فاطمة رضا عطية
الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 15:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم الدكتور: راشد والي جانجوا/ محلل أمني و عسكري
ترجمة وتحرير: فاطمة رضا عطية/ كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد
مقال منشور في The International News بتاريخ 13 شباط 2025
يجعل الصراع المستمر في أفغانستان من الصراع "مشكلةً مستعصيةً". ففي عام ١٩٧٣، صاغ مُنظّرا التصميم هورست ريتل وميلفن ويبر مصطلح "مشكلةً مستعصيةً" لوصف مشكلةٍ لا حلَّ واضحًا لها رغم الجهود المُتكررة لحلها. ومن هذا المصطلح تُجسّد الأزمة الأمنية الأفغانية الحالية هذه المشكلة، ربما بسبب طريقة صياغتها، و قد تتبلور بعض الأفكار حول هذا الوضع المُعقّد من خلال تناول بعض الأسئلة الصعبة، ولكن ذات الصلة، التي تجنّبها مُعظم المُحللين.
ثلاثة أسئلة رئيسية يجب الإجابة عليها لفهم دوافع وأفعال ومخاوف الأطراف الرئيسية في هذا الصراع بشكل أفضل. يتعلق الأول بدوافع الأطراف الخارجية والداخلية التي تعمل كمحفزات للاضطرابات المستمرة. أحد الجوانب الحاسمة في هذا البحث هو ما إذا كان السلام في أفغانستان يتماشى مع مصالح القوى العالمية والإقليمية الكبرى. في حين أن السلام يعود بالنفع للأفغان وجيرانهم المباشرين، بما في ذلك باكستان، فإن حالة من الفوضى المُسيطَر عليها قد تكون أكثر فائدة للولايات المتحدة وحليفتها الإقليمية الهند.. ينبثق تفضيل الولايات المتحدة والهند لعدم الاستقرار من النظرية القائلة بأن حرمان مشاريع البنية التحتية الإقليمية والعالمية الرئيسية مثل مبادرة الحزام والطريق (BRI) هو ما يخدم مصالحهما الاستراتيجية. لكن ستكون الصين وباكستان، وإلى حد ما، دول آسيا الوسطى، الخاسر الأكبر من هذه الاضطرابات. بالنسبة للولايات المتحدة، يُعدّ الحفاظ على استراتيجية منخفضة التكلفة للسيطرة على عدم الاستقرار مع الحفاظ على النفوذ من خلال المساعدات المالية - التي تصل إلى 87 مليون دولار أسبوعيًا - للحكومة الأفغانية المؤقتة (AIG) التي تعاني من ضائقة مالية، نهجًا عمليًا في ظل أزمة إنسانية متفاقمة. أما في حالة الهند، تُشكّل أفغانستان قاعدة استراتيجية لإثارة الاضطرابات في باكستان من خلال جهات فاعلة عنيفة غير حكومية (VNSAs) مثل حركة طالبان باكستان (TTP). ومع انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وإيران التي تُواجه تحديات البقاء الخاصة بها، تظل الصين القوة العظمى الوحيدة القادرة على العمل كقوة استقرار في أفغانستان. ومع ذلك، وعلى الرغم من المزايا الواضحة للتعامل مع أفغانستان، فإن تركيز الصين الأساسي على تايوان وبحر الصين الجنوبي يحدّ من رغبتها في الاضطلاع بدور أمني نشط في المنطقة.
ومن جانب آخر، تفتقر مبادرات الأمن الإقليمي، مثل صيغة موسكو ومنتدى أفغانستان-الصين-باكستان، إلى التأثير اللازم لحل الأزمة، إذ لا تزال الصين وروسيا منشغلتين بأولوياتهما الأمنية والاقتصادية. وهذا يترك الأفغان لإدارة صراعاتهم الأمنية والاقتصادية بأنفسهم. إن أفغانستان، المعزولة عن الساحة العالمية والمفصولة عن القنوات المصرفية الرسمية، تعتمد على اقتصاد قائم على "الصراع"، وتعيش من خلال نظام مالي غير رسمي ومساعدات إنسانية من الأمم المتحدة وعدد قليل من الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة. و إذا كانت الولايات المتحدة تهدف إلى إدامة الفوضى المُدارة في أفغانستان، فإن تجميد الأصول الأفغانية مع ضخ ما يكفي من السيولة للحفاظ على استمرارية عمل مجموعة التأمين الأمريكية (AIG) يُعدّ خيارًا استراتيجيًا منطقيًا. إذ يُشكّل التغيير في القيادة الأمريكية تحديات جديدة لأفغانستان ما لم تُغيّر واشنطن نهجها تجاه السلام والأمن الإقليميين جذريًا.
أما السؤال الرئيسي الثاني هو ما إذا كانت الجماعة الإسلامية الأفغانية قادرة على الحفاظ على الاستقرار والوحدة في أفغانستان رغم العزلة الدولية والانقسامات الداخلية. تنقسم القيادة الأفغانية إلى فصيلين رئيسيين: الأصوليون الأيديولوجيون بقيادة الملا هبة الله أخوندزاده في قندهار، وجماعة سراج الدين حقاني في كابول. في هذه الأثناء، تعيد فلول التحالف الشمالي السابق تنظيم صفوفها في إطار جبهة المقاومة الوطنية. كما تتنافس جماعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك حركة طالبان الباكستانية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجماعات مسلحة أصغر، على النفوذ. في الوقت نفسه، تستغل فصائل الجماعة الإسلامية الأفغانية هذه الجماعات المسلحة لتحقيق مكاسب استراتيجية خاصة بها. يدرك فصيل قندهار الحاجة إلى مواكبة القوة العسكرية لشبكة حقاني تحسبًا لحرب أهلية محتملة في المستقبل، وهو أمر يزداد احتماله بسبب الاختلافات العميقة في الأمن والحوكمة والنظرة الأيديولوجية بين الفصائل. ونتيجة لذلك، تستعد فصائل الجماعة الإسلامية الأفغانية، وجبهة المقاومة الوطنية، والجماعات المسلحة الأفغانية لصراع محتمل مدفوع بهذه الانقسامات التي لا يمكن التوفيق بينها.
السؤال الحاسم الثالث يتعلق بنهج باكستان تجاه أفغانستان وإدارة التحديات الأمنية الناشئة عن الأراضي الأفغانية. لطالما تحملت باكستان وطأة النزعة التوسعية الأفغانية، بغض النظر عن التوجه السياسي أو الأيديولوجي للقيادة الأفغانية. أدى هذا الموقف التوسعي، إلى انتهاكات حدودية مستمرة وازدهار ثقافة الأنشطة غير المشروعة المربحة ماليًا، إلى جانب وجود سبعة عشر قبيلة منقسمة على طول الحدود الباكستانية الأفغانية، ومع مرور الوقت، اكتسبت هذه الأنشطة وضعًا شبه قانوني، حيث تعمل بشكل علني على الرغم من وجود وكالات مراقبة الحدود والهجرة وإنفاذ القانون من كلا البلدين. ولمعالجة هذه القضايا، يجب على باكستان تفكيك شبكات المحسوبية التي تُمكّن الأنشطة غير المشروعة على طول الحدود، سواء داخل الهياكل الحكومية أو خارجها. ويجب سد الفراغ في الحوكمة وإنفاذ القانون الذي خلّفه اندماج المناطق القبلية على وجه السرعة من خلال تدخل حكومي فعال ومبادرات تنمية تركز على سبل العيش. إن المسؤولية السياسية عن الأمن والتنمية في هذه المقاطعات المندمجة ضرورية لإعفاء القوات العسكرية وشبه العسكرية من مسؤوليات الحكم، التي لم تُدرَّب عليها ولا يُكلَّف بها دستوريًا.
وأخيرًا، ينبغي تخفيف القيود التجارية لتسهيل التجارة السلسة وغير المقيدة بين البلدين، مما يعزز "المجتمعات التجارية" ذات المصلحة الراسخة في الحفاظ على السلام على طول الحدود. قد يكمن أحد الحلول المحتملة لمشكلة أفغانستان المستعصية في الاستقرار الاقتصادي والتجاري، المدعوم بمبادرات الربط مثل مشروع خط السكة الحديد العابر لأفغانستان الذي يربط أوزبكستان بباكستان عبر أفغانستان. و إن إنهاء التدخل الخارجي، وحل النزاعات الأفغانية الداخلية، والقضاء على الاقتصادات غير المشروعة الناتجة عن فراغ الحكم الباكستاني في المقاطعات المندمجة، من شأنه أن يُمهد الطريق أخيرًا لسلام دائم في أفغانستان.
#فاطمة_رضا_عطية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟