أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سامر بن عبد السلام - البيروقراطية في تونس بين الجذور الاستعمارية والفشل الإصلاحي: قراءة ماركسية















المزيد.....

البيروقراطية في تونس بين الجذور الاستعمارية والفشل الإصلاحي: قراءة ماركسية


سامر بن عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 11:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مقدمة
منذ الاستقلال، ورثت الدولة التونسية جهازًا إداريًا بُني على النموذج الاستعماري الفرنسي، يتّسم بمركزية مفرطة وهرمية صارمة. هذا الجهاز، وإن كان أداة ضرورية لتثبيت مؤسسات الدولة الوطنية، سرعان ما تطور إلى بيروقراطية متجذّرة، لا تخضع فقط لمنطق التسيير العقلاني، بل تحوّلت إلى بنية جامدة رافضة للتغيير، تعمل على إعادة إنتاج الواقع الاجتماعي والاقتصادي نفسه. وقد حافظت الإدارة التونسية على استمراريتها عبر مختلف التحولات السياسية، من بورقيبة إلى بن علي، ثم خلال مرحلة ما بعد الثورة، وصولًا إلى مرحلة 25 جويلية 2021، التي وعدت بإصلاح المسار الثوري، لكن دون المساس بجوهر البنية البيروقراطية.
________________________________________
البيروقراطية وفق بولانتزاس
يقدّم نيكوس بولانتزاس، في كتابه السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية (1968)، تحليلًا بنيويًا ماركسيًا لدور البيروقراطية في الدولة الرأسمالية. فهو يؤكد أنها ليست طبقة اجتماعية مستقلة، بل شريحة وظيفية معقّدة تُسهم في إعادة إنتاج الهيمنة الطبقية، رغم ما يبدو من استقلاليتها الظاهرية. ويميز بولانتزاس بين بيروقراطية عليا متحالفة مع النخب الاقتصادية، وبيروقراطية دنيا تنفذ الأوامر دون امتلاك سلطة حقيقية. وتؤدي البيروقراطية، حسبه، وظيفة إيديولوجية تتمثل في تغليف السيطرة البرجوازية بطابع قانوني وعقلاني، يمنحها شرعية زائفة. وكما يقول:
"ليست البيروقراطية طبقة اجتماعية بالمعنى الماركسي، وإنما هي جزء من تقسيم العمل السياسي في جهاز الدول و تلعب دورًا عضويًا في إعادة إنتاج علاقات الهيمنة الطبقية
________________________________________
البيروقراطية في أشباه المستعمرات
تتميّز البلدان المصنفة كـ"أشباه مستعمرات" بكونها تخضع لمنطق التطور المركب اللامتكافئ، كما صاغه تروتسكي حيث تتعايش فيها مظاهر التخلف الشديد مع عناصر التحديث الرأسمالي المستورد. وكما يقول:
البلدان المتأخرة لا تكرر ببساطة مسار البلدان المتقدمة، بل تدمج أشكالًا متأخرة جدًا مع نتائج حديثة جدًا، فتتولد تشكيلات هجينة تحمل تناقضات عميقة
-في هذا السياق، تحاصر الرأسمالية العالمية القوى المنتجة المحلية، مما يعطّل تشكل برجوازية وطنية مستقلة، ويفسح المجال لبروز البرجوازية الكمبرادورية المتحالفة مع رأس المال الأجنبي. في ظل هذا الضعف الطبقي العام، تتقدّم البيروقراطية لتشكّل وسيلة الطبقة السائدة في إدارة المجتمع حتى و هي متسترة ببعض الاستقلالية، و احيانا نجدها تعبرعن وحدة وسط مكونات طبقية هشة و مشتتة لذلك تجذب الفلاحين و البرجوازية الصغيرة و هو ما يقودها الى مزيد التوسع
-في أشباه المستعمرات، تمارس الهيمنة الطبقية بصورة مباشرة عبر الأجهزة القمعية والإدارية، دون الحاجة إلى أجهزة إيديولوجية متطورة. وتتحول البيروقراطية إلى فاعل اقتصادي وسياسي مركزي، عبر آليات التوزيع الريعي، وتكريس التراتب الاجتماعي، والتداخل مع شبكات النفوذ الحزبي والمالي كما انها تعيق تطور طبقة لصالح طبقة اخرى كخدمتها للكمبرادور لاعاقة تطور الراسمال الوطني و هذا ياتي في اطار حسم الصراع الطبقي على ستوى المنظومة الحاكمة
-تتسم البيروقراطية في اشباه المستعمرات بجملة من الخصائص المشتركة رغم اختلاف الأنظمة السياسية ومستويات التقدم الاقتصادي والاجتماعي، من أبرزها التشابك المؤسسي، ضعف التخصص، الطابع الرسمي الجامد، الاعتماد على النقل دون تطوير ذاتي، انخفاض المهارات، والانعزالية. كما تعاني من التضخم الوظيفي، ضعف الإنتاجية، تدني الأجور، غياب القيادة الكفؤة، تفشي الفساد، والتداخل بين الجانبين السياسي والإداري(نفوذ الحزب الحاكم على الادارة) و هو ما يخدم الكمبرادور المهيمن على القطاعات الحيوية متحالفا مع البرجوازية الكمبرادورية و يعيق تاسيس برجوازية وطنية
________________________________________
الحالة التونسية
في تونس، تبلور الجهاز البيروقراطي في غياب برجوازية وطنية مستقلة. سعى بورقيبة، خاصة في الستينيات، إلى خلق "برجوازية دولة" عبر التمكين الإداري ومنح الامتيازات، كما جسّدته تجربة أحمد بن صالح. غير أن هذه التجربة فشلت بسبب هشاشة القاعدة الاجتماعية وعدم نضج القوى المنتجة، مما كرّس البيروقراطية كوسيط بين الدولة والمجتمع.
في عهد بن علي، تحولت البيروقراطية إلى أداة بيد شبكة مصالح متمركزة حول العائلة الحاكمة، متحالفة مع برجوازية كمبرادورية تحتكر القطاعات الحيوية. وبعد الثورة، تواصلت نفس الديناميات، رغم الخطابات الإصلاحية، وتعمّق التسييس الحزبي للإدارة، خاصة خلال صعود حركة النهضة.
________________________________________
25 جويلية: شعارات الإصلاح وواقع البيروقراطية
________________________________________________________________________________
كما تتكاثر الطفيليات على جسد مريض، كذلك تنمو البيروقراطية في مجتمع منزوع من الحياة السياسية. هذه المقولة التي صاغها ليون تروتسكي تعبّر بدقة عن الواقع التونسي في مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021، حيث تراجعت الحريات، وتقلّص الفضاء السياسي، وغابت آليات الرقابة والمساءلة.
في هذا السياق، شكّلت الشعارات المناهضة للأحزاب حجر الأساس في الخطاب السياسي لقيس سعيّد، منذ حملته الانتخابية لسنة 2019. قدّم نفسه كـ"رئيس من خارج المنظومة"، رافضًا للتمثيل الحزبي التقليدي، معتبرًا أن الأحزاب "كيانات تجاوزها التاريخ"، داعيًا إلى ما سمّاه "البناء القاعدي"، الذي يقوم على "تفويض مباشر" من الشعب، دون وساطة تنظيمية أو حزبية. هذا الخطاب يندرج ضمن نزعة شعبوية معادية للمؤسسات الوسيطة، تُفرغ الديمقراطية من مضمونها التشاركي، وتُمهّد لتركيز القرار في يد السلطة التنفيذية.
على مستوى الممارسة، تجلّى هذا التوجه في التعيينات العشوائية التي تمّت دون رقابة أو شفافية، ودون تشريك الشعب في صناعة القرار أو حتى تبرير الإقالات أو التسميات الجديدة. أما على مستوى الحريات، فقد تدهور الوضع بشكل حاد، خاصة مع صدور المرسوم عدد 54 الذي تم استخدامه لقمع الصحفيين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، مما حول البلاد إلى ما يشبه فضاءً مغلقًا للرأي والتعبير.
تضاف إلى هذا السياق تجربة "العشرية السوداء" (2011–2021) التي خلّفت خيبة أمل واسعة لدى التونسيين، نتيجة الفشل في تحقيق أهداف الثورة، والفساد المستشري في المنظومة الحزبية، مما رسّخ صورة سلبية عن السياسة كمجال "فاسد" و"منفّر". وقد ساهم الخطاب النيوليبرالي العالمي، الداعي إلى تهميش الصراع الطبقي واستبداله بصراعات هوياتية وثقافية، في تعميق هذا النفور الشعبي من الحياة السياسية، وتحويلها إلى مجال مشوّه ومعزول عن الواقع اليومي.
في ضوء هذه العوامل المتشابكة، يمكن القول إن المجتمع التونسي بات يُمثّل أرضية خصبة لنمو البيروقراطية وتوسّعها. بل وأكثر من ذلك، فإن المرحلة الحالية تسمح بتحوّل البيروقراطية الإدارية إلى قوة اجتماعية فاعلة ومستقلة نسبياً(لكن بدون تولي سلطة)، وهو ما تناوله نيكوس بولانتزاس في تحليله لدور البيروقراطية داخل الدولة، حيث اعتبر أن تحوّلها إلى قوة اجتماعية لا يحدث إلا في سياقات محددة، من أبرزها:
-أزمة تمثيلية لدى الطبقات الحاكمة، أي عندما تعجز الأحزاب والنخب التقليدية عن تمثيل الطبقات السائدة
وازدياد مركزية الدولة، مما يرفع من أهمية الجهاز الإداري ويمنحه هامش مناورة أكبر داخل مؤسسات الحكم.-
في الحالة التونسية، نجد كلا العاملين حاضرين بقوة: انهيار الثقة في الأحزاب السياسية، وازدياد التركيز السلطوي في يد رئيس الجمهورية. بذلك، تصبح البيروقراطية لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل التوازنات، لا مجرد جهاز إداري محايد. وهكذا، يُساهم مسار 25 جويلية في تمكين الجهاز البيروقراطي من الحفاظ على تونس ككيان شبه مستعمرة، خاضع للبُنى الإمبريالية ومصالح الرأسمال العالمي.
راهنية الأطروحات الماركسية–اللينينية
يؤكد فشل سعيّد في تطويع الجهاز الإداري التونسي ما ذهب إليه أرنست ماندل، حين اعتبر أن التحكم في البيروقراطية لا يتم من أعلى، بل من خلال المشاركة الديمقراطية للطبقات الشعبية .غياب الرقابة من القاعدة، وتعطيل الحياة السياسية، يسمح للبيروقراطية بالتوسع والتحول إلى فاعل سياسي واقتصادي مستقل...
هذا الفشل يعيد إلى الواجهة الأطروحة اللينينية القائلة بأن الدولة البرجوازية لا يمكن إصلاحها من الداخل، بل يجب تحطيمها وإعادة بنائها من الأسفل، عبر ديمقراطية مجالسية تمكّن العمال والفئات الشعبية من ممارسة السلطة مباشرة.
________________________________________
خاتمة
تُثبت التجربة التونسية، خاصة بعد 25 جويلية، أن الخطاب الإصلاحي المعزول عن القاعدة الاجتماعية، دون تفكيك فعلي لأجهزة السيطرة، ينتهي بتعزيز البيروقراطية لا الحدّ منها. وتبقى الدولة الوطنية في تونس، كما في أغلب أشباه المستعمرات، عاجزة عن تجاوز تبعيتها البنيوية ما لم تُعاد صياغة علاقتها بالمجتمع، وفق منطق ديمقراطي شعبي جذري، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال بناء بديل سياسي–اجتماعي منظم، قادر على تحطيم جهاز الدولة التقليدي وإعادة إنتاجه من الأسفل



#سامر_بن_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيروقراطية في تونس بين الجذور الاستعمارية والفشل الإصلاحي: ...
- الثورة الدائمة و يوغسلافيا - ميشال بابلو


المزيد.....




- تشكيل تحالف انتخابي بين البيت الوطني وسجاد سالم والزرفي والش ...
- العدد 606 من جريدة النهج الديمقراطي
- بيان تنديد واستنكار صادر عن اللجنة الشعبية في أم الفحم
- د. مجدلاني : الخطوة المطلوبة والمسؤولية على المجتمع الدولي و ...
- وقفة حاشدة أمام البرلمان اليوناني ومسيرة تضامنية مع شعبنا ال ...
- مصطفى علوي// الرفاق المعطلون في القرية يطرقون باب الشهادة ...
- اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي تعقد اجتماعها ...
- يائير غولان -يساري صهيوني- و-هادم للهيكل- و-قاتل للبقرة المق ...
- م.م.ن.ص// تعزية
- م.م.ن.ص// الإبادة هي وجه النازية في الأمس واليوم.


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سامر بن عبد السلام - البيروقراطية في تونس بين الجذور الاستعمارية والفشل الإصلاحي: قراءة ماركسية