إبراهيم سعد حميد
الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 17:18
المحور:
قضايا ثقافية
الاستهلاك وأثره على شخصية الفرد العصري
كلما زاد عجز الفرد عن تلبية واشباع احتياجاتهُ كلما اصبح ناكرا لذاته وتعيسًا خصوصا في هذا العصر
تزايد الاستهلاك الفرد ماهو الا مؤشر على نقصان او انعدام الإنتاجية لدى الفرد فأصبح من الصعب أن يكون الفرد راضيًا عن ذاته وعما يملك الان ، خصوصا وهو يرى ويقارن لما بين يدي الآخرين وما عندهم
وهذا يقودنا إلى صراعات نفسية لا مفر منها .
من أين جاء هذا التشتت وعدم الرضا ونكران الذات ؟
كيف أصبح الركض وراء تلبية الاحتياجات الغير ضرورية هو كل همُ الدنيا ؟
أحمد صديقي ذات الاربعون عاماً الذي تزوج قبل عصر الالكترونيات والسوشل ميديا ، اخبرني بأنه لم يحتاج إلى الكثير من الاستهلاكيات آنذاك على الرغم من ان حالته المادية جيدة آنذاك وكان يعمل وسط الدعم العائلي ، و حتى زوجته التي تعرف عليها في كلية العلوم في بغداد لم تحتاج إلى الكثير ، لم تكن تعرف ماهو موجود في باقي العالم لذلك اكتفت بالحاجات المتعارف عليها الضرورية لكي تنشأ أسرة سوية ، تخيم عليها الرضا والقناعة بما هو موجود الآن ..
( من اراد أن ينشأ عائلة لا يحتاج إلى الكثير من الاحتياجات الاستهلاكية ، كون ان الدول العلمانية لم تكن بتلك القوة ، و بذلك الاستهلاك وجعل الفرد خامل وخاوي بلا إنتاجية، اي سلب عقله وجعله بين يدي تسويقهم وتحت رحمة ماهو جديد لهم في عالمهم الاستهلاكي ! )
ألا ان لم تدم تلك القناعة بعد ان اقتحم فكر العلمانية الشاملة غالبية دول العرب بعد تواجد عصر الالكترونيات وادواته التسويقية المخيفة ويكون بذلك الانسان البسيط افضل ضحية لتحقيق خطة التسويق تلك والربح من خلال بيع لامور استهلاكية غير ضرورية ، و حتى كَبُر عادل ابن احمد ذات الخمس وعشرين عاما وصار من الصعب أن ينشأ تلك الأسرة الصغيرة بعدما تخرج من جامعته ِ ، زاد الامر سوءاً كون دخله البسيط لا يتلائم بذلك مع استهلاكيات المتداولة والمدعومة تسويقياً من قبل كبار الشركات العالمية وأصحاب رؤوس الأموال لغرض تحقيق غايتهم المنشودة وتغييب العقول عن معرفة انفسهم وربما نكران ذواتهم ، والفتاة التي ارادها تغلغلت الافكار العلمانية بعقلها ، واصبحت من الصعب ان تكون فتاة عادية ومتزنة ، كانت غالبية حديثهم عن احب ال جي كلاس على سبيل المثال او التاهو ( هدية العصر المعروفة للبلوكرات ) ! واصبحت فتاة تضع قيمتها بامور كمالية، غير ضرورية : قد ترى قيمها من خلال هاتف محمول لشركة ايفون ، او ساعة رولكس على سبيل المثال لا الحصر ، قد يشتريها البعض لكن فوق طاقة دخله وأعلل سبب ذلك هو ان شراء الكماليات واقتناء كل ما هو ذو قيمة وذا شهرة بغض النظر عن ضرورته ، ومدى الحاجة إليه، هو نتيجة ربطها بقيمة الفرد لذاته وذلك تقليدًا للمشاهير والأثرياء لتحقيق مزيد من الثقة في النفس والحصول على مكانة اجتماعية وهمية في مجتمع لا يهتمون له ربما لقليل من الزمن ، حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الاقتصادية الشخصية أو الأسرية أو اقتصاد المجتمع ككل ، فأصبح من الصعب قبول الذات في عصر السوشل ميديا.
كيف تجد المقارنة بين حياة احمد وولده عادل؟ من هو مستقر نفسيا وماديا عندما قرر تكوين الأسرة ؟
ان الاستهلاك التفاخري وهو منتشر الآن في هذه الحقبة يدخل الانسان في متاهة بين عدم الرضا ونكران الذات
ويؤدي ذلك إلى تزايد الديون في ظنه انه يجب دائما ان يجاري العصر الحالي وماهو متاح فيه من كل أنواع الاستهلاكيات الغير ضرورية وهذا نوع من انواع تغييب العقل عن معرفة ذات الانسان ومعرفة ماذا يريد بضبط
وسط زحام من الاستهلاكات الغير ضرورية
فقط لانها منتشرة عند الاغلب ف يصبح استهلاكها ضروريًا من خلال الترويج لها بفعل السوشل ميديا
وعندما يجهل الانسان ذاته لا يعلم ماهو دوره في هذه الحياة فيبقى يتخبط بين الديون والركض خلف إشباع رغباته ..
كل الكائنات تعيش حياتها كاملة مع القناعة الكاملة الا الانسان ، لماذا لا أملك هذا وذاك ؟ لماذا هذه اجمل ؟ لماذا لا أفعل مثلما فعل؟
يذكر ديل كارنينجي ، ان السبب الاكبر لغالبية المشاكل النفسية الي تصيب الإنسان هو افتقاده لعنصر الرضا عن حياته و عن ما يملك بها ..
وفيما المشاكل النفسية التي تصيب الفرد بهذه الحقبة وهذه المرحلة تحت تأثير الاستهلاك التفاخري وخصوصا لدى الشباب المقبلين على الزواج والفتيات كذلك ، واثرها على العلاقات
تجد ان كل شيء غير كافي لديهم وهذا يقود إلى تفكك العلاقات بسهولة لانها لم تحقق الغرض منه وهو ان تلبي كافة الاحتياجات الغير ضرورية والتي روج لها الأعلام لغرض استهلاكه ( بعد ان أصبحت المرأة سلعة تحت سلطة الفكر العلماني وكيف انها تحولت إلى أداة اعلانية واداة استعراض ما لديها والتباهي به او لغرض ان تشعر بانها ذات قيمة مجتمعية عالية )
والنتيجة هي الفشل ، والطلاق اصبح آفة العصر نتيجة جعل امور غير ضرورية في مقدمة كل شيء وتكاد تكون الأولوية لها و وهكذا بسهولة ينتهي ما بدأت به العلاقات بتوقيع في المحاكم وقضايا النفقة وما شابه من حرب الدعاوي القضائية .
لذلك الاثر الاكبر الذي يصيب الانسان ويؤدي به نحو المشاكل النفسية والاعتراض وعدم رضا هو نتيجة تزايد الاحتياجات الاستهلاكية وعدم القدرة على تلبيتها او إشباعها.
فمن الضروري ان يعرف الانسان ما يريد
وكيف يصنع قيمة لذاته بوجود انخفاض تقديرهُ لذاته.
الرضا هو عنصر مهم في حياتنا
يجب تعلم الرضا واكتسابه لكي نعيش حياة صحية سوية بعيدة عن الصراعات النفسية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟