أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - هشام الحداد - ثقافات الشعوب














المزيد.....

ثقافات الشعوب


هشام الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 02:51
المحور: مقابلات و حوارات
    


ثقافات الشعوب…

ليست الثقافة مجرّد رقصات شعبية، لهجات محلية، معتقدات موروثة، أو طقوس وعادات تُكرّر في المناسبات.
الثقافة، في معناها العميق، هي نظامٌ مركّب من المعنى، يُنتجه الإنسان داخل جماعة بشرية محدّدة، عبر الزمن، ليصوغ به رؤيته للعالم وطريقته في البقاء والتكيّف.

إنها استجابة جماعية طويلة الأمد لسؤال مُلح: كيف نعيش؟

اللغة، القيم، المعتقدات، الطقوس، والرموز… ليست سوى آليات دفاع وبقاء، تطوّرت تحت تأثير عاملين رئيسيين شكّلا ثقافات الشعوب عبر التاريخ: الطبيعة والتاريخ.



أولًا: الطبيعة – الفاعل البنيوي الأول

البيئة الجغرافية التي تعيش فيها الجماعة هي أول محدّد لهويّتها الثقافية.
فالصحارى، الأنهار، الجبال، الغابات، السواحل… ليست مجرد تضاريس، بل قوى صامتة شكّلت أنماط العيش، والعلاقات، والمنطق الجمعي.
• الصحارى أنتجت ثقافة الكرم، التحالف، العصبية، والتنقّل.
• الجبال أفرزت ثقافة الحذر، الخصوصية، والانغلاق.
• الأنهار كوّنت ثقافات التنظيم، الزراعة، التراتب، والسلطة المركزية.

الطبيعة لا تُعطي الإنسان أفكاره، بل تفرض عليه منطقًا خاصًّا، ومن خلاله يُنتج أفكاره.



ثانيًا: التاريخ – فاعل التجربة والصدمة

بمجرّد أن تتكوّن جماعة بشرية داخل بيئة ما، يبدأ تاريخها بالتراكم.
حروب، مجاعات، صراعات داخلية، تحالفات، أعياد، انكسارات، انبعاثات…
هذه الوقائع لا تمرّ عبثًا، بل تترك بصمات تُعيد تشكيل المعنى.
• كل تجربة جماعية تُنتج أعرافًا جديدة.
• كل صدمة تُعيد تأويل المقدّس.
• كل تحدٍّ يولّد أخلاقًا، وقيمًا، وأنماطًا سلوكية.

كل قيمة ثقافية هي نتيجة تاريخية لحدث أو خطر،
وكل عادة اجتماعية قد تبدو غير عقلانية، هي في الأصل بوصلة نجاة صيغت لتفادي ألمٍ ما.



ثالثًا: اختلاف الثقافات ليس فوضى… بل اختلاف في منطق البقاء

اختلاف الثقافات بين الشعوب ليس خللًا، بل هو نتيجة حتمية لاختلاف البيئة المحيطة والتاريخ المشترك.
من لم يختبر قسوة المناخ أو انعدام الأمن أو خيانة الجار، لن يفهم منظومة الشرف أو الحذر أو الكرم.

كل ثقافة تحمل منطقها الخاص، المتجذّر في أرض وتجربة وزمن.



رابعًا: العصر الحديث… تحوّل الفاعلين

في هذا العصر، نشهد لحظة تحوّل ثقافي كبرى.
الفاعلان التاريخيان (الطبيعة والتاريخ) لم يعودا القوّتين الأساسيتين في تشكيل ثقافات الحاضر والمستقبل.

فقد تغلّب الإنسان على الطبيعة نسبيًا، وبدأ بالتحكّم بمخاطرها وتجاوز حدودها.
كما لم تعد الأحداث المحلية هي التي تصوغ الوعي، بل أحداث كبرى في قارات أخرى قد تُحدث تأثيرًا فوريًّا في أبعد نقطة من العالم.

ظهرت قوى جديدة أكثر فاعلية في تشكيل الثقافة:
• العولمة جعلت العالم قرية صغيرة، ونشرت سردية موحّدة للعيش والاستهلاك.
• الرأسمالية أخضعت كل شيء لمنطق السوق والعرض والطلب.
• التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أعادت تشكيل الذوق والمعرفة واللغة والسلوك.
• المنصات الرقمية محَت الفروقات وأعادت برمجة الانتماء والهوية.

لقد بدأ عصر ثقافي جديد بعوامل تكوّن جديدة… ثقافة عابرة للجغرافيا والذاكرة، توحّد البشر وتعيد تشكيلهم.



خامسًا: الذاكرة لا تعني الجمود

لا بأس بالاحتفاظ ببعض جوانب الثقافة المتوارثة.
فالذاكرة تمنح الإنسان عمقًا، وتمنع تحوّله إلى كائن سائل بلا جذور.

لكن الجمود داخل ثقافة الماضي، ورفض الاعتراف بالفاعلين الجدد، هو انتحار طوعي للهوية،
ومجرد تأخير للذوبان داخل آلة الزمن.

من يرفض أدوات تشكيل الحاضر والمستقبل،
يُحوِّل نفسه إلى “متحف حي” يتكلّم بلغة انقرضت،
ويعيش في زمن لا يعترف به.



خاتمة: نهاية نموذج، لا نهاية إنسان

الإنسان في جوهره لم يتغيّر،
لكنه يعيش اليوم تجربة ثقافية غير مسبوقة.

نحن لا نعيش نهاية الإنسان، بل نهاية نموذج إنتاج الإنسان.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هشام مسعود الحداد-التربيه والتعليم


المزيد.....




- خبير: الكرملين لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني بل يراهن على ج ...
- في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال ...
- القبض على أول شخص من عائلة بشار الأسد في سابقة أمنية لافتة ب ...
- تل أبيب تصعّد حملتها ضدّ المنشآت النووية ال?إيران?ية وتلوّح ...
- مساعدات التنمية: ألمانيا تقلص الإنفاق على الناس الأكثر فقراً ...
- فرنسا: المنطاد الأولمبي سيعود للتحليق في سماء باريس بعد تحول ...
- بالأرقام.. هكذا يضيّق الاحتلال الخناق على خان يونس
- عبر الخارطة التفاعلية.. آخر التطورات في المواجهة الإيرانية ا ...
- ردّا على ترامب.. الكنديون يلغون رحلاتهم إلى أمريكا.. من يدفع ...
- الجيش الإسرائيلي: قتلنا قائدا آخر بفيلق القدس.. ونخوض -واحدة ...


المزيد.....

- تساؤلات فلسفية حول عام 2024 / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - هشام الحداد - ثقافات الشعوب