مؤمل محمد الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 20:35
المحور:
قضايا ثقافية
رجعتُ من التبضع من السوق منذ فترة واذا بي أُصادف لافتة في احدى الفروع .. "افتتاح مركز رؤيا للتنمية البشرية " والذي يوحي لك انه سيكفي لتنمية كل الموجودين في المدينة , دخلته مليئا بالفضول و بعد عدة أساله مع احد العاملين في المركز عن مصطلح التنمية العجيب هذا .. سالته اٍن كان مقتنعا ؟ فاغتنمها مني الرجل ورد بهدوء وبسرعة .. ( أكيد قمةً القناعة!) فحييته وبصراحة تعجبت من كمية الثقة عند هؤلاء!
هل أنتَ من طبقة " البروليتاريا “ وتريد الارتقاء بنفسك؟ اليك هذا المدرب الدولي صاحب السترة الأنيقة ذو المظهر " الكارزمي " أعدك انه سيضبط نمط تفكيرك وسيقوم بتنميتك وسرعان ما ستنهي أزمتك العاطفية والمالية!
يرتدي سترة دائما حتى في الصيف !
يملك كمية غير منطقية من الشهادات !
يملك ثقة في النفس كما لو كان غاس فرينغ في بريكنغ باد !
يحمل كتابين " من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي " و " قوة التفكير “ !
سيقنعك أن بيل غيتس وستيف جوبز أصبحوا مليارديرات بقوة التركيز والثقة بالنفس وأنك تستطيع تحقيق كل أحلامك و(لا شيء مستحيل) إذا اعتقدت فقط انه يمكنك تحقيقها.
يوميا أرى ما لا يقل عن 10 إعلانات لمراكز تنمية بشرية محلية فقط قريبة مني في الهاتف، في احدى المرات ذهبت وصديقي الى ( شركة المستشار المؤسسي ) لأحضر احدى هذه الدورات فاذا بي بين مجموعة من الحضور (تقريبا 40 شخص) منهم فتيات وفتيان، كان موضوع المحاضرة يتمحور حول مهارات الإقناع والثقة بالنفس.. لم تمر 10 دقائق حتى أرى الحضور يصفقون للمدرب الذي كان مظهره أنيقا وحضوره قويا! تم تقديمه لنا على انه " مدرب دولي معتمد " حاصل على (1 2 3 4) من الشهادات.. يتحدث بهدوء ولديه مقومات الشخصية الكاريزمية، طرحه لم يتعدى ال 3 مبادئ رئيسية:
أولا: لا تستسلموا أبداً
يقول خبراء التنمية البشرية: لا تستسلم واستمر بالمضي قدما نحو تحقيق أهدافك
في الحقيقة من الجميل ان تكافح من اجل هدفك حتى اخر رمق لكن.. من قال لك ان هذا الهدف من الممكن تحقيقه؟
الواقع يخبرنا مرارا وتكرارا وبطريقة تجريبية ان هنالك أهداف لا يمكن بل يستحيل تحقيقها.. إذا كان الهدف مثلا أن يقوم شخص ما بالتنافس مع شركة tcp التايوانية لاشباه الموصلات فمن المستحيل ان ينجح في ذلك ذلك قولا واحدا.. هل من الصواب الاستمرار في جمع تمويل بقيمة 15 مليار ام أن يستسلم؟ هل تعلم أن 81% من الشركات التي تم تأسيسها في الولايات المتحدة أعلنت إفلاسها في أول سنة لها؟ يعني الشركات التي " تستمر فقط " نسبتها 19 بالمئة فقط ولم نتطرق الى الشركات التي " نجحت “.. ثم هب أنك في الطريق الخطأ! ما المشكلة في الاستسلام؟!
أجرى خبراء في جامعة كونكورديا ثلاث دراسات مفادها (أن الأشخاص القادرين على إعادة حساباتهم والتخلي عن الأهداف التي لا يمكن الوصول إليها، كانوا أكثر سعادة ونجاحاً من المصرين على تحقيق أهداف معينة لا يحيدون عنها) مثلا ستيف جوبز في عام 1998 تخلص من 340 منتجا من أصل 350 منتج عند عودته لمنصب المدير التنفيذي بها ليركز اهتمامات شركته على 10 منتجات فقط.. منها كان جهاز الايفون . فهل لو استمر بتطوير ال 340 ستجد شركته نجاحا كما لاقت؟
ثانيا: التفاؤل يحفزكم على النجاح
يقول خبراء التنمية البشرية: "صدقوني، يمكنكم أن تحققوا أي شيء تريدونه. كل شيء ممكن إذا اعتقدت أنك تستطيع تحقيقه. نعم، يمكننا!"
يقول توماس لانجز وهو عالم نفس امريكي " إن الأهداف الإيجابية الوهمية، يمكنها أن تقوض أو تضعف الحافز الحقيقي على النجاح " وهذا من البديهيات! كيف للمتفائل تحقيق ربع ما حققه المتشائمون!
لا يخفى على مثلك أيها المبارك أن محرك النجاح الوحيد هو مادة الدوبامين التي تفرز في العقل عند تلقي الانسان مردودا إيجابيا لعمله.. او تُستحدث بغيرها من الأمور المفرحة.. فمن الحُمق ان يقوم شخص ما بالتفاؤل! هذا يضرب محرك النجاح في مقتل.. وربما سأتطرق الى هذا الموضوع بشكل متعمق في مقال مفصل ان شاء الله .
ثالثا: ابتعد عن الاجهاد والضغوط
يقول خبراء "التنمية" البشرية: " ابتعدوا عن كل ضغوطاتكم ومشاكلكم "
صحيح لكن ... بينما هنالك اجهاد وضغط سلبي ... هنالك أيضا اجهاد وضغط ايجابيين! يشبه العلماء الاجهاد الإيجابي بالتمرينات الرياضية التي تجهد العضلات وتقويها .. فهو الضغط العصبي المفيد الذي يلازمك حتى انهاء عملك بشكل جيد او تسليم ورقة امتحانك !
محاكمة مصطلح "التنمية"
لا شك أيها المبارك أنك سمعت بمصطلح" التنمية الاقتصادية " أو " التنمية الصناعية " أو غيرها ولا يكاد أحد منا مؤخرا لم يسمع ب “التنمية البشرية “! فما هي؟.. يستخدم منضروا التنمية البشرية هذا المصطلح - بطريقة غير موفقة أبدا.. سنأتي لتبيان ذلك - للربط بين علم النفس التنموي وبين ما يحدث من مهازل داخل قاعات التنمية البشرية ! مستغلين بذلك مغالطة المشترك اللفظي فمثلا عندما يقول شخص ( يدعي فلان أن الأرض كروية ) سيتبادر الى ذهنك انه يقول بان المٌدعي كاذب ! لأنه استخدم مصطلح (يدعي : من ادعاء ) .. وعندما تحاكمه اليها يقول : لا .. أنا اقصد ب " يدعي هذه " القول فقط .. هنالك حديث مشهور عن النبي ص فيه أن جبريل ع ادعى كذا وكذا فهل يعني أن جبريل كاذب ؟ .. هنا قام المحتج بارتكاب المغالطة لأنه يستخدم تعمده الإشارة الى الارتباط الذهني بالمصطلح الحديث مع المعنى الحقيقي للمصطلح قديما ففي لغة العرب كان الادعاء سابقا مثل القول كلاهما سواء في المعنى ! فهو يريد بذلك تضليل المستمعين .
الان نمر عجلين على فكرة ربطها بعلم النفس التنموي .. حسب رابطة علم النفس الأمريكية علم النفس التنوي هو ( دراسة سلوك الأطفال والبالغين من جانب نفسي وترقب التغيرات التي تطرأ أثناء هذا النمو ) فلا اجد ماعلاقه هذا بذاك!
الأحد 2 ربيع الأول 1445 هـ
1 - البروليتاريا :هو مصطلح ظهر في القرن التاسع عشر ضمن كتاب "بيان الحزب الشيوعي" لكارل ماركس وفريدريك أنجلز معناه الطبقة التي لا تمتلك أي وسائل انتاج وتعيش فقط من بيع جهدها الشخصي او الفكري .. اعني اغلبنا .
2 – الشخصية الكارزمية : اعني بها ( الشخصية التي تستوفي معايير قائد القطيع حسب نضرية غوستاف لوبون ) في كتابه Psychologie des Foules
3 – شركة تايوان لاشباه الموصلات ( احتكار للسوق يبلغ 70% )
4 – حسب تصريح الشركة سنة 2020 فانها تحتاج الى 15 مليار دولارا لبناء مصنع واحد للشركة في سنة 2023!
5 – رابط البحث https://www.pressreader.com/usa/id-magazine/20160601/282222305164951
6 – من ترجمتي : النص الأصلي من مقال بعنوان " Developmental Psychology Studies Humans Across the Lifespan " الاقتباس المترجم ( The study of developmental psychology is essential to understanding how humans learn, mature and adapt. )
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟