أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اية الانصاري - العزلة الاخلاقية وتشكل الذات : من بتلر الى فوكو و تودوروف














المزيد.....

العزلة الاخلاقية وتشكل الذات : من بتلر الى فوكو و تودوروف


اية الانصاري
باحثة وناقدة

(Aya Alansari)


الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تنظر جوديث بتلر إلى "الذات"،  بوصفها مشروعا سرديا مستمرا، ينتج في التماس مع البنى الاجتماعية والثقافية التي تمارس سطوتها من خلال المعايير الأخلاقية المهيمنة. تقول بتلر: "لا وجود لأنا معزولة تماما عن الظروف الاجتماعية لنشوئها." هذا يعني أن الذات الأخلاقية ليست قابلة للاختزال إلى قرار داخلي طوعي، بل تشتق دائمًا ضمن إطار معياري مسبق، إشكالي، ومتعدد. الذات، إذا، لا تفصح عن نفسها انطلاقا من جوهر مفترض، بل من موقف مفارق، يتخذ شكلاً أقرب إلى الانقطاع النقدي عن ذاك الخطاب الذي أنتجها. وفي هذا السياق، يصبح فعل "وصف الذات" ليس فقط لحظة وعي، بل لحظة مقاومة، واستعادة للفاعلية عبر تمثيل سردي -تغريبي- ينطوي على قدر من الوعي بالانفصال، بالتباعد،  يتقاطع هذا المنظور مع مشروع فوكو في "الاعتناء بالذات" كتمرين أخلاقي لا ينشأ في عزلة، بل داخل لعبة السلطة والمعرفة.فالمعايير الأخلاقية، عند بتلر، ليست مجرد إطار قيمي خارجي بل ميدان لتصارع الخطابات، تعيد الذات عبره إنتاج نفسها كفاعل رمزي من خلال الانفعال الأخلاقي، أي من خلال رد الفعل لا فقط كنظام قرار. ولأن هذه المعايير تتجاوز الذات، تظل الأخيرة في موقع لا يقيني، يتموضع بين الوصف النقدي لنشوئها وبين التزامها الأخلاقي تجاه عالم مشبع بالعنف الرمزي. هذا العنف، لا يتجلّى فقط كقسر خارجي بل كشرط إمكان للذات في إدراك موقعها داخل نظام تمثيلي يحدّد لها أفق الاستجابة والتأويل.
تقاطع الانعزال والمقاومة: نقد السيادة الانطولوجية
من هنا، تصبح العزلة الأخلاقية ،  موقفا سياديا تعيد فيه الذات تشكيل علاقتها بالمعيار. إن الانعزال ليس تراجعا بل تأسيسا لموقف مغاير، لا يكتفي بالانسحاب بل يشرع للاختلاف. وكما تشير بتلر، فإن الذات وهي تصف نفسها لا بد أن تمارس دور "المنظّر الاجتماعي"، أي أنها تدخل في حوار نقدي مع شروط إنتاجها، وتشتبك مع تمثيلات الآخر بما يكشف إمكانات تجاوز النمطية والانخراط في نقد بنية التشابه المفروض. تزفتان تودوروف، في سياق آخر، يفكك وهم "السيادة الفردية" بالقول إنّ "الطبيعة تخلقنا في عزلة، لكن السيادة تفترض نفي الآخر"، مما يعني أنّ كل محاولة لإنشاء وحدة أنطولوجية مكتفية ذاتيا، تنزلق بالضرورة إلى نفي أخلاقي لوجود الآخرين. وهذه المفارقة تُحيل إلى لبّ العزلة الأخلاقية كموقف إشكالي: هي تعبير عن الفعل الفرداني ولكنها في ذات الوقت تمرّ عبر الآخر، سواء كحضور أو كغياب حين تدرك الذات بوصفها مفعولا لقوى خارجية، فإنها تسعى إلى بناء فعلها الخاص في التمثيل والتصوير، أي في الخطاب الجمالي. من هنا ينبع الدور المحوري للنص أو الفن في إعادة إنتاج الذات كفاعل، من خلال "تغريب" التجربة أو تدويرها في بنى رمزية قادرة على التعبير عن التصدع، عن الاختلاف، وعن المسافة. النص –سواء كان فلسفيا أو تصويريا أو أدبيا– يمكن الذات من أن تستعيد قدرتها على تقرير مصيرها الرمزي، ليس من موقع القوة بل من موقع التوتر. وهنا يتقاطع هذا الطرح مع أمبرتو إيكو حين يعتبر أن الذات تبني بنيتها الداخلية عبر امتصاص الخارج ودمجه في منظومة دلالية تصبح بدورها أداة للهيمنة الرمزية.فالنص الفني باعتباره تجسيدًا للفعل التصويري المتفرد يُقدّم نموذجًا استطيقيًا للعزلة، يتجاوز تمثيل الذات إلى إنشائها، إلى جعلها ممكنة ضمن شروط خطابية بديلة. هذا النمط من التمثيل يمكن فهمه كفعل إمبريالي بمعناه الرمزي، أي سعي الذات إلى التملك عبر بناء رؤية كونية تستوعب ما هو خارج عنها في البنية الداخلية لها، وهذا ما يعيد طرح مفهوم "التخارج الوحداني" عند بتلر، كصورة للتسامي عبر صراع الذات مع شروط تشكلها



#اية_الانصاري (هاشتاغ)       Aya_Alansari#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في تقنيات الاهتمام بالنفس و فن الوجود الاتيقي ، تأويلات فوكو ...
- تأويل الذات عند ميشيل فوكو ، في الانهمام بالذات و القطيعة ال ...
- العزلة و الابداع في ضوء مفهوم الجذمور عند دولوز: نحو فهم جدي ...
- في اصل العمل الفني و المصور المعاصر المتوحد
- جون بول سارتر في فكرة الظاهرة ووجود الظاهرة


المزيد.....




- لمنحها -بداية جديدة-.. ترامب: أمريكا -قد تخفف- العقوبات المف ...
- جولة ترامب تكشف التغييرات في الشرق الأوسط.. نظرة على أسباب ز ...
- -فورين أفيرز-: نهاية حقبة التحالف الأوروبي الأمريكي
- يونيو المقبل: بدء محاكمة المحامي الحقوقي إبراهيم متولي في قض ...
- أزمةٌ تتفاقم... الجزائر تتجه لطرد المزيد من الدبلوماسيين الف ...
- أمين عام -حزب الله-: نستنكر استنكارا عظيما العدوان الإسرائيل ...
- هل تعاطيا مخدرات؟.. جدل بالمنصات حول فيديو ماكرون وميرتس
- هل يفضي إفراج حماس عن الجندي -الأميركي- إلى مفاوضات أوسع؟
- ترامب: قطر ستمنحنا طائرة في لفتة عظيمة
- آبل تبحث رفع أسعار هواتف آيفون الجديدة


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - اية الانصاري - العزلة الاخلاقية وتشكل الذات : من بتلر الى فوكو و تودوروف