أندرس هوخ فنغر
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 00:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذه هي المقالة الثالثة والأخيرة في سلسلة حول دور الشيوعيين أثناء الاحتلال الألماني للدنمارك خلال الحرب العالمية الثانية.
بينما كانت الشرطة الدنماركية تواصل اعتقال الشيوعيين، خضعت المقاومة الشيوعية لتحول جذري في أبريل 1943، حيث تغير اسم مجموعة التخريب من KOPA إلى BOPA. وأصبحت تضم، إلى جانب الشيوعيين، شبابًا من خلفيات برجوازية ومستقلين سياسيًا، جميعهم اتحدوا في هدف واحد: تحرير الدنمارك.
اختصار BOPA يعني "المقاتلون المدنيون"، وكان الهدف من تغيير الاسم جذب دعم من الطائرات البريطانية التي كانت تلقي بالأسلحة. فالوصف "مدني" كان أكثر توافقًا مع الموقف الأيديولوجي للحكومة البريطانية. بينما لم تتلقَ KOPA أي إمدادات.
ومن جهة أخرى، كان الشيوعيون يدعون منذ عام 1935 إلى تشكيل "جبهات شعبية" عابرة للأيديولوجيات، كما حدث في إسبانيا وفرنسا.
بفضل هذا التوجه، أصبحت BOPA وحدة مقاومة نابضة، جمعت بين الشيوعيين، والطلاب المناهضين للنازية، والمتدربين اليساريين ذوي التوجه البرجوازي. ورغم أن القيادة العليا كانت شيوعية، فإن العمليات على الأرض كانت تحكمها الفعالية لا الأيديولوجيا.
من المثير أن فقط 15% من أعضاء BOPA كانوا ينتمون فعليًا للحزب الشيوعي أو لاتحاد الشباب الشيوعي (DKU)، على عكس ما زعمه بعض المؤرخين الذين اعتبروها تنظيمًا شيوعيًا صرفًا.
واحد من كل خمسة قُتل
بلغ عدد مقاتلي BOPA حوالي 350 في عام 1944، لكن لم يتبقَ منهم سوى 179 عند التحرير في 1945. فقد قُتل 43 شخصًا – إما أثناء العمليات، أو في معسكرات الاعتقال، أو في السجون. البعض الآخر فرّ إلى السويد.
نفّذت المجموعة أكثر من 3000 عملية تخريبية، من تفجير المصانع الحيوية، إلى تصفية المخبرين الذين تعاونوا مع الاحتلال (20 شخصًا تمت تصفيتهم).
في عام 1943، فجّرت BOPA مصنع Riffelsyndikatet، الذي كان يمد الجيش الألماني بالأسلحة. وفي 1944، دمرت مصنع Globus، الذي كان ينتج أجزاءً لصواريخ V2، في عملية شكلت ضربة لوجستية قاسية. كل قطعة خُربت كانت تعني صاروخًا أقل يسقط على لندن.
مجموعات مقاومة أخرى
لم تكن BOPA وحدها. ظهرت مجموعة Holger Danske في ربيع 1943، ونفذت أيضًا عمليات تخريب واغتيالات، وإن على نطاق أصغر. ورغم تعرضها لضربات من "غيستابو"، استمرت بتجنيد الأعضاء وتعاونت سرًا مع BOPA.
لم تحصل المجموعتان على الكثير من الإمدادات من الحلفاء، واضطرت BOPA للحصول على مئات الكيلوغرامات من المتفجرات من شركة في برلين، خدعتها لتعتقد أنها ستُستخدم لتفجير حطام سفن.
لكن العمل المقاوم لم يكن سهلًا. إذ واجهوا ملاحقة شرسة من قبل "غيستابو"، وخيانة من المخبرين، الذين بلغ عدد المغتالين منهم 400 شخصًا خلال الاحتلال.
كما أُعدم 101 مقاومًا بأمر من الاحتلال، ولا تزال ثلاثة أعمدة إعدام قائمة في "رايفانغن" شمال كوبنهاغن تخليدًا لذكراهم.
مصير آغه نيلسن
في أكتوبر 1942، اعتقل الشيوعي آغه نيلسن – بطل معركة "كاسا دي كامبو" – من قبل الشرطة الدنماركية وسُجن في "فستري" ثم في معسكر "هورسرود". بعد إطلاق سراحه في أبريل 1943، تولى قيادة مجموعات الموانئ في BOPA.
لكن في 22 سبتمبر 1943، خانه الميكانيكي ينس أولسن، الذي أبلغ "غيستابو" عن خطة لتفجير، وأدى إلى اعتقال آغه.
خضع آغه لتعذيب وحشي لمدة 28 يومًا، لكنه لم يبح بأي معلومة. توفي في 18 أكتوبر 1943، ليكون أول ضحية تعذيب في صفوف المقاومة. شارك ألف شخص في جنازته حاملين الرايات الحمراء، لكن الشرطة هاجمتهم باستخدام الكلاب.
الألم الجسدي والنفسي
لاحقًا، اعتُقل الشيوعي ليو كاري، النحات الذي شارك في الحرب الإسبانية. بعد خيانة من داخل مجموعته، اعتُقل هو ورفاقه. أُعدم ثلاثة منهم، بينما نجا ليو من حكم الإعدام بفضل "ظروف محظوظة".
لكنه تعرّض لتعذيب "الفلق"، حيث ضُربت قدماه العاريتان بشكل متواصل حتى الإغماء. الجلد كان يُنفذ بسياط مصنوعة من الجلد أو الحبال الثقيلة، ما يسبب آلامًا لا تُحتمل، وتورمات خطيرة.
لم يكن التعذيب جسديًا فقط، بل أيضًا نفسيًا، شمل التهديد باعتقال أو إيذاء أفراد الأسرة، والعزل الكامل، والإجبار على مشاهدة تعذيب الآخرين.
ورغم كل ذلك، لم ينكسر ليو كاري، ورفض الإفصاح عن أي سر أو معلومة.
سقوط الحكومة والتصعيد
في 29 أغسطس 1943، استقالت الحكومة الدنماركية تحت ضغط الإضرابات العمالية والاشتباكات في الشوارع، لا سيما في "أودنسه". إذ بدأت الآمال في هزيمة نازية تلوح في الأفق مع خسائر الألمان في أفريقيا وروسيا.
لكن بعد الاستقالة، فرض الاحتلال حكمًا مباشرًا وأعاد عقوبة الإعدام على التخريب.
عملية إنقاذ اليهود
في أكتوبر 1943، قررت قوات الاحتلال اعتقال اليهود الدنماركيين. لكن المفاجأة أن عددًا كبيرًا من المواطنين، سواء من العامة أو ضمن مجموعات المقاومة، نظموا واحدة من أنجح عمليات التهريب في التاريخ.
تم إنقاذ أكثر من 7200 يهودي دنماركي وتهريبهم إلى السويد عبر البحر، بمساعدة من الشيوعيين وغيرهم من المقاومين.
الصحافة السرية
كان الشيوعيون من أوائل من أصدروا صحفًا غير قانونية.
بدأ الأمر بـ "الرسائل السياسية الشهرية" في أكتوبر 1941، والتي تحولت في مارس 1942 إلى "الأرض والشعب"، ثم أصبحت صحيفة يومية بعد التحرير.
نشط الشيوعي بورغه هومان، الذي كان يهرّب وثائق للمقاومة الألمانية، في قيادة هذا العمل الصحفي.
ظهرت صحف مثل:
"صراع الشعب" في آلبورغ،
"رغم كل شيء" في أودنسه،
"صدى آرهوس" في آرهوس.
في ديسمبر 1941، أطلق المحافظون صحيفة "الدانماركيون الأحرار"، ثم جاءت صحيفة "الدنمارك الحرة" في أبريل 1942، بتعاون بين الشيوعيين والمحافظين.
وبعد 29 أغسطس 1943، انفجرت حركة الصحف السرية، وكان أبرزها "إنفورماسيون"، التي كتبها صحفيون محترفون، وتحوّلت إلى وكالة أنباء غير رسمية.
عند التحرير، كان هناك أكثر من 200 صحيفة سرية مستقلة.
الفتى الشيوعي ذو الـ16 عامًا
كان الشيوعي الشاب إيب هانسن (16 عامًا) يطبع صحيفة "صدى آرهوس" من شقة عائلته، بينما كان شقيقه بريبين ينفذ عمليات تخريب. لكن في 6 يونيو 1944، وُشي بهم من قبل المخبرة غريثه بارتْرام.
تم ترحيل إيب ووالده تورفالد إلى معسكر فروسلف، بينما سُجن بريبين في "فستري".
لاحقًا، نُقل إيب إلى معسكر هانوفر-شتوكن كعقوبة على التدخين خلال العمل.
قُتل إيب وتورفالد، بينما نجا بريبين، لكنه ظل يحمل آثار الرعب لسنوات طويلة.
تأسيس الجبهة الشعبية الوطنية
من خلال التجربة في التعاون الصحفي، قرر الزعيم الشيوعي أكسل لارسن أن يتواصل مع الوزير المحافظ السابق جون كريسماس مولر لتشكيل جبهة شعبية وطنية.
وشارك الاشتراكي المعارض فروذه ياكوبسن في المبادرة، رغم معارضته لحزبه.
في سبتمبر 1943، تأسس مجلس تحرير الدنمارك، ليصبح الممثل السياسي الفعلي للمقاومة. نال المجلس الاعتراف المحلي والدولي كقيادة مؤقتة للبلاد.
ونصّت الفقرة الثالثة من ميثاقه على:
"يتعهّد الأعضاء رسميًا بأن يجعلوا من حرية الدنمارك هدفًا يسمو فوق أي اعتبار حزبي أو مصلحة شخصية."
الثمن المدفوع
قُتل ما يقرب من 150 شيوعيًا خلال الاحتلال – منهم 35 إلى 50 في معسكرات الاعتقال، والبقية أثناء أعمال التخريب، النشر السري، أو أثناء تسلّم أسلحة من الحلفاء.
لقد كانوا يعلمون بالضبط ما هو الثمن.
ودفعوا الثمن الأغلى.
—
أندرس هوخ فنغر هو صحفي ومؤلف كتاب "المخرّب الأخير", الصادر عن دار نشر "فرايدنلوند" في نوفمبر 2024.
#أندرس_هوخ_فنغر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟