أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل حمداوي - شعرية الفضاء والأبواب في ديوان رتاج المدائن لمحمد البلبال بوغنيم















المزيد.....


شعرية الفضاء والأبواب في ديوان رتاج المدائن لمحمد البلبال بوغنيم


جميل حمداوي

الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 11:10
المحور: الادب والفن
    



يعد محمد بلبال بوغنيم من الشعراء المغاربة المعاصرين الذين اهتموا كثيرا بشعرية الفضاء والأبواب إلى جانب تيمة الماء بطريقة قائمة على التشخيص والأنسنة وتوظيف الصورة الرؤيا كما يتجلى ذلك واضحا في ديوانه الشعري الأول" رتاج المدائن" ، ويعني هذا أن مبدعنا هو الأول في أدبنا المعاصر الذين صوروا الأبواب واقفالها على ضوء رؤية شاعرية فلسفية ومرجعية يتقاطع فيها ماهو ذاتي وما هو موضوعي. ويكفيه فخرا أن يكون من السباقين إلى ذلك أيضا في الشعر المغربي . ويعني هذا ان الشاعر قد رصد تجارب الابواب بافضيتها استقراء واستكشافا بريشة تشكيلية فنية تجمع بين الأصباغ اللونية الطبيعيىو والرموز الفنية الأدبية. وقد كان الشاعر في ذلك مصورا بارعا للمدن وأبوابها في مداخلها ومخارجها . وبذلك يكون من بين الشعراء الأوائل الذين خلقوا شاعرية الأبواب وساهموا في شعرنة الفضاء المديني من خلال رؤية إيحائية تضمينية.إذا،ً ماهي دلالات الديوان؟ وماهي مرتكزاته الفنية والمرجعية والمناصية؟

1- المستوى المناصي:

رتاج المدائن هو أول ديوان شعري للمبدع المغربي محمد البلبال بوغنيم . وقد صدر سنة 2001م عن مطبعة ويدان بتطوان في 120 صفحة من الحجم المتوسط. ويتبين لنا من خلال العنوان الخارجي أن الشاعر يشعرن الفضاء وابوابها من خلال رؤى دلالية ومرجعية مختلفة بطريقة فنية وجمالية تشبه ماكتبه غاتستون باشلار في كتابه شعرية الفضاء.
هذا، وقد ارفق الشاعر نصوصه الشعرية بمقتبسات نصية لشعراء مغاربة تضيىء القصائد وتسعف القارىء على فهمها وتفسيرها وتاويلها . كما أرفقت بسياقاتها النصية التي تساهم في تفكيك القصيدة وتشريحها معنى ودلالة. وتم تصنيف الفهرس العنواني اعتمادا على الابواب بمداخاها ومخارجها . وبذلك يكون هذا التصنيف تصنيفا فضائيا وتشكيلليا في ابعاده السيميائية والشعرية. ويرد الإهداء في حلة رمزية تجريدية اساسها التجاذب الرومانسي العاطفي.



2- المستوى الدلالي:

للديوان الشعري الذي ابدعه محمد البلبال بوغنيم له مدخل يتمثل في الشهوة ومخرج يكمن في باب السؤال في المعنى.
يعلن الشاعر منذ بداية قصيدته أنه يدخل باب الحب والشهوة ، ويبدو الشاعر رومانسيا صوفيا من رأسه حتى أخمص قدميه يفلسف حبه المثالي وعشقه الروحي ويدعو حسناءه الجميلة إلى الانصهار في بوتقة الحب والجمال. ويذكرنا الشاعر بشعراء الرومانسيين المهجريين وخاصة جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة. وتطغى النزعة الوجدانية على مدخل الحب والشهوة وتتقاطع مع التجربة الروحية العرفانية لتشكل رؤية الشاعر الانجذابية نحو الآخر/ الأنثى:

تعالي نبني عشا في الفضا
ننشر عطرا من ياسمين
في سمانا نرسم الغرام
لوحة تحكي حبنا المتين
كفانا شربا من تباريح
الجوى هلمي فالقلب سجين
سنكتب النيازك أحرفا
حتى لو كان كلامنا أنين
حبنا غيث سامق يروي
جنان أهل المتون السامعين

ويتحول الحب في قصيدة سيدة المنافي إلى تجربة وجدانية ذاتية وروحية حيث ينتقل الحب من رمز وجداني مثالي إلى رمز عرفاني ثم على رمز مكاني حميمي :

سيدتي
كوني مراياي
ودعيني أصغي
لماء جدولك الحجري
دعيني،
أصغي إلى أجمل ىية فيك،
ماعشقت غيرك،
ولا أخفيت عليك،
سرا من الإسرار،
يا سيدتي يا سيدة المنافي.

ويصبح الماء عند الشاعر ميسما طاغيا على غرار مائيات الشاعرين المغربيين محمد الأشعري وجمال أزراغيد، ويرمز الماء في الديوان إلى الخصوبة والنماء والصفاء والانشراح النفسي وهو كذلك رمز للحياة والتحدي والصمود والمقاومة وتحرير الإنسان من شرنقة العبودية وتطهيره من الغل والحقد ،ويتجسد هذا الماء في النضال البشري والمقاومة العربية للطغاة الصهاينة . و يتحول محمد الدرة وعرفات والمسيح على رموز مائية تحيل على اسطورة الموت والانبعاث التي تحدثت عنها ريتا عوض عند الشعراء التموزيين أمثال: أدونيس وخليل الحاوي وبدر شاكر السياب:

إن الماء مشاكس فارحموه،
يا شهر الماء قلت لي يوما
الماء جيشنا والنار أبراج تعلو الفضاء،
قلت لك الماء ماؤنا ولو استطعت أعدت ترميمك وترتيبك،
فكيف تخزن ماءك في الماء؟
ساعيد ترميمك ايها الماء
كيف لا يحررك كل هذا الهواء؟
كيف لا ومحمد وصمة عار في جبين كل الأوفياء
في وطن بين الماء والماء،

وفي قصيدة باب الرقراق يصور الشاعر معاناته المأساوية وإحساسه بالاغتراب الذاتي والمكاني وتجسيد فواجع الإنسان من فقر وضياع وتآكل الوطن بين أنياب الرياح والعويل،أي أن باب أبي رقراق هو باب الغربة والحزن والضياع:

لن يرو خرير مائك ظمأ أحزان ضحكاتي،
غربة ابتساماتي
وأحلام فقرائي،
اخترقت مداك في المدى
وهاته غربتي
مهرا
إذا عسعس الليل الشبقي
ضاعت آفاقي
نهر الرقراق ياشفرة شعري
يامرىة قمري، ونجماتي،
على ماءك السلام

وفي باب سلا يحضر الخطاب الصوفي من خلال التقاء الذات العاشقة بالذات المعشوقة ليتحقق بعد ذلك الوصال من خلال انجذاب الشاعر إلى الجمال القدسي والسر الأبدي:

حين ناولتني
تحت المحراب
قيثارة،
معطف مطر،
رسمت على خدي
لون خاتم أحمر،
كانت فوهة جمال
تزحف نحوي،
تباغتني
تلملمني قدر،
تلحن ركض خيل
سمفوننيات عشق
تنساب هيفاء حوراء،
جذور حفيف الشجر
حرارة بقداسة السر،
تمتشق بريق حرقتي،
ترشفني كؤوس شاي،
وتجافيني عيونا سفر.
وتتجسد تجليات الرؤية الصوفية من خلال استحضار الجمال الرباني والتجلي الإلهي في قصيدته الرائعة( وصايا مجدلية):

لأشجارك دموعها،
وللجبال شموخها،
الله طرز الدنيا،
شق السماء،
لاح ضياء الفجر والشمس غسقا شفقا
وبنى هيكلا
تأملته المجدلية فلاح بصرها راس الجسد:
صاحت: تعلم الخروج من الأشياء التي لاتأتيك من داب
واستلهم الانسياب
قبل موسم العبور من لغتك الجميلة
من غبش الفجر الطاهر وأحلام
العذارى، أوصد باب الامتشاق من
عدم
وافتح صدرك للثريان
لطيور الشعر حلقت فوق عرائش السرو
تنادي ألق الأمواج،
وتختفي بك موالا خالدا للصبايا/ الوطن

ومن باب التصوف إلى باب تتوان حيث البحر والأحلام والاشتياق والإخفاق والصمت والموت والخوف يتلذذ الشاعر بالذكريات والسهرات الماجنة وتتداخل في ذاكرته تقاطيع الذات وآلام تتوان الحمامة واغتراب الوطن:

باغتتني دهشة تتوان الحمامة
تلعق من نبيذ الآخر، تتالم،
آه يا وطني:
أحبك في البداية والنهاية،
كيف لا تدخل نيمبا
وكيف لا تتعلم ظبى سيرينيا
خبرني كيف لا والوطن
لا يرى ضوء الشمس
سوى في الذكرى المذبوحة
على صلبان الأحلام؟

وفي باب الرباط تحضر المدينة باعتبارها فضاء الخطيئة والأحلام الشبقية والحاضر اللاهب المشتعل الذي يتحول إلى سراب وتراب يحف الشاعر ويحضنه. كما ينجذب الشاعر إلى فتنة المدينة وغواية أطلالها الجميلة ولكنه يلعن فيها زمن الرداءة ووقت الهشاشة:

الابواب تنسج حلما شبق،
مشرعة تلتصق،
بشاشات شموس تحترق،
لانجم لاحت لفها الأفق،
في رباطك...في جاشك،
احتفالات كالخطيئة
ترسم لغة حاضر لاهب،
تبني ابواب مستقبل
ياسر خيالات في مدى
يناى عن الذكرى،
يحمل تلاويني....
ليكتب جمالا طلللها لكل
اسم متموج يقارب
النور الذي يزرعني موالا في
مداك يسقطني لغة، بلا كلمات
ينثرني سرابا/ترابا
وفي باب فلسطين تتمظهر شاعرية المقاومة والنضال بالكتابة الحمراء التي تفضح زيف السلام وينسج محمد الدرة الأمل الفلسطيني والكفاح المستميت ويفتح باب الاستشهاد الأحمر ليرسم صموده المقاوم في وجه الجبروت والاستعباد والسحاب الاسودز ويسخر الشاعر كثيرا بسلام الغمام وترهات المفاوضات التي تعد بالسراب وخيبة الأمل:

دم يسيل على دم
دمك مباح أحمد
لري اشجار
تولد من جديد،
شعرنا يكتب بالدم،
دمنا يرسم الخرائط،
في شوارع المدينة،
جسدك صار خندقا
صدرك متراسا
ودمك رشاشا،
دم سال للعالم،
قال: لن اضيع،
ساصب في وديان بلادي
حتى تهدأ الحقيقة.
دم ثار/طار
رش أعداء السلام
خنق رجال الكلام
يادمي؟
ماذا نخسر غير الدم؟

وفي باب البصرة ينعى الشاعر العراق ويرثي بغداد التي أصابها الضياع والدمار والخراب ن ونخرها الداء والجوع والانهيار ليثور على العرب الذين لاقلب لهم ولا شعور ولا ضمير يؤججهم أو يحركهم حيال فاجعة العراق وصد الطغيان التتري الغربي الغاشم:

أشتد غيظا
حين أرى اطفال العراق
بلا خبز ولادواء
ياعربن
للعين فيكم خجل،
وللقلب فيكم وجع،
وفي بغداد،
اصاب اللذان شملاك ما اصابا،
فليتك تسمون
وانت الان خرابا.

ويرسم الشاعر في باب تيفلت صورة الحزن والحلكة الظالمة . وتلبس المدينة حلة الفقر و النسيان والتهميش والضياع والازدراء والعري :

آه لو يسمعني سمعي
لو يندثر الخسوف
يأتي من عقاربه
أملي،
يسحب الحلكة الضاربة
في موجي
من يدري؟
يغمرني الغبحار
ولا أنتهخي إلا في بطن
تلك العشماء،
اسبح فيها
عراء متمردا،
لا تكلوني لهم
لا
احسبوني
نسيا منسيا،
غني أترقب
الشغب في خطاياكم
انا مشهد يرشف سوره
من دمكم المسفوح
على جدائل كرومكم
سحاب أحزانكم.
امن دبيب الذبح
اتألق تاجا

ويعزف الشاعر أنشودة الأسر و النفي والحضور والغياب في باب شفشاون حيث تتحول المدينة بالنسبة للشاعر إلى مدينة اليباب والجفاف والصمت اللاهب والقمم الشامخة الحبلى بالأسرار الدفينة والالام الحزينة:


دخلت أبوابك،
تلاحظني ذرى القمم
السائرة نحو الغمامن
تسير نحو ابوابها
لتفضح معاني الاشياء،
تصفعني ذكرياتي، أتالم.

وتبدو مدينة الدار البيضاء في باب البيضاء فضاء للتناقضات ومهوى الخطيئة ومطرح الرذيلة تحترق لتولد من جديد كمدينة خليل حاوي ومدينة أدونيس التي تحترق لتولد من جديد:

علمتني كيف أحفر
لغة الكلمات المتناسلة
عبر الغوص في حللك،
انا شفرتك التي لا تنتنهي
انا موالك الآثم
فاغفري خطيئتي،
اشنقي فناجين الساجدين.....الجالسين
على عري ازمنة حانات المدينة
مساجدها وكنائسها،
من يدري؟
قد تبعثين
او تولدين من جديد

وينتهي الديوان بطرح قضية السؤال والسعي الجاد نحو اقتناص المعنى ورصده عبر الإدراك الأنطولوجي والاختلاف والبحث أيضا عن اللامعنى. كما يثور الشاعر على الإنسان الذي يصبح لقمة سائغة على طبق المفاوضات والتسويفات المتقادمة.

3- المستوى الفني:

يستند الشاعر في ديوانه الشعري رتاج المدائن إلى الشعر المنثور أو شعر الانكسار كما اسميه لأنه كسر كل القوالب الفنية والمعايير الجملية وتمرد عن كل مقومات الشعر العمودي والشعر التفعيلي. إلا أن هذا الشعر مازال يستعير ادوات الشعر التفعيلي من توظيف الاسطر والجمل الشعرية والتدوير والتحرر من صرامة الوزن والتحرر من القافية والوزن. وقد احسن الشاعر توظيف القصيدة النثرية لأنه تخلص من التقريرية المباشرة والنثرية الجافة عبر استخدام قناة شعرية موحية قائمة على التشخيص والأنسنة والتجسيد من بداية الديوان حتى منتهاه. ولم يسقط الشاعر في النثرية الفجة إلا في حالات قليلة جدا كما في المثال التالي:
كيف
نصاغ أطباقا
كالأكلات
على مائدات المفاوضات؟
نؤكل طعاما شهيا
بالسكاكين والفرشاة؟
نقذف أوراقا، قوانين
كالعظات؟
هل تقبلون ايها المتفاوضون؟

ويعني هذا أن الشاعر يتمكن من لغة المجاز وصورة الانزياح لذلك حول قصائده الشعرية إلى صور تشخيصية ورموز إحالية ودوال مجازية من الصعب تفكييكها وتأويلها بسبب جنوح الشاعر على عالم الإراب والغموض الفني والإبهام الجمالي. كما ساهمت الرمزية لدى الشاعر في تحقيق الوظيفة الشعرية من خلال انتهاك المحور الاستبدالي وتخريب المحور التركيبي لغثراء الوظيفة الجمالية وتوفير الوظيفة الشاعرية .
ومن يتأمل قصائد الديوان فسيجدد أنها ركبت في شكل أبواب ومدخلات ومخرجات وهذه طريقة إبداعية رائعة تذكرنا بالفن التشكيلي التزييني الذي يهتم بزخرفة الأبواب ورصد جماليتها في مداخل المدن. بيد أن هذه الأبواب لا يقف الشاعر عند مظهرها الخارجي الزخرفي بل يستقرىء شاعريتها المجازية في علاقتها بالإنسان والذات. أي إن الشاعر يشعرن الأبواب والمدن في أبعادها الفنية والمرجعية : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتتسم قصائد الديوان بالاتساق والانسجام والوحدة العضوية والموضوعية. وقد أضفى العنوان الخارجي والعناوين الخارجية على الديوان وحدة دلالية تتمثل في وحدة الفضاء المديني وابوابه التي تتخذ ابعادا رمزية وسيميائية ودلالية. ويفهم من قولنا هذا أن الشاعر يقارب المدن والافضية المكانية من خلال ابوابها في مظهرها الخارجي الديكوري التزييني ومظهرها الجواني الروحي. وقد وجدنا ان الدخول إلى المرأة وعوالمها الرومانسية قد تم من باب الحب والشهوة. وقد لاحظنا ايضا تعدد الابواب فهناك: باب التصوفن وباب الحبن وباب الاغترابن وباب الحزنن وباب المقاومة، وباب اليباب، وباب السراب. وكل مدينة ترتبد بباب معين دلاليا ويفسرها بتشكيلاته المجازية بمعطيات ذاتية وموضوعية. كان الشاعر يماثل بين الباب الشعري وواقعه المرجعي من خلال عمليتي الفهم والتفسير الگولدماني.
وتعويضا لللانكسار الإيقاعي الخارجي يلتجىء الشاعر على الإيقاع الداخلي ليثريه بالتوازي والتكرار والترادف والمماثلة الصوتية والموازنة اللفظية والتركيبية. ونجد الشاعر في بعض الأحيان يحرص على القافية الخارجية والروي الموحد والقافية المقيدة بالسكون وخاصة ذات الحركات المترادفة :

كل العيون لا تكفي
لجمع غناء العناكب مع الهواء
في وطن ما بين الماء والماء،
لذة تقرؤني،
ترمينين
للاشياء،
للاشلاء،
صحت في الماء،
في الهواء،
في النارن
في الريح:
في رتاج المسجد المسجد غيوان
يحكي صولة الملوك
أوردة بائع الصكوك
واحلام الفقراء في اروقة شوارعك حزينة،
ياقدري،
يا ليلة الصقيع المحال،
ياهموم عشاق الاطلال،
ياعتمة في سدرة الأعالي
تعالي،
تعالي نشرب الحكي سويا،
نلعن شيطان الظلام،
نسكن حلم المتوكل نعبر النهر
بقارب من ورق البردي
او قصائد الشعر، نحو ضفة اليمام/ ساحة الحمام والأحلام

من خلال هذا المقطع الشعري، يتبين لنا أن الشاعر يحرص جيدا على موسقة قصائده وإثرائها نغميا من خلال استعمال حروف المد والأصوات المتشابهة من حيث المخارج الصوتية الميم واللام...والجناس الصوتي( الحمام واليمام )،والركون إلى الاختلاف الإيقاعي لخلق انسجام صوتي وموسقي يتجاوب مع جو القصائد وسياقاتها الذاتية والموضوعية.
ويهيمن معجم الطبيعة على الديوان الذي يتقاطع مع معجم المكان والذات لبلورة انصهار فني رمزي يحيل على التجاذب والصراع الجدلي. وتحضر لغة الطبيعة باعتبارها دالا سيميولوجيا يؤشر على ولهان الشاعر بالبواب وافضية المدن وأقفالها ومداخلها ومخارجها التي بواسطتها يقرا الشاعر دلالات المدينة روحا ومظهرا. وتتسم لغة الشاعر بالانزياح والشاعرية والرمزية والاسطرة والإغراب المجازي والابتعاد عن النثرية والتقريرية المباشرة والانسياق وراء التداعي التشخيصي واقنعة التضمين والإحالة والتناص. كما ينبني التعبير الشعري على التبئير الدلالي للابواب وتفريع الوحدة الشعرية الدلالية المركزية على وحدات تبويبية فرعية وعناوين مقطيعية تساهم في تشبيك المقصديات وتحبيك العقد الشعرية الغنائية.
ويستعين الشاعر بأساليب الإنشاء والوظيفة الإيحائية كالنفي(( لا يحسد الحجر شجر اللوز)، والنداء الذي يفيد التحسر والتوجع والاستحالة من تحقيق المبتغى الوجودي للذات الشاعرة: اليائسة:

( ياليلة الصقيع المحال
ياهموم عشاق الأطلال
ياعتمة في سدرة الأعالي)
كما وظف الشاعر الأمر: تعالي للدلالة على التمني والحلم اللاممكن، والاسترسال الاسلوبي والجملي:

تعالي،
تعالي نشرب الحكي سويا،
نلعن شيطان الظلام،
نسكن حلم المتوكل
نعبر النهر
بقارب من ورق البردي
أو قصائد الشعر
ويحضر الاستفهام كثيرا في ديوان الشعر وينسج اسئلة مصيرية ووجودية:
قلت لك الماء ماؤنا ولو استطعت أعدت ترميمك وترتيبك،
فكيف تخزن ماءك في الماء؟
ساعيد ترميمك ايها الماء
كيف لا يحررك كل هذا الهواء؟
كيف لا ومحمد وصمة عار في جبين كل الوفياء
في وطن بين الماء والماء،

كما يكثر الشاعر من الجمل الفعلية الدالة على الحركية والتوتر الدينامي والحدثية الدرامية والفعل التساؤلي ولكن لم ينس توظيف الجمل الاسمية الدالة على الإثبات والتأكيد والتقرير.
وبلاغيا، يرتكز الشاعر على صور المشابهة ( التشبيه والاستعارة) وصور المجاورة( الكناية والمجاز المرسل)، والصورة الرؤيا(الرمز والأسطورة)، والصورة التناصية القائمة على المستنسخات الإحالية. وتمتاز هذه الصور بعدة خاصيات كالمجازية والانزياح والشاعرية والتجريد والخرق الانتهاك والغموض والتشخيص والأنسنة الإحيائية والتضمين الإحائي والترميز والاسطرة. كما يساهم الالتفات التداولي في تنويع الضمائر حسب السياقات الظرفية والنصية والمقصديات المبتغاة.
وتحضر الخطابات التناصية كالخطاب الصوفي والخطاب الرومانسي والخطاب التشكيلي والخطاب السياسي والخطاب الأدبي من خلال استدعاء مجموعة من الشعراء كعبد الله راجع ومحمد علي الرباوي وعلال الحجام وعبد القادر وساط وحسن نجمي ومحمد الاشعري...
وسنذكر مثالا واحدا من امثلة عديدة لا تعد ولا تحصى من صور الرؤيا والتشخيص الرمزي والمجازي التي تضفي على الديوان جمالية رائعة قوامها الغرابة والانزياح:

ايها العدم،
في يومك الحامي،
خلف باب القناديل المضيئة
اشعلت دهشتي كاوجاع الظنون،
كسرت فانوسبي كبروق الذكرى،
ترى ماذا عزفت لي كمانك الظماى...ماذا؟
غير بقايا حريق غير بروق وامضة....ماذا؟
غير بقايا حريق غير بروق وامضة...ماذا؟
ها رجعت اسراب السحاب تلملم دهشتي
وتنحت شكل فراشات
فتكبو فرسي وتمشي ...تمشي...
تمشي في السراب موالا لا يحميني
ولا يحتمل روحي نخلة او راية بشارة
تمور ولا تدور

خلاصة تركيبية:

نستشف من خلال قراءتنا المتواضعة ان محمد البلبال بوغنيم هو اول من عبر عن ابواب المدن في الشعر العربي بطريقة شاعرية يتقاطع فيها ماهو ذاتي وموضوعي كما يتداخل فيها ماهو تشكيلي وماهو دلالي سيميائي. كما ان الشاعر تناول فضاء المدينة من خلال ابعادها الموضوعاتية ومرجعياتها الخارجية منتقلا من الهموم الذاتية والوطنية ليسبح في عوالم قومية وغنسانية مشيدا بالحب والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والسلام الحقيقي متأرجحا بين انشودتي الاغتراب والنفي وانشودة الأحلام والأمل المعسول.
وقد نجح الشاعر ايما نجاح عندما أخرج تجربته النثرية المعطى المادي والمعطى الروحي الجواني.

ملاحظة:
جميل حمداوي، صندوق البريد 5021 أولاد ميمون، الناظور،المغرب.
الموقع الشخصي:
www.jamilhamdaoui.com
البريد الالكتروني:
[email protected]



#جميل_حمداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفر في ديوان اسماء بحجم الرؤى للشاعر جمال أزراغيد
- شاعرية التجريد في ديوان فاكهة الغرباء ليحيى عمارة
- ديوان- نهر الأطلسية- للشاعر المغربي محمد لقاح
- من أجل إنشاء رابط او اتحاد للمواقع العربية
- القصة القصيرة جدا جنس أدبي جديد
- جوزيف كورتيس ومدرسة باريس السيميائية,
- المنهج النقدي في كتاب الأدب والغرابة لعبد الفتاح كليطو
- فخرالدين العمراني مخرجا مسرحيا
- أطياف الظهيرة لبهوش ياسين أكبر رواية مغربية من حيث الحجم
- رواية مجرد لعبة حظ لغبراهيم درغوثي بين التجريب والتأصيل
- كيف تكون كاتبا روائيا وقصاصا متميزا؟
- الرواية العربية الفانطاستيكية
- السخرية في رواية اللجنة لصنع الله إبراهيم
- العالم العربي بين الثقافتين: الورقية والرقمية:
- بيداغوجيا المجزوءات في نظامنا التربوي المغربي
- جنوب الروح لمحمد الأشعري رواية الحنين إلى الماضي والعودة إلى ...
- الخطاب الأسطوري في رواية طوق السراب ليحيى بزغود
- الشطار لمحد شكري: بين السيرة الذاتية والأدب البيكارسكي
- حقوق الطفل بين المواثيق الغربية والإسلام
- الشراكة البيداغوجية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل حمداوي - شعرية الفضاء والأبواب في ديوان رتاج المدائن لمحمد البلبال بوغنيم