أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان أحمد - التحدّيات بين الحياة الافتراضية والواقعية














المزيد.....

التحدّيات بين الحياة الافتراضية والواقعية


إيمان أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 15:00
المحور: المجتمع المدني
    


اليوم ومن خلال تجربة غير متوقعة على منصة تيك توك، اكتشفت ميزة جديدة في خانة البحث، حيث أظهرت لي هذه الميزة عدد الفيديوهات التي شاهدتها خلال يوم واحد، كانت النتيجة مفاجئة للغاية، وتركت في نفسي شعوراً بالدهشة والتساؤل عن مدى تأثير هذه الظاهرة على حياتنا اليومية. في لحظة من التأمل، تساءلت: إلى أين نحن ذاهبون؟ وكيف سيبدو المستقبل في عالم تتسارع فيه كافة الأمور، وتتزايد فيه الضغوطات النفسية والعاطفية؟

لقد أصبح من الواضح أن العصر الذي نعيش فيه يتسم بإيقاع سريع للغاية، حيث أصبحت فكرة التمهل رفاهية لا يمكن للكثيرين امتلاكها. في الماضي، كان من علامات النضج والوعي التأنّي في اتخاذ القرارات والأفعال، بينما اليوم، نجد أن غالبية الناس في سباق مستمر مع الزمن، ومع أنفسهم، من أجل اللحاق بموجة التغيير السريع.

إن جودتنا في الحياة اليومية قد تلاشت بشكل غير محسوس، وأصبحت حياتنا أكثر افتراضية من أي وقت مضى فمثلاً عندما أقرر الاستمتاع بفنجان من القهوة، فإنني لا أستمتع برائحته وطعمه كما كان يحدث في السابق. بدلاً من ذلك، أصبح التركيز منصبّاً على التقاط صورة مميزة للمشروب، واختيار أغنية مناسبة، ومن ثم نشر الصورة على منصات مثل انستغرام، في محاولة للحصول على إعجابات وتعليقات. وهذا يعكس حالة من التفكك عن اللحظة الحاضرة، وكأن سعادتنا أصبحت مرهونة بتفاعل الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من الاستمتاع بتجاربنا الشخصية.

ومؤخراً وبينما كنت جالسة مع أحد الأشخاص، لاحظت كيف تحوّلت جلسته إلى مراقبة متواصلة لحالته التي نشرها على صفحته الشخصية؛ يتابع من شاهدها ومن تفاعل معها، وكأن هناك صراع غير معلن على من يفتح حالة من، ومن يردّ بإعجاب مقابل إعجاب، لحظتها أدركت أن هناك نوعاً من صراعات الحالات والإعجابات حيث باتت المعاملة سطحية: فتحتِ حالتي سأفتح حالتك، أعطيتِ إعجاباً، سأردّه لك. هنا توقفت وسألت نفسي إلى أي مدى بلغ بنا التفكير؟ ما هذا المبدأ؟

أنا، كشخص لا يشغلني من شاهد حالتي أو من وضع إعجاباً على منشوراتي؛ فالإعجاب بالنسبة لي ينبغي أن يكون صادقاً نابعاً من تقدير حقيقي، لا مجرد ردّ دَين أو مجاملة إلكترونية. هذا المنطق السائد يشير إلى خلل عميق في فهمنا للتفاعل الإنساني، حيث تحوّلنا إلى أسرى لمنظومات رقمية تحكمها معايير سطحية ومؤقّتة.
لقد تحولت حياتنا إلى منافسة غير منتهية، حيث نقارن حياتنا بحياة المشاهير والشخصيات العامة، متجاهلين تماماً الفارق بين الواقع الافتراضي الذي نراه على هذه المنصات، والواقع الذي نعيشه. نحن نعلم تماماً أن هذا النوع من الحياة هو مجرد تمثيل، لكنه لا يزال يؤثر فينا بشكل عميق.

أصبحنا نبحث عن الردود السريعة، ونتأثر بمقدار السرعة التي يتلقاها الآخرون في الرد علينا، وكأن هذه الردود هي مقياس لنجاحنا في هذا العالم الافتراضي وفي الوقت ذاته، أصبحنا نحلل كل كلمة وكل «إيموجي – ملصق» بدلاً من أن نركز على تفاعلاتنا الحقيقية، مثل نبرة الصوت وإيماءات الجسد. نحن اليوم نعتقد أننا نتحكم في أجهزتنا الذكية، بينما الحقيقة أن هذه الأجهزة أصبحت تتحكم فينا.

نعيش في عالم سريع، مليء بالترندات والمظاهر، حيث يمكن لأي شخص أن يصبح قدوة في لحظة، بفضل قوة وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هذا يخلق معايير خاطئة، تتمثل في قيمة الحياة الافتراضية على حساب التجارب الحقيقية، التي يمكن أن نعيشها خارج هذا الإطار الرقمي.

لا بد من إدراك أن الحياة الحقيقية هي تلك التي تحدث خارج شاشات هواتفنا، في التفاعل المباشر مع العالم من حولنا. لذلك، ينبغي لنا أن نأخذ وقتنا في كل شيء، وأن ننضج بشكل طبيعي بعيداً عن ضغوط التوقعات الرقمية. لا يجب أن نفعل شيئاً ضد مبادئنا وأخلاقنا لمجرد أن جمهوراً افتراضياً قد يصفق لنا. لأن كل محاولة لأن نصبح غير أنفسنا تفقدنا جزءاً من هويتنا، وفي النهاية قد نفقد أنفسنا بالكامل.
لهذا لا بد أن نعيد النظر إلى أنفسنا، فالحياة الحقيقية ليست في الإعجابات والمشاهدات، بل في التفاعل الصادق مع اللحظة، مع الأشخاص من حولنا، مع ذواتنا، علينا أن نتذكّر النضج لا يُقاس بحجم التفاعل بل بقدرتنا على التمسّك بمبادئنا وعدم القيام بما يتعارض مع قيمنا لأجل تصفيق افتراضي عابر، لأن كل تنازل عن حقيقتنا يكلّفنا جزءاً من هويتنا وقد نفقد في النهاية أنفسنا بالكامل.



#إيمان_أحمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وزير الخارجية اللبناني والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة يؤكدان ...
- وكالة أنباء أوكرانية: اعتقال نائب رئيس مكتب زيلينسكي السابق ...
- آلاف المهاجرين لأميركا تقطعت بهم السبل في المكسيك
- بردعة مسامير وإيهام بالغرق.. أفظع وسائل تعذيب محاكم التفتيش! ...
- حرية الصحافة في مصر: التصنيف المتراجع هل يعكس الواقع؟
- “لن نترك لهم شيئًا”: تقرير جديد للمركز يؤكد أن التدمير الإسر ...
- الأمم المتحدة تدعو زعماء العالم لإيصال الغذاء إلى المدنيين د ...
- 66 شهيداً في صفوف الأسرى وإهمال طبي متعمد لأسرى -عوفر-
- عائلات الأسرى الإسرائيليين: حكومة نتنياهو تجاهلتهم واختارت ا ...
- الاحتلال يفرج عن 10 معتقلين من قطاع غزة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان أحمد - التحدّيات بين الحياة الافتراضية والواقعية