|
الإيمان والثقافة والقيم والاقتصاد
محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 00:18
المحور:
قضايا ثقافية
العلاقة بين الإيمان والثقافة والقيم والاقتصاد علاقة هامة جدا ويهتم بها أحد فروع علم الاقتصاد وهو الاقتصاد السلوكي وهو الفرع الذي تستخدمه كل شركات السوشيال ميديا لتتبع سلوكنا ومعرفة أذواقنا وهو ما يمكنها من تصميم الألوجوريزم المناسب لتسويق برامجها إلينا وتغيير سلوكنا وعادتنا وذلك لتحقيق أكبر ربح ممكن. كما أن فهم العلاقة بينهم يمكن الاقتصادين من تصميم السياسات النقدية والمالية التي تساعد على إنجاح عملية التنمية المستدامة والنهوض بالاقتصاد. أما نحن كافراد وتخصصات مختلفة فإنه يمكننا أيضا أن نستفيد من معرفة نوع العلاقة بين هذه المتغيرات المعقدة وكيف تتداخل وتؤثر على بعضها البعض وهذا يفيدنا في التعامل مع الأخرين وتحسين علاقتنا بهم من اجل النجاح والنهوض بأنفسنا. المقال عبارة عن محاولة مبسطة واجتهاد شخصي مفتوح للنقاش لفهم نوع العلاقة بين هذه المتغيرات المعقدة والتي ترسم حياتنا ومن منها يؤثر في الآخر. أما عن الإيمان "والدين أحد مكوناته" فإنه بحسب معرفتي المحدودة أو قناعاتي الشخصية فإنه هو تقبل أو حب الإنسان لأي شيء مادي أو معنوي حبا قويا دون الحاجة لأي دليل أو منطق على صحته. بمعنى أنه نوع من الإيمان الوراثي الذي لا يحتاج لأي تفكير أو كما نقول بالبلدي الايمان العمياني. وقد لاحظنا أن الإيمان بمبادئ مشتركة أو وحدة الاعتقاد يمكن أن يكون له دور بناء في العلاقات الاقتصادية على المستوى الفردي والدولي لان العلاقات الاقتصادية والتجارية الناجحة تقوم على الثقة بشكل أساسي والإيمان المشترك أو ما نسميه برأس المال الاجتماعي يساعد على هذا مثلما نرى في الاتحاد الأوروبي المسيحي لم يقبل عضوية تركيا المسلمة لاختلافها عن دول الاتحاد في ثقافتها وعاداتها وتقاليدها وليس لشيء آخر. ومن الأمثلة الأخرى ما نراه في البنوك الإسلامية التي لا يتعامل معها إلا المسلمون لثقتهم فيها واتفاقها مع معتقداتهم، بينما لا يتعامل معها المسيحيون ليس لعدم ثقتهم بها ولكن لاختلافها مع معتقداتهم. ولكن الإيمان المشترك ليس مثالياً دائما لانه قيد يستغل للنصب والأحتيال كما حدث مع شركات توظيف الأموال في مصر من عقود، وكما حدث في الغرب وأمريكا مع بعض البنوك المسيحية الصغيرة التي نصبت على عملائها. وهناك علاقة وثيقة بين المتاجرين بالأديان وبين الاقتصاد حيث يحقق هؤلاء أرباحا ضخمة بما يخلقونه من رواج اقتصادي في المناسبات والاحتفالات والطقوس الدينية حتى أن الناس عبر العالم أصبحوا يحتفلون بالمناسبات الدينية على أنها مناسبات للتسوق بشكل أساسي. أما بالنسبة لتأثير الدين على الثقافة السائدة فأنه كان كبيرا، ولكنه في تراجع مستمر وهو ما يضعنا أمام سؤال هام وهو هل أصبح للثقافة تأثير أكبر على الدين خاصة في عصر الإنترنت؟ والإجابة نعم كما نعتقد، لأن الثقافة السائدة والمسيطرة الآن على الجميع هي ثقافة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. ويتساوى في هذا الأباء والأمهات والأبناء، وأماكن العمل، والمدارس، والجامعات.. إلخ والسؤال الآخر هنا، هل يعني تراجع دور الأديان أنها في طريقها للانقراض؟ وهنا أقول بثقة لا، لأن الإنسان بطبعة يحتاج إلى من يعينه عندما يظلم وفي وقت الأزمات والمرض والمصائب والوحدة، وهنا يكون أكبر معين للناس هو الدين والإله، حتى ولو لم يستجب لدعائنا بالرغم من أنه يطلب منا نحن أن نثبت وجوده، ومع هذا فإننا نظل قانعين بإن الإله سوف يتدخل بطريقة ما لصالحنا. أما عن الثقافة فإنها أكثر شمولا من الإيمان لأنها تحتوي على الأدب والفنون بكل أنواعها مثل الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والأفكار والابتكارات ومستوى إستنارة الناس وطريقة التفكير والتعامل مع المرأة. والأقليات. والتعليم هنا يلعب دورا مهما في الرقي بمستوى الثقافة السائدة في أي مجتمع، فعندما يتدهور مستوى التعليم يكون لهذا أثر سيئ على الثقافة السائدة وعلى سلوك الناس وطريقة التفكير، مثل أن تلتقي بشخص يقول لك أن الفنون بكل أشكالها حرام فإنك أمام شخص ضيق الأفق والحديث معه غير مجدي وهذا ما نراه بالفعل في المتدينين المتطرفين في كل الأديان، وهؤلاء ضد التغييرلإن ثقافتهم تعتبر أنه مخالف للإرادة الإلهية ومثل هذه العقليّات المغلقة تشل القدرة على الأبداع ولا تفيد مجتمعاتها إلا ما ندر. والثقافة أيضا ترفع مستوى الحس الإنساني فيما يتعلق بمساعدة الضعفاء والمظلومين. وهنا نرى التداخل بين الثقافة والأديان حيث يؤثر كلاهما على بعضهم البعض. أما عن علاقة الثقافة بالاقتصاد فإنها علاقة قوية لأن الثقافة تؤثر على السلوك الاقتصادي للإنسان فالمثقف عادة ما يميل إلى الادخار وعدم التبذير والاستهلاك المعقول والعقلاني، وهذه يساعد المجتمع على النمو والتقدم. ولأن المثقف عادة ما يكون قارئا ومطلعا على ما يحدث حوله يكون له أثرا مضاعفا على من حوله لأن الناس بفطرتها تميل إلى التعلم من المثقف وهو ما يرفع وعيهم ولهذا تاثير إيجابي أيضا على الأداء الاقتصادي للدول. ولا ينبغي هنا إن ننسى أن عصر النهضة في أوروبا وما جلبه من تغيير في ثقافة الإنسان وزيادة وعيهم هو ما أدى إلى نهوضها. كما أن ثقافة العولمة أدت إلى تقدم العديد من الدول الفقيرة وخروجها من دائرة الفقر. أما عن القيم الإنسانية فإن البعض ينظر إليها على أنها الثقافة الشائعة بين الناس أو المعتقدات التي تميزهم عن الآخرين. ويفترض في القيم أن تكون جيدة لأنها تشتمل على الضمير العميق داخل نفوسنا وهذا الضمير أقوى من كل الأديان لأن الدين يمكن أن يتم التلاعب في تفسيره وطريقة تطبيقه لانه لا ينطق. ولكن الإنسان لا يستطيع أن يخدع نفسه عندما يكون ذو ضمير حي. ومن القيم أيضا أن هناك مجتمعات تعلى من قيمة الفرد وحقوقه مثل الغرب بشكل عام بينما هناك مجتمعات تعلي من شأن الجماعة والتعاون بين الناس مثل اليابان. وعلاقة القيم بالاقتصاد علاقة مهمة لأنها تحد من الفساد والتعدي على حقوق الآخرين فالتاجر الغشاش والحرامي والمغتصب يمكن أن يعجز الدين عن إصلاح أحوالهم، ولكن الضمير الحي الذي لا يمت بعد يمكن أن يصلح ما أفسدته الظروف الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء. والقيم نرثها من الأسرة والبيئة والمجتمع الذي نولد فيه، وعلى سبيل المثال فإن البنت المسكينة التي تولد لاب مجرم وأم عاهرة سوف تجبرها الظروف والبيئة السيئة التي ولدت فيها على أن تنحرف هي الأخرى، بمعنى أنه من المستحيل تصور أن تصبح أستاذة جامعية أو طبيبة. ومن ثم فإننا جميعا نتاج الصدفة والظروف الخارج عن إرادتنا. أيضا ومن خلال تجربتي الشخصية مع أناس وملل مختلفة لاحظت أن القيم يمكن أن تتغير مع تغير الظروف الاقتصادية فكم من أناس التقيت بهم وهم متوسطي الحال وفي غاية اللطف، ولكن ما ان ابتسم الحظ لهم وأصبحوا أغنياء إلا وتحولوا إلى ما يشبه الوحوش من فرط الطمع والأنانية. وهنا نجد أنفسنا أمام حقيقة أن الاقتصاد بتقلباته يمكن أن يغير قيم إلناس وسلوكهم، وعلى سبيل المثال فإن الإنسان الجائع والمهدد بالموت ينسى كل القيم ويتحول إلى ما يشبه الحيوان. والخلاصة أن العلاقة بين الإيمان والثقافة والقيم والاقتصاد علاقة معقدة ومتداخلة وهي تؤثر على بعضها البعض. وبعد فعندما ذهبت لألمانيا الغربية وكانت أول بلد أوروبي أراه في حياتي وأنا في منتصف العشرينات في العمر، أصبت بصدمة حضارية هائلة فقد وجدت أن الإيمان والثقافة والقيم والاقتصاد وطريقة التدريس تختلف تماما عن مصر في كل شيء وكان أول ما تعلمته إن ثقافة وتنمية الشعوب أقل بكثير من تكلفة قمعها.
بخصوص الأخوة الأعزاء سامي لبيب ومنير كريم والذين نفتقدهم ونتمنى أن يكونوا بخير، وفي هذا فقد تواصلت مع الصديق العزيز الاستاذ رزكار عقراوي لمعرفة ما إذا كانت هناك أي أخبار عن غيابهما فأفادني بأن إدارة الحوار حاولت الوصول إليهما دون نجاح وهو نفس ما حدث معي، ولذلك أتمنى على كل القراء الأعزاء الذين يعرفون أي شيء عنهما أن يبلغونا بهذا من أجل الاطمئنان عليها. مع كل الشكر والتقدير
مستشار اقتصادي
#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستتحول أمريكا ترامب لدولة فاشلة
-
العقل الديني والحداثة والديموقراطية
-
منوعات من جرائم وعجائب ترامب
-
دروس من جائزة نوبل في الاقتصاد
-
الأديان والحداثة والفقر الفكري
-
مراجعات وأفكار ١٥
-
في نقد الاقتصاد الإسلامي
-
كيف نحافظ على قيمة مدخراتنا
-
مراجعات وأفكار 14
-
الجامعات الأمريكية فضحتنا أمام العالم
-
معضلتنا الأساسية في عالمنا العربي
-
وداعاً للنظام الدولي القديم ومرحبا بالفوضى
-
تطورات سياسية واقتصادية محبطة
-
غزة وما يمكن أن يفعله الحوار ونحن
-
مراجعات لمفاهيم اقتصادية خاطئة
-
من المسؤول عن هذه المهزلة؟
-
هل ينجح تجمع بريكس أمام الغرب
-
مصر عبد الناصر وعراق صدام
-
مراجعات وأفكار 13
-
مراجعات وأفكار 12
المزيد.....
-
كان متشبثًا بحافة جرف.. شاهد نقل متسلق مصاب إلى بر الأمان بم
...
-
أمجد الشوا: المساعدات التي دخلت إلى غزة هي كمية لا تذكر بالن
...
-
-مظاهرات مناهضة للشرع في سوريا-.. ما سياق الفيديو المتداول؟
...
-
انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران وأمريكا
...
-
وزارة الداخلية السورية تطلق عملية إعادة هيكلة شاملة للمنظومة
...
-
-كنت أتمنى أن تعيش الأجنة، ليبقى لي أحد في العالم-
-
الحوثيون يستهدفون مطار بن غوريون بصاروخ باليستي يؤدي لتوقف ا
...
-
نتنياهو يتخطّى إدارة الجيش ويعيّن زيني رئيسًا للشاباك رغم ال
...
-
بريطانيا تدرس الإخصاء الكيميائي لمرتكبي الاعتداءات الجنسية
-
المغرب.. هزة أرضية بقوة 4.5 درجة
المزيد.....
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال
...
/ منذر خدام
-
أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول
...
/ منذر خدام
-
ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة
/ مضر خليل عمر
-
العرب والعولمة( الفصل الرابع)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الثالث)
/ منذر خدام
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|