أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق















المزيد.....


العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق


سيف الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 1800 - 2007 / 1 / 19 - 02:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ادلة تؤكد ضلوع مقتدى الصدر في مقتل السيد عبد المجيد الخوئي .. وكيف تشكل جيش المهدي

لم يدر يوما في خلد السيد عبد المجيد الخوئي انه سيلاقي النهاية المأساوية التي لاقاها في اليوم الاول لسقوط النظام الذي نافحه طيلة سنوات.

ومن نكد الدنيا ان أول المناظر التي طالعها العراقيون في المهجر وهم يستمعون الى اخبار سقوط النظام مناظر النهب التي طالت مقدرات الدولة، لكن الصدمة كانت في مقتل السيد عبد المجيد الخوئي على يد الشيعة في النجف.

كانت الانباء والصور تترى عن فعل اولاد الخائبة - كما يصف العراقيون الام التي خاب حظها - وهم ينفرون خفافا وثقالا لينهبوا اثاث دوائر الدولة المختلفة ويحرقون كل شيء.

وحده ابو تحسين هذا الرجل الذي طلع عبر وسائل الاعلام يضرب صورة صدام بنعله كان يحتفل بسقوط النظام على طريقته، ولكم تمنى العراقيون ان يصبح الجميع ابا تحسين ولكن هيهات.

كان العراقيون في المهجر يحيرون جوابا عند سؤالهم عما يجري، سوى ان قلة منهم كانت تعرف بما تجيب، فمناظر الفرهود - السلب والنهب - ليست جديدة على العراقيين وقد صادفتهم منها حالات وحالات وثقها التاريخ العراقي الحديث والمعاصر وهي من طبيعة الذين جاءوا بها من البادية.

ان النزعة البدوية التي تغلغلت في المجتمع العراقي خلال مئات من السنين لا يمكن ان تزول عنه سريعا، انها تتضائل في قوتها بمقدار ما تنمو قوة الحكومة ازائها غير انها تظل في اكثر الاحيان كامنة في اعماق النفوس تترقب الفرصة السانحة لكي تخرج من مكمنها فتعود الى العيث من جديد، واوضح مثال على ذلك ما حدث في بعض المدن العراقية اثناء الحرب العالمية الاولى، فقد حصلت انذاك فترة خلت فيها تلك المدن من اية سلطة حكومية اذ انسحب الجيش العثماني منها قبل ان يدخلها الجيش البريطاني، وعندئذ انثال الناس على دوائر الحكومة، وبعض الدور والدكاكين ينهبونها ويبعثرون أوراقها وينتزعون أبوابها وشبابيكها وقد يشعلون فيها النار.

لا ننكر أن هذا الذي حدث في العراق قد يحدث مثله في أي بلد آخر حين تمر به فترة يخلو فيها من السلطة الحكومية غير ان الذي حدث في العراق يختلف عما حدث في غيره من حيث الطابع البدوي الذي يتميز به، فالنهابون في العراق يوجهون معظم هجومهم على دوائر الحكومة قبل غيرها وكانهم يريدون الانتقام منها، وقد يشترك في النهب اشخاص محترمون فهم لا يختلفون في ذلك عن المبتذلين والصعاليك وهذا يدل على طابع القيم الاجتماعية السائدة فيهم، كما يذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات من تاريخ العراق الاجتماعي.

وما حدث من نهب وسلب لم يكن ليزعج العراقيين كثيرا، لكن هول الصدمة في مقتل السيد الخوئي كانت لا تحتمل خاصة وان مقتله جاء على يد شيعته واولاد عمومته.

إن الصدمة الحقيقية حملت لدى الشيعة العراقيين عنوانا مرعبا واحدا، ان اقتتالا سيجري بين الشيعة والشيعة ليفتتح به عهد التحرر من طغيان صدام، وتدشن فيه مرحلة السلطة الشيعية بعد عقود من التهميش والاضطهاد الطائفي، وهو غاية ما يسوء الشيعة الذين طالما استصرخوا العالم من أجل ظليمتهم.

حمل الخوئي احلامه لعراق ما بعد صدام، مستلهما اياها من عقد من السنين قضاه في عاصمة بريطانيا العظمى، ومستندا على ارث ديني مرموق لوالده، وعمل سياسي ونضالي دؤوب للاسهام في استدراج قوى عظمى لتحرير العراق سواء بالسلاح او بغيره، ضمن جملة نشاطات سياسية كان يحتل المحور فيها كحال اياد علاوي او احمد الجلبي، وكانت اسماء رموز المعارضة المحدودة والمعدودة يبرز فيها اسم مجيد الخوئي.

كان من المتوقع ان يحتل الخوئي موقعا بارزا في العراق الجديد لمكانته الدينية والسياسية ، ومقومات ذلك على المستوى الشخصي والتاريخي والديني التي تؤهله لذلك، وبرغم عمامته السوداء وزيه الحوزوي الا انه لم يكن من النمط التقليدي.

الثقة العالية بنفسه وموقعة بين البيوتات الدينية في المرجعية الشيعية في النجف والتصورات الخاطئة التي كان يحملها بشأن الموقـع الـذي سيحتله مـن قيادة ورئاسـة

في العراق دفعته الى ان يصاحب القوات الامريكية في دخلوها الى العراق وكان اول من وصف بانه قادم على ظهر دبابة أمريكية والتي أصبحت بعده ماركة مسجلة.

كان الخوئي يعتقد ان الدبابة الامريكية ليست وصمة عار، بل قد تكون مفخرة ودلل على ذلك بانه راح يتجول في مدينة النجف بمعية صحفي وصديق عراقي من امريكا ومن دون أية حماية وكان يعتبر النجف معقلا وملاذا ومنطلقا لعمل سياسي سيخوضه.

قرب الخوئي من الحدث السياسي العراقي وتواصله على الخط الساخن مع داخل العراق لم يمنحه تصورا كاملا او واقعيا لمجريات الامور والى ما وصلت اليه الحالة بدقة في العراق الداخلي وكيف تشابكت الخيوط وتقاطعت.
ومن الامور التي حيرت المراقبين اثناء الحرب عدم نهوض العراقيين بواجبهم سواء في استغلال ظروف الحرب للإطاحة بصدام ونظامه أو في الدفاع عن بلادهم حيث وقفوا موقف المتفرج وكأن الأمر لا يعنيهم.

نسي الخوئي ان العراقيين اعتادوا على عدم قول الحقيقة وخاصة الشيعة كونهم عقائديا قد تعلموا التقية، وهي في الفقه الشيعي من الواجبات وتعني ان تظهر عكس ما تبطن، وجاءت حسب قول علماء الشيعة بسبب ظلم الحكام، انه باختصار لم يكن قارئا جيدا للصراع.

أسهمت الدعاية الامريكية ووسائل اعلام المعارضة العراقية في ايهام العديد بان طريق العراق مفروش بالورود وان حفلا تاريخيا لاستقبال المحررين ينتظرهم، ما دفع الخوئي الى التصدي للمجاميع الثائرة التي ارادت النيل من بعض رموز السلطة في النجف متمثلة بحيدر الكليدار.

اصبح الخوئي بازاء كتلة من الدهماء تقودها عقلية الادنى وكشفت له سيكولوجيا جديدة للجماهير الشيعية، تقوم على اساس اسقاط كل معايير القيم وتتحكم بها ذهنية عصابية هستيرية.

غابت حكايات التاريخ العراقي القريب جدا عن ذاكرة الخوئي والمتمثلة بمشاهد السحل والجلد وسحب اشلاء البشر في الشوارع، فقد قتلت العائلة المالكة التي حكمت العراق بين 1920 حتى 1958 وكيف اخرجت احشاء الملك فيصل الثاني وكيف سحلت جثة رئيس وزراءه نوري السعيد في الشارع واحداث الموصل وكركوك وللاسف كانت على ايدي قوى اليسار، ومقتل زعيم اول جمهورية عراقية عبد الكريم قاسم.

يقول الصحفي العراقي معد فياض مراسل صحيفة الشرق الاوسط والذي رافق الخوئي في رحلته من لندن حتى مثواه الاخير.

" كان الخوئي يبدو على عجلة من امره في ذلك الصباح، حتى انه قطع فطورنا الصباحي، هو وانا، وهو يقول - يللا ليس هناك وقت للفطور اليوم -، وكانت علامات السعادة تتوهج في عينيه رغم التعب الذي كنا نعاني منه منذ اكثر من اسبوعين، وفي السيارة التي كان يقودها بنفسه كان يردد قائلا - نحن في العراق، نحن في النجف وصدام ولى بغير رجعة -، وكنت اقدر مشاعره، فهو من ترك مدينته مرغما قبل اكثر من اثني عشر عاما وسط احداث الانتفاضة الشعبية في آذار عام 1991 اثر اعتقال شقيقه الاصغر ابراهيم، والبحث عنه لاعدامه".

ويضيف الفياض في افادته التي ننقل اجزاء منها دون ان نوافقه على بعض تعليقاته وبخاصة ما يتعلق بموقف السيد محمد محمد صادق الصدر، لكننا ننقلها كوثيقة وكشهادة.

" كان صباح يوم الخميس العاشر من ابريل- نيسان، على عكس بقية الايام، مشمسا ومعتدل الحرارة، بينما كانت العواصف الترابية قد منعت ليومين متتاليين وصول الطائرة التي تقل الصحافيين واجهزة الاعلام العربية والاجنبية للقاء عبد المجيد الخوئي في مؤتمر صحفي كان سيعقد صباح ذلك اليوم في مدينة النجف باعتبارها اول المدن التي تم تحريرها تماما من سيطرة نظام صدام حسين وميليشياته المسلحة.

بعد المؤتمر الصحفي كان سيلتقي الخوئي بالتكنوقراط من اهالي النجف للبحث في كيفية عودة الحياة الطبيعية الى المدينة ومن ثم الانطلاق الى بقية مدن الوسط والجنوب، التحق بنا اكثر من ثلاثين من العراقيين الذين وصلوا من الولايات المتحدة وبريطانيا ضمن المشروع الاغاثي الذي تصدى له الخوئي.

كان عبد المجيد الخوئي قد طلب من القوات الاميركية عدم الاقتراب من الاماكن الاسلامية المقدسة وخاصة المساجد ومراقد الأئمة، كما رفض ان تكون حوله حماية اميركية مسلحة كونه بين اهله في النجف وليس بحاجة لمن يحميه منهم، فقد كان سلاحه المنطق والحوار والمحبة، بينما كان سلاح الاخرين انواع مختلفة من الرشاشات والقنابل اليدوية، فهو القادم من لندن وغير العارف الى أي مدى بلغت الامور في العراق تحت سلطة صدام حسين.

عندما وصلنا الى مرقد الامام علي كانت الساعة قد بلغت التاسعة وعشرة دقائق، كالعادة فقد خرج المئات من اهالي لنجف للترحيب بالسيد عبد المجيد الخوئي وتحيته وهم يهللون لوصول نجل آية الله ابو القاسم الخوئي، اشهر مرجع في تاريخ الحوزة الشيعية والذي كان يلقب بـ(استاذ الاساتذة) لبقائه على منبر الدرس اكثر من سبعين عام.

وبعد القيام بمراسيم الزيارة المعتادة زيارة مسجد الخضراء الملاصق للحضرة الحيدرية حيث قبري والده وشقيقه، توجهنا الى مكتب خدمة المقام (الكليدارية)، وكان يفترض ان يلقي الخوئي كلمة في جموع الناس التي احتشدت من اجل تحيته.
ادى الجميع مراسيم الزيارة، وكان غالبيتهم يغرق في البكاء لوصوله الى ارض العراق بعد سنوات طويلة من الغربة، توجهنا الى مكتب سادن الحضرة الحيدرية وكان برفقتنا الدكتور حيدر الرفيعي (الكليدار) والذي يزور مكتبه لاول مرة منذ بدء العمليات العسكرية لتحرير العراق، حيث امتنع عن الذهاب الى مرقد الامام علي لاستقباله له خلال زياراته للنجف، خشية من تصفيته على ايدي جماعة السيد الصدر الذين يتهمونه بالانحياز لنظام صدام حسين.

كانت صورة صدام حسين قد رفعت من باحة المرقد ووضعت بدلا عنها صورة محمد محمد صادق الصدر المرجع الشيعي الذي كان صدام حسين قد فرضه على الحوزة كونه عراقيا وليس اجنبيا، ثم انقلب على النظام وتمت تصفيته وسط مدينة النجف قبل اكثر من عامين مع اثنين من ابنائه.

وبسبب وقوفه ضد نظام صدام حسين ومقتله اعتبر لدى عدد من الطبقة غير المثقفة الشيعية رمزا للتحدي، مع ان الحوزة والمرجعية الشيعية ما عرف عنها التورط في امور السياسة بل الانهماك بالدرس والتدريس.

واعتبرت الحوزة تورط الصدر في السياسة وقتذاك خروجا على اعرافها وتقاليدها العريقة، بينما اتهمها الصدر بالجبن وسماها الحوزة الصامتة واطلق على منهجه تسمية الحوزة الناطقة او الثائرة، وكان اتباع الصدر قبل يومين يدورون في شوارع النجف فوق سيارات (البيك آب وهي سيارات حمل صغيرة 2 طن) الملصق عليها صور الصدر وهم يحملون رشاشات الكلاشنكوف تحت عبآتهم، ولا ادري لماذا لم ياخذ الخوئي حركة هذه الجماعة على محمل الجد او الحذر في القليل.

دخلنا الى مكتب الكليدار عند الساعة التاسعة والنصف صباحا، وبينما كنا نرتشف اقداح الشاي العراقي الثقيل والمر، فوجئنا بهتافات تنادي بحياة الصدر (لا زعيم الا الصدر) و(عاش مقتدى الصدر زعيم الحوزة العلمية)، ومقتدى هذا هو النجل الاصغر للصدر وحسب معلوماتنا فانه (مقتدى) عمره لم يدرس في الحوزة ولم يكن رجل دين وساقط في دراسته وحياته ولم ينهي دراسة متقدمة في الحوزة العلمية، ففي اعراف الحوزة لا يتصدى رجل الدين الشيعي للمرجعية الا ويكون قد امضى اكثر من ثلاثين عاما في الاقل في الدراسة والاجتهاد وان يعترف له الشيعة بالمرجعية، أي يجب ان يكون عمره في الاقل متجاوزا الخامسة والستين عاما.

اشتدت الهتافات وتقدم حشد رافعين السيوف والسكاكين و(القامات) وهي اسلحة تشابه السيوف لكنها اكثر قوة وحدة، نحو نوافذ المكتب، مطالبين بحيدر الرفيعي لغرض اعدامه في باحة الحضرة وامام الناس، اقترحنا على الخوئي ترك المكان، لكن الحشود كانت قد احاطت بالمكتب من كل جهة، فقال " من يريد ان يخرج فليفعل"، وبالفعل خرج عدد كبير ممن كانوا يرافقون الخوئي، وبقينا خمسة اشخاص معه اضافة الى حيدر الرفيعي وبعض خدم الحضرة.

حاول الخوئي التحدث لجموع الغوغاء وقال لهم ان الرفيعي مسلم وشيعي كيف تريدون قتله وهو في حضرة الامام علي؟، ثم ان الرفيعي كان في صحبته وعليه ان يحافظ على حياته، ولم يدرفي ذهن الخوئي ان الامر سيتعدى الهتافات حتى تحطمت النوافذ وجرح البعض بشظايا الزجاج وقارب الغوغاء من الدخول علينا.

كنا نقرأ علامات الشر المتطاير من عيون الغوغاء ورغبتهم المعلنة بالقتل والتعطش للدم وهم ينادون - اقتلوهم..اقتلوهم - وهذا يفند حجة الغوغاء في انهم كانوا يريدون الرفيعي فقط، بل كانوا قد خططوا مسبقا لقتل الخوئي ومن معه، بدليل انهم هيأوا انواع مختلفة من اسلحة الرشاش الثقيلة والقنابل اليدوية وقاذفات (آر بي جي 7) التي انهالوا بها علينا بلا سابق انذار، مع ان الاعراف تحرم دخول الاسلحـة
الى الاماكن المقدسة وخاصة مرقد الامام علي، وما كان من الخوئي الا ان يرمي اطلاقة مسدس، كان قد اخذه من احد خدم الحضرة، في الهواء لابعاد الغوغاء واشعارهم بان معنا سلاح للدفاع عن انفسنا.

كانت تتوفر في مكتب الكليدارية رشاشتان من نوع كلاشنكوف ومسدس لاغراض حماية الحضرة والمكتب عند الضرورة، فاستلم ماهر الياسري رشاشة، وشخص آخر الرشاشة الثانية، بينما بقي المسدس مع الخوئي، وبدأ تبادل اطلاق نار غير متكافئ، فقد كان عددهم يربو على المائة والخمسين، وهم يتوفرون على اسلحة متطورة، وكان عدد العتاد الذي معنا محدود للغاية لهذا اقترح علينا الخوئي التقشف في استخدامه، فكانت تنطلق من جانبنا رصاصة لنستقبل مائة رصاصة.

بعد عشرين دقيقة اصيب ماهر الياسري برشقة رصاص، وهنا توقفنا عن اطلاق النار، وصاح الخوئي بالغوغاء لان يتوقفوا وعيناه تدمعان حزنا لمقتل الياسري، وقال لهم - حرام عليكم لقد قتلتم شاب مسلم في حضرة الامام، هل جئنا لنشهد قتل الشيعة للشيعة، دعونا ننقذ هذا الشاب قبل فوات الاوان - ولم يكن يعرف الخوئي بان الياسري كان يلفظ انفاسه الاخيرة متاثرا بجراحه كان الجواب رشقات متلاحقة من الرصاص الذي مزق الجدران.

بعد اكثر من ساعة ونصف لم يسود الهدوء خلالها ولا لحظة وخاصة من جانبهم، دخلت انواع جديدة من الاسلحة عرفت فيما بعد انها نقلت من مدرسة القوام الدينية الكائنة قبالة المقام العلوي، وسمعنا اصوات تبشر بمجيء مقتدى الصدر، وتفاءل احد الخدم بان مجيء مقتدى سوف يحل المشكلة، لكننا فوجئنا بعدها بشراسة الهجوم، وباستخدام القنابل اليدوية وعندما تاكدنا بان نهايتنا قد اقتربت اقترح احدنا على حيدر الرفيعي بتسليم نفسه لهم، لكن الخوئي رفض هذا الاقتراح وقال - انا من اصطحبته الى هنا، كيف اسلمه لهؤلاء الغوغاء –

بعد ما يقرب من ساعة وخمس واربعين دقيقة من المشاغلة، صرخ الخوئي - لقد اصابوني -، كان كف يده الايمن ينزف دما، اذ كان قد اقترب احد الغوغاء من الباب ورمى بقنبلة يدوية انفجرت قرب الخوئي فمزقت ثلاث من اصابعه، هرعنا لسحبه الى الداخل واسرعت لربط كف يده بقطعة قماش مزقتها من قميص كان متروكا هناك، ولففت كفه بقطعة منشفة الحمام، مما ادى الى ان تصطبغ ملابسي بدمه.

كان عتادنا قد انتهى وخاصة عتاد المسدس الذي كان معي ورشاشة الخوئي، ولم تبق سوى عدة اطلاقات مع احد المرافقين، فجأة خرج احد الخدم الذين كانوا معنا وهو يحمل المصحف المبارك وقطعة قماش بيضاء اعلانا بالاستسلام، توقف اطلاق النار، وهجم الغوغاء علينا، حاملين اسلحتهم ليتاكدوا من اننا لا نملك السلاح.

دخل علينا الشيخ رياض، هكذا عرف نفسه بوصفه مدير مكتب مقتدى الصدر، وهو يتحدث معنا عبر مكبر للصوت، ولا ادري لماذا كان يتحاور معنا عبر مكبر الصوت هذا مع ان المسافة بيننا وبينه هي اقل من نصف متر؟، وتعرف على الخوئي الذي عاتبه قائلا - هل وصلت الامور لان يتقاتل الشيعة في مقام الامام علي؟-، فاجابه رياض - لا تتحدث باية كلمة انتم الان اسرى لدى السيد مقتدى - واستغربت من وصف - اسرى -، كانت حشودهم تتوافد علينا وهم ينادون بضرورة قتلنا والتخلص منا، وبالفعل حاول احدهم اطلاق النار علينا لكن رياض تمكن من ردعه وهو يقول له - لناخذهم الى السيد مقتدى وهو يقرر مصيرهم، ثم انهم بين ايدينا الان اين سيذهبون منا -.

كان هناك شاب يرتدي ملابس رياضية هو اكثرهم حماسا لقتلنا، وآخر يرتدي ثوبا اسود حاملا رشاش كلاشنكوف كان جاهزا للانقضاض علينا، قال الشاب ذو الملابس الرياضية والذي عرفت فيما بعد انه من اهالي النجف وانه كان من اكثر المتحمسين لصدام وانه قاتل مع ميليشيات فدائيي صدام، وهو يخاطبنا - عملاء، جواسيس - ثم انبرى شاب آخر كان يرتدي ثوبا ابيض ويحمل سكينا وقال للخوئي - انت كنت امبراطور في لندن لماذا جئت الى هنا؟، ماذا تريد ان تفعله في النجف؟، انت لا تعرف كم تغير العراقيون طوال هذه السنوات، ما لك والنجف؟ -، ثم قام بتفتيشنا بحجة البحث عن السلاح، لكنه كان يبحث عن محافظنا، وبعد ان جمعها قال - هذه غنائم وسوف تستلمونها من مكتب السيد مقتدى الصدر -.

اجبروا الخوئي على ان يخلع الدرع الواقي من الرصاص بينما كان كف يده ما يزال ينزف دما، وعندما جردوا الخوئي من الدرع الذي كان يضعه تحت ثوبه ادركت انهم قرروا قتلنا في الطريق الى بيت الصدر، والا لماذا يجردوه عن درعه؟، تم شد وثاق الخوئي اولا ثم الاخرين، وشدوا وثاقي مع حيدر الرفيعي.
عندما خرجنا الى باحة مرقد الامام علي كان اول ما التمع في عيني بريق السيوف والقامات والخناجر الملوحة في الهواء، وبدأ كل منا ياخذ نصيبه من الضرب، وسط صيحات مختلطة، بعضها من الناس الذين كانوا يقولون - حرام لا تضربوهم - واخرى من جماعة الصدر التي تحث على قتلنا - اقتلوهم، اقتلوهم -.

كان هناك حشد كبير لم استطع تقدير عدده، لكنهم كانوا يزيدون على المائتي شخص، يضاف اليهم زوار المرقد الذين كانوا محاصرين بسبب الرمي، انهالوا اولا بالسكاكين والسيوف على حيدر الرفيعي، مما ادى الى سقوطه، ولا ادري كيف حل وثاقي وقت ذاك حيث علمت فيما بعد ان احد الزوار من اقارب صديق لي هو الذي غامر وحل وثاق اليد اليمنى بينما تكفلت انا بحل وثاق اليد اليسرى لانسحب تدريجيا وابقى سائرا مع الموكب كمتفرج كي لا اثير انتباه جماعة الصدر.

قبل ان نترك الحرم العلوي قتل حيدر الرفيعي، بينما شاهدت عبد المجيد الخوئي وهو يدافع عن نفسه بيده اليسرى وقد كان متعبا بسبب نزف يده اليمنى، كان الموكب يتجه نحو بيت مقتدى الصدر حسب اوامره التي بلغنا بها قبل خروجنا مكبلين، وكان الغوغاء يهجمون على الخوئي في محاولة للاجهاز عليه، وقبل الوصول الى بيت الصدر خرج اليهم احد مرافقيه ليامر الحشد قائلا - يقول السيد اقتلوا هؤلاء المجرمين في الشارع ولا تدخلوهم بيتي -، وكان هذا الامر كافيا لاعطاء الضوء الاخضر بقتل الخوئي.

كنت اراقب المشهد عن بعد خمسين مترا تقريبا، اقترب احد ابناء النجف وكان صديقا للخوئي وادخلهم الى محله (يملك محلا لبيع مكائن سنجر للخياطة) في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه، فهجم الغوغاء وحطموا واجهة المحل مقتادين الخوئي الى الخارج ليجهزوا عليه، بعد دقائق وعندما كان آذان صلاة الظهر يرتفع من مقام الامام علي سمعت الاصوات تقول ان الخوئي قد مات، وكان الوقت الثانية عشرة وخمس دقائق ظهرا.



#سيف_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع على قائد وطني عراقي اسمه( سعدون)
- السماء تمطر كاتيوشا في السماوة والارض تنبت ارهابيين جدد
- الرقص السياسي
- زواج في مقبرة جماعية !!
- المنظمة العربية لحرية الصحافة تصل إلى بغداد
- أميركا تعلمنا الشرف
- قرارات بريمر
- المناضل صدام حسين
- العلوج والطراطره
- مجلس اللا أمن
- أبو محمد الدفان


المزيد.....




- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...
- الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا ...
- الجبهة اللبنانية واحتمالات الحرب الشاملة مع الاحتلال.. وقمة ...
- جامعة الدول العربية تشارك فى أعمال القمة الاسلامية بجامبيا
- البطريرك كيريل يهنئ المؤمنين الأرثوذكس بعيد قيامة المسيح
- اجعل أطفالك يمرحون… مع دخول الإجازة اضبط تردد قناة طيور الجن ...
- ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق