احمد الكافي يوسفي
الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 13:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفلسفة بما هي نقد لل"مافيات"
احمد الكافي يوسفي، باحث في الفلسفة بين الحداثة والحداثة المغايرة
1) في النقد:
النقد الحقيقي هو الذي يُعري الصمت حول المافيات التي تستعبد البشر عبر قيم حقوق الانسان والديمقراطية والدولة المدنية والمنظمات الوطنية. الخطيئة الكبرى للنقد ليس في كونه يمكن ان يكون ايديولوجيا بل في كونه يصمت عنها ولا يقر بها ويدعي الحياد والاستقلالية. الحياد كذبة كبرى والاستقلال وهم، فاما ان تكون "متورطا" في ايديلوجيا تدافع عن الشعب والامة واما ان تكون متورطا في منظومة مافيوزية تتاجر بالشعب والامة.
النقد هو كشف عن "الاسطوريات" التي تبثها المافيات في الاعلام والقوانين والتشريعات والاموال وسوق السيارات والدواء والغذاء والزبلة والقمح المسرطن وارسال الشباب للجهاد في سوريا وتجارة الاعظاء وتهريب العملة ....وقتل رحمة والتمثيل بجثتها....وتهريب العملة وتزييفها وتحويل صلاة الجمعة الى اداة من ادوات غسل الادمغة للدفاع عن الذين اجرموا في حق الدين والوطن والامة.
هذا "الضمير المرتاح" او على الاقل الذي يبدو مرتاحا في هذا "الصمت المذنب" على هذه الجرائم المتكررة عبر التاريخ هو سمة من سمات العناصر المشكلة للبنية المافيوزية في تونس. وما على النقد الا ان يقتحم "اسطورياتهم" و"راحة ضميرهم" ليقض مضجعهم ويُعري اشكال مضاجعاتهم واغتصابهم لاسباب حياة شعب تنهب ثرواته صباحا مساء ويوم الاحد.
المافيات اصبحت مجتمعا في تونس من خلال هذا اللقاء الخلاق للجريمة في كل المجالات برار وبحرا وجوا. يمكن الحديث في تونس عن "مجتمع المافيات".
2) "مجتمع المافيات" في تونس او "ترامب التونسي" بما هو انتاج من انتاجات "المجتمع" في تونس
_ هيمنة العلاقات التجارية والمادية والاقتصادية في اطار بنى مافيوزية تتشكل من السياسي والحقوقي والنقابي والبرلماني والحزبي والشخص العادي ومجرم الحق العام وتاجر المخدرات وتاجر الكونترا الخ ... خذ اي قضية من القضايا مثل قضية مقتل "رحمة لحمر" لتدرك ان هذاا الفعل مركب ومتعدد الابعاد ويعكس بنية مافيوزية لا تقتصر على عنصر بل عناصر متداخلة، فيها الداخلي والخارجي، المحلي والعالمي، فهي ليست جريمة ترتبط بعنصر بل عابرة للقارات والحدود ...
_ المافيات ليست قصّة تُروى ولا فيلما يُصوّر ويُبث على قنوات تلفزية بل قيم تنتشر بين المجتمع افرادا وعصابات من خلال الخيانة وتبريرها. لقد اصبحت الخيانة وجهة نظر وامر واقع تبرر مثل تبرير التجارة بالجسد ( العهر) باسم الواقع ومقتضياته والحياة ومستلزماتها. موت قيم الآمانة وولادة قيم الخيانة اشارة من اشارات مجتمع المافيات في تونس او ظهور ترامب التونسي الذي يُبرر كل الممارسات باسم المادة والمال والاقتصاد وان ادّت الى ابادة شعوب وتجويعها وقتلها وحصارها وتشتيتها.
_ تونس بلا " رحمة"، تونس بلا قيم العمل والدفاع عن الانسان، هكذا يريدون لها ان تكون لانهم لا يريدون الا قيم التجارة الآثمة : قيم بيع اعظاء الانسان ممن يعتبر نفسه وزيرا للدفاع عن حقوق الانسان حيث تتدافع اذاعات وتلفزات وشبكات ومنظمات للدفاع عنه، للدفاع عن قيم المافيات، القيم المضادة لقيم رحمة القائمة بالجوهر على الوفاء وكشف الحقيقة والانتصار للانسان ضد كل اشكال القتل وتهريب الثروات وبيع الحقوق وتزييف العملة.
_ هناك "فاشية مستترة" من خلال الجريمة المنظمة كنموذج للهيمنة المجتمعية:
لا تنبع الفاشية دائماً من أيديولوجيات سياسية معلنة، بل قد تنشأ من الممارسات المافيوزية التي تتسلل إلى نسيج المجتمع وتعيد تشكيل علاقات السلطة.
"مجتمع المافيات" يكشف كيف تتحول الجريمة المنظمة من نشاط هامشي إلى نموذج مهيمن للحكم، حيث تُستبدل المؤسسات والقوانين بشبكات غير رسمية قائمة على الولاء الشخصي والإكراه. ففي هذا السياق، تصبح "المافيا" مجرد تعبير صارخ عن منطق أعمق: تحويل السياسة إلى معاملاتٍ نفعية، والسلطة إلى سلعةٍ تُقتنى بالترهيب أو المال.
في قضيّة "رحمة لحمر" نرى كيف تختلط الحدود بين العالم الإجرامي والمؤسسات الرسمية: تركيب من المحامين والقضاة والسياسيين والحقوقيين والاعلاميين .
في مجتمع المافيات : النقابات تُنهب لتمويل العصابات، والقضاة يُشرَون، والانتخابات تُزوَّر. هذه ليست انحرافات عن النظام، بل آليات حكم بديلة تُضعف فكرة الصالح العام لصالح تحالفات ضيّقة ومغلقة. هنا تظهر الفاشية ليس كأيديولوجية سياسية فحسب، بل كـ"بنية اجتماعية تنتجها الرأسمالية المتوحشة حين تتحول الدولة إلى "عصابة كبيرة" تُديرها عائلات مافيوزية.
الفاشية ظاهرة مجتمعية، وليدة المجتمع لا دخيلة عليه ، الفاشية ليست جرثومة خارجية تغزو جسد المجتمع، بل هي نتاج طبيعي لتحوّلاته الداخلية حين تتعطل آليات التضامن وتتفكك الروابط الأخلاقية، حيث تتحول المؤسسات إلى أدوات للهيمنة الشّبكيّةِ المافيوزية. الفاشية تمظهر من تمظهرات المافيات المتسترة بالدفاع عن العمال والكادحين والكادحات والدفاع عن حقوق الانسان والحريات بل هي متورطة من راسمالية متوحشة عالمية تطبق انجيلهل على مستوى محلّي
في هذا السياق، تصبح المافيا نموذجاً مصغراً للمجتمع الفاشي: ذلك ان الولاءات الشخصية تحل محل المواطنة، و القوة المادية تُستبدل بها شرعية القانون، والسجون السرية بدل سجون الدولة، والفساد يتحول من انحراف إلى نظام حكم. فكما ينتج الجسم المناعي أمراضاً ذاتية حين يفشل في التمييز بين الخلايا السليمة والغريبة، يخلق المجتمع فاشيته الخاصة حين يُقدّس القوة ويُضحي بالمبادئ في مذبح المصلحة. الفاشية هنا ليست غزواً، بل انتحاراً جماعياً لمجتمع مات أخلاقيا قبل أن يموت سياسياً.
الخطر الأكبر يكمن في تطبيع هذه الممارسات، فالتقليل من فظائع المافيات يندرج في اطار سياسة التطبيع، وتحويل الانظار عن هذه الجرائم هو استبلاه للراي العام ودفاع عن الجناة، وجعل جرائم ضد الانسانية جرائما عادية لاخفاء حقيقتها العميقة ينتهي الى تذرر المجتمع إلى دوائر ولاءاتٍ شخصيّة وجهويّة، وانهيار فكرة القانون كضامنٍ للمساواة.
حين تصبح السياسة "لعبة مافيات"، لا يعود المستبدون بحاجةٍ إلى شعاراتٍ إيديولوجية؛ يكفيهم إدارة شبكة مصالحٍ تختزل الوطن في سوقٍ للصفقات ينتصب فيه الباعة من الاحزاب والمنظمات والجمعيات ومجلس النواب والحكومات.
السياسة واقعيا وفعليا لم تعد "خدمة المصلحة العامة" بل صفقات عائلات مافيوزية ، سوق مفتوح لصفقات هذه العناصر ، بينما يُترك الشعب ليواجه القمح المسرطن والزبلة والفقر والتلوث وانهيار الخدمات. والفرق بين المافيا القديمة و"مافيا الشركات العائلية" هو أن الأخيرة تقتل ببطء عبر التجويع والبطالة ونهب ثروات الشعب والتلاعب بكل ثرواته المادية والرمزية، وتجعل الضحايا يشكرونها على "خلق فرص العمل"! ويرشحونها في الانتخابات ويمثلونها في مجلس "نواب الشعب" ويحكمون باسمهم . المافيات العائلية المافيوزية تقتل اقتصاديا وماديا وتتحكم في الحكومات والسياسات بل تشارك فيها وتترشح في الانتخابات وتفوز وتحكم فهي ليست مجرد مافيات تقليدية لا تتحكم الا في الاحياء الفقيرة وتدفع رشوة الى الشرطة وتبيع المخدرات بشكل غر قانوني.
.........أ مّا المقاومة او المعارضة ( ليست بالدلالة السائدة القائمة على الاصطناع الغربي الاستعماري) المضادة اولا وقبل كل شئ للمافيات، لهذه البنية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الاعلامية والفكريّة فهي ليست واعية بذاتها وغير مستلبة ان لم تقم على على هذا الشكل من النقد، والكشف عن هذه الآليات ورفض التطبيع مع الفساد المقنَّع، ومغادرة "الطمانينة الزائفة" و"الضمير المرتاح" و"الصمت المذنب" وكذبة "الحياد".
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟