سي محمد طه
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 00:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اليش و قليش
لحسن حظ المغاربة انهم ينطقون كل الحروف حتى يميزوا بين الكلمات و التسميات. نحسن الفصل بين القاف (ق) و الالف(أ) كما ينطقه المصريون. لان كلمة قليش ستنقلنا الى اليش الذي لا ذنب له في ما جرى و يجري.
اليش ايفان ILLICH IVAN, غوفلين الذي مثل بطل رواية ليو تولستوي ، الكاتب الروسي، التي صدرت سنة 1886 تحت عنوان " موت ايفان اليش" قد يتشابه مع رواية تصدرت احداثها عناوين الصحف و الاخبار بالمغرب تحت عنوان" سقوط إ(ق)ليش " مع نطق مصري لحرف القاف.
رواية "موت افان التش "تحكي قصة إيفان إيليتش غولوفين، قاضٍ ناجح ينتمي إلى الطبقة المتوسطة في روسيا القيصرية. يعيش حياةً تقليدية، يسعى فيها للترقي المهني والاجتماعي. لكن حياته تنقلب رأسًا على عقب عندما يُصاب بمرض عضال، يجبره على مواجهة حتمية مع الموت، مما يدفعه إلى إعادة تقييم حياته وعلاقاته.
الرواية تُظهر كيف يمكن للموت أن يكون مرآةً لحياة الإنسان، مما يدفعه إلى التأمل في قراراته وخياراته.
زيف الحياة الاجتماعيةحيث تنتقد الرواية التمسك بالمظاهر الاجتماعية على حساب العلاقات الإنسانية الحقيقية.
والبحث عن الحقيقةمن خلال معاناة إيفان، يُسلط تولستوي الضوء على أهمية الصدق مع الذات والآخرين.
كما تُقدم الرواية تأملًا عميقًا في طبيعة الحياة والموت، وتُعد من الأعمال التي تُحفز القارئ على التفكير في معنى وجوده.
فاذا كانت شخصية اليش في رواية موت اليش خيالية فان شخصية إليش في رواية "سقوط اليش " المغربية حقيقية رغم التشابه في انتماء الشخصيتين الى مجال القانون. اليش الخيالي يمتهن القضاء و اليش الحقيقي يدرس القانون و يقدم دروسه لمن يعملون في القضاء ، قضاة و محامون و نواب عامون و كل اسلاك القضاء المالي و الاقتصادي و الاجتماعي و الاداري.
اليش القاضي اصيب بمرض قاتل لنفسه وضعه امام حقيقة السؤال عن الحياة و دور العلاقات الاجتماعية حيث وجد في خادمه ما لم يجد في زوجته من تعاطف.
ربما اليش الروسي مات و ترك خلفه دروسا في فلسفة الموت و معناه و حقيقة الوجود العبثي للبشر و الانسان و عمق التناقضات التي نستشفها من العلاقات الاجتماعية و التي لا نكتشفها الا لحظة الوقوع بين مخالب الموت.
لكن شخصية اليش (illich IVAN) النمساوي الذي عاش بين 1926 و 2002 ذهبت في اتجاه مختلف عن الروايتين الروسية و المغربية.
اليش افان كان ناقدا للمجتمع المعاصر ، تبنى طرحا سمي بالفوضوية anarchisme لكفره بالمؤسسات.
انتقد اليش دومنيك ايفان النزعة المؤسساتية للمجتمع الصناعي .
من اهم كتبه "مجتمع بلا مدارس" (Deschooling Society – 1971).
اليش هذا السوسيولوجي وجه اسهمه للمدرسة و التعليم و التكوين عبر المؤسسات و الذي دافع عنه مؤسس السوسيولوجيا اميل دوركهايم و تبنته اغلب دول العالم حتى الاتحاد السوفياتي السابق و كوبا و الصين و كوريا الشمالية و فرنسا و حتى الامم المتحدة بكل مؤسساتها.
اليش اوضح من خلال نظريته ان المدرسة لا تعلم بل تكرس التبعية للنظام القائم . و هذا الامر اعمق و ابعد من طرح بورديوه الذي تبنى نظرية اعادة الانتاج la reproduction التي تكرس الطبقية و اعادة انتاج نفس العلاقات المجتمعية الطبقية. و تجاوز الى حد كبير طروحات التوسير التي تحاكي بورديو و لاهير في عدم تككافؤ الفرص ، les inégalités و ان المدرسة ٱلية من ٱليات السيطرة الطبقية بواسطة الالة الايديولوجية ، الى رفض المدرسة و خلق مجتمع بلا مدارس.
اليش النمساوي هذا فضح حقيقة المدرسة. المدرسة التي تربط التعليم بالشهادة التي تعطيها المدرسة ،كمؤسسة تحتكر بها الدولة الاعتراف بقدرات الشخص ، و ليس بالمعرفة الحقيقية و المهارات التي يتملكها الافراد.
وفي هذا الباب يدعو لتعليم منتفتح ليس فقط بالمدرسة و لكن بشبكات تعلم متعددة لن تكون طبعا مؤسساتية.
نظريةاليش النمساوي تحيلنا عما يناقش اليوم في المغرب عن إ(ق)ليش في المغرب، الظنين في المتاجرة بشهادات الماستر و الدكتوراه.
فما هي قيمة الشهادات التي تقدمها المؤسسات التعليمية اذا كانت امكانية تسويقها بالبيع و الشراء بهذه الفظاعة ؟
اليست فكرة ربط الشهادة بالمقومات التعليمية خدعة حقيقية ؟
الا يكرس التعليم طبقية المجتمع حيث ان ابناء الاغنياء يحصلون على الشواهد العليا ليس لانهم حصلوا على قدرات علمية اكثر من غيرهم و لكن لان امكانيات خارجة عن العملية هي الفاعل الاساسي في الشهادة حسب نظرية اليش النمساوي .
اما ما اتى به ا(ق)ليش أليس تعرية لواقع فاسد اكثر و اعمق مما تدرس نظرية اليش النمساوي ؟
هذا الوضع الا يسائلنا عن حقيقة الذين يحتلون المناصب و يفشلون في اداء المهام ؟
نظرية اليتش اليوم في وضعنا تشرعن الكفر بالمؤسسة التي تحتكر الشهادة لانها بلا معنى.
ا(ق)ليش في المغرب ليس فقط شخصية ذاتية ارتكبت اخطاء او جناية الجريمة ، و لكنه شخصية معنوية تمثل مؤسسة التعليم بكل ابعادها الخصوصية و العمومية العليا و الابتدائية ،النظرية و التطبيقية.
لذلك ان سقوط ال(ق)يش في يد الاعتقال يطرح السؤال ليس عليه كظنين و لكن يطرح السؤال على مجتمعنا بأكمله عن الشهادات في المدرسة و الجامعة ؟ فالقضية اعمق من جناية شخص او مجموعة من شبكات المتاجرة بالشهادات.
حين تكون الجامعة ،و كلية الحقوق ،و استاذ القانون الخاص في التعليم العالي رهن الاعتقال فعلى مجتمعنا التساؤل امام الموت الذي اصاب "إلش افان" في رواية ليو توستوي عن زيف حياتنا الاجتماعية التي نتمسك فيها بمظاهر الشهادات العلمية و ادعاء الولاءات الوطنية و الحقوقية و الانسانية. زيف و ليس بعده زيف هذا الذي ادار وجهه لنا ليرينا وجهنا على المرٱت ، اننا في الحضيض ، في اعمق من المزبلة.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟