امان كفا
الحوار المتمدن-العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 23:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد إدراج الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية، تشير الضربات الجوية الأمريكية على اليمن إلى بدء مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية. هذا الهجوم، المُنفَّذ تحت شعار "الدفاع عن التجارة البحرية"، يُعلن في الواقع فشل سياسة "حماية السفن" أو بمعنى آخر نهاية السياسة الدفاعية واستبدالها بشكل هجومي.
دخول الولايات المتحدة هذه المرحلة الجديدة، التي كانت الإدارة الأمريكية في عهد بايدن تتجنبها، يعكس أيضًا الوضع الذي تتواجد فيه أمريكا على الساحة الدولية. خلافًا لادعاءات بعض قادة الحزب الديمقراطي الأمريكي بأن هذه الحرب بالوكالة هي تعبير عن التضامن مع إسرائيل، فإن هجوماً بهذا الحجم على اليمن لا يهدف في المقام الأول إلى مواجهة قوة مُعلَنة كإرهابية، بل بالأساس لإعلان قرار الولايات المتحدة بوقف التدهور في موقعها العالمي، وإظهار قوتها العسكرية كحامية للتجارة البحرية عالمياً. خاصةً في ظل توصل الحوثيين إلى اتفاق مع الصين وروسيا بعدم استهداف سفنهم، بينما تستمر الهجمات على سفن الدول والشركات الغربية وعدم أمان حركتها في البحر الأحمر، وهو ما ترك الغرب—وخاصة أمريكا—في موقف أضعف، رغم التعاون السابق مع إسرائيل وبريطانيا في ضرباتهم على اليمن التي باءت بالفشل.
من غير المرجح أن يؤدي توسيع هذه الهجمات إلى تغيير جذري في الوضع لصالح أمريكا والغرب. فقد أظهر القصف الجوي السعودي والإماراتي لسنوات في المنطقة أن إجبار الحوثيين على التراجع يتطلب إرسال قوات برية، وهو ما يعني دون شك فتح جبهة حرب جديدة في الشرق الأوسط—وربما حرب طويلة الأمد. ان هذه الحقيقة ومخاطرها هي السبب الذي جعل بايدن يتجنب خوضها. وفي ظل تحذيرات الحوثيين باستهداف إسرائيل والسفن المتجهة إليها، أصبح تعاون الدول العربية—مثل البحرين والسعودية—مع أمريكا في الضربات الجوية أكثر صعوبةً من السنوات الماضية، حيث رفضت هذه المرة السماح باستخدام القواعد الأمريكية على أراضيها لضرب اليمن.
بالنسبة لأنصار الله (الحوثيين)، الذين يرون أن استقرارهم الاقتصادي طويل الأمد مرتبط بالحصول على موارد الغاز والنفط في اليمن، فإن الحرب المباشرة مع أمريكا خيار وارد. خاصة في هذه الفترة التي ربطوا فيها سياساتهم بالإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ومصير الشعب الفلسطيني. إن استغلال معاناة الفلسطينيين وذرف الحوثيين لدموع التماسيح في فترة عزلة إسرائيل العالمية، يُشكل محورًا رئيسيًا في دعايتهم خلال هذا الصراع.
في ضوء محدودية ومخاطر الحرب البرية على أمريكا، فان إحدى بنود رسالة ترامب إلى خامنئي خُصصت للعلاقة بين الجمهورية الإسلامية والحوثيين (أنصار الله) لتخفيف الهجمات. بغض النظر عن مدى قدرة الجمهورية الإسلامية على التأثير على سياسات الحوثيين، فإن الواقع يُظهر أن دورها ليس كـ"عدو" بل كقوة قادرة على مساعدة أمريكا في تخفيف الأزمة ومخاطر الحرب، وبالتالي تحقيق مكاسب لها. إن "العقوبات القصوى" وتهديدات ترامب بـ"القبول أو الحرب"، أو ادعاءات قادة الجمهورية الإسلامية بـ"الاستعداد للحرب" وتبادل التهديدات، كلها جزء من استعراضات القوة والضجيج الاعتيادي، ولا تعدو كونها تمهيداً للمفاوضات وتبادل التنازلات. فقد أكدت كل من الجمهورية الإسلامية وترامب مراراً أن لا رغبة لهما في الحرب، وأن الاستعداد للمفاوضات—وإن كانت غير مباشرة—يدل على رغبتهما في التوصل لاتفاق.
بعيداً عن اليمن، حيث يسعى الحوثيون للحصول على مكاسب أكبر عبر الحرب، وبعيداً عن سياسة أمريكا الهجومية في اليمن للحفاظ على هيبتها العسكرية العالمية، فإن شعوب المنطقة تُدرك مرة أخرى زيف ادعاءات ترامب بشأن "إنهاء الحروب" أو "الدفاع عن السلام العالمي".
بل إن ما يزيد الوضع تعقيداً هو تحول هذه الحرب—رغم محاولة حصرها في اليمن—إلى حرب طويلة ومباشرة في المنطقة، خلافاً لرغبة أمريكا. إن تبني السياسة الهجومية والتوسع العسكري الأمريكي في المنطقة، وتعزيز النزعة العسكرية، سيجر معه مخاطر عديدة في الشرق الأوسط. يفرض دخول أمريكا هذه المرحلة الهجومية، التي لا يُعرف مداها أو "خطة النصر" فيها—إن وُجدت— أجواءً حربية على شعوب المنطقة أكثر من أي وقت مضى. فاليوم، تستغل الأنظمة الرجعية من إيران إلى السعودية والإمارات وتركيا وإسرائيل، ذريعة هذه الأجواء الحربية لقمع أي احتجاج، مما يستدعي بناء سدود جماهيرية صلدة ضد العسكرة وفرض الحروب—مباشرةً أو بالوكالة.
في إيران تحديداً، تقوم القوى البرجوازية المتطرفة—سواء في الحكم أو المعارضة—بدق طبول الحرب، سواء بالتباهي بـ"القدرة العسكرية الإيرانية" أو بالدعاية حول "خوف القيادة من القوة الأمريكية". إن فرض الأجواء الحربية وإبقاء المجتمع في حالة تأهب، لصرف الناس عن أي تدخل في مسألة السلطة، هو جزء من أجندة البرجوازية الإيرانية.
وراء دعايات الجمهورية الإسلامية الحربية، توجد حقيقة اعترف بها قادتها صغاراً وكباراً: أن المشكلة الأساسية للنظام تكمن داخل إيران نفسها. لذلك، فإن التركيز على مواجهة فرض هذه الأجواء الحربية، وكشف وعزل القوى المُحارِبة، يقع على عاتق الشيوعيين كخط دفاع رئيسي من أجل الحرية والرفاه والمساواة.
*عضو اللجنة القيادية للحزب الشيوعي العمالي الايراني الحكمتي -الخط الرسمي
#امان_كفا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟