مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد - جامعة دمشق
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 16:18
المحور:
الادارة و الاقتصاد
ظهرت الاشتراكية الديمقراطية في القرن التاسع عشر في باريس عام 1889، كنتيجة للثورة الصناعية التي شهدتها المجتمعات الأوروبية حينذاك، فاعتمدتها الحركة العمالية العالمية إطاراً تنظيمياً لتعبر عن إرادتها في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي.
تسعى الاشتراكية الديمقراطية إلى بناء مجتمع بقوم على العدل والمساواة بين كافة الناس في القيمة وهذا يعني بناء مجتمع تضامني يعيش فيه المواطنون أحرار ومتساوون ولابد لكل إنسان أن يكون حراً في أن يتطور كفرد وأن يملك زمام حياته وأن يؤثر على مجتمعه والحرية تشمل التخلص من الضغوط الخارجية والقهر، ومن الجوع والحرمان والجهل والإسهام في تقرير الأمور وفي تطوير الذات والإحساس بالأمان ضمن الجماعة وفي القدرة على توجيه دفة حياته واختيار مستقبله الخاص.
الحرية والمساواة لا يتعلقان بحقوق الفرد فحسب، بل أيضا بالحلول الجماعية التي تسعى لتحقيق الصالح المشترك للجميع وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه فرص الفرد في الحياة والنمو والتطور. لأن الإنسان مخلوق اجتماعي يتطور ويرتقي بتفاعله مع الآخرين والعديد من جوانب رفاه الفرد لا تتحقق إلا في إطار التعاون مع الآخرين.
تفترض المصالح المشتركة التضامن بين أفراد المجتمع، التضامن الذي يعني التماسك بين أفراد المجتمع والنابع من الاقتناع الداخلي بأننا جميعاً نحتاج إلى بعضنا البعض وأن أفضل المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يقوم على التعاون والاحترام المتبادل وتحمل المسؤولية. ولا تضع المصالح الاقتصادية حدوداً للديمقراطية، بل أن الديمقراطية هي التي تحتفظ دائما بحق وضع الشروط للنشاط الاقتصادي والحدود لقوى السوق.
اعتمدت معظم الدول الاسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية كطريق طويل للتغيير، من خلال المفاوضات والنضالات لاكتساب الحقوق المهضومة للطبقة العاملة. وقد عززت نهجها بمبدأ يقول بأنه في البلاد التي تقبل مبدأ الديمقراطية السياسية، لا حاجة الى قلب المؤسسات السياسية الاجتماعية بالثورة.
لكن الحرب العالمية الأولى وثورة 1917 الروسية في روسيا، أدتا إلى انقسام الاشتراكية الديمقراطية، وتأسيس الأحزاب الشيوعية في البلدان الأوروبية، وقد اتهمت الأحزاب الشيوعية الاشتراكيين الديمقراطيين بالخيانة، معتبرة أن هؤلاء قد تخلوا عن التضامن الدولي وانحازوا إلى مفهوم المصلحة القومية الضيقة.
ولا يعد تزايد نفوذ المصالح الرأسمالية أمراً ضمنياً كنتيجة للعولمة وبالتالي أمراً غير قابل للتغيير، بل هو قابل للإيقاف من خلال العمل السياسي والنقابي الواعي. هناك إمكانيات كبيرة متاحة لتحقيق المساواة وإزالة الفوارق وتعميم الديمقراطية والرفاه وهذا يتطلب الإرادة والقوة السياسية القادرة على الاستفادة من هذه الإمكانيات الجديدة. فالاشتراكية الديمقراطية يمكن أن تكون جزء من هذه القوة السياسية التي تسهم في تحويل العولمة إلى أداة للديمقراطية والرفاه والعدالة الاجتماعية.
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
#مصطفى_العبد_الله_الكفري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟