أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - الساكت والناطق او الحناحنة والصدريين















المزيد.....



الساكت والناطق او الحناحنة والصدريين


سيف الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"لم تذهب دماء شهداؤنا سدى، هل علمتم ان تقريرا اميركيا اعتبر ان شخصية السيد القائد مقتدى الصدر الاكثر تأثيرا في السياسة في العالم"، هكذا تكلم احد الخطباء مفاخرا، فصاحت الجماهير اللهم صل على محمد وآل محمد.

كنا قد قدمنا استهلالا للمسيرة السياسية الحافلة للسيد مقتدى الصدر في الفصل الاول واتينا فيه على قصة مقتل السيد عبد المجيد الخوئي التي ابتدأ بها عهد الشيعة في العراق الذي حرره الاميركان من سلطة صدام الدكتاتورية ليؤسسوا بديلا ديمقراطيا يكون فيه للشيعة دورا رئيسا يستحقونه بكونهم الاغلبية المضطهدة، وليست الواعية الى حقيقة حاجتها الى الديمقراطية كمشروع وحيد يحقق لها ذاتها بطريقة مشروعة ومقبولة ويضعها في اطار مرموق بين الشعوب.

وكانت فرصة عظيمة للشيعة لاثبات اجدريتهم، بوجود الطاقات الهائلة في شتى الميادين، ولنضالهم المرير ضد الانظمة الشمولية، ولعظمة الارض التي يحيون فوقها والتي من الممكن ان تزودهم بأسباب الرفاهية والعيش الرغيد، مع الحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الاثيرة، ولم يكن فتح صفحة جديدة مع السنة الا ليكسبهم احترام العالم.

لكن ما حدث كان مغايرا وعلى النحو الذي ذكرناه مما شكل صدمة للحليف الاميركي وكان له جملة تداعيات سارت بالامور عكس التيار، ففي حين كان المخطط يفترض بناء دولة القانون والمؤسسات، ابتنيت دولة الميليشيات واولها ميليشيا جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر الذي نافس المرجعية عن جدارة، واثبت حظوره الطاغي وهو الفتى الذي ما كاد يتجاوز الثلاثين، ولا يحمل من المؤهلات من شيء سوى انه نجل المرجع الشيعي الثائر الشهيد محمد محمد صادق الصدر.

استمرت تداعيات قضية مقتل السيد عبد المجيد الخوئي بالتوالد مع ازدياد القلق بشأن الكيفية التي سيتم بها معالجتها سواء من القوى السياسية العاملة بمعية الاميركان او من قبل الاميركان انفسهم، دون ان تتخذ اجراءات حاسمة بشأنها، لكن مرور الوقت من دون حسمها ترك المجال واسعا امام السيد مقتدى وجماعته لحشد المزيد من الانصار حولهم، وهؤلاء كانوا في الغالب من جماهير السيد محمد صادق الصدر الذين كانوا بالفعل قوة كامنة وغير منظمة ولم يكن من الصعب التآمها، ضمن الكيان الذي اطلق عليه اعلاميا اسم التيار الصدري، وهي التسمية التي بدت انها حلت اشكالية الانتماء الحزبوي، كما انضم الى التيار كثرة من الافراد الذين كانوا منتمين للميليشيات التي اسسها عدي الابن الاكبر للرئيس المخلوع ومنها ميليشيا فدائيي صدام.


لنلق نظرة سريعة الى البدايات الاولى لتأسيس ما اطلق عليه بالتيار الصدري.

فجأة احتدم النقاش والجدل بين المتدينين الشيعة وطار صواب الجميع وهم يناقشون من الاعلم، السيد الصدر ام السيد السيستاني؟، فكأنما اعاد التاريخ نفسه، فما الناس الا مستبد ومشروطي.

هذه المرة، صاروا منقسمين بين صدري وسيستاني، كل ذلك جاء على خلفية التصريح الذي ادلى به السيد محمد صادق الصدر من انه المرجع الاعلى للشيعة في العالم لكونه الاعلم، لكن السيد الصدر الذي عرف عنه ولسنوات طويلة انقطاعه للدرس واحتجابه في البيت والمقام، وزهده التسميات لم يكتف بهذه القنبلة الدعائية الهائلة التي لفتت اليه الانظار اذ استمر وضمن عمل منهجي في اطلاق مثيلات هذا الفعل الدعائي، ولم يكن يعتمد لا على وسيلة اعلام او اي شيء ذي خاصية جماهيرية واسعة باستثناء مجموعة وكلائه، ومسائله واجوبته للناس، علاوة على اتصالاته الميدانية بعدد من العشائر في سابقة غير معروفة بين المراجع الشيعة.
في هذا السياق اصدر السيد الصدر رسالته المسماة فقه العشائر، وهذه الرسالة مثلت اطروحة لمعالجات جريئة لعدد من قضايا العشائر في العراق، والمعروف ان التقاليد القبلية والعشائرية تكون ذات نفوذ اقوى وسيطرة اكبر في الحياة الاجتماعية للعراقيين، لحل العديد من الاشكاليات وتنظيم الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الافراد وهي انعكاس واقعي لطبيعية المجتمع القبلي العراقي من جهة ولغياب سلطة القانون النزيه من جهة اخرى، وان اهتمام السيد بهذا الامر كان منطلقا من رؤيته بضرورة تشذيب العرف العشائري وتنقيته من العصبية وتقريبه الى مفهوم الدين وكذلك فكرته التي ورثها عن معلمه الشهيد محمد باقر الصدر حول علاقة المرجع كانت رؤى السيد وطريقة تصريفه امور المرجعية تثير الريبة لدى الكثيرين، لكنها في الوقت نفسه كانت مثار اعجاب لدى الشباب المتدين والثوريين منهم بصورة خاصة، وفي عهده تم الكشف عن كثير من الامور التي كانت بمثابة الاسرار التي لا يستطيع اي كان الاطلاع عليها، خاصة وان النظرة القدسية للحوزة كانت حائلا يمنع من رؤية ما يجري تحت السطح، فهي بمثابة شأن شديد الخصوصية للحوزويين وحدهم، مع التأكيد على ان هذا النمط الجامد كان يسوقه علماء وطلاب الحوزة، وكانت اقرب الى كونها منظمة ذات طابع كتماني باطني منها الى كونها مدرسة تحتمل مناهجها الصح والخطأ.
وباستثناء القريبين جدا من الاجواء الحوزوية فأن اطلاق عبارة انا الاعلم بين العلماء على لسان احد المراجع لم يكن متاحا سماعه للجمهور، اذ ان التقاليد الحوزوية تترك مسألة الاعلمية لتتقرر من خلال الجمهور الذي يجهد على تجميعه العالم عبر سنوات طويلة من الدرس والاجتهاد، وعادة ما يكون ترشيحه لمنصب المرجعية العليا يكون في حياة المرجع الاعلى الموجود، حيث يعرف المقلدون من هو المرجع الذي سيخلف مرجعهم الموجود والذي غالبا ما يكون قد اتى ارذل العمر، وباستثناءات قليلة يكون المرجع الديني الاعلى صغير العمر نسبيا (45-55) سنة الا ان الغالب ان يكون المرجع الاعلى هو الاكبر سنا، الذي ما ان يباشر دوره حتى يتوفاه الله بعد سنوات قليلة ليحل محله مرجع اخر كبير بالسن وهكذا الى ان يقيظ الله مرجعا شابا قد يقبض على المرجعية لبضعة عشرات من السنين.
وعندما توفي ابو القاسم الخوئي عن عمر طويل خلفه السيد عبد الاعلى السبزواري الذي لحق بالرفيق الاعلى بعده بأشهر، فجاءت المرجعية طائعة الى السيد محمد علي السيستاني بصفته الاكبر سنا بين المراجع، مع وجود ستة اخرين لم يكن ذكرهم نابها، اربعة منهم من عوام الفرس وواحد من السادة الفرس وواحد من السادة العرب.
كان السيد محمد الصدر قد اصدر نيفا وعشرين مؤلفا في الفقه وعدد من العلوم وكذلك التاريخ والتحقيق اضافة الى رسالته العملية، ويكاد اسمه يكون الاكثر مرموقية خاصة وانه يرتبط باسم المفكر الاسلامي محمد باقر الصدر، كذا فأن عائلة الصدر لها تاريخها النضالي المعروف، وقد تبوأ احد اجداده منصب رئيس وزراء العراق في الفترة الملكية وقاد اخر ثورة العشرين، لكن ذلك لم يقدمه الى مرتبة المرجعية العليا والتي بدت انها كانت حكرا على الايرانيين، حتى حانت ساعة المواجهة فهشم السيد عددا من اصنام الحوزة ونفخ في النفير معلنا نهاية عهد الحوزة التقليدية وبداية عهد الحوزة الجديدة، وسنأتي الى الاصنام التي هشمها السيد.
اختار السيد الصدر بعناية فائقة من يمثلوه بين الناس من وكلاء وعلى الرغم من ان اختياراته لم تكن صائبة كلية الا ان الغالب عليها كان موافقا لشروطه، وكان من اهمها ان يكون الوكيل الذي يمثله ثوريا وهو ما تسنى له في كثرة منهم كما انه لجأ الى اسلوب غير مسبوق وهو منح الوكالة المؤقتة بزمن، وذلك بقصد امتحان وكلائه ومعرفة الصالح من الطالح بينهم، ويتحدث وكلاؤه وتلاميذه عن التفرد الذي امتاز به هذا المرجع ومن ذلك نفي القدسية عن كل شيء كان يعد مقدسا في الحوزة، وكان لا يتحرج من اجابة اي سؤال بما في ذلك الذي يخص النظام الحاكم آنذاك والرموز الدينية مهما كانت هيبتها.
كان في حوالي السابعة والاربعين من عمره، لكن منظره وهيئته لم يوحيا بهذا العمر، فقد اعطته لحيته وشاربه البيضاوين كالثلج مظهرا اكبر من عمره بكثير، مع هيبة لا تضاهى، وكانت بساطته وتواضع ملبسه وسلوكه مما حبب اليه تلاميذه، وهو عدا ذلك رفض عددا من السلوكيات المرتبطة بالحوزة ورجال الدين مثل تقبيل الايدي، وكان تصرفه بأموال المسلمين في غاية النزاهة بشهادة كثرة من اعدائه ومحبيه على حد سواء، وانتشر صيته انتشار النار في الهشيم مع اطلاقه كلاما بشأن الحوزة الناطقة والحوزة الساكتة، لاغيا بذلك احد اكثر المباديء ثبوتا ورسوخا لدى الشيعة وهو مبدأ التقية، مما قربه اكثر الى الجماهير التي كانت متعطشة الى رؤية ثائر يعبر عنها ضد استبداد السلطة وتلك واحدة من الاصنام التي حطمها السيد حتى بات من الطبيعي المفاضلة بينه وبين رموز مقدسة كبيرة من آل البيت كانت تتخذ من التقية ملاذا بازاء بطش الحكام، فيما يعتقد ان اي حاكم حكم في البلاد لم يكن يصل عشر معشار بطش وهول صدام حسين وسلطته.
ولم يسلم من انتقادات السيد حتى رموز الخطاب الشيعي من المنبريين الذين كانوا يمارسون عملهم في دول الجوار العراقي، كان يخبر تلامذته بأن هؤلاء تجار دين، وان للشعب عليهم حق اكبر من الخطابة، وانه لم يسمع يوما عن اموال تبرع بها هذا الخطيب او ذاك للعراقيين في حين كانت مدخولاتهم عالية جدا وكان العراقيون يعانون شظف العيش ولم يستثن احدا منهم، ولدى سؤاله عن السيستاني اجاب، لقد علمته بعمامة بيضاء عندما جاء الى النجف، فكيف تحولت الى سوداء؟.
وكشف السيد عن مسائل خطيرة كانت تجري داخل النجف حيث بروز تيار السلوكيين، وهذا التيار الذي بدأ بالانتشار في المدينة يحمل فكرا خاصا وهو قديم كانت تتزعمة امرأة فارسية تركت زوجها وجاءت الى كربلاء ثم النجف والكاظمية فيما بعد واخيرا رجعت الى ايران في حوالي عام 1840واسمها قرة العين، لكنه مرفوض من قبل السيد الصدر لان فكر هذا التيار قائم على اساس ان سلوك الفرد هو اهم شيء ويمكن المسلم اذا ما شذب اعمالة ان يترك العبادات والفرائض الدينية لانها الوسيلة لتربية الانسان فاذا ما حصلت الغاية ما عاد اللزوم الى العبادات، وقد قاد هذا التيار الشيخ حسن الكوفي الذي دفع به صدام حسين امام وسائل الاعلام متهما اياه بقتل السيد الصدر واعدم بعد ذلك.
ومن القضايا التي لفتت الانظار اكثر الى السيد وزادت في حدة التحزب الصدري-السيستاني قضية السماح بالتدخين اثناء الصيام، لمن لم يتمكن من تركه او كان عائقا في منع الصيام، وكانت مبررات السيد التي اعلنت هو ان دخان السيكارة يعد دخان غير كثيف مثل غبار الرز والدقيق.
وجاءت صلاة الجمعة لتشكل الحدث الابرز في مسيرة السيد وفيها اسس منبرا للتحرك الجماهيري.
في هذه القضية بالذات كانت هناك لعبة تكتيكية اتخذها السيد لتمريرها على السلطة، فالشيعة لا يؤمنون باقامة صلاة الجمعة بغياب الامام العادل، اي الحاكم العادل، فكانت اقامتها رسالة فهمها النظام بكونها اعلانا صريحا من الشيعة بأهلية ومشروعية حكم صدام وعدالته، ولعل الاشارة معكوسة تعني عدم مشروعية الحكم وذلك ما يحسب للحوزة الساكتة لو قيست بهذا المقياس، فرفض السيستاني والمراجع الاخرى صلاة الجمعة، يعني بالضرورة رفض النظام، لكن الجمهور كان يفهم القضية على نحو آخر يرتبط بمسألة من هو الحاكم، وبالتأكيد فأن السيد يؤيد نظرية وجود الحاكم العادل كشرط لاقامة الصلاة ولكن ليس بالضرورة ان يكون شخص الحاكم هو صدام حسين، فقد كان السيد يؤمن بما يسمى ولاية الفقيه، وكان يعد نفسه الولي الفقيه في العراق، اي انه بمعنى من المعاني الحاكم وليس صدام.
فهم النظام اقامة الصلاة على النحو الذي فهمه من انها تؤيد مشروعيته، وروج لها على هذا النحو، وكانت تلك هي المرة الاولى التي تنشر صحف النظام اخبار صلاة الجمعة وصورا لها، وكانت الصور ذات تأثير بالغ في الجمهور، ففيها يفترش مئات الالاف من المصلين الارض في باحة وخارج المسجد لاداة الصلاة، وكان من دلالات الصورة المعاناة التي كان الشيعة يعانونها حيث قلة المساجد وضيقها قياسا بالسنة، وفهمها السيستانيون بكونها غير مشروعة لعدم اكتمال اركانها، اما الصدريون فقد انقسموا في النظرة اليها بين من فهمها على حقيقتها كتحد للسلطة، وبين من نظر الى مباركة السلطة فاندفع اليها باطمئنان.
وعلى وفق قناعة السلطة من ان السيد الصدر بيض صفحتها ومنحها الشرعية، استجابت لمطاليبه، وكان منها انه من يريد الدخول في الحوزة العلمية من اتباعه يعفى من الخدمة العسكرية، فزاد هذا من التحاق الشباب في حوزة الصدر.
واشتد الصراع بين الصدريين والسيستانيين، كما تعالت نبرة السيد وهو يوجه خطبه من دون خطوط حمراء، موجها لاءاته الشهيرة والتي فسرت حينها بأنها تحد للسلطة وحدها وليس لامريكا او اسرائيل او الشيطان، وقيل انه عنى بالشيطان صدام حسين ذاته، ويقتحم الساحات واحدة تلو الاخرى ويكسب المزيد من الجماهير فيما كان المراقبون يلمحون في الافق اقتراب نهاية السيد وهي مسألة وقت ليس الا.
وانكشف الصراع عن وجهه الحقيقي بين النظام وبين السيد وصارت مسألة حسم المعركة تقترب شيئا فشيئا، حتى لحظة اعتقال عدد من وكلائه في مدينة الناصرية، ذات الغالبية المضطهدة والثائرة بطبيعتها، والطلب اليه بايقاف الجماهير عن اداء احدى الزيارات وهو امر جوبه بالرفض البات والقاطع وشكل ذروة الصراع عندما واجه السيد مبعوثي النظام بصلابة وكانت المكالمة الهاتفية الاخيرة بينه وبين الرئيس حاسمة، عندما اخبره هذا بأن امر العراقيين رهن بيده كونه القائد والرئيس الا ان اجابة السيد فاجئته بقوله انه انما يقود جمعا كافرا، اما هو السيد، فيقود جمع المؤمنين.
بعدها تحدى امر الاقامة الجبرية وأم جماهيره للصلاة في مسجد الكوفة قبل ان تتلاقفه رشاشات قاتليه هو واثنين من ابنائه
مما يشار اليه هنا بجدارة، ان هذا اليوم بالذات شهد انطلاق العمليات العسكرية لقوات التحالف في البوسنة والهرسك، واتجهت انظار العالم الى هناك، وبدا ان صدام استغل هذه الفرصة استغلالا مثاليا، وكانت الايام السابقة تشهد فعاليات عسكرية شبه يومية ضد منشآت النظام وتوقفت هذه تماما.
في اليوم التالي انتفض اهالي مدينة الثورة في بغداد والتي سميت باسمه بعد سقوط صدام، المدينة الاقرب الى السيد، وواجهوا قوات السلطة وقتل في المعارك غير المتكافئة العشرات، وشكلت صلوات الجمعة اللاحقة تحديا قل نظيره للسلطة، وكادت ان تقوم ثورة شعبية في البصرة وبغداد لولا يقظة اجهزة الامن، وقتل خلال تلك الايام من قتل واعتقل عديدون وقامت اعداد من مقلدي الصدر بالتجمهر امام بيت السيد السيستاني وهم يحملون الوسائد والبطانيات كناية على رقود الحوزة الساكتة والتي اطلق عليها فيما بعد الحوزة النائمة، وشهد العراق تشكل خلايا ثورية اشتغلت لفترة ثم نامت على صوت التحضيرات الامريكية لشن حرب هائلة للاطاحة بالنظام.
تلك كانت باختصار قصة السيد الصدر.

مقتدى والتيار المقتدائي

لم تكن المسافة الزمنية الفاصلة بين اغتيال السيد الصدر ودخول القوات الاميركية العراق بعيدة فهي اقل من اربع سنوات، كانت جماهير السيد في اوج عنفوانها، والكثرة الكاثرة منهم كانوا من الشباب ولم يغادر العراق منهم كثيرون، فبقوا قوة كامنة وطاقة هائلة تنتظر الفرصة للانفجار، ولكم نادت اصوات بين صفوف المعارضة بضرورة التنبه اليها، والاشتغال عليها الا ان هذه الاصوات ذهبت ادراج الرياح.

يحمل الشيعة في العراق عموما ومقلدي السيد الصدر خاصة للاميركان ثلاثة مواقف، الاول انهم خذلوهم عام 1991 ابان الانتفاضة الآذارية المشهودة التي اعقبت حرب الكويت، حيث شجع السيد بوش الاب الشيعة على الانتفاض لاسقاط صدام، ولما فعلوا ذلك خذلهم الاميركان وتركوا صداما ينهش لحمهم في صحاري العراق ويوردهم موارد الهلاك باشكاله ويملأ الارض بمقابرهم الجماعية، الموقف الثاني اسسه السيد الصدر الذي ما برح يدعو في صلاته بالجمعة الى سقوط اميركا واسرائيل والشيطان، وقد حدد فيه ثالوثا للاعداء وقد فهم الكثيرون الشيطان بأنه صدام، والموقف الثالث خذلانهم في الهبة الثالثة اثر اغتيال السيد حيث منعوا عنه غاراتهم اليومية وكانوا يأملون فيما لو وقعت فأنها توفر غطاءا مناسبا لمهاجمة مؤسسات النظام.



وبرغم ان الاميركان اسدوا في النهاية خدمة ممتازة وتاريخية باسقاط صدام، الا ان العداء بقي مستمرا، وهذه المرة بدت محركاته مختلفة تماما عن السابق، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالخطابات التي يبثها التيار المقتدائي.



ونسميه بالتيار المقتدائي وعلى الرغم من ابتعاد صفة التيار عنه لنفي الصفة عن التيار الصدري بالاساس، فهي مقولة قد تكون مشكوك في ضبطيتها هنا ايضا الا اننا نسايرها لاعتبارات تعريفية.



ومن المفيد هنا التنبيه الى ان جماهير المرجع السيد الصدر قد انقسموا بالفعل الى اكثر من فئات ثلاث، الاولى اتبعت خطى نجل المرجع، وانخرطت فيما بعد بما سمي جيش المهدي، اما الثانية فاتبعت خطى المجتهد الديني الشيخ محمد اليعقوبي والذي كان الصدر قد اعتبره خليفته واتخذوا حزبا سمي حزب الفضيلة وهو احد اللاعبين الاساسيين اليوم في الحكومة، واما الثالثة فقد آثرت الابتعاد عن العمل ضمن اية فئة ويلاحظ ان الفئتين الثانية والثالثة تضمان غالبا شخصيات اجتماعية مرموقة وكفاءات من اختصاصات شتى، لكن الفئة الثالثة كانت وضعت ايمانها في شخص السيد طالما كان الصوت المدوي ذي الفكر الذي يرشدها، وهم لم يجدوا في خليفتيه ما يغري بالانتساب.

ولم يكن الخطأ الذي ارتكبته جماعة مقتدى في قتل السيد عبد المجيد الخوئي هو الوحيد الذي تؤاخذ عليه، اذ اتبعته سلسلة من السلوكيات التي نأت بهم بعيدا عن سير الامور المنطقي، فقد حاولوا تأسيس منظومة خاصة للحكم في بعض المدن التي يسيطرون عليها خاصة النجف والبصرة وبعض مدن الجنوب التي لقيت استهجانا من قبل الجماهير، مثل تأسيس المحاكم الشرعية والتي اقيم فيها الحد باشكال بشعة كقطع اليد او القتل، كما حكم على الكثيرين بتهمة الارتداد، وطوردت النساء غير المحتجبات وتم قتل الكثيرين من ابناء الطائفة المسيحية بذريعة بيع الخمرة، ويقال انهم ارتكبوا شنائع اخرى مثل الاغتصاب ونحن لا نستبعد ذلك لكون ان كثرة ممن ركبوا تيار السيد مقتدى كانوا ممن لا وازع ديني او اخلاقي لديهم ومنهم من كان ضمن ميليشيات فدائيي صدام وما يسمون بالحواسم، وهي مجاميع الرعاع التي انتهبت دوائر الدولة.



وركب التيار عدد ممن عرفوا بولائهم الشديد للنظام المخلوع، واستطاعوا اقناع الجماهير بنسبتهم الى التيار الصدري رغم انهم عرفوا بكونهم من مرتدي الزي الزيتوني الذي كان يرتديه المخلصين من اتباع النظام البائد وقد وصل بعضهم الى منصب العضوية في المجلس الوطني.



ولدرء اي كلام عما ارتكبوه بحق السيد الخوئي والعديد من المواطنين، وفي ظل غياب سلطة قوية للحساب، والفوضى العارمة في البلد اتخذ تيار مقتدى من الاحتلال ذريعة خرج بها الى الواجهة كمتصد للاحتلال وكمحرر، وطالب بخروج المحتل الفوري رغم انه لم يطرح بدائل، مثلما ان دعوته تجانب المنطق والعقل في ظل ما يشهده العراق من تجمع للعوامل المؤدية الى الحرب الفتنوية، وفي هذا المسعى ولكي يؤمن قوة ميليشيا كافية اعلن عن تأسيس ما سمي بجيش المهدي ليضع ثاني عصا له في عجلة مسيرة العراق الجديد.



ترى ما حكاية جيش المهدي؟.



عندما ارادت قوة الاحتلال تصحيح الوضع الخطأ وتقديم قتلة الخوئي الى القضاء واوكلت امره الى القضاء العراقي والذي اصدر قرارا بالقاء القبض على السيد مقتدى، ارتفعت حدة الوتيرة في نغمة طرد الاحتلال والجهاد وكان ان نشبت معارك النجف ومدينة الثورة.



لنقرأ هذه الفقرات من التقرير الخبري الذي نشر في حينه.

على إثر الجولة التي قام بها رئيس الوزراء المؤقت أياد علاوي في بعض الدول العربية، وبعد اقتراح السعودية إرسال قوات إسلامية إلى العراق، دعا الصدر في خطبة الجمعة في 30/تموز – يوليو/2004 دول العربية والإسلامية إلى عدم إرسال قوات إلى العراق، واعتبر أن أية قوات تحضر للعراق "ستكون متعاونة مع قوات الاحتلال".



وفي اليوم التالي دهمت القوات الأميركية مكتب الصدر في مدينة كربلاء واعتقلت الشيخ مثال الحسناوي مدير المكتب، ومنذ ذلك الحين انخرط جيش المهدي من جانب والحرس الوطني العراقي والقوات الأميركية من جانب آخر، في معارك تصاعدية بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، حاصدة عددا كبيرا من العراقيين، خاصة في مدينة النجف والعمارة ومدينة الصدر والكوت.



ومؤخرا دعت الهيئة المركزية لجيش الإمام المهدي في بغداد، جميع العراقيين إلى المشاركة في قتال من وصفتهم بالمستعمرين الغزاة في كل أنحاء العراق، كما حثت رجال الشرطة والجيش العراقي على "ألا يكونوا درعا تحتمي به قوات الاحتلال".



وكان قائد جيش المهدي في البصرة الشيخ أسعد البصري قد هدد بتفجير أنابيب نفط الجنوب إذا هاجمت القوات الأميركية مدينة النجف، مع العلم أن البصرة تعج بأنصار التيار الصدري.



فيما أصدر مجلس محافظة ذي قار جنوبي العراق بيانا انتقد فيه موقف وزيري الدفاع والداخلية العراقيين بشأن ما يجري في مدينة النجف، وهدد بانضمام المحافظة إلى محافظتي البصرة وميسان لتشكيل فيدرالية في جنوبي البلاد والانفصال عن العراق إذا لم تتوقف المعارك في النجف، كما لوح المجلس باتخاذ إجراءات أخرى لم يكشف عنها في حال استمرار الوضع في التردي.



كما هدد سلام المالكي نائب محافظ البصرة وممثل مقتدى الصدر في المدينة بانفصال محافظات البصرة والعمارة والناصرية وإقامة "إقليم الجنوب" العراقي المنفصل في حال عدم انسحاب القوات الأميركية من النجف وتقديم اعتذار رسمي للصدر وتياره وتعويض أسر القتلى والمتضررين من جيش المهدي.

وأكد المالكي أن التيار الصدري أعطى أمرا لشركة نفط الجنوب بأن توقف الصادرات النفطية العراقية حتى تتم الاستجابة لمطالبه.



كما قامت القوات الامريكية بغلق صحيفة شراع الصدر التي راس تحريرها فتاح الشيخ وهو فتح الله غازي الشيخ وكان من جواسيس اجهزة الامن الصدامي في جامعة بغداد كلية الاعلام، ومن اعضاء حزب البعث وانتمى كبقية الاخرين الى التيار الصدري واخذ يهاجم القوات الامريكية والحكومة العراقية الجديدة ما دفع الى غلق الصحيفة وزاد ذلك الامر تعقيدا فخرجت جماهير مدينة الصدر في بغداد منددة بهذا الامر، واصبح فتاح الشيخ عضوا في الجمعية الوطنية أي البرلمان العراقي المنتخب.



فيما اصبح نائب محافظ البصرة سلام المالكي، وزيرا للنقل في حكومة ابراهيم الجعفري الانتقالية !.



جاء التقرير على ذكر بعض التفاصيل، لكنه اغفل مسألة أوامر القاء القبض التي شملت عددا من اتباع الصدر المتهمين حصرا بجريمة قتل السيد الخوئي، امثال السيد مصطفى اليعقوبي، وكاد ان ينتهي الفصل لولا اندلاع تلك المعارك، ويأخذ الكثيرون على السيد مقتدى انه لم يعلن قتال الاميركان والقوات العراقية المشاركة معها الا بعد تفاعل قضية مقتل الخوئي واقتراب الخطر الداهم، فكانت معارك النجف والثورة التي راح ضحيتها الكثير من الشباب والتي تزامنت مع معارك كانت تجري في الفلوجة، مما استثمره دعائيا واولته وسائل الاعلام اهتماما خاصا.



ان واحدة من اهم القضايا التي تم التركيز عليها قضية التقارب بين هيئة علماء المسلمين والتيار المقتدائي، وهو التقارب الذي عكس مخاوف الفريقين من مجريات الاحداث، وان كان كل منهما يحتفظ بمخاوفه الحقيقية لنفسه فيما يعلن مع الطرف الآخر المخاوف المشتركة والمتمثلة بالاحتلال وكلاهما يدعو لاخراجه، وان لم يكن في جوهره سوى مطلب شكلي مستحيل التحقيق وكلاهما يدرك ذلك، لكن اللاعبين تعالوا فوق خلافاتهم طالما التقوا مع عدو واحد.



هيئة علماء المسلمين ومن على شاكلتها استثمرت الفعل المقتدائي دعائيا للبرهنة على ان الاحتلال وما يسفر عنه مرفوض جملة وتفصيلا، والمقتدائيين لا يريدون اكثر من اعتراف بهم بكونهم قوة مقاومة معتبرة، ولعبت انظمة الدول العربية ووسائل اعلامها على هذا الوتر، بل ولعب الزرقاوي ايضا.



ابو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، التكفيري الاردني الذي يعتبر الشيعة روافض يستحقون القتل، وقتل بالفعل منهم الالاف وجد في التيار المقتدائي ظهيرا ممتازا، فاعلن في بيان له رضاه عن جماعة مقتدى ومعهم جماعة الشيخ الخالصي من بين الشيعة، اما البقية فأنهم يستحقون القتل، ولكم سبب هذا البيان من احراج لمقتدى وجماعته.



ايران وسورية من جهتيهما وجدتا في مقتدى ضالتهما، فهذا الولد وجوده ضار باميركا اكثر من الضرر الذي يسببه عودة قوة منافسة كالاتحاد السوفيتي، ولم تبخل كلا الدولتين عليه بالدعم المادي واللوجستي فكانت الاسلحة تصل اليه من ايران، وسنأتي الى تفاصيل ذلك لاحقا، مثلما تصل الى الزرقاوي من بعض الدول. المجاورةحتى حزب البعث كان يهتف عاليا بحياة السيد مقتدى، ولنطالع مقتطفات من مقال بهذا المعنى نشر على موقع القيادة القومية للحزب بقلم محمد العبدالله، ويبدو انه اسم مستعار وبتاريخ نشوب المعارك.



"رفض المشاركة بمهزلة ماسمي بالمؤتمر الوطني، شكلت أزمة جديدة لكل اللاهثين داخل الحكومة الدمية لاستيعاب هذا التيار، ولجم طموحاته، عبر" رشاوي" متنوعة، كما جاء تضمينها لقضايا يومية مباشرة تعاني منها الجماهير، فمسألة تشكيل إدارة مدنية في النجف وسواها، تكون بديلاً عن أدوات الواقع المفروض الحالي المحافظ ومندوبي هيئات الحكومة دفعت مع عوامل كامنة أخرى بقوات الإحتلال وعملائها من العراقيين للبدء بالهجوم على مواقع جيش المهدي، ومكاتب التيار الصدري، في محاولة مستميتة لسحق دعاة هذا الخط، لأن نجاح أطروحاته الجديدة، سيشكل هزيمة لبرنامج الحكومة والأحزاب والقوى المنضوية داخلها، ولهذا كانت الحملات العسكرية الوحشية التي تشنها القوات الغازية ضد شعبنا في النجف، والتي امتد حقدها وعنصريتها ليطال المقابر، والمراقد الدينية، تعبيراً جديداً عن مخطط راهن يستهدف الإنفراد بهذه القوة الشعبية لسحقها، الأمر الذي أدى إلى استبسال بطولي في مواجهة هذه الحملة الدموية الجديدة، وقد تجلى ذلك في العديد من العمليات الهجومية التي استهدفت مواقع قوات الإحتلال ومراكز قوات الشرطة، الممتدة من بغداد إلى البصرة، مروراً بكربلاء والعمارة والناصرية والحلة، ليكمل بوحدة ملحمية وطنية، المجابهة المتصاعدة في الموصل وكركوك وتكريت وبعقوبة والأنبار هذه الوحدة الميدانية التي تحتاج من السيد الصدر وانصاره إلى تبني برنامج عمل مشترك مع كل القوى الوطنية المقاومة، يضع في أولوياته، العمل على تمتين وحدة النسيج الإجتماعي السياسي الوطني، بعيداً عن أية حسابات طائفية ضيقة، سواء في اللغة السياسية المتداولة في بيانات، وخطب هذا التيار، أو في ميدان العمل العسكري، والتشبث بمواقف سياسية صلبة، لاتتم المساومة عليها، أمام الصفقات التي يسوقها مايسمى بالبيت الشيعي، ولهذا فتطوير درجة التنسيق بين كافة القوى والتشكيلات التي تخوض المعارك اليومية العسكرية والجماهيرية مع قوات الإحتلال وعملائه، تشكل الضمانة الأكيدة، وصمام الأمان من أجل إلحاق الهزيمة بالمحتل. "موقع الهدف-موقع حزب البعث العربي الاشتراكي".



اثناء تلك المعارك حدث شيء مريب، فجأة وفيما كانت القوات الاميركية تستعد لاقتحام مناطق النجف، المدينة المقدسة لأخصاء التيار المقتدائي، سافر السيد السيستاني على متن طائرة خاصة الى لندن للعلاج، وقيل حينها انه سيزور ايضا ايران، موطنه الاصلي الذي لم يزره منذ اربعين عاما، عند هذا صاح المقتدائيون، خيانة.



السؤال، من خان من؟، هل هناك اتفاق بين الفريقين مثلا حتى يمكن القول بانها خيانة، ولماذا يخون السيستاني، بل ما مصلحته اساسا بالدفاع عن تيار ما فتيء يشنع به ويلصق به اقذع الاوصاف بل وكاد يورده موارد الهلاك كما فعل مع السيد الخوئي، وهل اضحى حنون بهذه الاهمية بين ليلة وضحاها.



من هو حنون؟.



حسن، انها التسمية التي يطلقها اتباع السيد مقتدى على السيد السيستاني استعارة لقول الشاعر

ما زاد حنون في الاسلام خردلة

ولا النصارى لهم شغل بحنون

ومعنى البيت ان السيستاني، وجوده كعدمه، كما يطلقون لقب الحناحنة على مقلدي هذا المرجع.



تزامن هذا التصعيد من قبل المقتدائيين.



لكن حنون اثبت ان بيده الحل والعقد، فلدى عودته الى النجف اعلن مقتدى الصدر استعداده التفاوض بلا شروط وانه رهن اشارة المرجعية- السيستانية تحديدا- رغم انه من مقلدي السيد كاظم الحائري.



عند هذا الحد قبلت شفاعة السيد السيستاني للولد الحوزوي، فاعتلى نجم الحوزة الساكتة بعد ان لم تصبح ساكتة عندما منحها الاميركان لسانا تنطق به.

بعض ملامح الصراع الحوزوي.



يزخر التاريخ الشيعي بالعديد من القصص الماساوية التي شهدت مقاتل العلماء علـى يــد العلماء ففي الغالــب تـكون مثل هــذه القصص اسـرارا مـدفونـة فـي العمق

الحوزوي يمنع من ظهورها الشعاع الهائل للهالة القدسية المحيطة بالحوزة.



وفي عام1817 عندما كان المرزا محمد في الكاظمية هجم عليه نفر من اهل الكاظمية وقتلوه كما قتلوا معه اكبر اولاده المرزا احمد وبذلك ضعفت الحركة الاخبارية بمقتل زعيمها.



عندما انتصرت جماعة المشروطة في الثورة التي سميت بهذا الاسم في ايران بدايات القرن المنصرم، ارتكب قادة التيار الاسلامي واحدا من ابرز اخطائهم حين وافقوا على تقديم الشيخ فضل الله النوري للمحاكمة اذ كان من المستحيل توفير الحد الادنى من العدالة المطلوبة في ظل ظروف الهياج التي اعقبت الاستيلاء على العاصمة، كان معظم الناس يامل في تقديم الشاه محمد علي للمحاكمة لكن احدا لم يتوقع قيام الحكومة بتركه والانشغال بتصفية انصاره، فقد قامت قوات المشروطه باعتقال فضل الله النوري وسيق الى السجن حيث رتبت له في اليوم التالي محاكمة مرتجله دامت نحو ربع ساعة ثم اصدرت حكمها بالاعدام الذي نفذ فورا امام مبنى المجلس بينما كان الناس يصفقون فرحا حسب ما يذكر توفيق السيف في كتابه ضد الاستبداد، ومما يجدر ذكره هنا ان الايرانيين ومعهم علماء الحوزة بالنجف ندموا كثيرا على ذلك كما اقام له الخميني شارعا باسمه في العاصمة.

وفي العام 1998 قتل الشيخان البروجردي والغروي، وهما من ايات الله العظام والمراجع المعروفين في النجف، ودفع النظام بتهمة قتلهما على من اعتبرهم اتباعا للسيد محمد الصدر، وحكم على عدد منهم بالسجن، وافرج عنهم تاليا في العفو العام في 2002، ولم يتسن معرفة الكثير من ملابسات هذه القضية بسبب الهالة القدسية العظيمة التي احيطت بكل ما يتعلق بالسيد الصدر، وقد يتم الكشف عن بعضها في حال محاكمة صدام على جرائم ارتكبها بحق المرجعيات، وفي كل الاحوال كان صدام مطلعا بطريقته على بعض تاريخ الحوزة الذي يخص مقاتل العلماء فيها، وعندما اقدم على قتل السيد الصدر كان قد وجد الارض ممهدة من خلال عداء بعض رجال الدين له ولم يكن صعبا تلبيس التهمة لهم، ومنهم رجل الدين المعروف بحسن الكوفي، وقد اجبروه على الادلاء باعترافات متلفزة بقتله السيد.

البدريين والصدريين.

يعود تاريخ العداء بين الصدريين والبدريين، والبدريون هم فيلق بدر الجناح المسلح للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي اسسه ايه الله محمد باقر الحكيم في ايران وبعد مقتله على يد انصار الزرقاوي قرب ضريح الامام علي في النجف وتولى زعامة الحزب بعده اخوه عبد العزيز الحيكم، ويعود تاريخ العداء الى ما قبل سقوط نظام صدام، وتحديدا الى العام 1999 الذي شهد مقتل السيد الصدر، وهو الحدث الذي كشف خطأ تصورات ومواقف القوى السياسية الشيعية العراقية العاملة في ايران عن السيد، حيث كان تعرض الى حملة عنيفة تنتقده وتنتقد توجهاته، واعتبرته هذه القوى وخاصة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية متعاونا مع نظام صدام، وشنت ضده حملة اعلامية وسياسية كما حضت الحكومة الايرانية على تجاهل دعوته، انها بمعنى من المعاني اعتبرته عدوا للشيعة وليس خارجا عن اصول المرجعية حسب، وكانت لحظة المواجهة عندما اعلن عن مقتل السيد، عندها قامت دنيا العراقيين في ايران ولم تقعد، وشهد العام واحدة من الممارسات المحببة للشيعة، فقد انفجر العراقيين من مقلدي السيد على اية الله محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الاعلى حينما جاء للصلاة في مدينة قم المقدسة واشار فيما اشار في خطابه متهما السيد الصدر بالعمل لصالح النظام فقابله الجمهور الشيعي بعاصفة من الاحذية غطت حتى المنبر الذي كان يقف عليه، وتبعوا هذا الامر باعلانات خطت على جدران مدينة قم مفادها من اضاع حذائه فليراجع بيت الحيكم.

الجدير بالذكر ان حادثة ضرب السيد محمد باقر الحيكم بالاحذية ليست الفريدة من نوعها فقد مارسها الشيعة اكثر من مرة وقاموا بضرب وكيل السستاني وانصاره في اب 2004.

ولا شك ان التيار المقتدائي استفاد من اخطائه السابقة، وعيب عليه ان لا يفعل ولكن بعد خراب البصرة، البصرة خربت على رؤوس اهاليها فحسب، اما التيار المقتدائي فقد انساق الى اللعبة السياسية التي طالما رفضها بذريعة وجود احتلال وان اية عملية سياسية لا تصح بوجود الاحتلال، لكنه عاد الى قبولها بعد ان شعر ان بامكانه ان يكون لاعبا سياسيا مؤثرا ضمن القائمة الشيعية، وقد كان له ذلك، ولعب اللعبة ونسي دماء الابرياء، وصار له وزراء كما سيأتي ذكر ذلك في الفصل المقبل.

هكذا لم تذهب دماء الشهداء سدى، لقد نال التيار وزارات وتقرير يعتبر مقتدى الشخص الاكثرتأثيرا في السياسة.

ثم ستعود الامور الى وضعها الطبيعي عندما ينخرط التيار في الحرب الطائفية، مكانه الطبيعي.



#سيف_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقدة والعقيدة او دوغما الشيعة
- قصة الشيعة في العراق
- العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق
- دموع على قائد وطني عراقي اسمه( سعدون)
- السماء تمطر كاتيوشا في السماوة والارض تنبت ارهابيين جدد
- الرقص السياسي
- زواج في مقبرة جماعية !!
- المنظمة العربية لحرية الصحافة تصل إلى بغداد
- أميركا تعلمنا الشرف
- قرارات بريمر
- المناضل صدام حسين
- العلوج والطراطره
- مجلس اللا أمن
- أبو محمد الدفان


المزيد.....




- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - الساكت والناطق او الحناحنة والصدريين