حيدر سالار
الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 17:48
المحور:
الادب والفن
في أعماق كل إنسان، غرفة مظلمة لا يدخلها أحد، ولا يراها أحد، حتى هو ذاته لا يجرؤ دائمًا على فتح بابها. إنها غرفة النفس، حيث تتكدّس الأحلام المجهضة، والنداءات غير المسموعة، والصرخات المكتومة. هناك، لا وجود للزيف، ولا مكان للأقنعة التي نتفنن في ارتدائها أمام الآخرين.
الإنسان مخلوق مزدوج، يسير في الحياة بوجهين: وجهٌ يقدّمه للعالم، ووجهٌ يراه حين يكون وحده أمام المرآة، أو في لحظة انكسار، أو أثناء الأرق الطويل حين تتسلل الأسئلة دون استئذان. لماذا أنا هكذا؟ هل ما أفعله حقًا يُشبهني؟ ولماذا أشعر بهذا الثقل الذي لا يراه أحد؟
الصراع النفسي ليس دائمًا صراخًا أو دموعًا؛ أحيانًا يكون في صمتٍ طويل، في نظرة شاردة، في كتاب يُقرأ بشغف ولا يُفهم، في حلمٍ يُروى بنصف ابتسامة. إنها الحرب الخفية التي يخوضها الإنسان كل يوم دون أن يلحظ الآخرون آثارها.
أشدّ ما يعذّب النفس هو الشعور بالعجز: عجزٌ عن التغيير، عن المواجهة، عن قول "لا" حين تستحق أن تُقال، عن الاعتراف بأننا لسنا بخير. نحن نُجيد التمثيل، ونُتقن الصبر، لكننا في الداخل هشّون، نكسر أنفسنا بأنفسنا، ثم نواصل السير كأن شيئًا لم يكن.
ولعل أجمل ما في هذا الصراع، رغم مرارته، هو أنه يعيد تشكيلنا. الألم ينحتنا، الأسئلة تفتح أبوابًا جديدة في وعينا، والانكسارات تزرع فينا بذور النضج. حين نعترف بضعفنا، نبدأ رحلة القوة الحقيقية؛ ليس بأن نصبح بلا خوف، بل بأن نُصادق خوفنا ونُدجّنه.
النفس ليست شيئًا نملكه، بل عالَم نعيش فيه، وكلما تعمّقنا فيه، اكتشفنا أننا لا نعرف أنفسنا كما نظن. وربما تكون المعرفة الكبرى ليست بما نفعله في الحياة، بل بما نعيشه في دواخلنا بصمت، وما نحمله معنا في طريقنا نحو الفهم، والمصالحة، والسلام.
#حيدر_سالار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟