شمسي مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 00:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أصبح المجتمع المغربي اليوم يقف على شفا حفرة من مرحلة تاريخية حاسمة تتسم بتفاقم التناقضات الطبقية وتصاعد الصراع الاجتماعي في ظل ازدياد القمع وانتشار مظاهر البؤس الاجتماعي إذ أننا في هذا المقال نسعى لمحاولة تطبيق أدوات التحليل الماركسي على الواقع المغربي كجزء من سياق عربي وعالمي أوسع من أجل النضال ضد الإمبريالية والصه__يونية ودعما للقضية الفلسط__ينية.
القانون الأول وحدة الأضداد وصراع المتناقضات؛ يتجلى قانون وحدة الأضداد وصراع المتناقضات في المجتمع المغربي من خلال التناقض الحاد بين الطبقة البرجوازية المسيطرة المرتبطة بمصالح الرأسمال الأجنبي والمؤسسات المالية الدولية وبين الطبقات الشعبية المتمثلة في العمال والفلاحين والفئات الوسطى المفقرة. هذا التناقض ليس ظاهرة عرضية بل هو القوة المحركة الأساسية للتطور التاريخي والسياسي في المغرب حيث نشهد تناقضاً حاداً بين نمو الثروات واحتكارها من قبل فئة ضيقة في قمة الهرم الاجتماعي وتوسع دائرة الفقر والهشاشة وسط الأغلبية الشعبية إذ يظهر هذا التناقض في السياسات النيو ليبرالية المفروضة على المجتمع المغربي والتي أدت إلى تفكيك القطاع العام وخصخصة المؤسسات الحيوية ثم تراجع الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة وتحويلها إلى سلع خاضعة لمنطق السوق وانتهاء بقمع الحركات الاحتجاجية الشعبية كما حدث مع 20 فبراير وحراك الريف والحركات الاجتماعية المختلفة.
القانون الثاني الانتقال من الكم إلى الكيف ؛ يتجسد هذا القانون في تراكم الاحتجاجات والنضالات الشعبية المتفرقة لتتحول في لحظات معينة إلى حركات اجتماعية ذات طابع شمولي فالاحتجاجات اليومية المتفرقة ضد غلاء المعيشة وضد تردي الخدمات العمومية والبطالة تتحول في ظروف معينة إلى انتفاضات شعبية واسعة كما حدث في حراك 20 فبراير سنة 2011 وحراك الريف سنة 2016 وغيرها من الحركات الاحتجاجية فهذا الانتقال من الكم إلى الكيف يتطلب وجود قيادة ثورية واعية تمتلك استراتيجية سياسية واضحة قادرة على تحويل الغضب الشعبي العفوي إلى فعل ثوري منظم كما أشار تر وتسكي في نصه "الطبقة والحزب والقيادة"، فإن نضج البروليتاريا وقدرتها على التحول إلى قوة قيادية للتغيير الثوري مرتبط بوجود كوادر ثورية تجسد التقاليد النضالية للطبقة العاملة.
القانون الثالث نفي النفي أو سلب السلب؛ يظهر قانون نفي النفي أو سلب السلب في مسار التطور التاريخي للمجتمع المغربي عبر مراحل فالمغرب الذي خضع للاستعمار الفرنسي والإسباني والذي قاد نضالاً وطنياً ضد هذا الاستعمار وجد نفسه بعد الاستقلال الشكلي خاضعاً لأشكال جديدة من الهيمنة الاستعمارية متمثلة في التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية للقوى الإمبريالية ويشكل هذا المسار حلقة جدلية: أطروحة المجتمع ما قبل الاستعماري نقيضها أطروحة المرحلة الاستعمارية ونفي نقيضها مرحلة ما بعد الاستقلال (الاستقلال الشكلي) والمطلوب اليوم هو تجاوز هذه المرحلة الأخيرة نحو تحرر وطني حقيقي يقطع مع التبعية للإمبريالية ويؤسس لمجتمع جديد على أنقاض المجتمع القديم وهذا هو جوهر قانون نفي النفي.
إن المجتمع المغربي يتكون من عدة طبقات وشرائح اجتماعية متناقضة المصالح وهي:
البرجوازية الكبرى المرتبطة عضوياً بالرأسمال الأجنبي والمؤسسات المالية الدولية والمستفيدة من سياسات الخصخصة والليبرالية الاقتصادية.
البرجوازية المتوسطة والصغيرة المهددة باستمرار بالإفلاس والتهميش في ظل هيمنة الرأسمال الكبير والمنافسة غير المتكافئة.
الطبقة العاملة التي تعاني من الاستغلال المضاعف وتفتقر إلى منظمات نقابية مستقلة وفعالة قادرة على الدفاع عن مصالحها.
الفلاحين الذين يعانون من السياسات الزراعية النيو ليبرالية واستحواذ كبار الملاك على الأراضي الخصبة وموارد المياه.
البروليتاريا الرثة والمكونة من جيش البطالين والعاملين في القطاع غير المهيكل والذين يشكلون قنبلة اجتماعية موقوتة.
إن الصراع بين هذه الطبقات والشرائح الاجتماعية هو المحرك الأساسي للتطور التاريخي والسياسي في المغرب وليس النزاعات الإثنية أو الدينية أو الثقافية التي غالباً ما تكون انعكاساً مشوهاً للصراع الطبقي الأساسي، وتلعب الدولة المغربية دوراً حاسماً في إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية وضمان هيمنة الطبقة البرجوازية فهي ليست محايدة في الصراع الطبقي بل هي أداة في يد الطبقة السائدة لقمع الطبقات الشعبية والحفاظ على النظام القائم وتتجلى هذه الطبيعة الطبقية للدولة في تسخير أجهزة القمع لقمع الاحتجاجات الشعبية وتوظيف الجهاز التشريعي لسن قوانين تخدم مصالح البرجوازية على حساب العمال والفلاحين ثم استخدام الإعلام الرسمي لتبرير السياسات النيو ليبرالية وتشويه النضالات الشعبية. حيث أشار لينين أن الدولة هي جهاز لممارسة عنف طبقة على طبقة أخرى ولا يمكن تحرير الطبقة العاملة والفئات الشعبية دون تفكيك هذا الجهاز القمعي وإقامة جهاز جديد يخدم مصالح الأغلبية المستغَلة.
أضحى المغرب يحتل موقعاً هامشياً في النظام الرأسمالي العالمي حيث يشكل مصدراً للمواد الخام (كالفوسفاط) والأيدي العاملة الرخيصة وسوقاً لتصريف منتجات الدول الرأسمالية المتقدمة هذا الموقع الهامشي مرتبط بالتبعية المتعددة الأبعاد للمراكز الإمبريالية:
التبعية الاقتصادية: المديونية الخارجية التبادل غير المتكافئ هيمنة الشركات متعددة الجنسيات
التبعية السياسية: الارتباط بالسياسات الخارجية للقوى الإمبريالية خاصة فرنسا والولايات المتحدة
التبعية العسكرية: الاعتماد على السلاح الغربي، المشاركة في المناورات العسكرية (الحلف الأطلسي نموذجا)
التبعية الثقافية: غزو الثقافة الاستهلاكية وتغريب النظام التعليمي
ومن خلال تحليل ماو تسي تونغ للتناقضات؛ يمكن تحديد التناقض الرئيسي في المجتمع المغربي بين البرجوازية الكمبرادورية المرتبطة بالإمبريالية من جهة والطبقات الشعبية المستغَلة من جهة أخرى هذا التناقض الرئيسي يحدد مسار التطور التاريخي للمجتمع المغربي ويجعل من مهمة التحرر الوطني ومهمة التحرر الاجتماعي مهمتين متلازمتين لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى.
لكل هاته الأسباب تظهر إشكالية الأحزاب والطليعة الثورية، فالأحزاب السياسية بالمغرب تعيش أزمة حقيقية تتجلى في احتكار الحياة السياسية والانقطاع عن الجماهير الشعبية ثم الاندماج في مؤسسات النظام والتخلي عن المشروع التغييري وانتشار الفساد والزبونية داخل هياكلها ثم الافتقار إلى الديمقراطية الداخلية والتداول على المسؤوليات وهذه الأزمة لا تقتصر على الأحزاب اليمينية الموالية للنظام بل تشمل أيضاً الأحزاب التي تدعي انتماءها إلى اليسار والتي تحولت في كثير من الأحيان إلى أحزاب إصلاحية تساهم في إضفاء الشرعية على النظام القائم. وهو ما أكد عليه تروتسكي في مقاله "الطبقة والحزب والقيادة" بإن قيادات هذه الأحزاب كثيراً ما تنتقل إلى جانب العدو الطبقي وتصبح عقبة أمام نضال الجماهير الشعبية وهذا ما حدث في العديد من الحركات الاحتجاجية في المغرب حيث وقفت قيادات الأحزاب والنقابات ضد تطور نضالات الشعب المغربي.
أصبح الوضع الراهن يستدعي ضرورة بناء الحزب الطليعي للطبقة العاملة يتجذر في الطبقة العاملة والفئات الشعبية ويستوعب دروس التجارب الثورية العالمية ويطبقها بشكل خلاق على الواقع المغربي هذا الحزب كما أشار لينين يجب أن يكون "الطليعة المستنيرة للطبقة العاملة" المسلحة بالنظرية الثورية والمدربة على الصراعات الطبقية وتتمثل مهام هذا الحزب في بناء وعي طبقي ثوري لدى العمال والفلاحين الفقراء وتوحيد النضالات المتفرقة في إطار استراتيجية ثورية شاملة ثم فضح دور الدولة كأداة في خدمة البرجوازية المحلية والإمبريالية و بناء تحالفات مع القوى الاجتماعية المتضررة من السياسات النيو ليبرالية والتصدي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية في المنطقة هذا البناء يجب أن يتم من خلال الانخراط العضوي في النضالات الشعبية اليومية وليس من خلال فرض أجندات جاهزة على الحركة الشعبية فكما أشار ماو تسي تونغ يجب أن يستمد الحزب الثوري أفكاره من الجماهير ليعيد صياغتها بشكل منظم ومتماسك ثم يعود ليعممها على الجماهير ويحولها إلى قوة مادية.
في الختام "إن القمع يغذي الاحتجاج والعنف السياسي ينجم عن احتمال العنف الاجتماعي" هذه المعادلة تؤكد أن الأنظمة القمعية وبقمعها للاحتجاجات السلمية تدفع المجتمعات نحو انفجارات اجتماعية عنيفة لذلك فإن النضال الثوري المنظم والواعي هو السبيل الوحيد لتحويل هذه الانفجارات إلى تغيير اجتماعي حقيقي لذا فإن مهمة القوى الثورية في المغرب هي بناء جبهة نضالية موحدة تستند إلى الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وتناضل من أجل إقامة نظام اشتراكي حقيقي يحقق التحرر الوطني والاجتماعي ويقطع مع التبعية للإمبريالية ويدعم المقاومة الفلسطي__نية والنضالات التحررية في المنطقة العربية والعالم.
وكما علمنا الماركسيون الكلاسيكيون فإن نجاح هذا المشروع الثوري مرهون بالممارسة النضالية الواعية التي تجمع بين الالتزام بالمبادئ الثورية والمرونة التكتيكية والتي تستفيد من دروس التجارب الثورية العالمية وتطبقها بشكل خلاق على الواقع المحلي مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجتمع وثقافته وتاريخه دون السقوط في النزعة القومية الضيقة أو الاستسلام للواقع القائم.
#شمسي_مجيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟