ياسر حسن حسين
باحث وكاتب متخصص في التحليلات الدستورية والانظمة القانونية
(Yaser Alzubaidi Phd)
الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 07:05
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
شهدت محافظة البصرة مؤخرًا جدلًا واسعًا إثر إطلاق حملة لإزالة التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة، استنادًا إلى القرار رقم 154 لسنة 2001 الصادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل. وقد أثارت هذه الحملة اعتراضات من بعض النواب ووسائل الإعلام، معتبرين أن الإجراءات المتخذة تفتقر إلى البدائل المناسبة للمتجاوزين، وتُستخدم كأداة في الصراع الانتخابي. على اثر ذلك، أصدر رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني توجيهًا بإيقاف الحملة لحين إيجاد حلول بديلة، إلا أن محافظ البصرة رفض الامتثال لهذا التوجيه، مما أدى إلى تصاعد الخلاف إلى مستوى دستوري وقانوني. إن الخلاف بين رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البصرة حول هذا الموضوع يتجاوز حملة إزالة التجاوزات الى ابعد من ذلك لأنه يسلط الضوء على أهمية التنسيق بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية الذي اتضح جليا الخلل في للعيان، وضمان احترام الصلاحيات الممنوحة لكل طرف ضمن الإطار الدستوري. كما يؤكد ضرورة مراجعة القوانين التي تم تشريعها في حقبة النظام السابق الذي كان يستند الى نظام دستوي يختلف جذريا عن النظام الدستوري الحالي ، مثل القرار رقم 154 لسنة 2001، وتحديثها بما يتوافق مع الدستور العراقي الحالي، لضمان حماية حقوق المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة.
أولًا: الأساس القانوني لإجراءات المحافظ في حملة إزالة التجاوزات
استندت حكومة البصرة المحلية في حملتها إلى القرار رقم 154 لسنة 2001، الذي يمنح رؤساء الوحدات الإدارية صلاحية إزالة التجاوزات دون الحاجة إلى إنذار مسبق في الحالات القصوى، ويتم تنفيذ الإزالة على نفقة المتجاوز. وقد أكد معاون محافظ البصرة للشؤون الإدارية، معين الحسن، أن اللجنة المعنية ستعمل وفق أولويات، مع التركيز على التجاوزات التجارية التي تعيق تنفيذ المشاريع، مشيرًا إلى أن الدولة وفرت غطاءً أمنيًا كبيرًا لتنفيذ هذه الحملة . وحيث ان المحافظ يعد، بحسب المادة (24) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008، "الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة"، ويمارس صلاحيات إعداد الموازنة العامة للمحافظة، وتنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس المحافظة، والإشراف على سير المرافق العامة، وتمثيل المحافظة في المؤتمرات والندوات ولكونه الرئيس التنفيذي الاعلى فان اولى مسؤولياته الحفاظ على انفاذ القوانين واصدار القرارات اللازمة لحسن تنفيذها وبالتالي فان الاجراءات التي قام بها في هذه الحملة هي اجراءات سليمة وتقع في صلب اختصاصه.
من جانب اخر تنص المادة (31) على أن المحافظ ينفذ السياسة العامة الموضوعة من قبل الحكومة الاتحادية في حدود المحافظة، ويشرف على سير المرافق العامة فيها. وبالتالي، فإن رفض محافظ البصرة تنفيذ توجيه رئيس مجلس الوزراء يُعد تجاوزًا للصلاحيات الممنوحة له وفق نص هذه المادة من القانون ، ويشكل إخلالًا بمبدأ وحدة الدولة والتزام السلطات المحلية بالسياسات الاتحادية الذي اقره الدستور واكد عليه باعتباره الركيزة الاولى من ركائز الدولة الاتحادية .
ثانيًا: الصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء
وفقًا للمادة (78) من الدستور العراقي، فإن رئيس مجلس الوزراء هو "المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب" . كما تنص المادة (80) على أن مجلس الوزراء يمارس صلاحيات تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والإشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، وإصدار الأنظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين.
بناءً على هذه الصلاحيات، أصدر رئيس مجلس الوزراء توجيهًا بإيقاف حملة إزالة التجاوزات في البصرة، لحين إيجاد بدائل مناسبة للمتجاوزين، حفاظًا على السلم الاجتماعي وضمانًا لحقوق المواطنين.
ثالثا: الأساس القانوني والإشكالية الدستورية
القانون رقم 154 لسنة 2001 الذي استند إليه محافظ البصرة يمنح الجهات التنفيذية المحلية صلاحية إزالة التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة. ومع ذلك، فإن هذا القانون، وإن كان ما زال معمولاً به في بعض جوانبه، ينتمي إلى تراث قانوني سابق لدستور 2005 ويثير جدلاً حول مدى مشروعيته وتوافقه مع الدستور الحالي الذي يضمن الحقوق والحريات ويشدد على مبدأ سيادة القانون.
من ناحية دستورية، المادة (78) من الدستور العراقي تنص على أن رئيس مجلس الوزراء هو "الرئيس التنفيذي الأعلى في البلاد والمسؤول عن رسم السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها"، ما يمنحه سلطة توجيه المحافظات ومراقبة مدى التزامها بالقوانين والسياسات العامة، خصوصاً في حال تعارض القرارات المحلية مع المصلحة الوطنية.
في المقابل، المادة (122) من الدستور وقانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008 المعدل، يمنحان المحافظات غير المنتظمة في إقليم صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها المحلية، بما في ذلك صلاحية إزالة التجاوزات. إلا أن هذه الصلاحيات مقيدة بعدم تعارضها مع القوانين الاتحادية والسياسات العامة.
رابعا: جوهر النزاع هو التوازن بين السلطة الاتحادية والمحلية
في هذه الحالة، يتمحور النزاع حول:
1 ـ مدى قانونية اعتماد المحافظ على قانون قديم (قانون 154 لسنة 2001) دون الرجوع إلى توجيهات الحكومة الاتحادية.
2 ـ سلطة رئيس مجلس الوزراء في إيقاف الحملة باعتباره المسؤول التنفيذي الأعلى.
3 ـ رفض المحافظ الانصياع لهذا التوجيه الذي قد يُعد من الناحية الدستورية إخلالاً بمبدأ وحدة الدولة والتزام السلطات المحلية بالسياسات الاتحادية.
هذا يطرح تساؤلاً عميقاً: هل يتمتع المحافظ باستقلالية مطلقة أم أن قراراته خاضعة للسلطة الاتحادية؟ الجواب القانوني والدستوري يميل إلى التأكيد بأن الصلاحيات اللامركزية ليست مطلقة، بل مشروطة بعدم تعارضها مع سياسات الدولة الاتحادية وضمان الحقوق الدستورية للمواطنين.
خامسا: مقارنة مع حالة مماثلة نفترض حدوثها في إقليم كردستان
في حال وقوع نزاع مماثل بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، فإن التعامل معه سيكون مختلفًا نظرًا للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الإقليم. فالمادة (117) من الدستور العراقي تعترف بإقليم كردستان ككيان اتحادي، وتمنحه صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية، باستثناء ما ورد ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
كما تنص المادة (121) على أن "للسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية في الإقليم الحق في ممارسة اختصاصاتها باستثناء ما ورد ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية". وبالتالي، فإن أي توجيه من الحكومة الاتحادية لحكومة الإقليم يجب أن يتم عبر الآليات الدستورية أو التفاوض السياسي، ولا يمكن فرضه بشكل مباشر.
بقلم د.ياسر الزبيدي
#ياسر_حسن_حسين (هاشتاغ)
Yaser_Alzubaidi_Phd#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟