أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تأييد الدبعي - فواعل الحيز الجغرافي في رواية يافا أم الغريب















المزيد.....

فواعل الحيز الجغرافي في رواية يافا أم الغريب


تأييد الدبعي

الحوار المتمدن-العدد: 8330 - 2025 / 5 / 2 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


تربعت رواية "يافا أم الغريب" للكاتبة الفلسطينية أسماء أبو عياش لسنوات على قمة الأعمال الروائية الأكثر قراءة في فلسطين، وليس صدورها في أربع طبعات كانت الأولى في العام 2014 وآخرها في العام 2023، سوى مؤشر على ذلك. ربما يكون أحد أهم الأسباب التي جعلت تلك الرواية تحتل مركزا متقدما لعقد من الزمان تقريبا أنها محاولة هامة لتوثيق الرواية الفلسطينية التي ما فتئ الاحتلال يحاول طمسها وتشويهها لصالح الرواية الصهيونية. فسخَرت أسماء قلمها لدحض رواية العدو، فيافا أم الغريب ليست رواية أسماء الوحيدة، فصدر لها رواية فدائي عتيق التي توثق فيها سيرة المناضل الراحل عدنان أبوعياش التي صدرت في العام 2019، ولها مئات المقالات السياسية والأدبية والصحفية. سيتناول هذا المقال قراءة للطبعة الثانية من الرواية التي صدرت عن دار يافا العلمية في الأردن في العام 2020، وهو محاولة لتسليط الضوء على فواعل الحيز الجغرافي في رواية يافا أم الغريب.
جمعت الكاتبة في روايتها شهادات شفوية للمهجرين قسرا من أهالي مدينة يافا المحتلة في العام 1948، ليس عن لحظة التهجير والاقتلاع، بل عن لحظة "العودة المؤقتة" لمدينتهم التي انتزعت منهم وانتزعوا منها رغما عنهم، وعادوا إليها يعتصرهم الشوق والحسرة على وطنهم الذي هُجَروا منه واستوطنه أغراب من شتى بقاع الأرض. ومن ضمن الشهادات كانت شهادتها هي ووالدها. معظم هذه "العودات" كانت بعد توقيع اتفاق أوسلو حيث سنحت الفرصة لعودة عدد من أبناء فلسطين الذين كانوا في الشتات إليها، وأول ما يفعله المنفي عن وطنه عند العودة إليه، أن يستغل أي فرصة لزيارة مدينته أو قريته التي نفي منها هو أو آباؤه أو حتى أجداده.
استهلت الكاتبة روايتها بسؤال:" هل كان بالإمكان البدء قبل الآن؟ ومن أين أبدأ؟ فتبدأ وصف مخاض البحث عن المصادر التي ستتكئ عليها لجمع قصص أبطال روايتها، فتقول:" مخزون من شواهد شاهدة ما زالت تنطق وتسمع، وأخرى في الذاكرة تلسع الضمير مثل اسم شهيد.. أعاصير من خواطر تتزاحم وتهدر في مضيق بحر أرحب.. وكذا كان الرصد بين يدي".
كانت يافا "المكان" في هذه الرواية ليس مجرد حيز جغرافي، بل عنصر له فواعله الاجتماعية، وله أثره العاطفي الذي تضاعف مرات لدى الفلسطيني، في يافا أم الغريب لم يكن كل ذلك جليا فقط، بل أضافت الكاتبة له صفات أنثوية وحسية عبر التشبيه والاستعارات اللغوية البديعة، فمرة يشعر القارئ أن يافا ابنة ومرة حبيبة ومرة صديقة، ومرة آلهة يحج إليها المؤمنون.
فعندما تقول أسماء "يافاي" قاصدة مدينتها يافا، تظن أنها تتحدث عن شخص عزيز ابنتها أو أمها، وعند وصفها شهادة عودة ألفرد طوباسي أحد أبطال روايتها تعود ليافا "الأنثى" وتقول: "وكأن يافا يافاه وحده". وفي حالة عاطفية وصلت لها بعد أن عاشت قصص العودة فسال مداد قلبها قبل قلمها حين قالت:" اكتشفت أن لكل يافاه تخصه وحده فقط، يعود إليها وتعود إليه". هنا تبدع الكاتبة مجددا في جعل المكان معشوقة فرَق القدر بينها وبين حبيبها، لسنين طوال، لكن ظل الحب والحنين سيد الموقف عند جميع العاشقين. لا يتوقف إبداع أسماء هنا، بل صيرت رحلة العودة للمدينة المستلبة طقسا دينيا يتعبد من خلاله المؤمنون، فاستعارت طقس الحج من الإسلام والمسيحية لتضفي مسحة من التقديس على رحلة عودة إحدى بطلات روايتها تمام الأكحل وتشببها برحلة الحج بقولها:"حجت إلى يافاها".
وتظل يافا حاضرة في وصف الكاتبة ليس لشهادة أبطال روايتها فقط، بل أيضا لشهادتها هي أثناء جمع القصص التي صيرتها رواية، فتحول الغرفة التي جمعت فيها الكاتبة اليافيين لتوثيق شهاداتهم في مدينة عمان لغرض هذه الرواية إلى "يافا صغيرة".
وتستمر الكاتبة في سرد ذاكرة العودة للمكان بأسلوب مشبع بالعواطف، مصيرة اللغة إلى أداة طيعة لقلمها للتعبير عن هاجس الفلسطيني بالعودة الذي اكتشف كل من عاشه بأن الزيارة لا تقل وجعا عن المنفى. فعند قولها:" هل من ألم أكبر من أن يغتصب منزل شخص ويعود ليجده أصبح مطعما أسماه المغتصب تاج محل؟"
وفي مواضع أخرى عن حسرة الناس الذين كانوا يعتقدون أن منفاهم لن يطول فكان الانطباع السائد لدى أهل يافا وغيرها من المدن التي اقتلع أهلها منها في العام 1948:" أسبوع زمن وبنرجع عشرة أوخمسة عشر يوما بالكثير وبنرجع". وبعد سنوات من غربتهم القسرية يرجع أحد المنفيين إلى بيته ليجد مستوطنة تقف على بابه من الداخل لا تكلف نفسها عناء الكلام، لتشيح له بيدها أن ممنوع الدخول حتى لزيارة! وعودة أخرى لا تقل ألما يجد فيها صاحب المنزل فنانة جلبتها الحركة الصهيونية من ألمانيا قد حولت منزله لمشغل ومعرض لأعمالها الفنية.
كيف يمكن لإنسان أن ينفض يده من إرثه المكاني والزماني وأن يعود عاريا من كل شيء يحاول صناعة ذات جديدة غير تلك التي اغتصبت منه بتهجيره من أرضه- تسأل أسماء-. وأثناء غوصها في ثنايا رحلات العودة تعرج باقتضاب على مسار حياتها الذي يلخص ربما "التغريبة الفلسطينية" فمن منزلها في بيروت إلى سوريا ثم الأردن ثم تونس التي استقرت فيها في شهر تشرين الثاني 1983، مثل كثير من أبناء منظمة التحرير الذين خرجوا مرغمين من بيروت واحتضنتهم تونس بكل حب.
ربما تصلح يافا أم الغريب أن تكون مجموعة قصصية أو كتابا توثيقيا للذاكرة الشفوية أكثر من أن تكون رواية، بغض النظر عن توصيف هذا العمل، فإن ذلك لا يقلل البتة من أهميته الفنية والتاريخية والنضالية، فأي عمل يهدف إلى توثيق سردية أصحاب الأرض هو عمل مقاوم. وإجابة عن سؤال الكاتبة "هل تتسع دفات كتب ومخطوطات لنقل ما حدث؟"، فأعتقد أن الإجابة "لا" كبيرة، لإن هول الفاجعة التي عصفت ولا زالت تعصف بالشعب الفلسطيني بتشريده من أرضه ومحاولات الاحتلال المستمرة حتى اللحظة لتهجير من نجا من جريمة التطهير العرقي الوحشية التي ارتكبها الاحتلال في العام 1948، مما تبقى من أرض فلسطين. وما يجري الآن من إبادة جماعية في غزة سوى إثبات جديد بأن نهم المشروع الصهيوني في الاستيلاء على مزيد من الأراضي وتهجير أهلها لن يتوقف عند حد تحقيقا لقاعدته الذهبية " أرض أكثر وعرب أقل". كل ذلك يجعلنا نبجل هذا العمل، الذي قدمته لنا الكاتبة تروي قصة نضال شعب عبر قصة أشخاص، كما فعلت أحلام مستنغانمي في ثلاثيتها )ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير(.
تجعلنا هذه الرواية أيضا نتوجه لكاتبته بعد الشكر بأن تكتب سيرتها الذاتية في كتاب أو رواية، فهي سيرة تختزل في أحداثها قصة شعب بأسره، جديرة بأن تقرأ في الحاضر وأن تكون عملا توثيقيا للأجيال القادمة.



#تأييد_الدبعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون في وجه التغيير
- قدر أم مسؤولية؟
- ماذا بعد رفح؟
- درس من التاريخ لغزة وللمستقبل
- بين القرارات بقانون والقانون .. حكاية طويلة
- ذهب الاستعمار البلجيكي وبقيت سن باتريس لومومبا


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تأييد الدبعي - فواعل الحيز الجغرافي في رواية يافا أم الغريب