أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمير أبو مدللة - سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية- د. أكرم فارس أبو جامع - أ. د سمير أبو مدللة















المزيد.....



سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية- د. أكرم فارس أبو جامع - أ. د سمير أبو مدللة


سمير أبو مدللة

الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 16:21
المحور: القضية الفلسطينية
    


“ أبريل 2025 “

د. أكرم فارس أبو جامع - أ. د سمير أبو مدللة

ملخص: تأتي أهمية هذه الدراسة في تشخيص وقراءة التأثيرات المباشرة للعدوان على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية من حيث الخسائر والأضرار في قطاع غزة والمساهمة في تقديم رؤية عملية مرتكزة على مقاربة عملية لسيناريوهات الاعمار والتعافي المتوقعة ما بعد الحرب.
اعتمدت الدراسة على منهجية وضعية خالصة لتجنب أي طروحات معيارية لنكون أكثر تحديدا وحيادا من حيث العمل على صياغة مقاربة تستعرض سيناريوهات الاعمار حسب ما هو متاح من معطيات محلية، دولية واقليمية في ظل خصوصية سيطرة الاحتلال على المعابر والحصار المفروض على قطاع غزة.
خلصت الدراسة إلى أن التعافي والاعمار قد يتطلب ما تكلفته 54 مليار دولار امريكي تشمل عمليات التدخل الاغاثي والايواء الطارئ، دعم القطاعات الحيوية والصحية، قطاع الإسكان والانعاش الاقتصادي. وأن عملية الاعمار في ظل السيناريو المتفائل قد تحتاج مدة 8 سنوات من العمل المكثف والمنظم بالتوازي مع توفر الارادة الدولية والتمويل اللازم ناهيك عن ضرورة رفع قيود الاحتلال على المعابر ودخول مواد البناء والآليات الثقيلة. وأنه لا يمكن الحديث عن اعادة اعمار حقيقي إلا ضمن حزمة متكاملة تشمل بالإضافة إلى التعافي تعزيز الوجود الفلسطيني.
كلمات مفتاحية: غزة، فلسطين، 7 أكتوبر 2023، الاعمار، التعافي، المساعدات الخارجية، الاحتلال الإسرائيلي.

Abstract: This study is of utmost importance as it examines the --dir--ect impacts (losses and damages) on the economic, social, and service sectors of the Gaza Strip and contributes to providing a concrete proposal based on an empirical approach to the expected reconstruction and recovery scenarios after the war.
The study is based on a purely positivist methodology in order to avoid any standard proposals and formulate a more specific approach that reviews reconstruction scenarios according to the available local, international, and regional data. This is done in light of the specific role of occupation authorities in terms of their relationship with the Gaza Strip.
The study concludes that recovery and reconstruction may require around 54 billion US dollars, including housing, economic recovery, relief interventions, emergency shelter, and support for vital and health sectors. Under the optimistic scenario, the reconstruction process may require 8 years of intensive and organized work in parallel with the availability of international will and necessary funding, not to mention the necessity of lifting the occupation s restrictions on crossings and the entry of building materials and heavy machinery. True reconstruction can only be discussed within an integrated package of liberation development that includes, in addition to recovery, strengthening the Palestinian presence.
Keywords: Gaza, Palestine, October 7, 2023, reconstruction, recovery, foreign aid, Israeli occupation
مقدمة
يعيش قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 كارثة إنسانية مركّبة هي الأكبر والأعنف في تاريخه الحديث، في ظل عدوان إسرائيلي واسع النطاق لم يترك حجرًا ولا بشرًا إلا وطاله، ليحوّل القطاع المحاصر إلى ساحة دمار شامل تتقاطع فيها الجريمة مع الإهمال، والاحتلال مع الحصار، والتهجير مع التجويع. لم يكن هذا العدوان مجرد تصعيد عسكري، بل سياسة ممنهجة لاستهداف الوجود الفلسطيني، وتفكيك النسيج الاجتماعي والاقتصادي، وتقويض الحياة بكل أشكالها، في محاولة لفرض واقع جديد عنوانه "اللا أفق".
تسبب العدوان على قطاع غزة في تدمير أكثر من 85% من البنية التحتية، وبلغ عدد الشهداء 50864 شهيداً ، وأصيب ما لا يقل عن 115729 مواطن منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 9 أبريل 2025، ونزح أكثر من مليوني إنسان من منازلهم تحت وطأة القصف في ظل ظروف قاسية من انعدام الغذاء والدواء والماء، وانهيار شبه كامل للمرافق الصحية والتعليمية والخدماتية. ومع انقطاع المساعدات، وإغلاق المعابر، وتعثر الاستجابة الدولية، باتت غزة أقرب إلى العزلة الكاملة، ومهددة بأزمة طويلة الأمد قد تستعصي على الاحتواء ما لم يتم التدخل العاجل على أسس منهجية وشاملة. فنجد أن النقص الحاد في الإمدادات اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية والحد من الوصول إلى الخدمات الأساسية، كان كفيلا بتهديد سبل العيش. والدخول في معاناة إنسانية غير مسبوقة، ما ألحق ضررًا بالغًا بالقطاعات الاقتصادية والخدمية وقطاع الاسكان ، حيث تضرر أكثر من 437 ألف وحدة سكنية . فضلا عن تعرض البنى الاجتماعية والمادية والإنتاجية إلى أضرار جسيمة مما فاقم من واقع الأزمة الإنسانية والدخول في حالة من التدهور العام في جميع مناحي الحياة الإنسانية.
ومع مرور 19 شهراً من العدوان الهمجي على قطاع غزة، كانت الاستجابة الانسانية وتوفير المساعدات الاغاثية بطيئة جداً، ولا تلبي الحد الأدنى لاحتياجات السكان، حتى تاريخ اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025 ، حيث بدأت المساعدات بالدخول بصورة أفضل بكثير من سابقها، إلى أن تعثر وقف إطلاق النار واستأنف جيش الاحتلال عدوانه مرة أخرى، وقام بإغلاق المعابر ومنع كافة أشكال المساعدات من الدخول للمواطنين في قطاع غزة منذ تاريخ 18 مارس 2025.
في هذا السياق المأساوي والمعقّد، لا يمكن التعاطي مع إعادة الإعمار كخطة تقنية أو مجرد جهود هندسية لإصلاح الخراب، بل كمسار استراتيجي طويل الأمد يتطلب قراءة دقيقة لمجمل المعطيات السياسية والاقتصادية واللوجستية، ومقاربة جديدة قائمة على التحرر والتنمية والحوكمة الرشيدة، وعلى أساس الإقرار بأن الحق في الحياة الكريمة لا يتحقق فقط بإزالة الركام، بل بإعادة بناء الإنسان، واستعادة العدالة، وكسر الحصار، وتمكين الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره مع الأخذ بعين الاعتبار القيود على تنفيذ اتفاقيات إعادة الإعمار، حيث تشير البيانات الأولية إلى أن 70% من مشاريع إعادة الإعمار بعد حرب 2014 لم تكتمل بسبب تقلص التمويل الدولي وتشديد القيود على الاستيراد .
من هنا، تنبع أهمية هذه الورقة البحثية كمحاولة علمية لتحليل مشهد الدمار غير المسبوق في قطاع غزة، وتقييم حجم الخسائر الفادحة التي طالت كافة القطاعات، واستشراف السيناريوهات الممكنة للتعافي وإعادة الإعمار، بما يراعي الواقع الميداني المعقد، وقيود الاحتلال، والتحديات التمويلية واللوجستية، والعمل على تعزيز المجتمع المدني، وتحسين أداء الحكم، ونشر الحوكمة كجزء من حزمة الإصلاحات التي يجب تنفيذها في الأشهر الأولى من التعافي بعد الحرب، فغالباً ما يكون وجود الحكومة الشفافة والخاضعة للمساءلة شرطاً أساسياً لتوفير واستمرار الدعم الدولي . كما تسعى الورقة إلى تقديم رؤية عملية، قابلة للتطبيق، تستند إلى تجارب دولية مقارنة، وتطرح سلسلة من التوصيات التي يمكن البناء عليها لإطلاق مشروع وطني جامع يعيد الأمل لشعب أنهكته الحرب، لكنه لا يزال متمسكًا بحقه في الحياة، والكرامة، والحرية.
I. التداعيات الاقتصادية، الاجتماعية والإنسانية للحرب في قطاع غزة (حتى 9 فبراير 2025)
تُعد حرب أكتوبر 2023 سابقة من حيث أنها تمثل أعنف عدوان إسرائيلي يشهده قطاع غزة مما أدى إلى مستويات غير مسبوقة من القتل والتدمير والتشريد واستهداف البنى التحتية الحيوية، وتشير التقارير والأرقام الصادرة بعد 18 شهرا من العدوان إلى حجم الكارثة الإنسانية والمادية التي لحقت بقطاع غزة نتيجة الإبادة الجماعية المستمرة، حيث شملت الخسائر تدمير البنية التحتية، استهداف المدنيين، وتفاقم الأزمات الصحية والتعليمية. ولعله من المفيد قبل أن نتناول المؤشرات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية في قطاع غزة أن نلقى لمحة موجزة على الواقع السكاني في قطاع غزة، حسب آخر تحديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تجاوز عدد سكان قطاع غزة 2.23 مليون نسمة عام 2023 مع معدل نمو سنوي مرتفع يقارب 2.5%، يتمركز 34% من هذا العدد في مدينة غزة، ليكون بذلك عدد الأسر 397392 أسرة (الشكل البياني 1)، الأمر الذي يجعل قطاع غزة يعاني من تحديات اقتصادية ومعيشية كبيرة بسبب الكثافة السكانية العالية مقارنة بالموارد المحدودة.
لقد تسبب العدوان الإسرائيلي في خسائر بشرية ومادية فادحة محيت في إثرها أسماء عائلات كاملة من السجل المدني نتيجة القتل الممنهج، وتحول المدن إلى أنقاض. ناهيك عن مغادرة نحو 150 ألف فلسطيني القطاع بسبب ظروف الحرب القاهرة، ما نتج عنه انخفاض عدد سكان قطاع غزة بمقدار 6% مع نهاية العام 2024. ووفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية ، أن العدوان الإسرائيلي الغاشم والمتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى تاريخ 09 أبريل 2025 أسفر عن استشهاد عدد 50864 فلسطينياً بالإضافة إلى حوالي 11 ألف مفقود وبلغ إجمالي الجرحى والمصابين 115729 شخصاً . وأدت العمليات العسكرية للاحتلال إلى اعتقال نحو 18700 فلسطيني ناهيك عن الضغوطات العسكرية لدفع الناس إلى النزوح الجماعي، حيث بلغ عدد النازحين 2 مليون شخص، اجبروا على العيش في ظروف صعبة ومعقدة داخل 110,000خيمة، كثير منها غير صالح للإيواء.
شكل بياني 1: عدد السكان والأسر حسب المحافظة في قطاع غزة لعام 2023

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2024.
في سياق آخر، تحملت البنية التحتية والمساكن النسبة الأكبر من التدمير والأضرار حيث تم تسجيل161,600 وحدة سكنية دُمرت بالكامل، 82,000 وحدة أصبحت غير صالحة للسكن،194,000 وحدة تضررت جزئيًا، تدمير 1119 مسجداً بشكل كلي بينما يحتاج 158 مسجداً إلى ترميم ، ناهيك عن انهيار شبكات الطاقة والمياه والطرق على النحو التالي:3,130 كيلومتر من شبكات الكهرباء، 330,000 متر طولي من شبكات المياه، 655,000 متر طولي من شبكات الصرف الصحي، 3045 كيلومتر طولي من الطرق والشوارع.
أما قطاع التعليم فقد تأثرت المنظومة التعليمية بشكل كبير، حيث توقفت العملية التعليمية بشكل شبه كامل، وفقد 13000 طالب وطالبة حياتهم، وحُرم 785,000 طالب من حقهم في التعليم بسبب تدمير المؤسسات التعليمية. كما استشهد حوالي 800 من المعلمين والموظفين التربويين. بينما تعرضت المدارس والجامعات لهجمات مباشرة حيث تعرضت135 مدرسة وجامعة للتدمير الكلي، بينما دُمرت 353 مدرسة وجامعة جزئياً. وتقدر خسائر هذا القطاع بمليار و144 مليون دولار امريكي.
في ذات الصدد، تعرض القطاع الصحي لخسائر جسيمة، حيث خرجت 34 مستشفى عن الخدمة بالكامل وتضرر 80 مركزاً صحياً، مما أثر على تقديم الخدمات الطبية، وتم استهداف 136 سيارة إسعاف أثناء أداء مهامها الإنسانية. ومع وجود أكثر من3,000 مريض بأمراض مزمنة يتهددهم خطر الموت نتيجة نقص الأدوية والإمدادات الطبية. وقد تفاقمت الأزمة الصحية مع قتل قوات الاحتلال أكثر من 1300 من الكوادر الصحية واعتقال نحو 360 فيما لايزال نحو 160 منهم قيد الاعتقال ، وتقدر خسائر هذا القطاع بأكثر من 2 مليار دولار امريكي. ولعله من المفيد أن ننوه أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن عدد 772 منشأة صحية تعرضت للدمار الكلي أو الجزئي ممثلة في 95% من المستشفيات و91% من المرافق الصحية الخاصة بما فيها الصيدليات والعيادات و88% من المراكز الصحية العامة، وأن قيمة الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي في قطاع غزة والضفة الغربية منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023 بلغت 6.3 مليار دولار مقسمة بين تكاليف إعادة الإعمار ومتطلبات تقديم الخدمات.
أما على صعيد الآثار الثقافية والرياضية فقد شملت تداعيات العدوان تدمير المعالم الثقافية والمنشآت الرياضية حيث تم تدمير206 مواقع أثرية، ما يمثل خسارة كبيرة للتراث الثقافي. وقد تم استهداف 42 منشأة رياضية، مما أثر على الأنشطة الشبابية والرياضية. وتقدر خسائر هذا القطاع بحوالي 105 مليون دولار امريكي.
من الناحية البيئية أسفرت الحرب عن تداعيات بيئية كارثية خطيرة، متمثلة في تراكم 450,000 طن من النفايات في مختلف أنحاء القطاع، مما رفع من خطر انتشار الأمراض المعدية، مثل الكوليرا بالإضافة إلى تلوث 90% من مصادر مياه الشرب، مما أجبر السكان على الاعتماد على مصادر غير آمنة للحصول على مياه الشرب.
إن ما تعكسه الأرقام سالفة الذكر يعبر عن مدى عمق التأثيرات المدمرة للحرب، سواء على المستوى البشري، الاقتصادي، الاجتماعي، البيئي، والإنساني. وتماشيا مع ما تم ذكره من المهم التعرف على تصنيف وطبيعة الخسائر والاضرار التي طالت الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية في قطاع غزة. يوضح (الجدول 1) تقديرا للخسائر والأضرار القطاعية التي نتجت عن العدوان الإسرائيلي بالمليون دولار. حيث تقدّر الخسائر الاقتصادية الناتجة بحوالي 3.29 مليار دولار أمريكي. في حين بلغت الأضرار حوالي 8.8 مليار دولار امريكي ليكون بذلك اجمالي الخسائر والأضرار 12.1 مليار دولار. ناهيك عن ذلك لا يمكن اغفال جانب التعطل الوظيفي المتمثل في تعويضات العاملين سواء في القطاع الحكومي او العمالة في الداخل او في القطاع الخاص والذي يقدر بحوالي 2.15 مليار دولار.
جدول 1: تقدير الخسائر القطاعية للحرب على قطاع غزة 2023-2024 بالمليون دولار امريكي حسب القيمة المضافة
القطاع القيمة المضافة الخسائر الاضرار *
الزراعة والحراجة وصيد الأسماك 287,900,000.00 374,270,000.00 935,675,000.00
الصناعة 189,900,000.00 246,870,000.00 1,645,800,000.00
الإنشاءات 128,100,000.00 166,530,000.00 666,120,000.00
التجارة 376,200,000.00 489,060,000.00 1,222,650,000.00
النقل والتخزين 36,900,000.00 47,970,000.00 159,900,000.00
الأنشطة المالية وأنشطة التأمين 79,200,000.00 102,960,000.00 205,920,000.00
المعلومات والاتصالات 16,600,000.00 21,580,000.00 53,950,000.00
الخدمات شاملة 794,000,000.00 1,032,200,000.00 2,580,500,000.00
الإدارة العامة والدفاع** 620,500,000.00 806,650,000.00 1,344,416,666.67
الخدمات المنزلية 500,000.00 650,000.00 928,571.43
الإجمالي 2,529,800,000.00 3,288,740,000.00 8,815,860,238.10
*تنطوي وجهة النظر في تقدير الاضرار على أساس نسبة القيمة المضافة إلى رأس المال (Value Added to Capital Ratio) وهي تختلف من قطاع إلى آخر وتعتمد على طبيعة النشاط الاقتصادي، ومدى اعتماده على رأس المال مقارنة بالقوى العاملة.
** تتضمن الإدارة العامة والدفاع: الضمان الاجتماعي الالزامي، أنشطة التعليم، الأنشطة في مجال صحة الإنسان، أنشطة العمل الاجتماعي، الانشطة الابداعية والفنون وانشطة الترفيه، أنشطة المكتبات والمحفوظات والمتاحف والأنشطة الثقافية الأخرى، الانشطة الرياضية وانشطة الترفيه والتسلية، أنشطة المنظمات ذات العضوية، أنشطة الخدمات الشخصية الأخرى، أنشطة الاسر المعيشية التي تستخدم افراداً للعمل المنزلي، انشطة المنظمات والهيئات التي تتجاوز الحدود الإقليمية" الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني".
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني شهدت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية انهيارا لكافة الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة خلال العام 2024 وتراجعا حاد في الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث ألقى بظلاله الكارثية على جميع النواحي الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، الصحية، التعليمية، والأمن الغذائي وبالتالي انكماش القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكل الاقتصادي الفلسطيني، حيث تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، رافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%.
وفي ذات الصدد شهد الاقتصاد المحلي تراجعًا حادًا نتيجة للعدوان المستمر، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 80%، مع خسارة تجاوزت %8.4 من الناتج المحلي خلال الشهرين الأولين من العدوان وبما يعادل 1.7 مليار دولار. في قطاع الزراعة، تضررت %41 من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى انهيار النظام الغذائي وارتفاع الاعتماد على المساعدات الخارجية.
كما تضررت البنية التحتية بشكل بالغ، حيث تم تدمير 3,130 كم من شبكات الكهرباء و330,000 متر طولي من شبكات المياه، مما أثر بشكل مباشر على سبل العيش والخدمات الأساسية.
ولا مناص من القول أن الاقتصاد الفلسطيني يُعتبر اقتصادًا خدميًا، حيث تشكل الخدمات حوالي 65% من إجمالي هذا الاقتصاد، بينما تمثل القطاعات الإنتاجية التي تدعم النمو الاقتصادي نحو 20% فقط. وهذا يشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يتسم بالتقلبات، ويتأثر بشكل كبير بالصدمات، على المستوى الاقتصاد الكلي شهدت معظم الأنشطة الاقتصادية في فلسطين تراجعًا مقارنة بالعام السابق. فقد سجل قطاع الإنشاءات أعلى نسبة تراجع بلغت 46%، حيث كانت النسبة 38% في الضفة الغربية و98% في قطاع غزة، ليصل إجمالي قيمته إلى 332 مليون دولار أمريكي. تلاه قطاع الصناعة الذي تراجع بنسبة 33% (30% في الضفة الغربية و90% في قطاع غزة) ليبلغ 1,038 مليون دولار أمريكي. كما انخفض نشاط الزراعة بنسبة 32% (17% في الضفة الغربية و91% في قطاع غزة) ليصل إلى 564 مليون دولار أمريكي. وأخيرًا، تراجع نشاط الخدمات بنسبة 27% (17% في الضفة الغربية و81% في قطاع غزة) ليصل إلى 6,453 مليون دولار أمريكي.
شكل بياني 2: الناتج المحلي الإجمالي حسب المنطقة، 2020- 2024 بالأسعار الثابتة: سنة الأساس 2015

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الحصاد الاقتصادي، 31/12/2024
1. الميزان التجاري الفلسطيني
شهد حجم التبادل التجاري في فلسطين مع العالم الخارجي انخفاضًا بنسبة 11%، حيث تراجعت قيمة صادرات السلع والخدمات إلى 2,677 مليون دولار أمريكي، بينما انخفضت الواردات بنسبة 11% لتصل إلى 9,069 مليون دولار أمريكي خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق حيث يعزى هذا الانخفاض إلى الحرب على قطاع غزة والتي نتج عنها توقف شبه تام في سلاسل الإمداد ما نتح عنه أزمة صحية وغذائية خطيرة، بسبب النقص الحاد في السلع الأساسية والأدوية والمستلزمات الصحية، والتي يتم توفيرها بمستويات متدنية لا تتجاوز نسبة 5% من الكميات المطلوبة فعليًا. ومن المهم أن ننوه إلى أن أكبر نسبة للتبادل التجاري مع العالم الخارجي في قطاع غزة كانت في عام 2003، حيث بلغت 29% من إجمالي تجارة فلسطين، ولكن هذه النسبة انخفضت إلى أقل من 4% خلال العدوان الإسرائيلي.
2. معدلات البطالة
تعاني فلسطين من معدلات بطالة مرتفعة وفق فجوة جغرافية واضحة بين شطري الوطن، ففي عام 2024 ارتفع معدل البطالة ليصل إلى 51%، حيث سجلت الضفة الغربية 35% وقطاع غزة 80%. بالمقارنة مع عام 2023 الذي بلغ فيه معدل البطالة في فلسطين حوالي 31%، بواقع 18% في الضفة الغربية و53% في قطاع غزة. كما شهدت نسبة المشاركة في القوى العاملة انخفاضًا في عام 2024، حيث بلغت 40% مقارنة بـ 44% في عام 2023. وفي قطاع غزة، انخفضت النسبة إلى 36% بعد أن كانت 40% في العام السابق، بينما سجلت الضفة الغربية نسبة مشاركة بلغت 43% مقارنة بـ 47% في نفس الفترة .

شكل بياني 3: معدل البطالة حسب المنطقة خلال الفترة 2019 - 2024

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الحصاد الاقتصادي، 31/12/2024
3. الأوضاع المعيشية والفقر
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تجاوزت معدلات الفقر في قطاع غزة نسبة 63% قبل العدوان الإسرائيلي على أساس خط الفقر في فلسطين المقدر بحوالي 2,717 شيقلاً، وخط الفقر المدقع البالغ حوالي 2,170 شيقلاً. ومع استمرار العدوان على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، يمكن القول أننا تجاوزنا المفهوم البسيط للفقر، وأصبحنا نتحدث عن مستويات متقدمة من البؤس والمجاعة وانعدام الأمن الغذائي. فقد تراجع إجمالي الاستهلاك بنسبة 24% على المستوى الوطني، حيث انخفض بما نسبته 13% في الضفة الغربية و80% في قطاع غزة، ما يعكس الأثر المباشر على مستوى المعيشة للمواطنين في فلسطين. وعليه يمكن القول أن معظم سكان قطاع غزة باتو يعانون من مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، سيما أن تداعيات الحرب انعكست بشكل عميق على النسيج الاجتماعي، مع ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من %91، وتصنيف2.1 مليون شخص ضمن مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد.
4. مستويات الأسعار
تسببت الحرب والأوضاع السياسية والأمنية المصاحبة لها (والتي شملت الحصار الإسرائيلي وفرض القيود الاقتصادية وإغلاق المعابر، وتدمير المنشآت الاقتصادية وتعثر الإمدادات ووقف سلاسل التوريد) في انخفاض حاد في العرض وارتفاع الطلب ناهيك عن تعطل النشاط الاقتصادي وانعدام السيولة النقدية بسبب اغلاق فروع البنوك والمصارف في قطاع غزة وعدم ضخ أي مبالغ جديدة في السوق، ساهمت هذه العوامل بشكل كبير في ارتفاع كبير في أسعار المستهلك بنسبة تجاوزت 227% في قطاع غزة، في حين شهدت أسعار المستهلك في الضفة الغربية زيادة بنحو 3%. والنتيجة تراجع القوة الشرائية للمستهلك الفلسطيني خلال عام 2024 بنسبة 33%، حيث بلغت النسبة في قطاع غزة 70% وفي الضفة الغربية نسبة 3%.
وعليه، يُظهر (الشكل البياني 4) حالة الاستقرار النسبي (يناير - أغسطس 2023) حيث كانت الأسعار شبه مستقرة، مما يشير إلى عدم وجود عوامل تضخمية. لنشهد مع بداية الحرب ارتفاعا ملموسا في الأسعار الفترة (أكتوبر - ديسمبر 2023) بارتفاع تدريجي بسبب زيادة الطلب الكلي على حساب النقص الحاد في السلع المتفاقم مع نزوح المواطنين خارج مناطق سكناهم، ومع زيادة الطلب في مناطق النزوح الجديدة وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل بالتوازي مع النقص الحاد في المواد التموينية والغذائية والمستلزمات الحياتية الأخرى تدهور الوضع الاقتصادي ليشكل تحولا حادا في الأسعار متمثلا في ارتفاع متسارع تحديدا الفترة (يناير - ديسمبر 2024) والتي شهدت فيها الأسعار زيادة غير مسبوقة خصوصا بعد تشديد الحصار وتعطيل مرور المساعدات الخارجية بعد اغلاق معبر رفح البري (والذي كان من أحد أهم قنوات ادخال المساعدات) عقب اجتياح مدينة رفح والتي كانت تأوي العدد الأكبر من النازحين ليرتفع المؤشر من 178.01 نقطة في ديسمبر 2023 إلى 668.51 نقطة في ديسمبر 2024، مما يعكس الأزمة الاقتصادية الحادة التي ألقت بظلالها على الواقع المعيشي في قطاع غزة.
شكل بياني 4: الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة 2023 -2024

المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2025. مسح الرقم القياسي لأسعار المستهلك، 2022-2024. رام الله - فلسطين.‏

II. مقارنة الأضرار مع عدوان عام 2021 وعام 2014:
يُعد مستوى الدمار في قطاع غزة منذ بدأ العدوان في أكتوبر 2023 انكساراً للمألوف في سجل الكوارث نتيجة الحروب إذا ما قورنت بأي عدوان سابق، حيث طالت الاضرار جميع القطاعات وفي مقدمتها الإسكان يليها الانشطة الاقتصادية والبنى التحتية والاجتماعية والخدمية ما نتج عنه خسائر بنيوية كبيرة بلغت تكلفتها التقديرية حوالي 39.3 مليار دولار أمريكي (الشكل البياني5). كانت نسبة الأضرار والخسائر في قطاع الإسكان 44% أي حوالي18.09 مليار دولار ما يشير إلى الدمار الواسع في مخزون المنازل والوحدات السكنية فحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 92% من الوحدات السكنية في غزة إما مدمرة أو متضررة . يلي ذلك خسائر القطاعات الاقتصادية بما نسبته 30% والتي تشمل الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات وتضررت بما تكلفته12.1 مليار دولار، الأمر الذي يعكس الأثر السلبي الكبير على القطاعات الاقتصادية. وقد بلغت خسائر البنية التحتية وشبكات الطرق 2.4 مليار دولار بنسبة 9% ما يعكس الضرر الواسع في الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي. ثم قطاعي التعليم والصحة بما يعادل 3.6مليار دولار بما نسبته 9%. في حين بلغت تكلفة تعويضات العاملين 2.3 مليار دولار بما نسبته 6% وهي تعكس واقع فقدان الأجور والرواتب بسبب تعطل القطاعات الحكومية والخدمية والاقتصادية . هذا وتكبد قطاع المواصلات خسائر بقيمة 770 مليون دولار بما نسبته 2%، وبلغت خسائر وأضرار قطاع الطاقة مبلغ 450 مليون دولار بما نسبته 1% من اجمالي التكلفة.


شكل بياني 5: الخسائر والاضرار حسب القطاع بعد الحرب (بالنسبة المئوية)

المصدر: اعداد الباحثين

تماشيا مع ما تم ذكره، نجد أن الأضرار في قطاع الإسكان بعد السابع من أكتوبر 2023 تجاوزت أضرار عدوان 2021 بمقدار 124 ضعف وبمقدار 23 ضعف أضرار عدوان عام 2014 حيث كانت الأضرار في هذا القطاع كارثية بالغة تكلفة 18 مليار مقارنة ب 144 مليون دولار عام 2021 و780 مليون دولار عام 2014.
في قطاع التعليم فبلغت الأضرار ما مقداره 1.5 مليار دولار ما يعادل 503 ضعف أضرار عام 2021، و44 ضعفًا عن أضرار عدوان 2014 (جدول 2)، أما في قطاع الصحة فتجاوزت تكلفة الأضرار 2 مليار دولار أي ما يمثل 159 ضعف أضرار عام 2021 و85 ضعف أضرار عدوان عام 2014.
في قطاع التجارة والصناعة والخدمات، بلغت الأضرار 7.4 مليار دولار أمريكي، أي ما يزيد عن 185 ضعفًا عن التكلفة المقدرة بعد عدوان عام 2021 والبالغة 40 مليون دولار أمريكي و51 ضعف عن تكلفة عدوان 2014 والتي بلغت حينئذ 144 مليون دولار.
كما أن الأضرار التي لحقت بقطاعات البنية التحتية فكانت تكلفتها 2.3 مليار دولار بما يمثل 181 ضعف أضرار عام 2021 وأكثر من 75ضعف عام 2014.
وعليه، بلغت التكلفة الإجمالية للأضرار حتى نهاية يناير 19 فبراير 2025 حوالي 39.3 مليار دولار أمريكي، مقارنةً بـ 725 مليون دولار أمريكي من الأضرار التي لحقت بها خلال حرب 2021، 2.28 مليار دولار أمريكي خلال حرب 2014.

جدول 2: مقارنة بين أعوام العدوان 2014، 2021، 2025
القطاع 2014 2021 2025
الإسكان 780,000,000 144,874,400 18,000,640,000
الصحة 24,000,000 12,869,276 2,048,800,000
التعليم 35,000,000 3,063,111 1,543,000,000
التراث الثقافي 1,200,000 - 105,000,000
النقل 42,000,000 19,549,000 770,000,000
البنية التحتية (الطرق والمياه والصرف الصحي) 33,000,000 13,540,400 2,459,000,000
الطاقة 58,000,000 15,145,000 450,000,000
الأنشطة المالية 22,063,000 450,904 308,880,000
التجارة والصناعة والخدمات 144,000,000 40,000,000 7,424,950,000
الزراعة 266,000,000 42,500,000 1,309,945,000
البيئة - 175,000,000 700,000,000
الأصول الثابتة للقطاع الخاص 710,000,000 190,000,000 1,755,000,000
الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات - 3,550,181 75,530,000
تعويضات العاملين 164,635,700 65,000,000 2,304,900,000
الإجمالي الكلي 2,279,898,700 725,542,272 39,347,605,000
تم الاستعانة بتقرير البنك الدولي في تحديد أضرار عامي 2014 و2021 Interim Damage Assessment, Summary Note - March 29, 2024

III. سيناريوهات عملية إعادة الإعمار
من البديهي أن مسار إعادة إعمار قطاع غزة يعتبر تحدياً كبيرا نظرا للعقبات السياسية والاقتصادية التي تكتنفه ما يتطلب تظافرا للجهود الدولية وتعزيز الضمانات المقترنة بتوفر إرادة حقيقية للتمويل مع الالتزام بما يتم التعهد به، برنامج شامل يركز على معالجة الأضرار وفق إطار زمني محدد وآليات عمل فعالة، يراعي تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق التكامل بين الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية لضمان تعافي فعّال ومستدام. ومن المؤكد انه لا يمكن المضي قدما في أي مسار للتعافي دونما إلزام الاحتلال برفع قيوده عن المعابر وفي مقدمتها معبر رفح البري، هذه المحددات تحيلنا إلى أنه من المهم أن تنطوي وجهة النظر على طروحات وسيناريوهات مستندة على مقاربات متعددة الأبعاد ومنفتحة على كل الاحتمالات.
في هذا الإطار، سوف نحاول استشراف السيناريوهات المتوقعة لعملية إعادة الإعمار بعد الحرب المرتكزة إلى ثلاث معززات أساسية؛ أولا، المأمول في سياق تفاؤلي المرتكز إلى الممارسات الاقتصادية الفضلى وإنعاش القدرة المؤسساتية وتعزيز التحول البنيوي للاقتصاد.
ثانيا، القياس على التجارب السابقة تحديدا الآلية الأممية بعد عدوان عام 2014. من حيث الالتزام بالتعهدات الدولية للإعمار والمحددات الفنية في معالجة حجم المعاناة والدمار وما ترتب عليه من معيقات كبيرة أمام التنمية والإعمار.
ثالثا، المتشائم جدا (المظلم) والذي سنتفادى تناوله في هذه الورقة لأبعاده المتوقعة سلفا ونتائجه الكارثية على كل القطاعات والمجالات الحيوية. حيث يأتي في سياق تعثر فرص تحقيق الاستقرار ووقف إطلاق النار الدائم والبقاء بشكل متجدد ومستمر في دوامة الحرب والتي ستزيد من حجم المأساة المعيشية والحياتية التي تستهدف الوجود الفلسطيني برمته. وتكمن ملامح هذا السناريو في استمرار العدوان والحصار الإسرائيلي واغلاق المعابر، وعدم سماح الاحتلال لأي مساعي أو جهود تهدف إلى إنجاح أي فرص لإعادة الإعمار وتمكين آفاق التعافي، ناهيك عن تقييد عمليات التدخل الاغاثي والانساني، واستمرار تعطيل العملية التعليمية والصحية، ووضع العراقيل أمام الأنشطة الاقتصادية خصوصا النشاط التجاري بين القطاع والخارج.
ولعله من المفيد قبل تناول السيناريوهات المتوقعة إلقاء نظرة على الإمكانات الانشائية في قطاع غزة والذي يعتبر بيئة معقدة من حيث التنمية الحضرية، حيث الظروف السياسية والاقتصادية المجحفة التي أثرت سلبا على قدرته في استغلال إمكاناته الإنشائية بشكل فعال. ولا يمكن اغفال محدودية الموارد المحلية وصعوبة الوصول إلى المواد الإنشائية بسبب الحصار المفروض، ومع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 18 عاما تضررت الإمكانيات الانشائية بشكل مباشر ما كبل قدرتها على تطوير إمكاناتها في ظل الحصار المفروض مما جعل شركات الانشاءات والمقاولات امام تحدي بالغ الصعوبة في إعادة ترميم قدرتها الانشائية والتي تتطلب اعادة فتح المعابر وإدخال الآليات المرتبطة بعملية الإعمار بعد موجة الدمار الاخيرة.
في سياق مُغاير، لا يمكن اغفال دور الحوكمة في تنظيم عملية البناء والتخطيط الحضري، حيث تلعب دورًا حاسمًا في إضفاء مساحة واسعة من الرضا لدى السكان بعد الضرر البليغ الذي تعرضت له الوحدات السكنية والمصالح العامة والتجارية.. الخ. وبما لا يدع مجالا للشك، أن عوامل جودة الإدارة، السياسات التنظيمية، والشفافية حاسمة في مدى نجاح المشاريع الإنشائية واستدامتها. في ظل التحديات والتعقيدات المصاحبة لمرحلة اعادة الإعمار في قطاع غزة، فمن المهم بما كان التنسيق بين الجهات الحكومية، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية لضمان تنفيذ المشاريع وفق معايير فعالة ومستدامة.
حسب اتحاد المقاولين الفلسطينيين بلغ عدد الشركات المسجلة فيه نحو 700 شركة. إلا أن الشركات المصنفة والفاعلة حاليًا تقدر بـ 315 شركة فقط. ويعتمد تصنيف المقاولين في فلسطين على تعليمات لجنة التصنيف الوطنية، التي تهدف إلى تنظيم العمل وتعزيز جودة المشاريع في هذا القطاع من خلال تحديد إمكانات الشركات وقدراتها.
يشمل التصنيف خمس مجالات رئيسية: الأبنية، الطرق، المياه والصرف الصحي، الكهروميكانيك، بالإضافة إلى الأشغال العامة، التي تعد مجالًا فرعيًا. هذا التصنيف لا يقتصر على توزيع الشركات في مجالات عمل محددة، بل يعكس مستوى خبرتها وإمكاناتها المادية والفنية، مما يضمن تنفيذ المشاريع بجودة عالية وفقًا للمعايير المطلوبة. كما أن التصنيف يساعد في تحديد الشركات المؤهلة لتنفيذ مشاريع ضخمة أو متوسطة أو بسيطة، مما يعزز الثقة بين القطاع العام والمقاولين.
التصنيف كأداة لتعزيز آفاق التعافي والإعمار:
تصنف الشركات بناءً على درجات تتراوح بين الأولى والخامسة. من بين 312 شركة مصنفة في هذا المجال في قطاع غزة، هناك 35 شركة ذات إمكانات ضخمة قادرة على تنفيذ مشاريع حضرية كبرى، مثل المدن الجديدة التي شهدها قطاع غزة. هذه الشركات تلعب دورًا محوريًا في تطوير البنية التحتية الحضرية، بينما تسهم الشركات ذات الإمكانات المتوسطة والصغيرة في دعم المشاريع الأقل حجمًا، مما يضمن شمولية التنمية وتوزيع الفرص. كما يشكل تصنيف الطرق جانبًا رئيسيًا في تحسين شبكات النقل وتطوير البنية التحتية. يبلغ عدد الشركات المصنفة في هذا المجال 280 شركة، منها 17 شركة قادرة على تنفيذ مشاريع ضخمة، مثل إنشاء الطرق الرئيسية التي تخدم آلاف المواطنين. هذه المشاريع تسهم في تعزيز الترابط بين المدن والقرى، مما يدعم الحركة الاقتصادية ويزيد من فرص الاستثمار.
أما الشركات المصنفة في مجال المياه والصرف الصحي، وعددها 140 شركة، تلعب دورًا حيويًا في تحسين الخدمات الأساسية للسكان. يبرز دور الشركات ذات الإمكانات الكبيرة في تنفيذ مشاريع ضخمة مثل الخطوط الناقلة ومحطات المعالجة، مما يضمن توفير المياه النظيفة ومعالجة مياه الصرف الصحي بطريقة مستدامة. هذا ويُعد تصنيف الكهروميكانيك من المجالات الفرعية المهمة التي تدعم المشاريع التقنية مثل محطات التحلية ومحطات الكهرباء. الشركات المصنفة في هذا المجال، وعددها 148 شركة، توفر حلولًا تقنية متقدمة، مما يعزز من كفاءة واستدامة المشاريع الوطنية.

1. تصنيف الشركات:
يعتبر نظام التصنيف أداة تنظيمية فعالة تعزز من كفاءة قطاع المقاولات والانشاءات في فلسطين . من خلال تحديد إمكانات الشركات وتوجيهها نحو المشاريع المناسبة، بالإضافة إلى تحقيق مستويات الجودة في التنفيذ (جدول 3)، مما يدعم التنمية المستدامة ويعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.
جدول 3: تقييم الشركات العاملة في محافظات قطاع غزة مع التصنيف
الاجمالي عدد الشركات التصنيف المجال
312 35 شركات ذات امكانات ضخمة
الابنية
194 شركات ذات امكانات متوسطة
83 شركات ذات امكانات اقل من متوسطة وبسيطة
280 32 شركات ذات امكانات ضخمة
الطرق
89 شركات ذات امكانات متوسطة
140 شركات ذات امكانات اقل من متوسطة وبسيطة
140 35 شركات ذات امكانات ضخمة
المياه والصرف الصحي
86 شركات ذات امكانات متوسطة
19 شركات ذات امكانات اقل من متوسطة وبسيطة
148 36 شركات ذات امكانات ضخمة
الكهروميكانيك
56 شركات ذات امكانات متوسطة
56 شركات ذات امكانات اقل من متوسطة وبسيطة
المصدر: اتحاد المقاولين الفلسطينيين، 2024
2. تصنيف المباني والأضرار:
يُعد تصنيف الأبنية ركيزة أساسية في عملية الإعمار حيث تكون هذه المنهجية وفق مراحل منظمة، ويعتبر الحصر الميداني للأضرار أولى مراحلها والقائم على مؤسسات المجتمع المحلي ذات العلاقة والعمل على وضع قوائم بالمباني والوحدات السكنية المتضررة. وقد درجت العادة والتجربة في عملية إعادة الاعمار السابقة إلى أنه يلي هذه المرحلة التنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليتم المتابعة الميدانية من خلال فريق هندسي مختص من وحدة تنسيق المشاريع برفقة ممثلي البلدية إلى المواقع المتضررة لتوثيق مدى ونسبة الضرر الذي لحق بكل مبنى/وحدة سكنية مدرج/ة في القائمة، كذلك مسح المنطقة بحثًا عن أي أضرار مفقودة. ليتم فيها بعد مراجعة فريق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووحدة تنسيق المشروع البيانات المُدخلة والتحقق منها، وقد حُسبت تكاليف المباني وفقًا للمعدلات المعتمدة للقطاع. تعتمد منهجية تسعير الأضرار الجزئية على الأسعار الفردية المحددة في القائمة المتفق عليها لقطاع الإسكان حسب المعايير التالية:
• عدم أخذ الأثاث أو المعدات في الاعتبار عند تقدير الأضرار.
• تُقدر تكاليف البنود المتنوعة وفقًا لأسعار السوق المحلية وتكاليف البنود المماثلة التي أُدرجت في مشاريع سابقة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
• اعتماد مبلغ 400 دولار أمريكي للمتر المربع تكلفة تقديرية لإعادة بناء الوحدات السكنية المتضررة كليًا.

وعليه يمكن تصنيف الأضرار التي لحقت بالمباني وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP على النحو التالي:
أضرار طفيفة Minor damage أضرار أقل من أو تساوي 10% من مساحة مخطط البناء.
أضرار متوسطة Major damage الوحدات السكنية التي لحقت بها أضرار بينما لا يزال المنزل صالحًا للسكن. في حال كانت قيمة الأضرار أقل من 5000 دولار أمريكي، بنسبة ضرر تزيد عن 10% وتقل عن أو تساوي 30% من مساحة مخطط البناء.
أضرار جسيمة Severe damage الوحدات السكنية التي لحقت بها أضرار تزيد عن 30% وأقل من أو تساوي 50% من مساحة مخطط البناء.
أضرار كلية Total damage الوحدات السكنية التي تحولت بالكامل إلى أنقاض أو التي لحقت بها أضرار جسيمة بنسبة 50% على الأقل من هيكل المنزل.

استنادا لما سبق، يكون تقدير الأضرار في قطاع الإسكان بحدود 18 مليار دولار أمريكي (جدول 4) موزعة على النحو التالي، تكاليف المنازل المتضررة كليًا 10,2 مليار دولار أمريكي، 3.3 مليار دولار أمريكي للمنازل ذات الأضرار الجسيمة، و2.3 مليار دولار أمريكي للمنازل المتضررة جزئيًا بشكل متوسط. بالإضافة إلى 194 مليون دولار امريكي للمنازل المتضررة أضرار طفيفة ، إلا أنه من المهم التنويه إلى أن هذه الأرقام قابلة للتغيير والزيادة وسط تهديد أركان حكومة الاحتلال بشن عملية عسكرية كبرى في غزة، والتي سرعان ما تم الانخراط بها واستئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بتاريخ 18 مارس 2025 بعد اتفاق هش لوقف إطلاق النار لتفرض قوات الاحتلال على السكان الفلسطينيين والنازحين ضرورة إخلاء مناطق سكانهم وتواجدهم في العديد من مدن القطاع مثل رفح وشمال وبيت حانون وأجزاء من جباليا وبيت لاهيا وشرق مينة غزة وشمال شرق خانيونس.
جدول 4: حصر أضرار قطاع الإسكان بعد أكتوبر 2023
البيان عدد التكلفة الإجمالي
أضرار كلية - بناء أفقي 61,000 70,000 4,270,000,000
أضرار كلية بناء عمودي 100,000 60,000 6,000,000,000
أضرار جزئية غير صالح للسكن 82,000 40,000 3,280,000,000
أضرار متوسطة 155,200 15,000 2,328,000,000
أضرار طفيفة 38,800 5,000 194,000,000
إجمالي الوحدات السكنية 437,000 16,072,000,000
أضرار متوقعة بعد استئناف العدوان (نسبة مئوية) 12% 1,928,640,000.00
اجمالي تكلفة الاضرار 18,000,640,000







المصدر: اعداد الباحثين


أولا: السيناريو المتفائل
يستند هذا السيناريو على توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ويكون ذلك من خلال بلورة اتفاق يضمن إنهاء العدوان الإسرائيلي، وما يتبعه من خطوات عملية لكسر الحصار من فتح للمعابر وفي مقدمتها معبر رفح البري، مع رفع القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بين قطاع غزة والعالم الخارجي على حركة الأفراد والبضائع والغاء الحواجز والسماح بإدخال الآليات اللازمة لعملية الإعمار وازالة الردم والركام ومعالجته. والعودة التدريجية لتوفير الاحتياجات الأساسية والإغاثية والصحية، كذلك استعادة الوضع الاقتصادي بالحد الأدنى لضمان توافر المستلزمات المعيشية الأساسية في القطاع كما كان قبل 7 أكتوبر 2023. تتركز ملامح هذا السيناريو حول مجموعة من الافتراضات، منها:
-- انفراج في الوضع السياسي القائم في قطاع غزة وإقرار إطار حكومي ناظم للقيام بالمهام المنوطة به في تفعيل المؤسسات الحكومية وضبط الوضع العام وإدارة ملف الإعمار وتنظيم حياة الناس.
- عقد مؤتمر دولي لإعمار قطاع غزة مع طرح الرؤى العملية للاحتياجات الملموسة في هذا السياق لتحفيز المساعدات الخارجية وتوجيهها إلى القطاعات المتضررة وفي مقدمتها قطاع الانشاءات والمساكن وبرامج الايواء، وتسهيل تدفق المساعدات الإغاثية العاجلة لتحفيز الإنتاج بشكل تدريجي.
- البدء بعملية إعادة الإعمار التدريجي في قطاع غزة من خلال المباشرة في إزالة الردم وتبني برنامج لإعادة تدوير الركام بما في ذلك توفير المدخلات الأساسية العينية والنقدية اللازمة لإعادة بناء وترميم البنية التحتية. ما يحفز التعافي الاقتصادي.
- تعزيز واقع القطاع المصرفي والعمل على تعزيز وزيادة التسهيلات الائتمانية والتي ستساهم في تحسن النشاط الاقتصادي.
- استمرار تحويل أموال المقاصة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بنفس الآلية التي كانت قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتحويل أموال المقاصة المحتجزة لدى الاحتلال خلال الفترة السابقة، والذي سيؤثر إيجاباً على قدرة الحكومة للإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع الحكومي والموردين من القطاع الخاص.
وفي ضوء ذلك، تقوم التدابير الأولية ما قبل مرحلة الإعمار على إعادة ترميم البنية الاساسية الخدماتية والمؤسساتية فلا يمكن المضي قدما في أي برامج لإعادة الإعمار دونما الدفع نحو التعافي المستدام باعتماد التدابير التي تساعد في استعادة سبل العيش والحياة ومستويات الإنتاج للمجتمع في حالات الطوارئ بعد الحرب وبالتالي تعزيز الإغاثة والسماح بتعميم الأنشطة الإنمائية.
وهنا تتبلور التدابير التي تساعد في زيادة مرونة أنظمة الغذاء في حالة الكوارث والطوارئ بعد الحرب. فيصب التركيز الرئيسي على تعزيز التنسيق بين مؤسسات الطوارئ والتنمية النشطة محليًا وتشجيع مشاركة السكان المتضررين في تصميم وتنفيذ التدخلات لتعزيز الأمن الغذائي والتغذية خصوصا في ظل انعدام الأمن الغذائي وتعزيز سبل العيش المستدامة .
وتجدر الإشارة إلى أن التدخلات الدولية فترة الحرب الأخيرة تعثرت بشكل كبير بسبب الاجراءات والممارسات التعسفية الإسرائيلية من اغلاق للمعابر واستهداف طواقم المؤسسات الاغاثية العاملة وأفراد الشرطة الفلسطينية المكلفة بحماية قوافل المساعدات، وحسب OCHA لم يتم تلبية سوى 33.9% من الاحتياجات الغذائية، بينما تم تلبية 6.1% فقط من احتياجات قطاع المأوى والمواد غير الغذائية. هذه الظروف أسهمت في تعثر جهود الإغاثة ودخول قطاع غزة مرحلة المجاعة وسوء التغذية وانعدام السيولة وخلق حالة من الفوضى بين النازحين.
من هذا المنطلق يمكن تقسيم هذا السيناريو المأمول إلى ثلاث مراحل تكون البداية مع التدخل الاغاثي والطارئ تليها مرحلة التعافي ودعم القطاعات الاقتصادية وتنتهي بمرحلة إعادة الاعمار السكني. جدير بالتنويه إلى أن هذه المراحل غير منفصلة زمنيا عن بعضها البعض بل متكاملة في سياق متقاطع حسب الأوليات على النحو التالي:

1. المرحلة الأولى: التدخل الاغاثي الطارئ
يمكن تعريف التدخل الإغاثي الطارئ على أنه استجابة منظمة وسريعة لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتأثرين بالكوارث (طبيعية أو بشرية المنشأ)، مثل الحروب، الزلازل، أو الأزمات الإنسانية، عبر توفير الغذاء، الماء، المأوى والرعاية الصحية الطارئة، توفير الحماية النفسية والاجتماعية وضمان الكرامة الإنسانية . حيث تعد الفترة الزمنية الاولى بعد الكارثة هي الأكثر حسمًا في مجال الاغاثة والتي تطلق عليها المنظمات الدولية مجازا "النافذة الذهبية".
فضلا عن ذلك يعبر التدخل الطارئ عن عملية تخطيط وتنفيذ سريعة لتوزيع الموارد (مثل المواد الغذائية، الأدوية، والمأوى وضمان وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة في الوقت المناسب، مع تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة اللوجستية . وبالرغم من الحالة الكارثية التي يعانيها قطاع غزة والحاجة الملحة لعمليات الإغاثة الطارئة إلا أن هذا التدخل يخضع لتحديات مرتبطة بمدى موافقة حكومة الاحتلال على أي تدخلات اغاثية أو إعادة إعمار مستقبلية ولا يمكن اغفال عوامل إدارية أخرى. بالإضافة إلى الإرادة الدولية في الانخراط في أي برامج للتعافي والإعمار والتنسيق بين الجهات الفاعلة (الحكومية، المنظمات الأممية، المؤسسات المحلية).
في ضوء هذه المعطيات، واستناداً إلى تحليل تداعيات العدوان وآثاره الكارثية على البُنى التحتية والقطاعات الحيوية يمكن تقدير مدة هذا التدخل حسب طبيعة التدخل من 3 شهور إلى سنتين (جدول 6)، فضلاً عن تداعياته الإنسانية المباشرة على المدنيين، يُمكن تحديد أولويات وأشكال التدخل الإغاثي العاجل وفق الآتي:
1.1 حصر الأضرار: تعد مرحلة حصر الأضرار خطوة الأساس والبداية في مرحلة اعادة الإعمار الشاملة وتحدد طبيعة عمليات الاستجابة بعد الحرب، وتعمل على تقييم حجم الهدم والدمار والأضرار ومن ثم جمع وتحليل البيانات وتغذية المنظمات الدولية والجهات الحكومية المختصة والبلديات وبالتالي المساهمة في القدرة على تقدير الاحتياجات التمويلية واتخاذ القرارات الملازمة لها وماهية أولويات التدخلات وتوجيه الدعم الخارجي. هذا وتشمل عملية الحصر الوحدات السكنية والبنى التحتية والقطاعات على اختلاف سياقاتها الإنتاجية والحيوية والتجارية والمؤسساتية. وتقديرنا لهذه العملية أنها تحتاج فترة 3 شهور بتكلفة 2.9 مليون دولار تشمل عمل الطواقم الهندسية والفنية المختصة وما يلزم من إمكانيات مساعدة وتجدر الإشارة أن لدى الجهات المختصة من وزارات وبلديات خبرة كبيرة في هذا الشأن نتيجة التجارب التي اكتسبتها خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة في فترات سابقة.
1.2 المساعدات الاغاثية والإنسانية: يصل عدد الأسر الفلسطينية المتواجدة فعليا في قطاع غزة بحدود 397 ألف أسرة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار خط الفقر المدقع حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2170 شيقلاً . وقدرة القطاعات الإنتاجية والمؤسساتية على التعافي بعد الحرب بالحدود الدنيا يمكن حصر هذه المحطة في سنتين كأساس للتدخل الإنساني الطارئ، ليكون الاحتياج التمويلي في حدود 5 مليار دولار امريكي .
1.3 الإيواء مؤقت: يعتبر الإيواء المؤقت بعد الحرب من أبرز التحديات التي تواجه قطاع غزة، وإذا ما اخذنا واقع السكان نجد أن 80% من الأسر فقدت منازلها نتيجة الدمار الواسع الذي خلفه الاحتلال. عمليا تهدف طروحات الإيواء المؤقت في توفير وحدات سكنية مسبقة الصنع كمأوى آمن يمنح الحد الأدنى من مقومات الحياة، بما يشمل الحماية من العوامل البيئية، الخصوصية، والوصول إلى الخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي. وهنا لا بد من بيان أن هذه الحلول تُعد تدبيرًا عاجلًا، إلا أنها غالبًا ما تواجه تحديات تتعلق بالتزاحم خصوصا في ظل الاكتظاظ السكاني، حجم الدمار الكبير، قلة الموارد والامكانيات المحلية، وضعف البنية التحتية. في ذات السياق تتميز الوحدات السكنية مسبقة الصنع (محدودة المساحة 40-60م²) بعمرها الافتراضي ما بين 3 إلى 5 سنوات. يتطلب اعداد هذه الوحدات وتوزيعها خطة شاملة بالتنسيق بين المنظمات الأممية والبلديات والسكان لتحديد مواقع الايواء الجديدة مع ضمان عمليات التمويل لتغطية أي مصاريف خدماتية مستقبلية. وبطبيعة الحال تكون الأولية في توزيع هذه الوحدات للأسر التي دُمرت منازلها بالكامل مع توفير شبكات المياه والصرف الصحي وتأمين الكهرباء بواسطة ألواح الطاقة الشمسية. لتنسجم هذه الخطة مع ظروف عملية الإعمار التالية بما يسهل مهام إزالة الردم والركام من المربعات السكنية المدمرة (والتي قد يكون لها ظروف صحية وبيئية خطيرة). ولا يفوتنا أن ننوه أن نجاح جهود الإيواء المؤقت يعتمد على سرعة الاستجابة، جودة التخطيط، وتكامل الخدمات الأساسية، مع وضع استراتيجية واضحة للانتقال التدريجي نحو حلول إسكان دائمة تضمن كرامة المتضررين واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي. وحتى تتضح الرؤية، فإن تقدير الاحتياج من الوحدات السكنية مسبقة الصنع المؤقتة والتي يحتاج تورديها فترة ممن 3 إلى 6 أشهر حتى الانخراط فعليا في مرحلة اعادة الإعمار هو 243 ألف وحدة سكنية مؤقتة بتكلفة اجمالية قدرها 2 مليار و187 مليون دولار امريكي على أساس متوسط تكلفة للوحدة الواحدة قدرها 9 آلاف دولار امريكي.
1.4 إزالة الردم وركام المنازل والمنشآت: تمثل عملية إزالة الردم وركام المنازل والمنشآت إحدى الخطوات الأساسية في مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، حيث تُعد مفتاحاً لإعادة الإعمار واستعادة الحياة الطبيعية. وحسب الأرقام الواردة من المنظمات الدولية فإن ما خلفته آلة الحرب الإسرائيلية من كميات الركام هو 55 مليون طن، ما يشكل عائقاً أمام إعادة تأهيل المناطق المتضررة خلاف الآثار السلبية على الصحة العامة والبيئة. ولعل من المناسب التنويه إلى أن عملية إزالة هذا الركام لا تقتصر على الجانب الإنشائي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية. فالمسؤولية مطلوبة في التعامل مع المخلفات بطريقة سليمة حرصا على الابعاد البيئية والصحية خصوصا فيما يتعلق بتلوث التربة والمياه وانتشار الأمراض، ومن زاوية أخرى من المهم أن يكون العمل بالتوازي مع إقرار برنامج فني يعتمد على إعادة تدوير كميات الركام الهائلة الأمر الذي يساهم في توفير مواد يعاد استخدامها في تعبيد الطرقات والبناء منخفضة التكلفة وتعزيز الاستدامة البيئية. من جهة أخرى نجد أنه من المفيد التأكيد على أهمية معالجة هذا الكم من الركام كأحد الحلول المستدامة لمواجهة الواقع الكارثي الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية من حيث العمل على استغلاله بما يتناسب ومتطلبات الإعمار وتقليل الحاجة إلى استخراج وتوريد الموارد الطبيعة مثل الحصى والرمل في ظل عدم توفر الأول والتراجع الحاد في وفرة الأخير. وعليه تساهم عملية التدوير في خفض تكاليف الإعمار في ظل محدودية الموارد خاصة اللازمة لمشاريع البنية التحتية مثل الطرق والأساسات ناهيك عن تقليص تكاليف التخلص من النفايات كما تعمل على الحد من التلوث وتقليل الأثر البيئي والتحديات البيئية والاقتصادية.
على الصعيد العملي، يعتبر التعامل مع حجم هذا الركام تحد كبير أمام جهود الإعمار، فإذا ما افترضنا توفر عدد 600 شاحنة سعة 32 طن بقدرة استيعابية 4 نقلات يوميا فإن اجمالي النقلات المتوقع سيكون 76 ألف و800 نقلة أي ما يعادل 742 يوم. فإنه في هذه الحالة سوف تحتاج علمية إزالة عملية إزالة الركام والردم ما يقارب العامين. ولذلك ينبغي ادخال وتوفير الإمكانيات اللازمة والتي تشمل أنواع الآليات والمعدات الثقيلة اليد العاملة وما يلزم من لوجستيات.
1.5 اعمار الوحدات السكنية ذات الضرر الجزئي الطفيف والمتوسط: نتحدث فعليا عن 194 ألف وحدة سكنية تضررت بشكل جزئي طفيف او متوسط بمعنى أن الأضرار كانت بحدود أقل من 10% إلى أقل أو تساوي 30% من مساحة مخطط البناء ، ومع إمكانية استصلاحها وترميمها فإنها ستكون مؤهلة للسكن مرة أخرى وقد يقتصر الأمر على فترات زمنية قصيرة (حسب توفر الإمكانيات المادية ومواد البناء)، واستنادا إلى متوسط تكاليف الإعمار والترميم الذي تم اعتماده في التجارب السابقة خصوصا وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي تكون التكلفة التقديرية بحدود 2.81 مليار دولار امريكي .
1.6 دعم قطاعات الطاقة والمواصلات: يعتبر دعم قطاعي الطاقة والمواصلات بعد الحرب أولوية إستراتيجية لإعادة الإعمار كأحد أهم الركائز التي تحتاج إلى تدخل عاجل لدعم عملية إعادة الإعمار الشاملة هذه التدخلات ليست فقط ضرورية لإنعاش القطاعين، بل هي حجر الأساس لتشغيل المرافق الحيوية وتمكين كافة القطاعات الأخرى من الصحة إلى التعليم والأنشطة الاقتصادية من استئناف عملها، ولضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال إلى كل من يحتاجها في القطاع، وعليه إنعاش هذين القطاعين يتطلب حزمة عاجلة من إمدادات الكهرباء والوقود وإعادة تأهيل شبكات التوزيع وإصلاح الطرق الرئيسية لضمان استقرار جزئي في الإمدادات، وتقدر تكلفة الاحتياج في قطاعي الطاقة والمواصلات حوالي 450 مليار دولار و 770 مليار دولار امريكي على التوالي.
2. المرحلة الثانية: التعافي ودعم القطاعات الاقتصادية
تمثل مرحلة التعافي إحدى المراحل المحورية في سياق ما بعد الحرب، حيث تتجاوز عملية إعادة البناء الجوانب المادية لتشمل إعادة تأهيل النسيج الاجتماعي، والاقتصادي، والحوكمة للمجتمع. هذه المرحلة لا تُعد مجرد استجابة طارئة، بل عملية معقدة تتطلب تخطيطاً ممنهجاً وتنفيذاً متكاملاً لضمان التعافي الشامل والمستدام خصوصا الذي استهدف القطاعات الاقتصادية والصحية والتعليمية، وتعتمد فعالية هذه المرحلة على مجموعة من الركائز الأساسية، تشمل إعادة بناء البنية التحتية الحيوية، تعزيز الحوكمة الرشيدة، دعم الاقتصاد المحلي، وتأهيل القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة. إضافة إلى ذلك، فإن النهج التشاركي، الذي يشمل الجهات الفاعلة المحلية والدولية، يعزز من فرص نجاح عملية التعافي من خلال مواءمة الأولويات المحلية مع الدعم الدولي.
2.1 تعافي قطاعي الصحة والتعليم: يشكل تعافي القطاعين الصحي والتعليمي ركيزة أساسية لإعادة بناء المجتمع الغزي ضمن مقاربة شمولية للتأهيل والتنمية المستدامة. من ناحية، يعاني قطاع الصحة من تدمير 80% من مرافقه الأساسية، ومن نسبة عجز وصلت إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة في الأرصدة الدوائية والمستهلكات الطبية بلغت 60% بسبب إغلاق المعابر أمام الإمدادات الطبية والأدوية ما يُفاقم الأزمة ويضيف تحديات كارثية أمام تقديم الرعاية الصحية للمرضى والجرحى . الأمر الذي يتطلب تدخلا سريعا لإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية وتزويدها بالأجهزة والمستلزمات والأسرة الطبية، وتوفير أنظمة طاقة بديلة للمرافق الصحية، والوقود اللازم لتشغيل المولدات. ويمكن تقدير تكلفة الاحتياج للتعافي بنحو 5.2 مليار دولار امريكي.
على صعيد التعليم، فقد تعرضت المدارس والجامعات لأضرار جسيمة، ما أدى إلى حرمان أكثر من 700 ألف طالب من التعليم المنتظم، الأمر الذي يتطلب برنامجاً متكاملاً يجمع بين إعادة بناء المرافق والبنية التحتية التعليمية، وتطوير المناهج لمعالجة الصدمات النفسية، وتوفير بيئات تعلم آمنة عبر تقنيات التعليم عن بُعد، بما يمهد للاستثمار في رأس المال البشري كضمانة وحيدة لمستقبل غزة. ويقدر تكلفة التعافي لهذا القطاع بنحو 2.57 مليار دولار امريكي.
2.2 البنية التحتية وشبكة الطرق: خلفت الحرب الإسرائيلية تدمير ما نسبته حوالي 70% من شبكة الطرق في قطاع غزة ، حيث دمر العدوان نحو ألف و190 كيلومترًا طوليًا من الطرق، كما تأثر 415 كيلومترًا بشدة، إضافة لتأثر نحو ألف و440 كيلومترًا بشكل متوسط . بالإضافة إلى تدمير شبكات المياه بنسبة 88% في نفس الصدد كانت أرقام وزارة الحكم المحلي بغزة متماهية إلى حد ما مع الأرقام السابقة أن نسبة التدمير في شبكات الطرق بلغت 90% بما يعادل 2830 كيلومتر طولي، وما نسبته 88% من شبكات المياه والصرف الصحي بمجموع 655 ألف متر طولي، و330 ألف متر طولي من شبكات المياه، و717 بئر مياه. وأن نسبة الضرر في شبكة الكهرباء كانت بنسبة 100% بمجموع 3680 كيلو مترا طولي، و2105 محول توزيعِ كهرباء. وعليه يمكن حصر الاحتياج في تكلفة تقديرية 3.7 مليار دولار امريكي.
2.3 تعافي القطاعات الاقتصادية: تشير الدراسة الأولية إلى أن عملية إعادة إعمار القطاعات الاقتصادية الرئيسية في قطاع غزة قد يحتاج مدة زمنية لا تقل عن أربع سنوات بعد الحرب والانخراط فعليا في برامج التعافي وإعادة الاعمار، الأمر الذي يتطلب استثمارات ودعما قدره 12.1 مليار دولار امريكي، وفقاً لنماذج المحاكاة الاقتصادية، تعكس هذه التقديرات الاحتياجات الأساسية للقطاعات الحيوية كالبنية التحتية الانتاجية والصناعة والزراعة والأمن الغذائي والتجارة بالإضافة إلى بناء القدرات.
3. المرحلة الثالثة: إعادة الإعمار السكني
تُعد حالة غزة، نموذجًا صارخًا تتقاطع فيه جهود المجتمع المحلي المدمر مع برامج إعادة الإعمار الممولة إقليميًا، والتي غالبًا ما تُواجه عوائق سياسية في مقدمتها سطوة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية السيادية بما في ذلك المعابر الخارجية. عمليا، يبقى التساؤل المطروح هو حول إمكانية تدخل شركات إقليمية لإسناد قطاع غزة في عملية إعادة الإعمار لتتشابك العوامل المحلية مع التدخلات الإقليمية والدولية. الثابت هو الاعتماد على سياقين للاستدلال، على النحو التالي:
الأول، أنه في حال الاعتماد على الشركات المحلية في قطاع غزة وعددها 312 شركة انشاءات ومقاولات في مباشرة برنامج الإعمار (حال حصولها على الإمكانات والآليات ومواد البناء) ومع توفر اليد العاملة الفلسطينية والتي تتميز بأعلى درجات المهارة والخبرة والإنتاجية وقدرتها العالية في التعامل مع هذا الملف كنتيجة طبيعية للتجارب السابقة. وبناء على ذلك تتكفل الشركات المحلية المتوسطة وعددها 194 شركة ببناء 143 ألف وحدة سكنية من أصل 243 ألف وحدة سكنية تم تدميرها بشكل كامل أو شبه كامل (أضرار جسيمة) بمتوسط سنوي 15 وحدة سكنية لكل شركة على أن تتكفل الشركات ذات الامكانات الضخمة وعددها 35 شركة بإعادة إعمار عدد 100 ألف وحدة سكنية وفق النظام العمودي (الأبراج والعمارات السكنية). على أن تُعزى عملية ترميم وإعادة إعمار الوحدات السكنية ذات الأضرار المتوسطة والطفيفة (القابلة للسكن) وعددها 194 ألف وحدة سكنية إلى الشركات ذات الامكانات المتوسطة والاقل من متوسطة علاوة على ذلك فرق العمل التي ستتشكل حسب ما يفرضه الواقع والاحتياج لتشمل تخصصات مهنية مختلفة وهنا تجدر الإشارة إلى أن عمال البناء المهرة من الذين كانوا يعملون في قطاع الانشاءات في الداخل يقدر عددهم بأكثر من 12 ألف عامل والمتوقع أن ينخرط نصف هؤلاء العمال بالشركات المحلية للإنشاءات والمقاولات والتي من المتوقع أن تتعافى بسرعة حال توقف العدوان والسماح بإدخال مواد البناء والآليات الإمكانيات عبر المعابر، على ان يتجه النصف الآخر من هؤلاء العمال والمقدر عددهم بستة آلاف عامل للانخراط أو تنظيم أعمالهم وحرفهم وفق تشكيلات جديدة على أساس فردي أو جماعي حسب طبيعة الاحتياج والتخصصية (أعمال البناء والسباكة والكهرباء وغيرها من التخصصات المهنية) وبالتالي يمكن أن يتشكل من هذا العدد 217 فريق عمل/شركة ناشئة . يمكن اعتبارها كمجموعات/شركات ذات الامكانات الأقل من متوسطة والبسيطة ليضاف إلى عدد 83 شركة مرخصة من ذات الحجم قبل العدوان (جدول 3)، ليكون الإجمالي 300 شركة نطاق عملها الأضرار المتوسطة والطفيفة لتستهدف عدد 194 ألف وحدة سكنية ليكون الإنجاز المتوقع بحدود 60 وحدة سكنية سنويا لكل شركة/مجموعة عمل.
الثاني، وهو في حال توسيع نطاق الانشاءات لتشمل تدخل شركات كبيرة (ضخمة) من الإقليم ودول الجوار وهنا تجدر الإشارة إلى أن الطاقة الاستيعابية للإنشاءات المرتبطة بواقع القطاع يمكن تقدير متوسط عدد هذه الشركات بحدود العشرين شركة من ذوات الإمكانيات الضخمة، ولا مناص من القول أن أي تدخل من هذا القبيل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الديمغرافية والثقافة السكنية لدى مواطني القطاع وبالتالي تبني استراتيجيات تخطيط عمراني شامل ومستدام بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل للمساحات وإعادة تنظيم المدن . في هذه الحالة ان تقوم الشركات الاقليمية بالتكفل ببناء 100 ألف وحدة سكنية الموصوفة بالأبراج السكنية والمخيمات (بلغت نسبة التدمير فيها 73%) المعروفة بتجمعات الأبراج السكنية، يضاف لها العمارات والابراج السكنية غير المنتظمة والموزعة على محافظات قطاع غزة والتي يقدر عددها 82 ألف وحدة سكنية التي تعرضت وصنفت انها تعرضت لأضرار بليغة غير قابلة للسكن بمتوسط انجاز 1600 وحدة سكنية سنويا . ليتسنى بذلك للشركات المحلية أن تتفرغ لإعمار المنازل ذات الطابع الأفقي والتي يرجح عددها بحوالي 61 ألف وحدة سكنية حيث تتكلف الشركات المحلية والتي يكون عددها حوالي 229 شركة (35 شركة ضخمة والشركات ذات الإمكانات المتوسطة وعددها 194 شركة) بمتوسط انجاز 40 منزل سنويا لكل شركة. في حين تقوم الشركات ذات الإمكانات الأقل من متوسطة والبسيطة والتي عددها 300 شركة/ مجموعة عمل بترميم واعمار عدد 194 ألف وحدة سكنية بمتوسط 60 وحدة شهريا.
نافلة القول ان عملية الإعمار وفق هذا السيناريو المتفائل تأتي في سياقين زمنيين: الأول في حال وجود شركات محلية عاملة فقط دونما تدخل واسناد من شركات الإقليم وهنا من المتوقع أن تكون مدة إعادة الإعمار تصل إلى حوالي 28 عاما. الثاني، في حال تدخل شركات انشاءات ومقاولات ضخمة من دول الجوار فإن مدة الإعمار قد تتم في ظرف ثمان سنوات من العمل المتواصل (الجدول 5) .
جدول 5: إعادة الإعمار على الأساس المحلي والتدخل الإقليمي
في حال الاعتماد على شركات المقاولات المحلية فقط
البيان/وحدات سكنية عدد شركات المقاولات دورة الإنجاز: وحدة/ السنة خلال السنة مدة الانجاز بالسنوات
هدم كلي بناء أفقي 61,000 194 15 2910 20.96
بناء عمودي 100,000 35 300 10500 9.52
أضرار بليغة* 82,000 194 15 2910 28.18
أضرار متوسطة وطفيفة 194,000 300 60 18000 10.78
إجمالي الوحدات السكنية 437,000 المدة الزمنية التقريبية لعملية الإعمار 28
في حال تدخل شركات عملاقة للمقاولات من دول الجوار
البيان/وحدات سكنية عدد شركات المقاولات دورة الإنجاز: وحدة/ السنة خلال السنة مدة الانجاز بالسنوات
هدم كلي بناء أفقي 61,000 229 40 9160 6.66
بناء عمودي 100,000 20 1000 20000 5.00
أضرار بليغة* 82,000 20 600 12000 6.83
أضرار متوسطة وطفيفة 194,000 300 80 24000 8.08
إجمالي الوحدات السكنية 437,000 المدة الزمنية التقريبية لعملية الإعمار 8
*وفق لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وبيانات بنك إسرائيل المنشورة في الأيام الأولى للحرب على غزة، فإنه وحتى السابع من أكتوبر، كان يعمل في قطاع البناء 333 ألف عامل، بينهم 208 آلاف من داخل إسرائيل، و75 ألف عامل من الضفة، و12 ألف عامل من قطاع غزة، و23 ألف عامل أجنبي، و15 ألف عامل من الضفة بدون تصاريح.
**عدد الشركات في قطاع غزة 312 (أنظر جدول 3).
***تمثل عدد فرق العمل/الشركات المستحدثة والتي من المتوقع أن تنخرط في عملية الإعمار والتي قد يكون لها هيكل رسمي مرخص او غير مرخص.
4. الإطار الزمني للتعافي والإعمار:
من خلال القراءة الأولية، يمكننا تقدير تكلفة احتياجات التعافي وإعادة الإعمار بحوالي 54 مليار دولار أمريكي. تعكس هذه التكلفة الكبيرة حجم الدمار الذي لحق بالمنشآت والمساكن والقطاعات المختلفة في قطاع غزة. ويُعتبر قطاع الإسكان الأكثر تضرراً، يليه القطاعات الاقتصادية، ثم قطاعي الصحة والتعليم. لذا، فإن استعادة الخدمات الأساسية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز الصمود الاجتماعي تعد من الأولويات الضرورية.
يعتبر الإطار الزمني للتعافي وإعادة الإعمار عاملاً حاسمًا في عمليات التخطيط والتنمية المستدامة، ولا مناص من القول أن تقديرات مدة الإعمار هي متغيرة بتغير الظروف السياسية المحيطة ما يجعلها قابلة للتأخير خصوصا في الحالة الفلسطينية بسبب ممارسات وإجراءات الاحتلال التعسفية المتسمة بالحصار والإغلاق المتكرر الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على حياة المواطنين وإعادة تأهيل القطاع المنكوب. ولا يمكن اغفال العوامل التي تأثر في مدد الإعمار، والتي يمكن حصرها في الأوضاع السياسية المحيطة كأساس لأي تقدم في إعادة إعمار حيث الحاجة الى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار وكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وبطبيعة الحال حجم الركام والردم، وتوفير التمويل والمساعدات الخارجية، مدى توفر مواد البناء وسهولة دخولها كالإسمنت، الحديد، الحصى وكذلك الرمل (الذي يعتبر مورد محدود جدا ولا يكفي لعملية الإعمار الضخمة التي متوقع اتمامها).
ومن البديهي أن تعتمد سرعة الاستجابة والمباشرة في تنفيذ برنامج الإعمار الموسع للوحدات السكنية والبنى التحتية على كفاءة العلاقة والتنسيق بين المجتمع المحلي ممثلا بالبلديات والوزارات المختصة من جهة مع المنظمات الدولية من جهة أخرى باتجاه تأهيل المرافق الحيوية، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتعزيز الحوكمة والشفافية.
وعليه، يمكن توضيح الإطار الزمني لمراحل التعافي والإعمار في قطاع غزة (جدول 6) والذي يشتمل على ثلاثة مراحل متداخلة ومتقاطعة ببعضها البعض:
المرحلة الأولى والمتمثلة في التدخل الاغاثي والإنساني وتُستهل هذه المرحلة بالحصر الدقيق للأضرار المساكن والمنشآت بالتوازي مع تزويد السكان بالاحتياجات والمساعدات الاغاثية والإنسانية والطاقة ودعم قطاع المواصلات وازالة الردم والركام مع الافتراض الأساس بتوفر الامكانات والآليات الثقيلة ناهيك عن توريد وحدات سكنية مؤقتة لإيواء النازحين والمتضررين تمتد هذه المرحلة لسنتين بتكلفة تقديرية حوالي 11.4مليار دولار.
المرحلة الثانية فتمتد إلى أربع سنوات بتكلفة تقديرية 23.7 مليار دولار وتشمل التعافي في قطاعي الصحة والتعليم واستعادة البنية التحتية تحديدا مرافق المياه والصرف الصحي وشبكات الطرق.
المرحلة الثالثة مرتبطة بإعادة إعمار الوحدات السكنية بتكلفة تقديرية 18مليار دولار والمتوقع ان تمتد حتى الثمان سنوات.

جدول 6: الإطار الزمني للتعافي والإعمار (التكلفة مقدرة بالدولار الأمريكي)

# البيان المدة الزمنية
سنة 1 سنة 2 سنة 3 سنة 4 سنة 5 سنة 6 سنة 7 سنة 8
المرحلة 1
حصر الأضرار (3 شهور) 2.9 مليون دولار
المساعدات الاغاثية والإنسانية 5 مليار دولار
إزالة الردم والركام والتدوير 2.46 مليار دولار
توريد وحدات سكنية مؤقتة 2.81 مليار دولار
دعم قطاع الطاقة 450 مليون دولار
دعم قطاع المواصلات 770 مليون دولار
المرحلة 2
تعافي القطاع الصحي 5.2 مليار دولار
تعافي قطاع التعليم 2.54 مليار دولار
البنية التحتية وشبكة الطرق 3.7 مليار دولار
تعافي القطاعات الاقتصادية 12.1 مليار دولار
المرحلة 3 إعمار الوحدات السكنية المتضررة كليا 15.47 مليار دولار
ترميم الوحدات السكنية المتضررة جزئيا 2.55 مليار دولار
المصدر: اعداد الباحثين
يوضح (الشكل البياني 6) احتياجات التعافي القطاعي على أساس النسبة المئوية حيث يمثل قطاع الإسكان أعلى احتياج بما نسبته 33% من اجمالي التكلفة التقديرية للتعافي والإعمار نظرا للأضرار والخسائر الكبيرة نتيجة التدمير الشامل والممنهج للاحتلال، يليه قطاعات الاقتصادية والإنتاجية والتي يشكل الاحتياج فيها ما نسبته 22% يلي ذلك التدخل الاغاثي بما نسبته 21% ثم القطاع الصحي بما نسبته 10%، فالبنية التحتية بما نسبته 7% (تشمل شبكات الطرق ومرافق المياه والصرف الصحي) ثم قطاع التعليم بما نسبته 5% ونسبة 1% لقطاع الطاقة وذات النسبة لقطاع المواصلات.
شكل بياني 6: احتياجات التعافي واعادة الإعمار (على أساس النسبة المئوية)

المصدر: اعداد الباحثين

ثانيا: السيناريو المتشائم
يستند هذا السيناريو إلى استمرار التدهور في الوضع السياسي والاقتصادي في قطاع غزة تحديدا وفلسطين عموما مع استمرار العدوان الإسرائيلي وممارساته التعسفية بنفس الوتيرة التي كانت بعد عدوان عام 2014. وتتركز ملامح هذا السيناريو ضمن مجموعة من الافتراضات المرتكزة إلى فرض الاحتلال الإسرائيلي العراقيل والحواجز والتضييق على قطاع غزة وتقييد حركة الأشخاص والبضائع الصادرة والواردة إليه واستمرار إغلاق المعابر بشكل شبه كامل، مع السماح بإدخال المعدات والآليات ومواد البناء لعملية الإعمار ولكن بشكل مقيد جدا دون المستوى المطلوب وبالتالي تنظيم جهود إعادة الإعمار وفق ذات الآلية الأممية السابقة والمعتمدة بعد عدوان عام 2014 (GRM - Gaza Reconstruction Mechanism) كإطار تنظيمي لإعادة الإعمار، التي تمت بوساطة الأمم المتحدة، وباتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
على الصعيد الإجرائي، استغرقت جهود إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد حرب 2014 فترة طويلة حيث لازالت العديد من الأسر تنتظر تعويضها لتصطدم بالحرب الأخيرة بأكتوبر 2023 وقد تفاوتت الأضرار بحسب القطاعات والتمويل الدولي المتاح. بعض الأرقام الزمنية البارزة تشمل إعادة بناء البنية التحتية الأساسية حيث بدأت جهود الإعمار رسميًا في أكتوبر 2014 بعد مؤتمر المانحين في القاهرة، حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم 5.4 مليار دولار. ومع ذلك، تم الإفراج عن نصف هذا المبلغ فقط. وقد استغرقت عمليات إزالة الركام وإعادة تأهيل الطرق والمرافق الحيوية حوالي سنتين إلى ثلاث سنوات بسبب الحصار الإسرائيلي وتأخر وصول مواد البناء. ووفقًا للأمم المتحدة، أنه بحلول عام 2018 (أي بعد 4 سنوات من الحرب)، لم يتم الانتهاء إلا من 50% تقريبًا من المنازل التي دُمرت بالكامل خلال الحرب، بينما بقيت آلاف الأسر دون مأوى دائم لفترة طويلة. وفيما يتعلق بإعادة تأهيل الخدمات الصحية والتعليمية فقد تم إصلاح بعض المرافق الصحية والمدارس بحلول عام 2017، ولكن بشكل جزئي وبتمويل محدود، مما أدى إلى بقاء فجوات كبيرة في الخدمة. ويمكن حصر التحديات التي ساهمت في تعثر الإعمار في الحصار الإسرائيلي وما يشمله من قيود على عبور مواد البناء أو قوافل المساعدات الإنسانية إلى غزة سواء من معبري كرم أبو سالم في الجنوب (معبر للبضائع التجارية) أو معبر بيت حانون في الشمال (معبر للأشخاص) مع محدودية أداء معبر رفح الحدودي مع مصر، هذه القيود ساهمت بشكل كبير في تعطيل وصول الكمّيات الضرورية من المساعدات الإنسانية ومواد البناء لإعادة إعمار غزة بشكل فعّال ولم تراعِ النمو في المناطق الفلسطينية تحديدا قطاع غزة .
فضلا عن ذلك أضعفت حالت عدم استقرار الأوضاع السياسية والميدانية والمتمثلة في التوترات والعدوان الإسرائيلي المستمر والمتكرر في إضعاف أي تقدم مستدام في الإعمار. كما ساهم تراجع التمويل الدولي والمساعدات الخارجية من حيث تعهدات المانحين التي لم تتحقق حسب المتوقع ما أثر سلبيا على عملية الإعمار فحسب تقرير البنك الدولي (2016) أنه من أصل مبلغ 5.4 مليار دولار تم التعهد به خُصص أكثر من نصفه لإعادة الإعمار إلا أنه لم يتم الالتزام بسداد سوى 46% حتى تاريخ 19 سبتمبر 2016 . لا سيما إشكالية توجيه المساعدات نحو البرامج الإنسانية على حساب مشاريع إعادة الإعمار.
على المستوى الاجرائي، برزت تعقيدات آلية الإعمار الأممية التي بدأ العمل بها في سبتمبر 2014 باعتبارها وسيلة التنسيق بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لتسهيل عملية اعادة الإعمار في قطاع غزة حيث مرت بمراحل شديدة التعقيد ومتاهة البيروقراطية، كما ويعزى بطء عملية إعادة إعمار بسبب القيود التي فرضها الاحتلال، فبعد عملية حصر الأضرار من قبل وزارة الاشغال العامة وتقييم كمية مواد البناء اللازمة لمشروع إعادة إعمار يتم تحميل التقييم إلى قاعدة البيانات المشتركة بين السلطة الفلسطينية ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (وهي وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية) والأمم المتحدة، ثم تقوم السلطة الفلسطينية برفع التقييم إلى اللجنة التوجيهية المشكلة من الجهات الثلاثة وفي هذه المرحلة باستطاعة وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق الموافقة على التقييم أو رفضها. وبعد عملية الموافقة، تقدّم اللجنة التوجيهية الرفيعة المستوى للمستفيدين قسائم تمنحهم الإذن بشراء مواد البناء من المورّدين المعتمدين. ويجب أن تكتمل عملية الموافقة هذه في كل مرحلة من مراحل البناء، من أساسات المنزل حتى اللمسات الأخيرة (انظر الملحق 2). وعادة لا تصل الكمّيات الضرورية من المساعدات الإنسانية ومواد البناء لإعادة الإعمار بشكل فعّال وأحيانا كثيرة عدم مواءمة كميات مواد البناء الموافق عليها وانعكاساتها المرتبطة باحتياجات الإعمار المرتبط بمعدلات النمو الديمغرافي الطبيعي في القطاع، وقد يصاحب ذلك اشكالات نتيجة طول مدة الانتظار علما أن فترة الانتظار بين تسجيل المستفيد وحصوله على الموافقة على شراء الحديد المسلّح، والإسمنت والتي يجب ألّا تتعدّى يومي عمل إلا أنها في الواقع غالباً ما تصل إلى أسابيع أو حتى أشهر. .
في ذات السياق، أشار تقييم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئينUNRWA الذي نشره فريق الأمم المتحدة القطري لحصر الأضرار أن مخزون الإسكان في قطاع غزة بعد عدوان عام 2014 تضرر بما نسبته 13% ما يعني 12000 منزل مدمر بالكامل من أصل 19100 تم إعادة بنائها حتى نهاية عام 2023 ما يمثل نسبة 62% (منها 12600 وحدة سكنية قد تدمرت تدميرا كليا و6,500 وحدة سكنية أخرى تعرضت لأضرار بالغة) وتجدر الإشارة إلى أنه تضرر خلال هذا العدوان عدد 150 ألف وحدة سكنية إضافية بأضرار متنوعة بين متوسطة وطفيفة بالإضافة إلى 118 منشأة، بما في ذلك 83 مدرسة وعشرة مراكز صحية، فضلا عن أزمة النزوح الكبيرة التي شهدها قطاع غزة آنذاك حيث بلغ عدد النازحين حوالي 500,000 شخص .
استنادا على ما سبق، إذا ما تم اسقاط ذات الآلية الأممية بعد عدوان 2014 وحيثياتها الفنية والإدارية كسيناريو متوقع للإعمار مستقبلا فيمكن الاستنتاج أن الفترة المتوقعة للإعمار إذا ما أخذنا بالاعتبار إعادة بناء المنازل والوحدات السكنية أساسا للتقدير بمتوسط إنجاز 1200 وحدة سكنية سنويا لإعادة بناء الوحدات السكنية المهدمة كليا ومتوسط انجاز عدد 12000 وحدة سنويا للوحدات ذات الأضرار المتوسطة والطفيفة فإنه يلاحظ من القراءة الأولية أننا أمام مدة زمنية تناهز 200 عاما.
IV. رؤية مستقبلية مقارنة: التجارب الدولية ودور المساعدات الخارجية
يعكس العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مأساة إنسانية غير مسبوقة، مما يتطلب استجابة شاملة لوقف الانحدار وإعادة بناء الحياة في القطاع المدمر. وفي هذا السياق يتطلب مواجهة الكارثة الحالية التخفيف من آثارها وتعزيز الجهود على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وقد شهدت العديد من الدول التي عانت من الحروب والصراعات المسلحة تجارب ناجحة في التعافي الاقتصادي والاجتماعي، لتقدم دروسًا يمكن استلهامها للاستفادة منها في واقع ما بعد الحرب على قطاع غزة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية العلاقة مع دولة الاحتلال والحصار المستدام والانقسام الفلسطيني.
ومن واقع التجارب الدولية ما بعد الحروب نجد أنه من الطبيعي أن تكون القدرة الاستيعابية للدول منخفضة بعد الحرب مباشرة بسبب تضرر وتدمير المؤسسات العامة ومكونات النظام الاقتصادي وهنا تجدر الإشارة إلى أن غالبية المنشآت والمؤسسات الحكومية في قطاع غزة وعددها 208 مقر ومؤسسة خدماتية تم تدميرها بفعل الاستهداف والقصف الإسرائيلي، ونتيجة لذلك ستكون هناك صعوبة في تلبية متطلبات المساعدات الدولية. وهنا تبرز أهمية العمل الجاد على ترميم ما يمكن ترميمه من مؤسسات الدولة والمجتمع المحلي واعادة بناؤها من جديد لتكون ركيزة في عملية الإعمار. ومن واقع الخسائر البشرية والمادية، والبحث في رؤية عملية لا بد من الاطلاع على تجارب دولية في إعادة البناء بعد الحروب، ويمكن ادراج أبرز هذه التجارب اختصارا في التالي:
1. لبنان
عانى لبنان من حروب متعددة، أبرزها الحرب الأهلية (1975-1990) وحرب تموز 2006. بعد حرب 2006، تعهدت الدول المانحة بتقديم 7.6 مليار دولار لإعادة الإعمار، وكان الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي من أبرز المساهمين في هذه الجهود. اعتمد لبنان على إعادة بناء البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والنقل. هذا وقد لعب المغتربون اللبنانيون دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد من خلال التحويلات المالية والاستثمار .
2. كوسوفو
عقب انتهاء حرب كوسوفو (1998-1999)، خصص المجتمع الدولي حوالي 2.3 مليار دولار لإعادة الإعمار لمدة من أربع إلى خمس سنوات، مع مساهمات كبيرة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية تحديدا في دعم الميزانية الإدارية للأمم المتحدة، وإصلاح السياسات الاقتصادية، وإرساء سيادة القانون، وتحفيز القطاع الخاص الناشئ والمجتمع المدني. ساعدت هذه المساعدات في إعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الاستقرار في الإقليم. مع وجود انتقادات لبعض المراقبين حول طريقة تنفيذ البرنامج، ومدى احتمالية وجود فساد في برنامج المساعدات، وكذلك في حكومة كوسوفو الجديدة .
البوسنة والهرسك
بعد توقيع اتفاقية دايتون للسلام في عام 1995، تم تخصيص 5.1 مليار دولار من المساعدات الدولية لإعادة الإعمار. ساهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والبنك الدولي بشكل رئيسي في تمويل جهود إعادة البناء وتعزيز التنمية. عقب الدمار الذي لحق بالبوسنة، أُطلقت برامج دولية لإعادة الإعمار بقيادة البنك الدولي والاتحاد الأوروبي. وقد اعتمدت البلاد على استراتيجيات التعافي على دعم القطاع الزراعي، وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والجسور، وتعزيز النظام الصحي. كما ساعدت الشراكات الدولية على تحفيز الاستثمار المحلي وإعادة ربط المجتمعات المنقسمة.
3. تيمور الشرقية
خلال الفترة التي أعقبت استقلال تيمور الشرقية في عام 2002، تلقت الدولة مساعدات دولية بلغت 3.5 مليار دولار. لعبت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان دورًا محوريًا في دعم عمليات إعادة الإعمار والتنمية.
4. سيراليون
بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 2002، تعهدت الدول المانحة بتقديم 1.7 مليار دولار لدعم إعادة الإعمار. كانت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أكبر المساهمين في هذه الجهود، التي ركزت على تعزيز السلام وإعادة بناء المؤسسات . بالرغم من ذلك تبين أن هذه المساعدات لا يكون لها أي تأثير مُعزز للنمو، ففي سيراليون كان التأثير إيجابي طفيف على النمو بعد الحرب، حيث وفرت نسبة 1% إضافية من المساعدات (مقاسة كنسبة مئوية من الدخل القومي الإجمالي) نموًا إضافيًا بنسبة 0.05% سنويًا طوال عقد ما بعد الحرب (بطبيعة الحال تتلقى الدول ما بعد الحرب مساعدات أكثر من الدول التي تعيش في سلام) .
5. رواندا
في أعقاب الإبادة الجماعية عام 1994، تلقت رواندا مساعدات دولية بقيمة 4.5 مليار دولار. ساهم البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة بشكل كبير في جهود إعادة الإعمار والتنمية، مما ساعد على تحقيق تقدم ملحوظ في استقرار البلاد. ركزت رواندا على تعزيز المصالحة الوطنية واستثمار المساعدات الخارجية في برامج تنمية مستدامة. تم إطلاق مشاريع زراعية وصناعية لخلق فرص عمل وتقليل الاعتماد على المساعدات. استفادت رواندا من دعم المنظمات الدولية لتحسين الأنظمة الصحية والتعليمية .
6. ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
استفادت ألمانيا من خطة "مارشال" التي أطلقتها الولايات المتحدة لإعادة بناء اقتصادها من خلال تقديم مساعدات مالية كبيرة ودعم إعادة الهيكلة الاقتصادية. تم التركيز على إعادة تأهيل القوى العاملة وتنشيط الصناعات الأساسية.
لكن يبقى التساؤل المطروح ما دور المساعدات الدولية في التعافي وإعادة الإعمار؟
تعد المساعدات الدولية أحد العوامل الأساسية في جهود إعادة الإعمار استجابة للاحتياجات الملحة ما بعد الحروب والنزاعات (والتي كانت إما لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية)، غالبا ما ينتج عنها أزمات إنسانية واقتصادية كبيرة، حيث تساهم هذه المساعدات بشكل كبير في إعادة بناء المساكن والبنى التحتية ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدول المتضررة. وتتفاوت درجة الاستجابة بين الدول حسب طبيعة وشدة الصراع والاحتياجات الاغاثية.
في ضوء ذلك، نجد أن المساعدات الخارجية في البلدان التي عانت من الحروب والنزاعات أخذت منحى تصاعديا وتطورت بشكل واضح خصوصا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، من هذه البلدان: فلسطين البوسنة والهرسك، كوسوفو، تيمور الشرقية، لبنان، رواندا، سيراليون. تعتبر فلسطين أكثر هذه البلدان تلقيا للمساعدات الخارجية تحديدا فترات ما بعد العدوان الإسرائيلي (انظر الملحق 3) فبعد أن شهدت المساعدات ارتفاعًا ملموسا بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، من 280 مليون دولار إلى أكثر من 720 مليون دولار في عام 1994. ارتفعت المساعدات في الانتفاضة الثانية (2000–2005) من 1.06 مليار دولار في 2000 إلى 1.85 مليار دولار في 2007، لتتطور المساعدات بشكل ملحوظ بعد الحروب الأخيرة على غزة (2008-2009، 2012، 2014)، بالغة أقصى حد لها عام 2009 بما قيمته 2.83 مليار دولار و2.72 مليار دولار في عام 2012، و2.73 مليار دولار عام 2015 أي بعد حرب 2014 .
تنعكس هذه التطورات كذلك على باقي البلدان: ففي لبنان شهدت المساعدات الخارجية ارتفاعًا ملموسا بعد حرب 2006، لترتفع من 282 مليون دولار في عام 2005 إلى 1.06 مليار دولار في 2007 العام التالي للحرب ثم بلوغها 1.08 مليار دولار عام 2008 لتعاود الانخفاض مرة أخرى بمعدل النصف . كما وتضاعفت المساعدات الخارجية لتيمور الشرقية بعد استفتاء الاستقلال عام 1999 متجاوزة سقف 437 مليون دولار امريكي. الأمر ذاته في البوسنة والهرسك حيث تضاعفت المساعدات الخارجية بعد انتهاء الحرب لتصل إلى 1.3 مليار دولار عام 1995 ثم بلوغ الذروة عام 1999 بحوالي 2 مليار دولار مع الانخراط في برنامج الاصلاحات الاقتصادية. في كوسوفو بلغت المساعدات الخارجية أعلى مستوى لها العام 2009 بعد اعلان الاستقلال بقيمة 843 مليون دولار امريكي، أما في رواندا فقد ارتفع حجم المساعدات بشكل كبير بعد الإبادة الجماعية عام 1994، من 469 مليون دولار في 1990 إلى 1.1 مليار دولار في 1994، واستمرت المساعدات في الارتفاع مع الانخراط في برامج إعادة الإعمار والتنمية، حيث بلغت 1.72 مليار دولار في عام 2020. أما في سيراليون فلم تنقطع المساعدات الخارجية خلال وبعد الحرب الأهلية وبلغت ذروتها العام 2015 بقيمة 1.07 مليار دولار امريكي .
ومن البديهي ان تحقيق الأثر الاقتصادي المستدام يتطلب تحسين آليات توزيع المساعدات وضمان توجيهها نحو الأولويات الملحة لتعزيز التنمية في الدول المتضررة. حيث يساهم المجتمع الدولي بموارد مالية كبيرة لدعم الاستقرار وإعادة بناء البنية التحتية. ومع ذلك، يظل هناك تفاوت في تلبية الاحتياجات مقارنة بالتعهدات ، مما يتطلب تحسين آليات توزيع المساعدات وضمان وصولها. ويمكن القول أن الطموح الحقيقي يتمثل في تأمين الاستقرار من خلال بناء شبكات المياه والطرق والمستشفيات والمدارس، حيث يتم قياس التقدم في هذه المرحلة الأولية بالأسابيع أو الأشهر. إلا أنه على الرغم من ذلك، قد يكون للمساعدات الدولية تأثير غير المقصود من حيث إمكانية التحايل عليها في كثير من الأحيان، وبدلاً من الاستفادة من الكفاءات والامكانات المحلية، تزيد احتمالات فرص التعطل والفساد بسبب ضعف مؤسسات الدولة تحت ضغوط دوامة تدفق المساعدات والاحتياجات السكانية للخدمات فضلا عن إرث اقتصاد الحرب ما قد يضعف كينونة الدولة (انظر الملحق 4). ولا مناص من القول أن الاستحقاق الملح والكبير من حيث المسؤولية والوقت يتمثل في سرعة إقرار جسم اداري فلسطيني موحد وكفئ ومرن للدرجة التي تمكنه من القدرة على التعامل مع التحديات المحلية والتنسيق مع المنظمات وجهات التمويل الدولية على مبدأ الشفافية من حيث تنظيم برنامج التدخل الاغاثي وعملية اعادة الاعمار .
واستخلاصا لما سبق نجد أن ما تم عرضه من مقاربات وتجارب دولية، يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة بضرورة تبني برنامج شامل مرتكز على استراتيجيات طويلة الأمد وفق رؤية تنموية تحررية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتعافي وإعادة الاعمار يضمن ليس فقط إعادة بناء غزة، ولكن أيضًا تحسين قدرة سكانها على مواجهة التحديات المستقبلية وتعزيز مناعة المجتمع الفلسطيني، مع السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وفق المرتكزات التالية:
• الشمولية من خلال تضمين جميع قطاعات المجتمع في جهود إعادة الإعمار، بما في ذلك النساء والشباب، يمكن الاستفادة من دعم الفلسطينيين المغتربين لتعزيز الاقتصاد المحلي، مع تركيز الجهود على إصلاح شبكات الكهرباء والمياه التي تعرضت للتدمير.
• الاستدامة وذلك بالتركيز على مشاريع تنموية طويلة الأجل، مثل الزراعة والطاقة البديلة، وذلك بتبني مبادرات تستهدف ضخ استثمارات في الصناعات المحلية، خاصة الصناعات الغذائية والبناء، لخلق فرص عمل وإعادة بناء الاقتصاد مع أهمية تطوير القطاع الزراعي لضمان الأمن الغذائي.
• الدعم الدولي والمتمثل في إقامة شراكات مع المنظمات الإقليمية والدولية لضمان استمرار التمويل والإشراف على المشاريع، من خلال تأسيس شراكات بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص المحلي لإعادة الإعمار، مع تركيز خاص على البنية التحتية والتعليم.
• تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال إطلاق مبادرات المصالحة الوطنية وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين عبر برامج الدعم المجتمعي تستهدف شرائح المجتمع.


خلاصة
في ظل تفاقم الأوضاع فإن الحلول المؤقتة لن تكون كافية. وبالتالي إقرار واعتماد برنامج شامل للإعمار ليكون عنوانا للاستقرار في المنطقة ومقدمة لتحسين حياة المواطن الفلسطيني خصوصا في قطاع غزة الذي عانى ولا يزال من ويلات الحروب والعدوان المستمر وإجراءات الاحتلال التعسفية والاجرامية.
وعليه، بدلًا من الاستمرار في التعامل مع غزة كنوع من الكوارث الطبيعية، ومواصلة تجاهل الأسباب الجذرية للأزمات المتتالية. يجب الإقرار أنه لا يُمكن إرساء أسس التنمية المستدامة لقطاع غزة على أساس الحرية والكرامة إلا من خلال دراسة نقدية لمحفزات وأسباب النزاع والحرب،
حيث التدخل الدولي لوقف الإبادة الجماعية وتدمير الاقتصاد الفلسطيني وفق المسؤولية السياسية والإنسانية التي أقرتها المواثيق الدولية وفي إطار محكمة العدل الدولية، والدفع نحو رفع الحصار الإسرائيلي الظالم طويل الأمد عن قطاع غزة، علاوة على ذلك يجب أن تكون للفلسطينيين المشاركة والمسؤولية الجوهرية في تشكيل وتنظيم عملية إعادة الإعمار. كما وينبغي أن يكون دعم ديمقراطية السياسة المبدأ التوجيهي. فبدون هذا التحول الجذري، وبدون حل سياسي سريع يأخذ في الاعتبار الجهود الفلسطينية من أجل تقرير المصير والاستقلال، دون ذلك تصبح أي جهود إعادة الإعمار ضربًا من العبث مع أي تصعيد جديد .
ولعله من المفيد أن ننوه أن التجارب السابقة فيما يتعلق بمسارات الإعمار كان التعامل مع قطاع غزة يتم على أساس المعالجات الطارئة ذات الأبعاد الإغاثية والإنسانية، حيث يتم القفز عن مسببات العدوان/ الحرب وفي مقدمتها استمرار الحصار المفروض على غزة منذ 18 عاما وما يشمله ذلك من تقييد حرية حركة الافراد والبضائع من/ إلى العالم الخارجي وتعطيل الوحدة الجغرافية ما بين شطري الوطن والتي أهم أسبابها الإجراءات التعسفية الاسرائيلية والانتشار الاستيطاني في الضفة الغربية، ومنع الفلسطيني من ممارسة حقه في مواطنته بكل حرية، وهنا لا يمكن التغافل عن واقع الانقسام الفلسطيني كأحد أهم العوامل الداخلية السلبية التي ساهمت في تعطيل الوحدة الإدارية والمؤسساتية والمجتمعية.
وبالتالي لا يمكن الحديث عن إعادة اعمار حقيقي إلا ضمن حزمة متكاملة من التنمية التحررية تشمل بالإضافة إلى التعافي تعزيز الوجود الفلسطيني والانضواء تحت مظلة سياسية سيادية واحدة يتحقق من خلالها الاستقرار السياسي والاقتصادي الأمر الذي يساهم في تعزيز فعالية الحكومة وتحديث الأطر القانونية والإدارية وبالتالي تحسين كفاءة تقديم الخدمات العامة على مبدأ الشفافية والمساءلة.
ومع تباين المديات الزمنية حسب الأوليات إلا أنه من المهم السعي الدؤوب والمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة وضرورة فتح جميع المعابر وفي مقدمتها معبر رفح البري أمام حركة الأفراد والتجارة ودخول مواد البناء واحتياجات الإعمار، ضمان استدامة المساعدات وتسهيل نقل المرضى والجرحى للعلاج في الخارج. ولا يمكن البدء في عملية إعادة الإعمار دونما توفر الارادة الدولية والتي تكون ترجمتها من خلال أولا، تعزيز التدخل الدولي من حيث تكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل لوقف العدوان، مع ضمان محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة في القطاع عبر المحاكم الدولية.
ثانيا، إطلاق صندوق دولي لإعادة إعمار قطاع غزة، وتركيز الجهود على إعادة ترميم البنية التحتية وإعادة اعمار الوحدات السكنية وإعادة تأهيل المنشآت الاقتصادية والحيوية. وهنا تأتي أهمية إنشاء آلية دولية مؤقتة لتنسيق تدفق المساعدات الإنسانية بشكل مستدام مع إعطاء الأولوية للقطاعات الصحية والتعليمية، دعم برامج التعافي المجتمعي من خلال توفير برامج نفسية واجتماعية لدعم الأطفال والنساء الناجين من العدوان. والعمل على تحسين البنية الاقتصادية عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية.

توصيات عامة لإعادة الإعمار والتعافي في قطاع غزة:
أولًا: كسر الحصار وتهيئة بيئة الإعمار
• المطالبة الفورية برفع الحصار الكامل عن قطاع غزة بما في ذلك فتح المعابر (خاصة معبر رفح) دون قيود، لضمان دخول مواد البناء، والآليات الثقيلة، والمساعدات الإغاثية، كشرط أساسي للشروع بأي عملية إعمار أو إنعاش اقتصادي.
• تأسيس آلية دولية مستقلة لإدارة المعابر ومراقبة تدفق المواد والمساعدات بالتنسيق مع المؤسسات الوطنية، لمنع الاحتلال من تعطيل الإمدادات الحيوية كما حدث في التجارب السابقة.
ثانيًا: تخطيط متكامل لإعادة الإعمار والتنمية
• إقرار خطة وطنية شاملة للإعمار مدعومة بزمن محدد وتكلفة مرصودة (54 مليار دولار كما قدرتها الورقة)، تنقسم إلى ثلاث مراحل متكاملة: (إغاثة طارئة – تعافٍ متوسط الأجل – إعمار طويل الأمد).
• اعتماد نموذج متعدد السيناريوهات (السيناريو المتفائل/المتشائم) في إدارة ملف الإعمار مع تفعيل خطط بديلة للتعامل مع إغلاق المعابر أو ضعف التمويل.
ثالثًا: إدارة الركام وإعادة التدوير
• إنشاء هيئة هندسية وطنية بالتعاون مع UNDP لإزالة وإعادة تدوير أكثر من 55 مليون طن من الركام ضمن إطار زمني لا يتجاوز عامين، بهدف تقليل الأثر البيئي وتوفير مواد بناء منخفضة التكلفة.
رابعًا: الإسكان والإيواء المؤقت
• توفير 243 ألف وحدة إيواء مسبقة الصنع بشكل عاجل، بمتوسط تكلفة 9,000 دولار للوحدة، لتأمين الحد الأدنى من المأوى الكريم للنازحين قبل بدء الإعمار الدائم.
• تسريع ترميم الوحدات المتضررة جزئيًا (194 ألف وحدة) بكلفة تقديرية تبلغ 2.5 مليار دولار، باعتبارها خطوة سريعة لاستعادة الحياة الطبيعية في الأحياء المتضررة.
خامسًا: تأهيل القطاعات الحيوية (الصحة، التعليم، المياه، الكهرباء)
• تخصيص تمويل عاجل لإعادة تأهيل القطاع الصحي والتعليم، بتكلفة تقديرية 7.7 مليار دولار (الصحة: 5.2 مليار – التعليم: 2.5 مليار)، وفقًا لأولوية الاحتياج وحجم الضرر الموثق.
• إعادة إعمار شبكات الطرق والمياه والكهرباء بنسبة 100%، باستخدام مقاربة الإنشاءات المستدامة والتخطيط العمراني الذكي، مع تأمين مصادر بديلة للطاقة مثل الألواح الشمسية.
سادسًا: الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والإقليمي
• اعتماد نظام التصنيف الهندسي للشركات المحلية لتوزيع المشاريع حسب حجمها (312 شركة محلية مصنفة حاليًا)، وضمان الجودة والكفاءة في التنفيذ.
• فتح المجال أمام الشركات الإقليمية العملاقة لبناء الأبراج السكنية والمشاريع الكبرى وفق نماذج PPP (الشراكة بين القطاعين العام والخاص)، لتقليص المدة الزمنية للإعمار من 28 عامًا إلى 8 سنوات فقط.
سابعًا: الحوكمة والإدارة الرشيدة
• تشكيل هيئة وطنية عليا مستقلة لإعادة الإعمار تتمتع بصلاحيات تنظيمية ومالية، وتشرف على تنسيق الجهود المحلية والدولية، وتطبق مبدأ الشفافية والمساءلة.
• تبني نظام رقابي رقمي موحد لتتبع تدفقات التمويل وتنفيذ المشاريع، وربطه بمنصات الأمم المتحدة والبنك الدولي لضمان الكفاءة والتوثيق الكامل.
ثامنًا: التمويل الدولي والتحشيد الدبلوماسي
• إطلاق مؤتمر دولي للمانحين لإعادة إعمار غزة برعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية، مع تقديم خطة تمويل مفصلة وربطها بخارطة مشاريع زمنية قابلة للقياس.
• استحداث صندوق دولي دائم لإعمار غزة يُدار بشفافية وتحت إشراف دولي-فلسطيني مشترك، لضمان استدامة الدعم على مدى زمني طويل يتجاوز الأزمات الطارئة.
تاسعًا: التعافي الاجتماعي والمجتمعي
• تبني برامج دعم نفسي واجتماعي متكاملة موجهة للأطفال والنساء والناجين من الحرب، ضمن خطة وطنية للتعافي المجتمعي وبناء التماسك الاجتماعي.
• تشجيع مشاركة المجتمع المحلي في تحديد أولويات الإعمار من خلال مجالس بلدية مجتمعية مؤقتة، تضمن عدالة التوزيع واحتياجات الفئات الأكثر تضررًا.
عاشرًا: تجاوز الإغاثة نحو التحرر والتنمية
• التحوّل من نموذج “إدارة الكارثة” إلى مشروع “التحرر التنموي”، بوضع إعادة الإعمار ضمن رؤية استراتيجية وطنية تشمل:
• فك الارتباط الاقتصادي عن الاحتلال.
• تعزيز الإنتاج المحلي والزراعة والصناعات الوطنية.
• تأسيس بنية اقتصادية تحررية مستقلة.
حادي عشر: التحشيد الدولي لتطبيق قرارات الأمم المتحدة
• ادانة ووقف مشاريع الاستيطان الزاحف والتهجير والتطهير العرقي بما يفتح الطريق أمام اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس ودعم حق العودة.
• الحفاظ على مقدرات وكالة غوث تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "UNRWA" ورفض حظر دولة الاحتلال الاسرائيلي لأعمالها واتهامها بالإرهاب لأنه أمر يتنافى مع الشرعية الدولية وامعان في التجويع والقتل والتهجير.
• التأكيد على أن الشعب الفلسطيني متمسك بمقاومته وأرضه وهويته حتى نيل حقوقه الوطنية وفقا لقرارات الشرعية الدولية وقرارات الاجماع الوطني التي اقرها المجلسين الوطني والمركزي.


المراجع والمصادر
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية، الحصاد الاقتصاد الفلسطيني للعام 2024، والتنبؤات الاقتصادية لعام 2025، 31/12/2024.
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2025. مسح الرقم القياسي لأسعار المستهلك، 2022-2024. رام الله – فلسطين
• الجهاز المركزي للحصاء الفلسطيني، 02-01-2024، الحصاد الاقتصادي لأهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للعام 2024.
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، الحصاد الاقتصادي، 31/12/2024.
• وزارة الصحة الفلسطينية، التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، 24/02/2025
• وزارة الصحة الفلسطينية، التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، 29/03/2025.
• وزارة الصحة، وزارة الصحة تُوجه نداء عاجل لتعزيز الأرصدة الدوائية في المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، تصريح صحفي، 10 أبريل 2025.

• Barakat, S. Z., & Masri, F. (2017). إنعاش عملية إعادة إعمار غزة المتعثرة: Reviving the stalled reconstruction of Gaza. Brookings Doha Center-Policy Briefing.‏
• Detailed documentation of the WGI, interactive tools for exploring the data, and full access to the underlying source data available at https://www.govindicators.org.
• Development Assistance Committee of the Organisation for Economic Co-operation and Development, Geographical Distribution of Financial Flows to Developing Countries, Development Co-operation Report, and International Development Statistics database. Data are available online at: https://data-explorer.oecd.org/.
• European --union--, (2006). "EU s Contribution to Lebanon Reconstruction." Available at europa.eu
• European --union--, World bank, United nation, Gaza Strip, Interim Damage Assessment, Summary Note - March 29, 2024
• Faw, Project Cycle: Responsibilities and Procedures, Field Programme Circular 3/96, 1996, (TCDD), https://www.fao.org/4/X6874E/x6874e01.htm
• Galtung, F., & Tisné, M. (2009). A New Approach to Postwar Reconstruction. Journal of Democracy, 20(4), 93–107. doi:10.1353/jod.0.0132
• Gazans return to ruined homes and severe water shortage, February 14, 2025, https://www.reuters.com/world/middle-east/gazans-return-ruined-homes-severe-water-shortage-2025-02-14/?utm_source=chatgpt.com
• Hermann, K. (2021). Gaza after the War: Why is a Political Solution Necessary and Why it should not be Only about Reconstructing the “Prison”. 2015.
• Hoeffler, A., Ijaz, S. S., & Von Billerbeck, S. (2011). Post-conflict recovery and peacebuilding. Washington, DC: World Bank.‏
• Knott, R.: Vehicle scheduling for emergency relief management: a knowledge-based approach. Disasters 12, 285–293 (1988).
• OCHA. (2024). Humanitarian Response Plan for the Occupied Palestinian Territory. Retrieved from https//www.ochaopt.org
• Palestinian Central Bureau of Statistics, 2024. National Accounts Statistics, 1994-2023. Ramallah- Palestine.
• Tarnoff, C. (2001, June). Kosovo: reconstruction and development assistance. Congressional Research Service, Library of Congress.‏
• The WGI are produced by Daniel Kaufmann (Natural Resource Governance Institute and Brookings Institution) and Aart Kraay (World Bank Development Research Group). Please cite Kaufmann, Daniel, Aart Kraay and Massimo Mastruzzi (2010). "The Worldwide Governance Indicators: Methodology and Analytical Issues".
• The World Bank. Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee, September 19, 2016, https://www.worldbank.org/ps
• UNDP. (2000). "Kosovo Reconstruction 1999-2000." Available at https://www.undp.org
• UNDP. (2002). "Timor-Leste Recovery Program." Available at https://www.undp.org
• United Nation. (1994). "Rwanda Genocide Recovery and Rebuilding Efforts." Available at https://www.un.org
• United Nation. (1995). "Dayton Agreement and Reconstruction Efforts." Available at https://www.un.org
• United Nation. (2002). "Sierra Leone Peacebuilding Fund Report." Available at https://www.un.org
• United Nations Development Programme (UNDP). Detailed Infrastructure Damage Assessment, GAZA- 2014.
• United Nations Satellite Centre UNOSAT, https://www.unosat.org
• UNOCHA, 5 essentials for the first 72 hours of disaster response, 10 February 2017, https://www.unocha.org/publications/report/world/5-essentials-first-72-hours-disaster-response
• Word bank Worldwide Governance Indicators, 2025.
• World Bank Policy Research Working Paper No. 5430 (http://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1682130).
• World bank, (2007). "Rebuilding Lebanon Post-Conflict Reconstruction and Recovery." Available at https://www.worldbank.org
• World Bank, European --union--, and the United Nations, The Gaza and West Bank Interim Rapid Damage and Needs Assessment, February 2025. https://thedocs.worldbank.org/en/doc/133c3304e29086819c1119fe8e85366b-0280012025/original/Gaza-RDNA-final-med.pdf
• World bank. (1996). "Post-Conflict Reconstruction in Bosnia and Herzegovina." Available at https://www.worldbank.org
• World bank. (1996). "Rwanda From Genocide to Reconstruction." Available at https://www.worldbank.org
• World bank. (2003). "Rebuilding a Nation Timor-Leste Reconstruction." Available at https://www.worldbank.org
• World bank. (2004). "Post-Conflict Recovery in Sierra Leone." Available at https://www.worldbank.org.


الملاحق
ملحق 1: الوحدات السكنية المتضررة في المخيمات والأبراج السكنية في قطاع غزة
البلدة / المخيم عدد السكان عدد الأسر نسبة الدمار اجمالي الأضرار بالوحدة السكنية
مخيم جباليا 119000 23800 100% 23800
مخيم رفح 134000 26800 100% 26800
مخيم الشاطئ 95000 19000 50% 9500
مخيم النصيرات 66000 13200 35% 4620
مخيم البريج 47500 9500 70% 6650
مخيم المغازي 34000 6800 70% 4760
مخيم دير البلح 21000 4200 10% 420
مخيم خان يونس 87000 17400 20% 3480
أبراج الشيخ زايد 25000 5000 100% 5000
أبراج العودة بيت حانون 25000 5000 100% 5000
أبراج الندى 25000 5000 100% 5000
أبراج مدينة الزهراء غزة 6000 1200 100% 1200
مدينة حمد خانيونس 5000 1000 100% 1000
مقار حكومية 214 - 100% 214
مدارس 491 - 100% 491
مساجد 825 - 100% 825
المجموع 689500 137900 98760
*البيانات المقدمة لكل محافظة تُعتبر توزيعًا تقديريًا استنادا إلى مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، unosat.org

ملحق 2: آلية إعادة إعمار غزة، مسار مراقبة الموردين بعد عام 2014




ملحق 3: صافي المساعدات الإنمائية الرسمية والمساعدات الرسمية المستلمة
(بسعر الدولار الأمريكي الثابت لعام 2021)

Source: Word bank Indicators, 2025.
ملحق 4: الاحتياجات التنموية والدعم الخارجي والطاقة المؤسساتية

I. "تأثير بوتلاتش": فترة من التوقعات المرتفعة بشكل غير واقعي؛ ومخاطر ضعف استجابة الإطار الحكومي والهياكل الرسمية بسبب عوامل ذاتية: 1-3 سنوات بعد اتفاق وقف الحرب.
II. "الصحوة المتأخرة": وهي تعبر عن فترة من الإحباط المتزايد/الطلب المرتفع على تسريع وتيرة الإعمار وتحسين الواقع المعيشي؛ وارتفاع خطر توقعات العودة إلى الحرب 3-5 سنوات بعد الاتفاق.
*تم الاستعانة بدراسة Galtung, F., & Tisné, M. (2009). في رسم الشكل البياني.



#سمير_أبو_مدللة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآثار الاقتصادية والاجتماعية لضريبة التكافل
- هنيئاً لعيد الجبهة الديمقراطية الخامس والأربعين-
- المفاوضات بين مستنقع ألغام كيري والخيارات الفلسطينية


المزيد.....




- حصريًا لـCNN: هل تستطيع إسرائيل الصمود أمام ترسانة إيران؟ وز ...
- -كتائب القسام- تعلن تنفيذ عمليتين ضد إسرائيل
- بيان المكتب السياسي حول التطورات الخطيرة بمنطقة الشرق الأوسط ...
- إيران تنشر فيديو لمراكز أمنية وعسكرية حساسة تنوي استهدافها ف ...
- الرئاسة التركية تعلق على أنباء عن وجود جزء من أسطول الطائرات ...
- القوات الإيرانية للمستوطنين: غادروا الأراضي المحتلة فورا فلن ...
- -معهد وايزمان-.. إيران تدمر -العقل النووي- لإسرائيل (صور + ف ...
- نائب المستشار الألماني: لن نرفض دعم إسرائيل حال تعرض وجودها ...
- قلق تركي من التصعيد ضد إيران
- صنعاء تؤكد دعمها الكامل لطهران


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمير أبو مدللة - سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية- د. أكرم فارس أبو جامع - أ. د سمير أبو مدللة