتاب الأنظمة الرمزية للسلطة في المجتمعات المغربية، مع التركيز على العلاقة بين الشيخ والمريد. 4. سعيد بنكراد – السيميائيات: مفاهيمها وتطبيقاتها، دار توبقال، الدار البيضاء، 2006. يُعد هذا الكتاب من المراجع الأساسية في مجال السيميائيات في العالم العربي، ويُبرز أهمية العلامة في تشكيل المعنى داخل النصوص الثقافية والأدبية. 5. رولان بارت – "La Mort de l auteur" (موت المؤلف)، 1967. في هذا المقال، يُناقش بارت فكرة أن النص يُنتج معانيه من خلال تفاعل القارئ مع العلامات، وليس من خلال نوايا المؤلف فقط. 6. بيير بورديو – La Distinction: Critique sociale du jugement، 1979. يُحلل هذا الكتاب كيف أن الذوق الفني يُشكّل ويُشكّل من خلال البنية الاجتماعية، ويُظهر كيف أن الفنون تُستخدم كوسيلة للتعبير عن الهوية والانتماء الطبقي والثقافي. 7. بيير بورديو – La Domination masculine، 1998. يتناول هذا الكتاب موضوع الهيمنة الذكورية في المجتمعات، ويُحلل كيف تُمارس السلطة الذكورية في مختلف المجالات. 8. جان- كلود كوفمان – L invention de soi: Une théorie de l identité، باريس، أرمان كولين، 2004. يُقدم هذا الكتاب تحليلاً للهوية كعملية اجتماعية تتشكّل من خلال التفاعلات اليومية والرموز الثقافية. 9. فاطمة الصديقي – Women, Gender and Language in Morocco، بريل، 2003. يتناول هذا الكتاب العلاقة بين النساء، النوع الاجتماعي، واللغة في المغرب، ويُبرز أهمية اللغة كأداة للسلطة والتعبير عن الهوية. 10. أسيا جبار – Ces voix qui m assiègent، ألبين ميشيل، 1999. في هذا الكتاب، تُعبّر جبار عن تجربتها ككاتبة جزائرية تكتب بالفرنسية، وتُناقش قضايا الهوية، اللغة، والنسوية. 11. Charles Morris – Foundations of the Theory of Signs، 1938. يتناول هذا الكتاب العلاقات بين السيميائيات والعلم، ويُعد من المراجع الأساسية في نظرية العلامات. 12. https://biblio.ircam.ma/pmb/uploads/publications/176.pdf https://asjp.cerist.dz/en/article/143527 https://mjcc.gov.ma/wp-content/uploads/2022/11/TAKAFA-44.pdf https://jfma.journals.ekb.eg/article_420015_8d99bf92e8c93f2545171fb3b82f4034.pdf https://dn720003.ca.archive.org/0/items/revue-alfonoun-1/Revue-Alfonoun%203.pdf https://pub-a0fe29ed512a454eb858af73b205c8eb.r2.dev/storage/issues/issue34.pdf
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف المدرسي بالمغرب
المزيد.....
-
37 مليون جنية في أسبوع واحد بس! .. ايرادات فيلم مشروع اكس بط
...
-
-أريد موتًا صاخبًا لا مجرد عدد-.. ماذا قالت بطلة فيلم وثائقي
...
-
هونر تشعل المنافسة بين الهواتف العملاقة بهاتفها HONOR X9c ال
...
-
-صحفيو غزة تحت النار-.. فيلم يكشف منهجية إسرائيل في استهداف
...
-
شاهد/استقبال حافل بالورود للفنان الايراني همايون شجريان في ا
...
-
ايران وحق تخصيب اليورانيوم.. والمسرحيات ا?مريكية الاسرائيلية
...
-
“متفوتش الحلقة الأخيرة” القنوات الناقلة بجودة عالية القنوات
...
-
ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 100% على صناعة الأفلام السينما
...
-
أهالي غزة يجابهون الحرب بالموسيقى وسط الدمار والحصار
-
تطلعات الأغنية العربية بين الإبداع الفني والبحث عن التجديد و
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|