أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صفاء الصافي - من هو على حق ؟














المزيد.....

من هو على حق ؟


صفاء الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 05:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نعيش اليوم في زمنٍ تُسكب فيه المعلومات علينا سيلاً بلا توقف، لا يفصلنا عنها سوى نقرة على شاشة هاتف أو حاسوب، عصر الذكاء الاصطناعي، الذي بات يوصف بـ"المرعب"، لأنه لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويجمعها، حتى ظنّ البعض أنه يملك الحقيقة الكاملة.
لكن المأزق الحقيقي لا يكمن في توفر المعلومة، بل في تضاربها. فعندما تبحث عن قضية دينية مثلاً، تجد أمامك طوفانًا من الآراء، كل منها يقدّم نفسه على أنه الحق المطلق، ويصم المخالف بأنه ضال أو تابع للشيطان. لا مجال للنقاش، ولا فسحة للاختلاف، فكل فريق يحتكر طريق الله لنفسه، ويصنّف الآخرين خارج الدائرة.
وفي هذه الفوضى المعرفية، يدخل الإنسان في حلقة مفرغة، تدور حول ذاتها دون مخرج، ما لم يتوقف ليطرح على نفسه سؤالًا جوهريًا: ما هو الحق؟ وما هو الباطل؟ وعلى أي أساس يمكن التمييز بينهما؟ هل المرجع هو الكتب السماوية فقط؟ أم السيرة النبوية؟ أم اجتهادات العلماء؟ وأي علماء؟ هل هم ممثلون للحقيقة أم مجرد بشر يُصيبون ويُخطئون؟
وإذا افترضنا أن رجال الدين هم يعرفون الحق الإلهي، فمن يحق له تفسير هذا الحق؟ وكيف يمكن ضمان أن من يزعم تمثيله لا يخضع لتحيزات سياسية، أو طائفية، أو حتى شخصية؟ وإذا كان الحق لا يتعدد، فلماذا هذا التعدد في الفرق والمذاهب والتيارات؟ وأيّها أقرب للجوهر؟ أم أننا أسرى قوالب دينية تاريخية فصلت على مقاسات السلطة .
عندما تشتعل الحروب، نادرًا ما يعترف أي طرف بأنه يسعى خلف مصالح دنيوية أو أطماع سلطوية. بل الجميع يرفع راية "الحق"، ويعلن أن معركته أخلاقية، مقدسة، بل ومفوضة من عند الله.
تاريخ الحروب الدينية والمذهبية – من الحروب الصليبية، إلى الفتوحات الإسلامية، إلى النزاعات الأهلية الطائفية – يعيد نفسه بنفس السيناريو:
كل طرف يحتكر الحقيقة، ويمنح نفسه صكوك الغفران، بينما يُشيطن الآخر.
ويقول( ابن خلدون)، في مقدمته الشهيرة، حذر من هذه الظاهرة، حين قال: " الدعوة إلى العصبية، إذا كانت باسم الدين، تكون أشدّ وأفتك، لأن الناس لا يراجعونها بعقولهم، بل يسلمون لها تسليمًا"، بمعنى أن استخدام الدين كغطاء للنزاع يجعل الناس أقل نقدًا، وأكثر قابلية للاندفاع، حتى لو كانت الحرب ظالمة
أما (سيد قطب)، فله قول مثير للتأمل وإن اختلف حوله الكثيرون: "الحق لا يُفرض بالقوة، ولكن القوة يجب أن تُستخدم لحمايته" ،هذا القول يفتح الباب للتساؤل: من يحدد الحق؟ ومن يملك شرعية استخدام القوة؟ وهل القوة فعلاً تحمي الحق، أم تفرضه.
وفي هذا السياق يقول (برتراند راسل) "الحروب الدينية تُخاض دفاعًا عن المعتقدات التي لا يمكن إثباتها"، وهو نقد ساخر لحقيقة أن أكثر الحروب دموية كانت تُشنّ تحت رايات لا تقبل النقاش أو البرهان، فقط "الإيمان الأعمى".
وإذا رجعنا للواقع، نجد أن كثيرًا من الحروب تجد لها دائمًا "رجال دين" يقدمون الفتاوى عند الطلب، وتكون الفتوى على قدر الدسومة.

فالحروب لا تشتعل باسم الدين إلا إذا وجد فيها من يفرّغ الدين من معناه ليملأه بالعنف، فالحقيقة الصادمة هي أن "الحق"، في سياق الحروب، أصبح أداة خطابية، لا قيمة أخلاقية. يُستخدم لتعبئة الجماهير، وتبرير العنف، وغسل الدماء بالشعارات.
ولذلك، يجب أن يكون سؤالنا الحقيقي اليوم:
من يعرّف الحق؟
هل هناك حق مطلق في سياق سياسي متحرك؟
وهل يمكن أن تُخاض حرب "مقدسة" بلا أن تتحول إلى جريمة ضد الإنسان؟
فخلاصة القول يجب ان نبدأ بأنفسنا بعدم احتكار الحقيقة، ومهما كان إيمانك قوي، لا يعني أنك معصوم من الخطأ أو أن فهمك هو الفهم المطلق وان الحق ليس محصورًا عندك، بل قد يكون موجودًا حيث لا تتوقع كما قال (جلال الدين الرومي) "لا تكن متأكدًا جدًا من ما تؤمن به، فقد يكون الحق في الجهة الأخرى من الجدار." والجدار هنا رمز للحواجز النفسية أو العقائدية أو الطائفية أو حتى الفكرية اللي تفصلنا عن الآخر.
.







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع التاريخ يدخل السوشيال ميديا
- عجيب امركم
- رجل الدسومة
- سيفا مسلول ام سيفا رهقا


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من العمال
- صراع الشريعة الإسلامية في السياسة السودانية
- كيف يعيش بابا الفاتيكان ماديا؟.. راتب رمزي ومصاريف مشمولة
- ما دلالات تسمية بابا الفاتيكان الجديد -لاوُنْ- الرابع عشر؟ ا ...
- من صناديق الاقتراع إلى الفاتيكان.. البابا ليو الرابع عشر وتو ...
- ماما جابت بيبي.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد نايل سات ...
- تونس: زيارة معبد الغريبة ستقتصر على اليهود المقيمين في البل ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد وكيفية ضبطه لتسلية أطفالك
- لأول مرة في الدنمارك: محاكمة متهمين بتدنيس المصحف
- ما الذي ميز القداس الأول للبابا الجديد في الفاتيكان؟


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صفاء الصافي - من هو على حق ؟